العدد : ١٦٨٥٦ - الجمعة ١٧ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ٠٩ ذو القعدة ١٤٤٥هـ

العدد : ١٦٨٥٦ - الجمعة ١٧ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ٠٩ ذو القعدة ١٤٤٥هـ

الثقافي

«طفل زائد عن الحاجة» بين تماهيات الرمز والصراع الدرامي

بقلم: ميرزا زهير.

السبت ١٣ مايو ٢٠٢٣ - 02:00

عرض‭ ‬مسرح‭ ‬الصواري‭ ‬مسرحية‭ (‬طفل‭ ‬زائد‭ ‬عن‭ ‬الحاجة‭) ‬تأليف‭ ‬الكاتب‭ ‬عبد‭ ‬الفتاح‭ ‬قلعه‭ ‬جي‭ ‬وإخراج‭ ‬الفنان‭ ‬إبراهيم‭ ‬خلفان،‭ ‬وتمثيل‭ ‬حسين‭ ‬عبدعلي،‭ ‬وريم‭ ‬ونوس‭ ‬وعلي‭ ‬الشعلة،‭ ‬وسينوغرافيا‭ ‬خالد‭ ‬الرويعي،‭ ‬بتاريخ‭ ‬26‭ ‬و‭ ‬27‭ ‬مارس‭ ‬2023‭ ‬م،‭ ‬احتفالاً‭ ‬بمناسبة‭ ‬اليوم‭ ‬العالمي‭ ‬للمسرح،‭ ‬الذي‭ ‬يصادف‭ ‬27‭ ‬مارس‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬عام،‭ ‬وعرضت‭ ‬المسرحية‭ ‬بالتعاون‭ ‬مع‭ ‬اتحاد‭ ‬المسرحيين‭ ‬البحرينيين،‭ ‬على‭ ‬صالة‭ ‬البحرين‭ ‬الثقافية‭         ‬

بداية‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬نعرف‭ ‬أن‭ ‬التجريب‭ ‬في‭ ‬المسرح‭ ‬كما‭ ‬ورد‭ ‬في‭ ‬مقدمة‭ ‬كتاب‭ ‬نصوص‭ ‬من‭ ‬المسرح‭ ‬التجريبي‭ ‬الحديث‭ (‬طفل‭ ‬زائد‭ ‬عن‭ ‬الحاجة‭ ‬للكاتب‭ ‬عبدالفتاح‭ ‬قلعه‭ ‬جي‭) (‬هو‭ ‬فعل‭ ‬اختراق‭ ‬واكتشاف‭ ‬وسقوط‭ ‬أقنعة،‭ ‬وإنه‭ ‬لمسرح‭ ‬مضاد‭ ‬مصادم‭ ‬مدهش،‭ ‬جديد‭ ‬متجدد‭ ‬دائماً،‭ ‬غرائبي‭ ‬حلمي‭ ‬في‭ ‬شكله،‭ ‬واقعي‭ ‬في‭ ‬جوهره،‭ ‬ينفذ‭ ‬بقوة‭ ‬وحدة‭ ‬إلى‭ ‬أعماق‭ ‬الحياة،‭ ‬والفكر‭ ‬والنفس‭ ‬الإنسانية،‭ ‬وهو‭ ‬في‭ ‬جوهره‭ ‬تعبير‭ ‬عن‭ ‬لا‭ ‬معقولية‭ ‬الوضع‭ ‬الإنساني،‭ ‬والقلق‭ ‬الأزلي،‭ ‬والانتظار،‭ ‬ويعتمد‭ ‬على‭ ‬لغة‭ ‬الجسد،‭ ‬وسينوغرافيا‭ ‬العرض‭ ‬المسرحي‭). ‬

إن‭ ‬عنوان‭ ‬المنتج‭ ‬الدرامي‭ ‬المؤطر‭ ‬بالدال‭ (‬طفل‭) ‬محفز‭ ‬على‭ ‬خلق‭ ‬فوضى‭ ‬التأويل،‭ ‬ويحيل‭ ‬على‭ ‬عقلانية‭ ‬الخبر‭.‬

لقد‭ ‬انطلقت‭ ‬سينوغرافية‭ ‬المسرح‭ ‬من‭ ‬مؤثرات‭ ‬صوتية،‭ ‬تومئ‭ ‬بتساقط‭ ‬مطر‭ ‬على‭ ‬صخور‭ ‬صلبة،‭ ‬ثم‭ ‬انطلقت‭ ‬أحداث‭ ‬المسرحية‭ ‬من‭ ‬عتمة‭ ‬الكهف‭ ‬المظلم،‭ ‬التي‭ ‬أدخلت‭ ‬مشاهد‭ ‬المسرحية‭ ‬في‭ ‬إبهام‭ ‬لتصورها‭ ‬المكاني‭.    ‬

فاجأنا‭ ‬مخرج‭ ‬النص‭ ‬بعنصر‭ ‬حدثي‭ ‬تنبثق‭ ‬منه‭ ‬تداعيات‭ ‬العمل‭ ‬المسرحي،‭ ‬متمثلاً‭ ‬في‭ ‬ولادة‭ ‬كهف‭ ‬مظلم‭.‬

العنصر‭ ‬الحدثي‭ ‬القاهر،‭ ‬حرض‭ ‬الحدث‭ ‬المسرحي‭ ‬نحو‭ ‬تماهيات‭ ‬الصراع‭ ‬بين‭ ‬الزوج‭ ‬والزوجة،‭ ‬إن‭ ‬تموضع‭ ‬الزوجة‭ ‬للحدث‭ ‬المسرحي‭ ‬المؤجج‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬في‭ ‬مستوى‭ ‬ناضج،‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬تأوهات‭ ‬الزوجة‭ ‬تنبئ‭ ‬بحالة‭ ‬ولادة‭ ‬قاسية‭.‬

ومما‭ ‬يجذب‭ ‬ذهن‭ ‬المتلقي،‭ ‬توظيف‭ ‬لغة‭ ‬الجسد،‭ ‬في‭ ‬العرض‭ ‬المسرحي،‭ ‬فصرخات‭ ‬الأم‭ ‬تحملت‭ ‬في‭ ‬مسارات‭ ‬الحركة‭ ‬النفسية‭ ‬للزوج،‭ ‬وأنتجت‭ ‬دلالات‭ ‬حركية‭ ‬مخيفة‭.‬

ومع‭ ‬إطلالة‭ ‬المولود‭ ‬الجديد،‭ ‬الخالية‭ ‬من‭ ‬صياح‭ ‬الطفل،‭ ‬أطفأ‭ ‬المشهد‭ ‬الحي‭ ‬لحالة‭ ‬الولادة‭.‬

إن‭ ‬الحدث‭ ‬الدرامي‭ ‬جعل‭ ‬الزوج‭ ‬في‭ ‬حركة،‭ ‬فسيولوجية‭ ‬هستيرية،‭ ‬ليجرد‭ ‬الزوج‭ ‬من‭ ‬عاطفة‭ ‬الأبوة‭ (‬اقطعي‭ ‬حبله‭ ‬السري‭).                                               ‬

إن‭ ‬التعالق‭ ‬الهستيري،‭ ‬شكل‭ ‬صورة‭ ‬درامية‭ ‬مؤطرة،‭ ‬بالانسجام‭ ‬الحركي‭ ‬الموجه‭ ‬لترسبات‭ ‬القلق،‭ ‬وترقب‭ ‬المصير‭ ‬المعتم‭. (‬يصحو،‭ ‬ينام،‭ ‬ثم‭ ‬يأكل،‭ ‬ثم‭ ‬يصحو‭ ‬وينام‭).                     ‬

لقد‭ ‬تناغمت‭ ‬هذه‭ ‬الوحدات‭ ‬الدلالية،‭ ‬القولية‭ ‬مع‭ ‬انسجام‭ ‬حركة‭ ‬المهد‭ ‬الذي‭ ‬يشد‭ ‬الزوج‭ ‬والزوجة‭ ‬يميناً‭ ‬ويساراً‭ ‬وتنبثق‭ ‬تداعيات‭ ‬الرمز‭ ‬لحدثية‭ ‬الولادة،‭ ‬مع‭ ‬تماهيات‭ ‬حركة‭ ‬الجسد،‭ ‬فالحركة‭ ‬البيولوجية،‭ ‬تترجم‭ ‬انسجامية‭ ‬تعالق‭ ‬الذراعين،‭ ‬وتحركهما‭ ‬بنحو‭ ‬دائري،‭ ‬يجسدان‭ ‬الدورة‭ ‬الزمنية،‭ ‬الضائعة،‭ ‬لحياة‭ ‬الوالدين،‭ ‬كعقارب‭ ‬الساعة‭.‬

‮«‬كهف‭ ‬معتم‭ ‬وديدان،‭ ‬وظلمة‭ ‬أبدية‮»‬،‭ ‬‮«‬الأرقام‭ ‬البلهاء‮»‬،‭ ‬‮«‬علينا‭ ‬أن‭ ‬نتألم‭ ‬مجدداً‮»‬‭. ‬إن‭ ‬الوحدات‭ ‬الدرامية‭ ‬القولية،‭ ‬والبيولوجية‭ ‬الجسدية،‭ ‬تحرضان‭ ‬إلى‭ ‬ولادة‭ ‬رمز‭ ‬منبثق‭ ‬من‭ ‬وضع‭ ‬مخاف‭ ‬منه،‭ ‬ناتج‭ ‬من‭ ‬مدلولات‭ ‬ألفاظ‭ ‬قاهرة‭. (‬المرض،‭ ‬الموت‭)‬،‭ ‬اللذين‭ ‬جسدهما‭ ‬الحوار‭ ‬الخارجي‭.‬

إن‭ ‬الحدث‭ ‬الدرامي‭ ‬لولادة‭ ‬طفل،‭ ‬ذي‭ ‬وجه‭ ‬قبيح،‭ ‬وعينين‭ ‬حزينتين،‭ ‬يخزن‭ ‬في‭ ‬ذاكرة‭ ‬توقعات،‭ ‬متلقي‭ ‬النص‭ ‬إلى‭ ‬رمزية‭ ‬جزئية،‭ ‬تتمثل‭ ‬بولادة‭ ‬أمل‭ ‬مشوب‭ ‬بالخوف،‭ ‬وقد‭ ‬استحضر‭ ‬المخرج‭ ‬هذا‭ ‬الممكن‭ ‬الرمزي‭ ‬المخيف،‭ ‬في‭ ‬عرض‭ ‬الحركات‭ ‬الهستيرية،‭ ‬وذلك‭ ‬بصب‭ ‬الماء‭ ‬بصورة‭ ‬مفرطة،‭ ‬على‭ ‬جسد‭ ‬الزوج،‭ ‬ليشي‭ ‬إلى‭ ‬هندسة‭ ‬واضحة،‭ ‬لتلقي‭ ‬الألم‭ ‬والحسرة‭.‬

إن‭ ‬الوظائف‭ ‬الفنية‭ ‬للغة‭ ‬الجسد،‭ ‬وانصباب‭ ‬الماء،‭ ‬يدخلان‭ ‬النص،‭ ‬إلى‭ ‬مقولات‭ ‬مرعبة،‭ ‬تحرض‭ ‬الزوج‭ ‬على‭ ‬خنق‭ ‬الطفل،‭ ‬وتستحضر‭ ‬صورة‭ ‬حيوانية،‭ ‬لملفوظات‭ ‬وحشية‭ ‬‮«‬نقتل‭ ‬الطفل‭ ‬لنأكله‮»‬،‭ ‬وهذه‭ ‬المقولات‭ ‬الانزياحية‭ ‬تمثل‭ ‬صدمة‭ ‬في‭ ‬ذهن‭ ‬المتلقي‭.‬

وتتلاقى‭ ‬هذه‭ ‬الصدمة،‭ ‬مع‭ ‬تسربات،‭ ‬وتداعيات‭ ‬الحوار‭ ‬الزاخر،‭ ‬بمعجم‭ ‬الخوف،‭ ‬والألم،‭ ‬من‭ ‬ماض‭ ‬فتك‭ ‬الجدري‭ ‬الذي‭ ‬رسمه‭ ‬المخرج‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬الزوجة‭.‬

ويطل‭ ‬علينا‭ ‬مشهد‭ ‬مفاجئ،‭ ‬للزبال،‭ ‬وهي‭ ‬شخصية‭ ‬ظهرت‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬العرض‭ ‬المسرحي،‭ ‬تراقب‭ ‬المصير‭ ‬المترقب،‭ ‬لآمال‭ ‬الزوجين،‭ ‬وتتعقب‭ ‬المرض‭ ‬المزمن‭ ‬للطفل،‭ ‬وهي‭ ‬تقنية‭ ‬فنية،‭ ‬يراد‭ ‬منها‭ ‬استحضار‭ ‬الماضي‭ ‬الاقتصادي،‭ ‬والمأساوي‭ ‬لواقع‭ ‬الأسرة‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬حاضرها‭ ‬وماضيها،‭ ‬وما‭ ‬تعانيه‭ ‬من‭ ‬عذابات‭ ‬الفقر‭ ‬والجوع‭.‬

وتلعب‭ ‬الثيميات‭ ‬الصوتية،‭ ‬دوراً‭ ‬بارزا‭ ‬في‭ ‬استحضار‭ ‬حركة‭ ‬النباح‭ ‬للزوجين،‭ ‬ليرسمان‭ ‬حركة‭ ‬تناغمية،‭ ‬لهستيرية‭ ‬معاناتهما‭ ‬داخل‭ ‬الكهف‭.‬

وقد‭ ‬برع‭ ‬المخرج‭ ‬المبدع‭ ‬الأستاذ‭ ‬الفنان‭ ‬إبراهيم‭ ‬خلفان،‭ ‬في‭ ‬تجسيد‭ ‬هذه‭ ‬التشكلات‭ ‬الهستيرية،‭ ‬في‭ ‬نسق‭ ‬فعلي،‭ ‬يثير‭ ‬ذهن‭ ‬المتلقي‭ ‬إلى‭ ‬تطاير‭ ‬الأوراق،‭ ‬التي‭ ‬يرمز‭ ‬بها‭ ‬إلى‭ ‬تبعثر‭ ‬مصير‭ ‬الخلاص،‭ ‬وليرمز‭ ‬إلى‭ ‬ضياع‭ ‬تاريخ‭ ‬الأمة‭ ‬العربية،‭ ‬وتلاشي‭ ‬مصيرها،‭ ‬عبر‭ ‬ولادة‭ ‬طفل،‭ ‬يستحضر‭ ‬به‭ ‬واقع‭ ‬الأمة‭ ‬المبتلى،‭ ‬والمشوب‭ ‬بالتشوهات،‭ ‬والأزمات‭ ‬السياسية،‭ ‬والحضارية،‭ ‬والإنسانية‭.‬

ويعبر‭ ‬عن‭ ‬معاناة‭ ‬الشعب‭ ‬العربي‭ ‬وطبقية‭ ‬الصراع،‭ ‬والسيادة،‭ ‬والجوع،‭ ‬والفقر‭ ‬المدقع‭.‬

abuZohair@hotmail‭.‬com

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا