زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
عن مضار الكرافته والنقود
طوال فترة عملي في السفارة البريطانية في الخرطوم فشلت أسرة السفارة في إقناعي بربط الكرافته، ومن ثم كانت أول مرة استخدم فيها ربطة العنق (الكرافته) في ليلة زواجي، وكنت قد عدت من دورة دراسية في لندن قبلها بقليل، حيث اقتنيت أول بدلة/ جاكيت في حياتي، وبمناسبة الزواج اشتريت بدلة أخرى كحلية (لا تزال عندي بصحة جيدة)، وفي مساء تلك الليلة المشهودة فوجئ أهلي وأصدقائي بأن الشاب العائد من بريطانيا ارتدى بدلة كاملة بدون كرافته وصاحوا: مش ممكن تكون مبهدل في ليلة زواجك، وبما أنني لم أكن أملك كرافته فقد تبرع لي فاعل خير بواحدة وتبرع آخر بربطها لي، وأحسست وهي تضغط على زمارة رقبتي بأنني أخضع لحكم بالإعدام مع تباطؤ في التنفيذ، فما كان مني إلا أن نزعتها ووضعتها في جيب الجاكيت.
ولعدة سنوات بعدها لم أكن أملك كرافته ولا أعرف طريقة ربطها.. ثم صرت يوما ما مديرا للعلاقات العامة والترجمة بشركة الاتصالات القطرية ومسؤولا عن تنظيم الندوات والمؤتمرات والحفلات واستقبال ضيوف الشركة فألزمني المدير العام بارتداء الكرافته، واضطررت الى التدرب على ربطها. وصرت «متحضرا» ارتدي الكرافته في المناسبات «اللي هي». وسبحان الله عندي اليوم نحو مائة كرافته.. قل ما شاء الله.. نصفها لم يعد صالحا للاستخدام الآدمي بعد انتهاء صلاحيتها.. و30% من النصف الباقي اشتريته من الأسواق الشعبية في بريطانيا بالكيلو.. والكرافتات التي يمكنني استخدامها دون أن يصدر احتجاج عن زوجتي نحو عشرة كلها فرنسية أو إيطالية من صنع تايوان.
منذ سنوات قرر المجلس الطبي البريطاني أن على جميع الأطباء عدم ربط الكرافته خلال ساعات العمل بوصفها ناقلة للجراثيم والميكروبات، وكل من يستخدم الكرافته يعرف أنها قطعة ملابس لا ضرورة لها البتة، ولا تؤدي وظيفة معينة كما قطع الملابس الأخرى وعدمها خير من وجودها. ولدي كرافتات ظلت معقودة ومربوطة طوال أكثر من عشر سنوات. يعني لم تخضع لغسل أو كي طوال أكثر من عشر سنوات، ولك أن تتخيل كم مليون نسمة من الجراثيم تقيم بصورة غير قانونية في تلافيف كل كرافته. والمستشفيات هي أكبر مستوطنات الجراثيم والباكتيريا، بل من المعروف أن جراثيم المستشفيات قاتلة، ليس لأن مصدرها المرضى بل لأنها حسنة التغذية بحكم انها تعرضت لأنواع عديدة من المطهرات واكتسبت مناعة ضدها، وأشهر أنواع الباكتيريا في المستشفيات هي إم آر إس إيه/ مرسا MRSA ولا يوجد مضاد حيوي ناجع ضدها، ولو أصابت شخصا يعاني جهاز المناعة عنده من الضعف، فاقرأ الفاتحة على روحه!
والأطباء أنفسهم ناقلون للجراثيم والباكتيريا بحكم أنهم يعملون في بيئة تسرح فيها تلك الآفات وتمرح (ومن ثم تجدهم يغسلون أيديهم جيدا بعد التعامل مع كل مريض).. ولا شك أن قطع القماش الملونة السخيفة التي تتدلى من أعناق الناس ويحسبون أنها تكسبهم مظهرا جميلا مطار نموذجي للجراثيم التي تحط عليها وتعشش وتبيض وتفرخ في تجاويفها.. والكرافته فعلا لا وظيفة حقيقية لها بدليل ان هناك مليارات من البشر لم ولن يستخدموها بينما يستخدم جميع بني البشر تقريبا القمصان والسراويل والجلابيب. إنها مثل العدسات اللاصقة التي ترتديها بعض النساء لإعطاء أعينهن لونا زائفا: ضررها مؤكد بينما لا يعرف أحد لها نفعا.
وعلى طاري وذكر الكرافتات وما تحمله من جراثيم فإن أكبر مستودع للباكتيريا والبلاوي المسببة لأمراض الجلد والعيون والجهاز الهضمي والتنفسي هي العملات الورقية، فالدينار او الدولار او الريال او الدرهم او الجنيه الذي في يدك ربما مرّ بأيدي خمسين شخصا، وما من آدمي إلا ويده ملوثة لبعض الوقت يوميا، وعليك أن تغسل يدك بعد عدّ العملات الورقية، ومن باب اللعب على المضمون اشتر عافيتك بأن تعطيني ما عندك من تلك العملات وأنا أشيل عنك هم الجراثيم والباكتيريا.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك