العدد : ١٧٠٠٤ - السبت ١٢ أكتوبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٠٩ ربيع الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٠٤ - السبت ١٢ أكتوبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٠٩ ربيع الآخر ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

وقفة مع إبداعات الشاعر عبد الرحمن الأبنودي

بقلم: محيي الدين بهلول

السبت ١٣ مايو ٢٠٢٣ - 02:00

يقول‭ ‬الشاعر‭ ‬جمال‭ ‬بخيت‭: ‬أبنود‭ ‬مجاهدة‭ ‬والعيشة‭ ‬مرة،‭ ‬لكن‭ ‬بتبعث‭ ‬أغنية‭ ‬حرة،‭ ‬أغنية‭ ‬بتوجع‭ ‬وأغنية‭ ‬سارة،‭ ‬ويتابع‭ ‬ويقول‭: ‬‮«‬بدايته‭ ‬رؤية‭ ‬ونهايته‭ ‬رؤية،‭ ‬يا‭ ‬دنيا‭ ‬صحرا‭ ‬رمضاني‭ ‬ساقية،‭ ‬تروينا‭ ‬جميعا‭ ‬بشر‭ ‬وطير‭ ‬وكل‭ ‬ثانية‭ ‬واحنا‭ ‬بخير‮»‬‭.‬

مات‭ ‬الشاعر‭ ‬المبدع‭ ‬ولكن‭ ‬لن‭ ‬تموت‭ ‬كلماته،‭ ‬وإذا‭ ‬كان‭ ‬الشاعر‭ ‬عبدالرحمن‭ ‬الأبنودي،‭ ‬أوصانا‭ ‬بأن‭ ‬نتذكر‭ ‬أو‭ ‬كما‭ ‬قال‭: ‬بالحرف‭ ‬الواحد‭ ‬قبل‭ ‬وفاته‭ ‬بأيام‭ (‬ما‭ ‬تنسوش‭) ‬فإن‭ ‬كلماته‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬ستجرنا‭ ‬دائما‭ ‬على‭ ‬ألا‭ ‬ننساه‭ ‬هذا‭ ‬ما‭ ‬قالته‭ (‬مي‭ ‬منصور‭).‬

يعترف‭ ‬عبدالرحمن‭ ‬الأبنودي‭ ‬فيقول‭: ‬‮«‬رغم‭ ‬سجني‭ ‬في‭ ‬عهده،‭ ‬فإن‭ ‬جمال‭ ‬عبدالناصر‭ ‬هو‭ ‬الإشراقة‭ ‬الثورية‭ ‬الحقيقية‭ ‬في‭ ‬حياتنا،‭ ‬إزاي‭ ‬ينسِّينا‭ ‬الحاضر،‭ ‬طعم‭ ‬الأصالة‭ ‬في‭ ‬صوته،‭ ‬يعيش‭ ‬جمال‭ ‬عبدالناصر،‭ ‬يعيش‭ ‬جمال‭ ‬عبدالناصر‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬موته،‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬مات‭ ‬وعاش‭ ‬عبدالناصر‮»‬‭.‬

كان‭ ‬الأبنودي‭ ‬يحمل‭ ‬مديحا‭ ‬ورسائل‭ ‬باسم‭ ‬مصر‭ ‬لناصر‭ ‬وفي‭ ‬رحيل‭ ‬عبدالناصر‭ ‬قال‭ ‬الشاعر‭ ‬عبدالرحمن‭ ‬الأبنودي،‭ ‬ألف‭ ‬رحمة‭ ‬على‭ ‬اللي‭ ‬لسه‭ ‬‮«‬قلنا‭ ‬وقال،‭ ‬اللي‭ ‬مضى‭ ‬وذمته‭ ‬مثل‭ ‬جميل‭... ‬يتقال‭ - ‬ما‭ ‬هي‭ ‬نادرة‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬حاكم‭ ‬يطلع‭ ‬ابن‭ ‬حلال‭ - ‬حاكم‭ ‬يدادي‭ ‬الجميع‭ ‬ويبوس‭ ‬رقيق‭ ‬الحال‭ - ‬وده‭ ‬عشقته‭ ‬فلاحين،‭ ‬طلبة‭ ‬جنود‭ ‬عمال‭ - ‬وخاض‭ ‬معارك‭ ‬جسام‭ ‬مين‭ ‬طلَّع‭ ‬الاحتلال؟‭ ‬مين‭ ‬اللي‭ ‬صحَّى‭ ‬الشعوب‭ ‬تكسر‭ ‬الأغلال؟‭ ‬ويبخوا‭ ‬أكاذيب‭ ‬في‭ ‬سيرته‭ ‬يسمموا‭ ‬الأجيال‭ ‬‭ ‬من‭  ‬بعد‭ ‬ما‭ ‬شوفنا‭ ‬غيره‭ ‬فهمنا‭ ‬عهد‭ ‬جمال‭.‬

عبدالرحمن‭ ‬الأبنودي‭ ‬كان‭ ‬قليل‭ ‬الكلام‭ ‬عن‭ ‬تلك‭ ‬الليالي‭ ‬التي‭ ‬عاشها‭ ‬خلف‭ ‬القضبان‭. ‬ولكن‭ ‬الغريب‭ ‬أنه‭ ‬تم‭ ‬اعتقاله‭ ‬في‭ ‬أيام‭ ‬حكم‭ ‬جمال‭ ‬عبدالناصر‭ ‬وأنه‭ ‬بعد‭ ‬وفاه‭ (‬ناصر‭) ‬أصبح‭ ‬من‭ ‬أشد‭ ‬مؤيديه‭.‬

كما‭ ‬قال‭ ‬الأبنودي‭: ‬‮«‬وجدت‭ ‬نفسي‭ ‬سجينا‭ ‬في‭ ‬زنزانة‭ ‬عبدالناصر‭ ‬بسبب‭ ‬جهري‭ ‬برأيي‭ ‬في‭ ‬الدولة،‭ ‬ورغم‭ ‬سجني‭ ‬فإن‭ ‬عبدالناصر‭ ‬هو‭ ‬الإشراقة‭ ‬الحقيقية‭ ‬في‭ ‬حياتنا‭ ‬والجوهرة‭ ‬اللامعة‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬مصر‭ ‬المعاصر‮»‬‭.‬

الأبنودي‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬من‭ ‬شعراء‭ ‬السلطة،‭ ‬حتى‭ ‬إن‭ ‬تأييده‭ ‬الحقيقي‭ ‬لعبدالناصر‭ ‬حدث‭ ‬بعد‭ ‬وفاته،‭ ‬وقد‭ ‬كتب‭ ‬عن‭ ‬عبدالناصر‭ ‬شعرا‭ ‬قال‭ ‬فيه‭: ‬‮«‬مش‭ ‬ناصري‭ ‬ولا‭ ‬كنت‭ ‬في‭ ‬يوم‭ ‬بالذات‭ ‬في‭ ‬زمنه‭ ‬وف‭ ‬حينه،‭ ‬لكن‭ ‬العفن‭ ‬وفساد‭ ‬القوم‭ ‬نسَّاني‭ ‬حتى‭ ‬زنازينه،‭ ‬إزاي‭ ‬ينسينا‭ ‬الحاضر،‭ ‬طعم‭ ‬الأصالة‭ ‬اللي‭ ‬في‭ ‬صوته،‭ ‬يعيش‭ ‬جمال‭ ‬عبدالناصر‭ ‬يعيش‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬موته‮»‬‭.‬

ومن‭ ‬خلال‭ ‬ديوانه‭ (‬الأرض‭ ‬والعيال‭) ‬الصادر‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1986،‭ ‬إلى‭ ‬ابنتي‭ (‬أسماء‭ ‬يحيى‭ ‬الطاهر‭ ‬عبدالله‭) ‬التي‭ ‬تبناها‭ ‬بعد‭ ‬وفاة‭ ‬والدها‭ (‬يحيى‭ ‬الطاهر‭) ‬في‭ ‬حادث‭ ‬سيارة‭ ‬وذلك‭ ‬في‭ ‬19‭ ‬أبريل‭ ‬1981،‭ ‬قائلا‭ ‬فيها‭ ‬شعرا‭ ‬شعاع‭ ‬النور،‭ ‬الذي‭ ‬تسلل‭ ‬همسا‭ ‬إلى‭ ‬قلبي‭ ‬حيا‭ ‬أو‭ ‬ميتا‭.‬

أنا‭ ‬عبدالرحمن‭ ‬الأبنودي،‭ ‬عشت‭ ‬حياتي‭ ‬طفلا،‭ ‬أحببت‭ ‬هذا‭ ‬الوطن‭ ‬والناس،‭ ‬ولا‭ ‬عايز‭ ‬أتلف‭ ‬في‭ ‬علم‭ ‬ولا‭ ‬ملايه،‭ ‬عايز‭ ‬أرحل‭ ‬من‭ ‬بره‭ ‬بره،‭ ‬قالها‭ ‬الراحل‭ ‬قبل‭ ‬رحيله‭ ‬بأسابيع‭ ‬وقبل‭ ‬وفاته‭ ‬بأربعة‭ ‬أيام‭ ‬نشر‭ ‬الشاعر‭ ‬تغريدة‭ ‬قال‭ ‬فيها‭: (‬مقبولة‭ ‬منك‭ ‬جرح‭ ‬قلبي‭ ‬ودموع‭ ‬عيني،‭ ‬الجرح‭ ‬يشفي‭ ‬إذا‭ ‬بأيدك‭ ‬لمستني،‭ ‬كلك‭ ‬حلاوة‭ ‬وكلمة‭ ‬مصر‭ ‬أحلاكِ‭.‬

لقد‭ ‬قدم‭ ‬الأبنودي‭ ‬نموذجا‭ ‬رائعا‭ ‬للفلاح‭ (‬أي‭ ‬فلاح‭) ‬مصري‭ ‬أردني‭ ‬فلسطيني،‭ ‬سوري،‭ ‬سوداني‭ ‬الذي‭ ‬كد‭ ‬واجتهد‭ ‬وسهر‭ ‬وحصد‭.‬

قدم‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬قريته‭ ‬في‭ ‬صعيد‭ ‬مصر‭(‬أبنود‭) ‬مظاهرها‭ ‬الاجتماعية‭ ‬وعاداتها‭ ‬أفراحها‭ ‬وأحزانها،‭ ‬قدم‭ ‬الرجال‭ ‬والنساء‭ ‬والشيوخ‭ ‬والأطفال،‭ ‬كما‭ ‬قدم‭ ‬الأبنودي‭ ‬قمة‭ ‬الإخلاص‭ ‬والوفاء‭ ‬والمحبة‭ ‬لوطنه‭ ‬الصغير‭ (‬أبنود‭) ‬لينطلق‭ ‬منها‭ ‬إلى‭ ‬الوطن‭ ‬العربي‭ ‬الكبير‭ ‬حتى‭ ‬إبان‭ ‬محنته‭ ‬المرضية‭.‬

ومن‭ ‬مميزات‭ ‬الأبنودي‭ ‬أنه‭ ‬انحاز‭ ‬إلى‭ ‬البسطاء‭ ‬فأحبوه،‭ ‬عاش‭ ‬في‭ ‬الحقول‭ ‬وعاش‭ ‬حياه‭ ‬القرية‭ ‬وعاش‭ ‬حياه‭ ‬الصيادين‭ ‬فكتب‭ ‬أشعارا‭ ‬وأغاني،‭ ‬فيها‭ ‬كل‭ ‬المشاعر‭ ‬الجياشة‭.‬

أسهم‭ ‬الأبنودي‭ ‬في‭ ‬الخارطة‭ ‬الشعرية‭ ‬لمصر،‭ ‬فواكب‭ ‬أحداث‭ ‬عصر‭ ‬بل‭ ‬سبقها‭ ‬بالرؤية‭ ‬الثاقبة،‭ ‬والحماس‭ ‬فزرع‭ ‬الأمل‭ ‬في‭ ‬النفوس‭ ‬في‭ ‬أصعب‭ ‬الظروف‭ ‬فكتب‭ ‬موال‭ ‬النهار‭ ‬على‭ ‬أثر‭ ‬العدوان‭ ‬عام‭ ‬1967،‭ ‬لقد‭ ‬رحل‭ ‬عبدالرحمن‭ ‬الأبنودي‭ ‬وستعيش‭ ‬كلماته‭ ‬إلى‭ ‬آخر‭ ‬الدهر‭ ‬وهذا‭ ‬شاهد‭ ‬عيان‭ ‬على‭ ‬أهم‭ ‬كلمات‭ ‬الأبنودي‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬الأمة،‭ ‬أغنية‭ ‬عبدالحليم‭ ‬حافظ‭ ‬أثناء‭ ‬حرب‭ ‬أكتوبر‭ ‬1973‭: ‬‮«‬ابنك‭ ‬يقولك‭ ‬يا‭ ‬بطل‭ ‬هاتلي‭ ‬نهار،‭ ‬ابنك‭ ‬يقولك‭ ‬يا‭ ‬بطل‭ ‬هاتلي‭ ‬انتصار،‭ ‬ابنك‭ ‬يقولك‭ ‬أنا‭ ‬حواليه‭ ‬المية‭ ‬مليون‭ ‬العربية،‭ ‬ولا‭ ‬في‭ ‬مكان‭ ‬للأمريكان‭ ‬بين‭ ‬الديار‮»‬‭.‬

ومن‭ ‬قبل‭ ‬كتب‭ ‬أنشودة‭ (‬عدى‭ ‬النهار‭) ‬وواحدة‭ ‬أخرى‭ ‬من‭ ‬أبدع‭ ‬أغنياته‭ (‬أحلف‭ ‬بسماها‭) ‬وفي‭ ‬نهاية‭ ‬المطاف‭ ‬أبت‭ ‬الحياه‭ ‬أن‭ ‬تنتهي‭ ‬إلا‭ ‬بتحقيق‭ ‬حلم‭ ‬تشبث‭ ‬به،‭ ‬كان‭ ‬هو‭ ‬متحف‭ (‬السيرة‭ ‬الهلالية‭) ‬حيث‭ ‬قام‭ ‬بجمع‭ ‬كل‭ ‬تراثه‭ ‬عن‭ ‬السيرة‭ ‬ووضعه‭ ‬في‭ ‬مسقط‭ ‬رأسه‭ ‬في‭ (‬أبنود‭) ‬وهو‭ ‬المتحف‭ ‬الذي‭ ‬زاره‭ ‬عدة‭ ‬مرات‭ ‬بعد‭ ‬إنشائه،‭ ‬ولم‭ ‬يتح‭ ‬له‭ ‬أن‭ ‬يقوم‭ ‬بافتتاحه‭ ‬رغم‭ ‬أنه‭ ‬أودع‭ ‬فيه‭ ‬كل‭ ‬إبداعه،‭ ‬وقد‭ ‬ضمت‭ ‬المكتبة‭ ‬مجلدات‭ ‬وكتبا‭ ‬وأشرطة،‭ ‬والرواية‭ ‬الأصلية‭ ‬للسيرة‭ ‬الهلالية‭ ‬ودواوين‭ ‬132‭ ‬شريطا‭ ‬يوثق‭ ‬لرواية‭ ‬السيرة‭ ‬الهلالية‭ ‬وكان‭ ‬يأمل‭ ‬أن‭ ‬تقوم‭ ‬وزارة‭ ‬الثقافة‭ ‬بتنفيذ‭ ‬حلمه‭.. ‬رحم‭ ‬الله‭ ‬الشاعر‭ ‬الكبير‭ ‬الذي‭ ‬قدم‭ ‬لمصر‭ ‬وللأمة‭ ‬العربية‭ ‬أجمل‭ ‬كلماته‭ ‬التي‭ ‬غناها‭ ‬كبار‭ ‬الفنانين‭ ‬الكبار‭ ‬وفي‭ ‬مقدمتهم‭ ‬عبدالحليم‭ ‬حافظ‭ ‬ومحمد‭ ‬رشدي‭ ‬وصباح‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا