العدد : ١٧٠٤٤ - الخميس ٢١ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٩ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٤ - الخميس ٢١ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٩ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

عن مضار الكرافته والنقود

طوال‭ ‬فترة‭ ‬عملي‭ ‬في‭ ‬السفارة‭ ‬البريطانية‭ ‬في‭ ‬الخرطوم‭ ‬فشلت‭ ‬أسرة‭ ‬السفارة‭ ‬في‭ ‬إقناعي‭ ‬بربط‭ ‬الكرافته،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬كانت‭ ‬أول‭ ‬مرة‭ ‬استخدم‭ ‬فيها‭ ‬ربطة‭ ‬العنق‭ (‬الكرافته‭) ‬في‭ ‬ليلة‭ ‬زواجي،‭ ‬وكنت‭ ‬قد‭ ‬عدت‭ ‬من‭ ‬دورة‭ ‬دراسية‭ ‬في‭ ‬لندن‭ ‬قبلها‭ ‬بقليل،‭ ‬حيث‭ ‬اقتنيت‭ ‬أول‭ ‬بدلة‭/ ‬جاكيت‭ ‬في‭ ‬حياتي،‭ ‬وبمناسبة‭ ‬الزواج‭ ‬اشتريت‭ ‬بدلة‭ ‬أخرى‭ ‬كحلية‭ (‬لا‭ ‬تزال‭ ‬عندي‭ ‬بصحة‭ ‬جيدة‭)‬،‭ ‬وفي‭ ‬مساء‭ ‬تلك‭ ‬الليلة‭ ‬المشهودة‭ ‬فوجئ‭ ‬أهلي‭ ‬وأصدقائي‭ ‬بأن‭ ‬الشاب‭ ‬العائد‭ ‬من‭ ‬بريطانيا‭ ‬ارتدى‭ ‬بدلة‭ ‬كاملة‭ ‬بدون‭ ‬كرافته‭ ‬وصاحوا‭: ‬مش‭ ‬ممكن‭ ‬تكون‭ ‬مبهدل‭ ‬في‭ ‬ليلة‭ ‬زواجك،‭ ‬وبما‭ ‬أنني‭ ‬لم‭ ‬أكن‭ ‬أملك‭ ‬كرافته‭ ‬فقد‭ ‬تبرع‭ ‬لي‭ ‬فاعل‭ ‬خير‭ ‬بواحدة‭ ‬وتبرع‭ ‬آخر‭ ‬بربطها‭ ‬لي،‭ ‬وأحسست‭ ‬وهي‭ ‬تضغط‭ ‬على‭ ‬زمارة‭ ‬رقبتي‭ ‬بأنني‭ ‬أخضع‭ ‬لحكم‭ ‬بالإعدام‭ ‬مع‭ ‬تباطؤ‭ ‬في‭ ‬التنفيذ،‭ ‬فما‭ ‬كان‭ ‬مني‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬نزعتها‭ ‬ووضعتها‭ ‬في‭ ‬جيب‭ ‬الجاكيت‭.‬

ولعدة‭ ‬سنوات‭ ‬بعدها‭ ‬لم‭ ‬أكن‭ ‬أملك‭ ‬كرافته‭ ‬ولا‭ ‬أعرف‭ ‬طريقة‭ ‬ربطها‭.. ‬ثم‭ ‬صرت‭ ‬يوما‭ ‬ما‭ ‬مديرا‭ ‬للعلاقات‭ ‬العامة‭ ‬والترجمة‭ ‬بشركة‭ ‬الاتصالات‭ ‬القطرية‭ ‬ومسؤولا‭ ‬عن‭ ‬تنظيم‭ ‬الندوات‭ ‬والمؤتمرات‭ ‬والحفلات‭ ‬واستقبال‭ ‬ضيوف‭ ‬الشركة‭ ‬فألزمني‭ ‬المدير‭ ‬العام‭ ‬بارتداء‭ ‬الكرافته،‭ ‬واضطررت‭ ‬الى‭ ‬التدرب‭ ‬على‭ ‬ربطها‭. ‬وصرت‭ ‬‮«‬متحضرا‮»‬‭ ‬ارتدي‭ ‬الكرافته‭ ‬في‭ ‬المناسبات‭ ‬‮«‬اللي‭ ‬هي‮»‬‭. ‬وسبحان‭ ‬الله‭ ‬عندي‭ ‬اليوم‭ ‬نحو‭ ‬مائة‭ ‬كرافته‭.. ‬قل‭ ‬ما‭ ‬شاء‭ ‬الله‭.. ‬نصفها‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬صالحا‭ ‬للاستخدام‭ ‬الآدمي‭ ‬بعد‭ ‬انتهاء‭ ‬صلاحيتها‭.. ‬و30‭% ‬من‭ ‬النصف‭ ‬الباقي‭ ‬اشتريته‭ ‬من‭ ‬الأسواق‭ ‬الشعبية‭ ‬في‭ ‬بريطانيا‭ ‬بالكيلو‭.. ‬والكرافتات‭ ‬التي‭ ‬يمكنني‭ ‬استخدامها‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يصدر‭ ‬احتجاج‭ ‬عن‭ ‬زوجتي‭ ‬نحو‭ ‬عشرة‭ ‬كلها‭ ‬فرنسية‭ ‬أو‭ ‬إيطالية‭ ‬من‭ ‬صنع‭ ‬تايوان‭.‬

منذ‭ ‬سنوات‭ ‬قرر‭ ‬المجلس‭ ‬الطبي‭ ‬البريطاني‭ ‬أن‭ ‬على‭ ‬جميع‭ ‬الأطباء‭ ‬عدم‭ ‬ربط‭ ‬الكرافته‭ ‬خلال‭ ‬ساعات‭ ‬العمل‭ ‬بوصفها‭ ‬ناقلة‭ ‬للجراثيم‭ ‬والميكروبات،‭ ‬وكل‭ ‬من‭ ‬يستخدم‭ ‬الكرافته‭ ‬يعرف‭ ‬أنها‭ ‬قطعة‭ ‬ملابس‭ ‬لا‭ ‬ضرورة‭ ‬لها‭ ‬البتة،‭ ‬ولا‭ ‬تؤدي‭ ‬وظيفة‭ ‬معينة‭ ‬كما‭ ‬قطع‭ ‬الملابس‭ ‬الأخرى‭ ‬وعدمها‭ ‬خير‭ ‬من‭ ‬وجودها‭. ‬ولدي‭ ‬كرافتات‭ ‬ظلت‭ ‬معقودة‭ ‬ومربوطة‭ ‬طوال‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬عشر‭ ‬سنوات‭. ‬يعني‭ ‬لم‭ ‬تخضع‭ ‬لغسل‭ ‬أو‭ ‬كي‭ ‬طوال‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬عشر‭ ‬سنوات،‭ ‬ولك‭ ‬أن‭ ‬تتخيل‭ ‬كم‭ ‬مليون‭ ‬نسمة‭ ‬من‭ ‬الجراثيم‭ ‬تقيم‭ ‬بصورة‭ ‬غير‭ ‬قانونية‭ ‬في‭ ‬تلافيف‭ ‬كل‭ ‬كرافته‭. ‬والمستشفيات‭ ‬هي‭ ‬أكبر‭ ‬مستوطنات‭ ‬الجراثيم‭ ‬والباكتيريا،‭ ‬بل‭ ‬من‭ ‬المعروف‭ ‬أن‭ ‬جراثيم‭ ‬المستشفيات‭ ‬قاتلة،‭ ‬ليس‭ ‬لأن‭ ‬مصدرها‭ ‬المرضى‭ ‬بل‭ ‬لأنها‭ ‬حسنة‭ ‬التغذية‭ ‬بحكم‭ ‬انها‭ ‬تعرضت‭ ‬لأنواع‭ ‬عديدة‭ ‬من‭ ‬المطهرات‭ ‬واكتسبت‭ ‬مناعة‭ ‬ضدها،‭ ‬وأشهر‭ ‬أنواع‭ ‬الباكتيريا‭ ‬في‭ ‬المستشفيات‭ ‬هي‭ ‬إم‭ ‬آر‭ ‬إس‭ ‬إيه‭/ ‬مرسا‭ ‬MRSA ولا‭ ‬يوجد‭ ‬مضاد‭ ‬حيوي‭ ‬ناجع‭ ‬ضدها،‭ ‬ولو‭ ‬أصابت‭ ‬شخصا‭ ‬يعاني‭ ‬جهاز‭ ‬المناعة‭ ‬عنده‭ ‬من‭ ‬الضعف،‭ ‬فاقرأ‭ ‬الفاتحة‭ ‬على‭ ‬روحه‭!‬

والأطباء‭ ‬أنفسهم‭ ‬ناقلون‭ ‬للجراثيم‭ ‬والباكتيريا‭ ‬بحكم‭ ‬أنهم‭ ‬يعملون‭ ‬في‭ ‬بيئة‭ ‬تسرح‭ ‬فيها‭ ‬تلك‭ ‬الآفات‭ ‬وتمرح‭ (‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬تجدهم‭ ‬يغسلون‭ ‬أيديهم‭ ‬جيدا‭ ‬بعد‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬كل‭ ‬مريض‭).. ‬ولا‭ ‬شك‭ ‬أن‭ ‬قطع‭ ‬القماش‭ ‬الملونة‭ ‬السخيفة‭ ‬التي‭ ‬تتدلى‭ ‬من‭ ‬أعناق‭ ‬الناس‭ ‬ويحسبون‭ ‬أنها‭ ‬تكسبهم‭ ‬مظهرا‭ ‬جميلا‭ ‬مطار‭ ‬نموذجي‭ ‬للجراثيم‭ ‬التي‭ ‬تحط‭ ‬عليها‭ ‬وتعشش‭ ‬وتبيض‭ ‬وتفرخ‭ ‬في‭ ‬تجاويفها‭.. ‬والكرافته‭ ‬فعلا‭ ‬لا‭ ‬وظيفة‭ ‬حقيقية‭ ‬لها‭ ‬بدليل‭ ‬ان‭ ‬هناك‭ ‬مليارات‭ ‬من‭ ‬البشر‭ ‬لم‭ ‬ولن‭ ‬يستخدموها‭ ‬بينما‭ ‬يستخدم‭ ‬جميع‭ ‬بني‭ ‬البشر‭ ‬تقريبا‭ ‬القمصان‭ ‬والسراويل‭ ‬والجلابيب‭. ‬إنها‭ ‬مثل‭ ‬العدسات‭ ‬اللاصقة‭ ‬التي‭ ‬ترتديها‭ ‬بعض‭ ‬النساء‭ ‬لإعطاء‭ ‬أعينهن‭ ‬لونا‭ ‬زائفا‭: ‬ضررها‭ ‬مؤكد‭ ‬بينما‭ ‬لا‭ ‬يعرف‭ ‬أحد‭ ‬لها‭ ‬نفعا‭. ‬

وعلى‭ ‬طاري‭ ‬وذكر‭ ‬الكرافتات‭ ‬وما‭ ‬تحمله‭ ‬من‭ ‬جراثيم‭ ‬فإن‭ ‬أكبر‭ ‬مستودع‭ ‬للباكتيريا‭ ‬والبلاوي‭ ‬المسببة‭ ‬لأمراض‭ ‬الجلد‭ ‬والعيون‭ ‬والجهاز‭ ‬الهضمي‭ ‬والتنفسي‭ ‬هي‭ ‬العملات‭ ‬الورقية،‭ ‬فالدينار‭ ‬او‭ ‬الدولار‭ ‬او‭ ‬الريال‭ ‬او‭ ‬الدرهم‭ ‬او‭ ‬الجنيه‭ ‬الذي‭ ‬في‭ ‬يدك‭ ‬ربما‭ ‬مرّ‭ ‬بأيدي‭ ‬خمسين‭ ‬شخصا،‭ ‬وما‭ ‬من‭ ‬آدمي‭ ‬إلا‭ ‬ويده‭ ‬ملوثة‭ ‬لبعض‭ ‬الوقت‭ ‬يوميا،‭ ‬وعليك‭ ‬أن‭ ‬تغسل‭ ‬يدك‭ ‬بعد‭ ‬عدّ‭ ‬العملات‭ ‬الورقية،‭ ‬ومن‭ ‬باب‭ ‬اللعب‭ ‬على‭ ‬المضمون‭ ‬اشتر‭ ‬عافيتك‭ ‬بأن‭ ‬تعطيني‭ ‬ما‭ ‬عندك‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬العملات‭ ‬وأنا‭ ‬أشيل‭ ‬عنك‭ ‬هم‭ ‬الجراثيم‭ ‬والباكتيريا‭.‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا