العدد : ١٧٠٥١ - الخميس ٢٨ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٦ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٥١ - الخميس ٢٨ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٦ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

الثقافي

الدوال الناقدة في مسرحية «التَّيه»

بقلم: أحمد طه حاجو

السبت ١٣ مايو ٢٠٢٣ - 02:00

تُعد‭ ‬مسرحية‭ (‬التَّيهُ‭) ‬للكاتب‭ ‬والأكاديمي‭ ‬البصري‭ (‬حيدر‭ ‬علي‭ ‬الأسدي‭) ‬وإعداد‭ ‬وإخراج‭ ‬الفنان‭ ‬الشاب‭ (‬علي‭ ‬جيوان‭) ‬من‭ ‬المسرحيات‭ ‬الثورية‭ ‬النقدية‭ ‬للواقع،‭ ‬إذ‭ ‬إنها‭ ‬لامست‭ ‬الهم‭ ‬المجتمعي‭ ‬الآني،‭ ‬عبر‭ ‬تناولِها‭ ‬حالة‭ ‬َ‭(‬التيه‭) ‬الذي‭ ‬يعيشه‭ ‬الشعب‭ ‬العراقي‭ ‬بفعل‭ ‬السِّياسات‭ ‬الهجينة‭ ‬السائدة‭. ‬وقدمت‭ ‬مؤخراً‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬معهد‭ ‬الفنون‭ ‬الجميلة‭ ‬في‭ ‬محافظة‭ ‬الديوانية‭.‬

‭ ‬فكرة‭ ‬المسرحيَّة‭: ‬تتلخص‭ ‬فكرة‭ ‬المسرحية‭ ‬بوجود‭ ‬شاب‭ ‬يتحدث‭ ‬بعدد‭ ‬من‭ ‬أحاديث‭ ‬مرمّزة‭ ‬يشير‭ ‬عبرها‭ ‬إلى‭ ‬أسباب‭ ‬ما‭ ‬وصل‭ ‬إليه‭ ‬الوضعُ‭ ‬في‭ (‬العراق‭) ‬وأغلبها‭ ‬عبارات‭ ‬استفزازية‭ ‬واستهزائيّة‭ ‬واستنكارية،‭ ‬فيرد‭ ‬عليه‭ ‬رجل‭ ‬آخر‭ ‬يمثل‭ ‬ضميره‭ ‬أو‭ ‬ذاته،‭ ‬فتنشأ‭ ‬بينهما‭ ‬حوارات‭ ‬وأحدُهما‭ ‬يوجه‭ ‬اللوم‭ ‬إلى‭ ‬الآخر،‭ ‬ولم‭ ‬يتوصلا‭ ‬إلى‭ ‬حل؛‭ ‬تنتهي‭ ‬المسرحية‭ ‬بموت‭ ‬الشاب‭ ‬الأول‭.‬

‭ ‬لغة‭ ‬العرض‭: ‬تحتوي‭ ‬المسرحية‭ ‬على‭ ‬مشهد‭ ‬استهلالي‭ ‬مكوّن‭ ‬من‭ ‬جزئين‭: ‬الأول،‭ ‬كان‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬عرض‭ ‬فيلم‭ ‬قصير‭ ‬عبر‭ (‬الداتاشو‭) ‬يلخص‭ ‬المسرحية،‭ ‬عبر‭ ‬عرض‭ ‬شخصية‭ ‬بطل‭ ‬المسرحية‭ ‬والرجل‭ ‬الآخر‭ ‬في‭ ‬مكان‭ ‬مهجور‭ ‬ومكشوف‭ ‬يخلو‭ ‬من‭ ‬الناس،‭ ‬ويسير‭ ‬الشاب،‭ ‬بطريقٍ‭ ‬ترابية،‭ ‬محددة‭ ‬بشريط‭ ‬مروري‭ ‬لتوجيه‭ ‬المارة،‭ ‬كما‭ ‬يدلل‭ ‬على‭ ‬منعهم‭ ‬من‭ ‬اختراق‭ ‬الطريق‭ ‬المحددة،‭ ‬وهذا‭ ‬يشير‭ ‬إلى‭ ‬الهيمنة‭ ‬التي‭ ‬يمارسها‭ ‬من‭ ‬يدعي‭ ‬الحكم‭ ‬عبر‭ ‬استباحة‭ ‬حقوق‭ ‬الآخرين‭ ‬وسلب‭ ‬الحريات،‭ ‬فيسير‭ ‬الاثنان‭ ‬وينتهي‭ ‬المشهد‭ ‬بموت‭ ‬الشاب‭. ‬أما‭ ‬الجزء‭ ‬الثاني‭ ‬من‭ ‬المشهد‭ ‬الاستهلالي،‭ ‬فيكون‭ ‬على‭ ‬خشبة‭ ‬المسرح‭ ‬عبر‭ ‬ظهور‭ ‬شابين‭ ‬يتحركان‭ ‬بحركات‭ ‬عشوائية‭ ‬مع‭ ‬ظلام‭ ‬تام‭ ‬وتكرار‭ ‬إضاءة‭ ‬المسرح‭ ‬باللون‭ ‬الأحمر‭ ‬بشكل‭ ‬ومضات‭ ‬سريعة،‭ ‬لتحقق‭ ‬حركة‭ ‬متقطعة‭ ‬لحركة‭ ‬الشابين،‭ ‬والتي‭ ‬تعبر‭ ‬عن‭ ‬الرفض‭ ‬للواقع‭ ‬والمحاولة‭ ‬للتخلص‭ ‬منه‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬الخوف‭ ‬الطاغي،‭ ‬الذي‭ ‬عبر‭ ‬عنه‭ ‬باللون‭ ‬الأحمر‭. ‬

ثم‭ ‬يظهر‭ ‬الشاب‭ ‬وهو‭ ‬جالس‭ ‬على‭ ‬كرسي‭ ‬في‭ ‬وسط‭ ‬المسرح‭ ‬مواجهاً‭ ‬الجمهور،‭ ‬ويظهر‭ ‬فوقه‭ (‬فأس‭) ‬وكأنه‭ ‬في‭ ‬جلسة‭ ‬تحقيق،‭ ‬ويعبر‭ ‬بحواره‭ ‬عن‭ ‬رفضه‭ ‬للجميع،‭ ‬بطريقة‭ ‬رمزية‭ ‬مشفرة،‭ ‬فالحوار‭ ‬يعج‭ ‬بالدوال‭ ‬الناقدة‭ ‬للوضع‭ ‬القائم،‭ ‬والذي‭ ‬بسببه‭ ‬يعيش‭ ‬ذلك‭ ‬الشاب‭ ‬حالة‭ ‬الانهيار‭ ‬العصبي‭ ‬والنفسي،‭ ‬كونهُ‭ ‬يمثل‭ ‬طبقة‭ ‬واسعة‭ ‬من‭ ‬الشباب‭ ‬العراقي‭. ‬ففي‭ ‬أحد‭ ‬الحوارات‭ ‬يقول‭ ‬الشاب‭ ‬الثاني‭ ‬‮«‬بسخرية‮»‬‭: ‬تأكد‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬بنفسك‭.. ‬ربما‭ ‬أنت‭ ‬سجين‭! ‬أو‭ ‬انتظر‭ ‬ربما‭ ‬أنت‭ ‬مهاجر‭ ‬غير‭ ‬شرعي‭ (‬يضحك‭) ‬ربما‭ ‬أنت‭ ‬في‭ ‬مستشفى‭ ‬الأمراض‭ ‬العقلية‭) ‬وهنا‭ ‬يظهر‭ ‬التحريض‭ ‬مباشراً‭ ‬لاستفزاز‭ ‬المتلقي‭ ‬فكم‭ ‬من‭ ‬مهاجر‭ ‬لدينا؟‭ ‬وكم‭ ‬من‭ ‬سجين‭ ‬لدينا؟‭ ‬وكم‭ ‬من‭ ‬هو‭ ‬في‭ ‬مستشفى‭ ‬الأمراض‭ ‬العقلية‭ ‬وهو‭ ‬صاحٍ؟‭ ‬وهو‭ ‬دعوة‭ ‬إلى‭ ‬الجمهور‭ ‬واستهداف‭ ‬له،‭ ‬لأنه‭ ‬يتأمل‭ ‬واقعه‭. ‬وفي‭ ‬حوارات‭ ‬أخرى‭ ‬يقول‭ ‬الشاب‭ ‬الثاني‭ (‬بصوت‭ ‬مرعب‭): ‬ربما‭ ‬أنت‭ ‬ميت‭!. ‬الشاب‭ ‬الأول‭: ‬أنا‭ ‬صامت‭ ‬منذ‭ ‬سنوات‭.. ‬فالدعوة‭ ‬إلى‭ ‬التحرك‭ ‬واضحة‭ ‬عبر‭ ‬تلك‭ ‬الاستفزازات‭ ‬المباشرة،‭ ‬فما‭ ‬ذكر‭ ‬من‭ ‬حالات‭ ‬الخنوع‭ ‬والاستسلام‭ ‬السائد‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬الواقع،‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬عمل‭ ‬مثير‭ ‬لانتشاله‭ ‬وتغييره‭. ‬فقد‭ ‬وفق‭ ‬المخرج‭ ‬في‭ ‬اختياره‭ ‬الموضوع‭ ‬وتناوله‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة‭.. ‬وفي‭ ‬حوارٍ‭ ‬آخر‭ ‬يقول‭ ‬الشاب‭ ‬الأول‭: (‬أجل‭ ‬هؤلاء‭ ‬الذين‭ ‬يرفضون‭ ‬مصافحة‭ ‬النساء‭ ‬ولكنهم‭ ‬صافحوا‭ ‬المال‭ ‬الحرام‭ ‬بقوة‭) ‬وهذه‭ ‬الحالة‭ ‬التي‭ ‬بات‭ ‬يعرفها‭ ‬جميع‭ ‬الشعب‭ ‬العراقي،‭ ‬فهي‭ ‬الثيمة‭ ‬السائدة‭ ‬للوضع‭ ‬السياسي‭ ‬الحالي،‭ ‬ولا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬التحرك‭ ‬لرفضها‭ ‬وبشدة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬جميع‭ ‬الوسائل‭ ‬المتاحة‭ ‬للشعب،‭ ‬فالمباشرة،‭ ‬فلا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬وضع‭ ‬حد‭ ‬للاستحمار‭ ‬الذي‭ ‬تُمارسه‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الإمعات‭ (‬المتسترين‭ ‬بالدين‭) ‬والذين‭ ‬يتظاهرون‭ ‬بالعفة‭ ‬والالتزام‭ ‬الخلقي‭ ‬من‭ ‬جهة،‭ ‬وفي‭ ‬الجهة‭ ‬الأخرى‭ ‬سرقوا‭ ‬مقدرات‭ ‬بلد‭ ‬بأكمله‭ ‬واستباحوه،‭ ‬فهذه‭ ‬بحد‭ ‬ذاتها‭ ‬جريمة‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬مِن‭ ‬جرائم‭ ‬العصر‭ ‬التي‭ ‬مارسوها‭ ‬عبر‭ ‬سرقة‭ ‬أعمار‭ ‬شعب‭ ‬بأكمله‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬الشاب‭ ‬الأول‭ ‬يتساءل‭ ‬بين‭ ‬الحين‭ ‬والآخر‭ ‬عن‭ (‬البوصلة‭) ‬والتي‭ ‬وفق‭ ‬ذكرها‭ ‬ضمن‭ ‬الواقع‭ ‬المسرحي‭ ‬للاستدلال‭ ‬على‭ ‬الاتجاه‭ ‬الصحيح‭ ‬ليتخلص‭ ‬من‭ (‬التيه‭)‬،‭ ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬كانت‭ ‬اشارة‭ ‬واضحة‭ ‬لضرورة‭ ‬اكتشاف‭ ‬الحل‭ ‬الذي‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬نتبناه‭ ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬الحالي،‭ ‬فالبوصلة‭ ‬جاءت‭ ‬كإشارة‭ ‬للدلالة‭ ‬على‭ ‬معان‭ ‬عديدة‭ ‬وأهمها‭ ‬التفكير‭ ‬المغاير‭ ‬الذي‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬يتبناه‭ ‬المتلقي‭ ‬في‭ ‬التعاطي‭ ‬مع‭ ‬الواقع‭. ‬فالبوصلة‭ ‬هي‭ ‬الرمز‭ ‬الملازم‭ ‬للعرض‭ ‬المسرحي،‭ ‬وهو‭ ‬التعبير‭ ‬عن‭ ‬ضرورة‭ ‬اتقاد‭ ‬الضمير‭ ‬والوعي‭ ‬بما‭ ‬يدور‭ ‬واتخاذ‭ ‬قرار‭ ‬بشأنه‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬التغيير،‭ ‬والذي‭ ‬بدوره‭ ‬سيصحح‭ ‬المسار‭ ‬وينتشل‭ ‬ذلك‭ ‬الواقع‭ ‬منذ‭ ‬التيه‭ ‬الذي‭ ‬تعاني‭ ‬منه‭ ‬الأغلبية‭. ‬

الإضاءة‭: ‬جاءت‭ ‬الاضاءة‭ ‬متوائمة‭ ‬مع‭ ‬روح‭ ‬النص،‭ ‬معبرة‭ ‬عن‭ ‬الرسائل‭ ‬المضمرة،‭ ‬وخصوصاً‭ ‬استخدام‭ ‬البقع‭ ‬الضوئية،‭ ‬التي‭ ‬أضافت‭ ‬جمالية‭ ‬واضحة‭ ‬للعرض‭ ‬عبر‭ ‬تركيز‭ ‬الاهتمام‭ ‬على‭ ‬الذروات‭. ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الجو‭ ‬العام‭ ‬كان‭ ‬مظلماً‭ ‬ومبالغا‭ ‬به،‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬متعمدا‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬المخرج،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬ينبغي‭ ‬بأن‭ ‬يكون‭ ‬وجه‭ ‬الممثل‭ ‬وجسده‭ ‬واضحاً‭ ‬للجمهور‭. ‬

الأداء‭ ‬التمثيلي‭: ‬كان‭ ‬متوائماً‭ ‬ومعبراً‭ ‬عن‭ ‬محتوى‭ ‬النص،‭ ‬فالممثل‭ ‬الأول‭ ‬والثاني‭ ‬كانا‭ ‬مندمجين‭ ‬مع‭ ‬رسالة‭ ‬النص‭ ‬بصورة‭ ‬عامة‭ ‬ومتبنيين‭ ‬سمات‭ ‬شخصيتهما‭ ‬التي‭ ‬جسداها‭. ‬فالحركة‭ ‬والإلقاء‭ ‬وإيماءات‭ ‬الوجه‭ ‬جاءت‭ ‬مقنعة‭ ‬ومؤثرة‭. ‬

الرؤية‭ ‬الإخراجية‭: ‬تبنى‭ ‬المخرج‭ ‬فكرة‭ ‬النص‭ ‬بصورة‭ ‬جادة،‭ ‬ثم‭ ‬قام‭ ‬بعملية‭ ‬الإعداد،‭ ‬فقد‭ ‬قام‭ ‬بالحذف‭ ‬والإضافة‭ ‬والاستبدال‭ ‬وكان‭ ‬موفقاً‭ ‬بذلك،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬وقع‭ ‬في‭ ( ‬فخ‭ ‬المبالغة‭ ‬في‭ ‬التكثيف‭) ‬أي‭ ‬أن‭ ‬العرض‭ ‬مدته‭ ‬تقريباً‭ (‬16‭ ‬دقيقة‭)‬،‭ ‬وفق‭ ‬الفكرة‭ ‬العامة‭ ‬للمسرحية؛‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬المفترض‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬نصف‭ ‬ساعة،‭ ‬فمجمل‭ ‬الأفكار‭ ‬التي‭ ‬عرضت‭ ‬كانت‭ ‬تسير‭ ‬بصورة‭ ‬سريعة،‭ ‬فلم‭ ‬يعطِ‭ ‬مسافة‭ ‬لاشتغال‭ ‬الفعل‭ ‬الدرامي‭ ‬ليكون‭ ‬أكثر‭ ‬تأثيراً،‭ ‬ففي‭ ‬هكذا‭ ‬عروض،‭ ‬وهكذا‭ ‬نصوص‭ ‬مسرحية‭ ‬تعمل‭ ‬وفق‭ ‬سياقات‭ ‬الرمز،‭ ‬ينبغي‭ ‬إعطاؤها‭ ‬بعداً‭ ‬زمنياً‭ ‬ليحقق‭ ‬الهدف‭ ‬المضمر‭ ‬من‭ ‬العرض‭ ‬المسرحي‭. ‬

 

{ كاتب‭ ‬وناقد‭ ‬عراقي

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا