العدد : ١٧٠٥١ - الخميس ٢٨ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٦ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٥١ - الخميس ٢٨ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٦ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

الثقافي

الكاتب والشاعر والسيناريست أمين صالح لــ«أخبار الخليج الثقافي»: 1-2

السبت ٢٩ أبريل ٢٠٢٣ - 02:00

الرواية التي أميل إليها هي تلك التي تطرح نصاً مفتوحاً... وتخرج عن المألوف والتقليدي، توظف الطاقة الشعرية الكامنة في السرد


مع‭ ‬الروائي‭ ‬والكاتب‭ ‬السيناريست‭ ‬أمين‭ ‬صالح،‭ ‬تكون‭ ‬الحكاية‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يضمها‭ ‬كتاب،‭ ‬كون‭ ‬رسائل‭ ‬أمين‭ ‬لا‭ ‬تقف‭ ‬عند‭ ‬حدود‭ ‬شواطئ‭ ‬البحار،‭ ‬بل‭ ‬تتعداها‭ ‬لتكسر‭ ‬كل‭ ‬موانع‭ ‬الحب،‭ ‬فهو‭ ‬الحب‭ ‬كله‭ ‬مجتمعاً‭ ‬في‭ ‬مفاصل‭ ‬أدبياته‭ ‬وانشغالاته‭ ‬الثقافية،‭ ‬معه‭ ‬نقرأ‭ ‬سيرة‭ ‬هذا‭ ‬الحب‭: ‬

حاوره‭: ‬ناجي‭ ‬جمعة‭ ‬

{ ‭- ‬ما‭ ‬هو‭ ‬تعريف‭ ‬الرواية‭ ‬الأدبية‭ ‬من‭ ‬وجهة‭ ‬نظرك؟‭    ‬

‭- ‬ليس‭ ‬لدي‭ ‬تعريف‭ ‬خاص‭ ‬بالرواية،‭ ‬ولا‭ ‬أفهم‭ ‬سر‭ ‬الولع‭ ‬بالتعريفات‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬أعتقد‭ ‬أنها‭ ‬ضرورية،‭ ‬نظراً‭ ‬لطبيعة‭ ‬التحولات‭ ‬التي‭ ‬تطرأ‭ ‬على‭ ‬المصطلحات‭ ‬مع‭ ‬مرور‭ ‬الوقت،‭ ‬ومع‭ ‬تعرّضها‭ ‬للشذب‭ ‬والتنقيح‭ ‬والإضافة‭ ‬والتغيير،‭ ‬وأحياناً‭ ‬للشك‭ ‬والنقض‭.‬

الكثيرون‭ ‬يرون‭ ‬أن‭ ‬الرواية‭ ‬هي‭ ‬الكتابة‭ ‬التي‭ ‬تبلورت‭ ‬وسادت‭ ‬وأرست‭ ‬تقاليدها‭ ‬وقواعدها‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬التاسع‭ ‬عشر،‭ ‬والتي‭ ‬تشمل‭ ‬القص‭ ‬والسرد‭ ‬والحبكة‭ ‬والشخصيات‭ ‬المتنوعة‭ ‬والأحداث‭ ‬المتعددة‭. ‬ويرون‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬كتابة‭ ‬روائية‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬تسلك‭ ‬المسار‭ ‬ذاته،‭ ‬وتتّبع‭ ‬التقاليد‭ ‬والخاصيات‭ ‬ذاتها،‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬تغيّر‭ ‬الظروف،‭ ‬وتباين‭ ‬المجتمعات،‭ ‬واختلاف‭ ‬البنى‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والسياسية،‭ ‬وتنوّع‭ ‬المفاهيم،‭ ‬وتجدّد‭ ‬الأشكال‭ ‬الفنية‭ ‬وفق‭ ‬منظور‭ ‬حداثي،‭ ‬وما‭ ‬اعترى‭ ‬الرواية‭ ‬نفسها‭ ‬من‭ ‬تجديد‭ ‬وتحديث‭ ‬واستجواب‭ ‬لمختلف‭ ‬عناصرها‭ ‬من‭ ‬الشخوص‭ ‬إلى‭ ‬الأحداث‭ ‬إلى‭ ‬اللغة‭ ‬إلى‭ ‬التقنية‭ ‬إلى‭ ‬الحجم‭.‬

لم‭ ‬تعد‭ ‬الرواية‭ ‬خاضعة‭ ‬لاتجاه‭ ‬أحادي‭ ‬ووحيد،‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬هيمن‭ ‬طويلاً‭ ‬ومازال‭ ‬سائداً،‭ ‬ولم‭ ‬تعد‭ ‬تسرد‭ ‬الحكايات‭ ‬الطويلة‭ ‬فقط،‭ ‬ولم‭ ‬تعد‭ ‬تلتزم‭ ‬بتقنية‭ ‬معينة‭ ‬ثابتة‭. ‬الرواية‭ ‬التي‭ ‬أميل‭ ‬إليها‭ ‬هي‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬تطرح‭ ‬نصاً‭ ‬مفتوحاً‭ ‬ومنفتحاً‭ ‬على‭ ‬مختلف‭ ‬الأشكال‭ ‬والطرائق‭ ‬والعوالم،‭ ‬والتي‭ ‬تخرج‭ ‬عن‭ ‬المألوف‭ ‬والتقليدي،‭ ‬وتوظف‭ ‬الطاقة‭ ‬الشعرية‭ ‬الكامنة‭ ‬في‭ ‬السرد،‭ ‬وتعتمد‭ ‬في‭ ‬بنائها‭ ‬على‭ ‬منطق‭ ‬الحلم،‭ ‬ويكون‭ ‬للمخيلة‭ ‬الدور‭ ‬الأبرز،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬إغفال‭ ‬البعد‭ ‬الواقعي‭ ‬الذي‭ ‬تتأسس‭ ‬عليه‭ ‬كل‭ ‬العوالم‭.‬

{ ‭- ‬هل‭ ‬أنت‭ ‬مع‭ ‬تداخل‭ ‬الأجناس‭ ‬الأدبية‭ ‬في‭ ‬المنجز‭ ‬الروائي؟

‭-‬يمكن‭ ‬للرواية‭ ‬أن‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬طريق‭ ‬مسدود‭ ‬إذا‭ ‬انغلقت‭ ‬على‭ ‬نفسها،‭ ‬ولم‭ ‬تنفتح‭ ‬على‭ ‬الأشكال‭ ‬والأنواع‭ ‬الأدبية‭ ‬والفنية‭ ‬الأخرى‭.. ‬ذلك‭ ‬لأنها‭ ‬سوف‭ ‬تضطر‭ ‬إلى‭ ‬تكرار‭ ‬نفسها،‭ ‬واجترار‭ ‬أشكالها‭ ‬وأساليبها‭ ‬وتقنياتها‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬الابتذال،‭ ‬حتى‭ ‬تفقد‭ ‬قيمتها‭ ‬ومبرّر‭ ‬وجودها‭ ‬واستمراريتها‭. ‬لذلك،‭ ‬لكي‭ ‬تتجدّد‭ ‬الرواية‭ ‬وتنتعش‭ ‬وتتطور،‭ ‬وتكون‭ ‬حيّة‭ ‬دائماً،‭ ‬يتعيّن‭ ‬عليها‭ ‬أن‭ ‬تتفاعل‭ ‬مع‭ ‬الأشكال‭ ‬والأجناس‭ ‬الأخرى‭.. ‬عليها‭ ‬أن‭ ‬تأخذ‭ ‬من‭ ‬المسرح‭ ‬والسينما‭ ‬والتشكيل،‭ ‬وأن‭ ‬تطلق‭ ‬سراح‭ ‬الطاقة‭ ‬الشعرية‭ ‬الكامنة‭ ‬في‭ ‬السرد‭. ‬

{ ‭- ‬هل‭ ‬ترى‭ ‬أن‭ ‬الكتابة‭ ‬باللغة‭ ‬الشاعرية‭ ‬وإدخال‭ ‬بعض‭ ‬نصوص‭ ‬قصيدة‭ ‬النثر‭ ‬يسهم‭ ‬في‭ ‬تقوية‭ ‬النص‭ ‬السردي‭ ‬المنجز؟‭ ‬

‭- ‬أشرت‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الطاقة‭ ‬الشعرية‭ ‬كامنة‭ ‬في‭ ‬أساس‭ ‬أو‭ ‬جوهر‭ ‬كل‭ ‬كتابة‭ ‬سردية،‭ ‬كما‭ ‬في‭ ‬جوهر‭ ‬كل‭ ‬لوحة‭ ‬تشكيلية‭ ‬وصورة‭ ‬سينمائية‭ ‬ومنحوتة‭ ‬ومقطوعة‭ ‬موسيقية‭. ‬هي‭ ‬ليست‭ ‬دخيلة‭ ‬أو‭ ‬طارئة‭. ‬ثمة‭ ‬من‭ ‬يدرك‭ ‬وجودها‭ ‬ويتعامل‭ ‬معها‭ ‬بوعي،‭ ‬ويحسن‭ ‬توظيفها،‭ ‬وكاتب‭ ‬آخر‭ ‬لا‭ ‬يشعر‭ ‬بضرورتها،‭ ‬مكتفياً‭ ‬باللغة‭ ‬التقريرية‭ ‬المباشرة،‭ ‬ومطمئناً‭ ‬لها‭.‬

إذن‭ ‬الشعر‭ ‬لا‭ ‬يتطفّل‭ ‬على‭ ‬النص،‭ ‬ولا‭ ‬يقتحمه،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬موجود‭ ‬عضوياً‭ ‬بداخله‭. ‬ومسألة‭ ‬استخدامه‭ ‬أو‭ ‬عدمه‭ ‬تعود‭ ‬إلى‭ ‬الكاتب،‭ ‬وإلى‭ ‬مدى‭ ‬حساسيته‭ ‬ووعيه‭ ‬ورؤيته،‭ ‬لكنني‭ ‬لا‭ ‬أفهم‭ ‬كيف‭ ‬يمكن‭ ‬للكاتب‭ ‬أن‭ ‬‮«‬يُدخل‭ ‬بعض‭ ‬نصوص‭ ‬قصيدة‭ ‬النثر‭ ‬في‭ ‬الرواية‮»‬،‭ ‬سيبدو‭ ‬الأمر‭ ‬أشبه‭ ‬بالكولاج،‭ ‬واعتقد‭ ‬أنها،‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحالة،‭ ‬ستكون‭ ‬مقحمة‭ ‬ومفتعلة‭.‬

{ ‭- ‬يرى‭ ‬بعض‭ ‬المهتمين‭ ‬بالكتابة‭ ‬السردية‭ ‬أن‭ ‬الكاتب‭ ‬الروائي‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬له‭ ‬منجز‭ ‬قصصي‭ ‬سابق‭ ‬قبل‭ ‬الشروع‭ ‬في‭ ‬كتابة‭ ‬الرواية؟‭ ‬فهل‭ ‬تؤيد‭ ‬رأيهم؟‭ ‬

‭-‬ليس‭ ‬هناك‭ ‬قاعدة‭ ‬أو‭ ‬قانون‭ ‬أو‭ ‬معيار،‭ ‬يتصل‭ ‬بهذا‭ ‬الموضوع‭. ‬قد‭ ‬توجد‭ ‬افتراضات‭ ‬ومقترحات‭ ‬ونصائح،‭ ‬لكن‭ ‬لا‭ ‬شيء‭ ‬يقيني‭.  ‬يمكن‭ ‬للمرء‭ ‬أن‭ ‬يبدأ‭ ‬بكتابة‭ ‬رواية‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬خوض‭ ‬تجربة‭ ‬الكتابة‭ ‬القصصية،‭ ‬طالما‭ ‬أن‭ ‬الموهبة‭ ‬متوافرة،‭ ‬مع‭ ‬امتلاك‭ ‬تجربة‭ ‬حياتية‭ ‬وثقافية‭ ‬ثرية‭ ‬وعميقة‭.‬

عادةً،‭ ‬وبشكل‭ ‬عام،‭ ‬يبدأ‭ ‬الكاتب‭ ‬بكتابة‭ ‬القصة،‭ ‬أو‭ ‬ربما‭ ‬الخاطرة‭ ‬ثم‭ ‬القصة،‭ ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬يتمكّن‭ ‬من‭ ‬أدواته‭ ‬ويشحذ‭ ‬عناصره‭ ‬ومصادره،‭ ‬يباشر‭ ‬في‭ ‬كتابة‭ ‬الرواية،‭ ‬لكن‭ ‬هذا‭ ‬ليس‭ ‬شرطاً‭ ‬عاماً‭. ‬

المعيار‭ ‬الحقيقي‭ ‬هو‭ ‬جودة‭ ‬العمل‭ ‬ومدى‭ ‬عمقه‭ ‬وجماله‭. ‬عدا‭ ‬ذلك‭ ‬فهو‭ ‬أمر‭ ‬ثانوي،‭ ‬ولا‭ ‬أهمية‭ ‬له‭.‬

{ ‭- ‬لأيهما‭ ‬تعطي‭ ‬الأولوية‭ ‬في‭ ‬المنجز‭ ‬السردي،‭ ‬البعد‭ ‬الثقافي‭ ‬أم‭ ‬البعد‭ ‬الأدبي،‭ ‬أثناء‭ ‬التأليف‭ ‬وما‭ ‬بعده؟‭ ‬

‭- ‬أخشى‭ ‬أنني‭ ‬لم‭ ‬أستطع‭ ‬فهم‭ ‬هذا‭ ‬السؤال‭ ‬جيداً‭. ‬

البعد‭ ‬الأدبي‭ ‬متضمن‭ ‬في‭ ‬البعد‭ ‬الثقافي،‭ ‬ولا‭ ‬يتميّز‭ ‬عنه‭ ‬أو‭ ‬يختلف‭ ‬عنه‭ ‬حتى‭ ‬نفاضل‭ ‬بينهما‭ ‬ونعطي‭ ‬الأولوية‭ ‬لأحدهما‭.‬

{ ‭- ‬ما‭ ‬رأيك‭ ‬في‭ ‬طغيان‭ ‬الأيديولوجيا‭ ‬في‭ ‬الأعمال‭ ‬السردية؟

الأيديولوجيا،‭ ‬في‭ ‬معناها‭ ‬العام،‭ ‬بوصفها‭ ‬مجموعة‭ ‬نظامية‭ ‬من‭ ‬المفاهيم‭ ‬والأفكار‭ ‬والتصورات‭ ‬والعقائد‭ ‬والقيم،‭ ‬وبوصفها‭ ‬طرائق‭ ‬تفكير‭ ‬في‭ ‬شؤون‭ ‬الحياة‭ ‬والثقافة،‭ ‬هي‭ ‬مسألة‭ ‬تتصل‭ ‬بكل‭ ‬فرد،‭ ‬وتنعكس‭ ‬في‭ ‬أشكال‭ ‬الفن‭ ‬والأدب‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬المضامين‭ ‬التي‭ ‬يطرحها‭ ‬العمل‭ ‬أو‭ ‬النص‭. ‬لكل‭ ‬كاتب‭ ‬موقفه‭ ‬الخاص،‭ ‬ورؤيته‭ ‬الخاصة‭ ‬للواقع،‭ ‬والتي‭ ‬تنعكس‭ ‬بالضرورة‭ ‬في‭ ‬نصه‭.‬

لكن‭ ‬الإشكالية‭ ‬تكمن‭ ‬في‭ ‬ذاك‭ ‬الأيديولوجي‭ ‬الذي‭ ‬يشايع‭ ‬نظاماً‭ ‬أو‭ ‬معتقداً‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬التعصب،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬يحاول‭ ‬فرض‭ ‬رؤيته‭ ‬وأفكاره‭ ‬ومعتقداته‭ ‬على‭ ‬الآخرين‭ ‬عنوةً‭ ‬وقسراً‭. ‬هذا‭ ‬ما‭ ‬أرادت‭ ‬‮«‬الواقعية‭ ‬الاشتراكية‮»‬‭ ‬‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬‭ ‬أن‭ ‬تفعله‭ ‬في‭ ‬الوسط‭ ‬الأدبي،‭ ‬في‭ ‬الستينيات‭ ‬والسبعينيات‭. ‬وهو‭ ‬مفهوم‭ ‬أو‭ ‬اتجاه‭ ‬عقيم‭ ‬يمجّد‭ ‬الطبقة‭ ‬العاملة‭ ‬ويدافع‭ ‬عنها،‭ ‬ويدعو‭ ‬إلى‭ ‬إقامة‭ ‬مجتمع‭ ‬تذوب‭ ‬فيه‭ ‬الفوارق‭ ‬الطبقية،‭ ‬وفي‭ ‬المقابل،‭ ‬يسعى‭ ‬إلى‭ ‬كبح‭ ‬أي‭ ‬توجّه‭ ‬شكلاني‭ ‬لا‭ ‬يكرّس‭ ‬نفسه‭ ‬للثورة‭ ‬والالتزام‭ ‬بتطلعات‭ ‬الجماهير‭. ‬هذا‭ ‬الاتجاه‭ ‬أرادت‭ ‬الأحزاب‭ ‬الشيوعية‭ ‬فرضه‭ ‬بالقوة،‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الفن‭ ‬والأدب،‭ ‬لكنها‭ ‬لم‭ ‬تنجح‭ ‬في‭ ‬ذلك،‭ ‬لأنها‭ ‬ببساطة‭ ‬كانت‭ ‬تصادر‭ ‬حرية‭ ‬الفنان‭ ‬أو‭ ‬الأديب‭ ‬في‭ ‬إبداع‭ ‬ما‭ ‬يراه‭ ‬وما‭ ‬يحسّه‭ ‬وما‭ ‬يؤمن‭ ‬به‭.‬

إن‭ ‬إخضاع‭ ‬الأدب‭ ‬للأيديولوجيا،‭ ‬بالمعنى‭ ‬السلبي‭ ‬المضاد‭ ‬لحرية‭ ‬الكاتب،‭ ‬لا‭ ‬ينتج‭ ‬إلا‭ ‬خطاباً‭ ‬دعائياً‭ ‬فجًّا،‭ ‬يروّج‭ ‬لأفكارٍ‭ ‬وتوجهات‭ ‬سياسية،‭ ‬دونما‭ ‬اكتراث‭ ‬بالعناصر‭ ‬الفنية‭ ‬والخاصيات‭ ‬الجمالية‭. ‬

ينبغي‭ ‬على‭ ‬النص‭ ‬أن‭ ‬يتخطى‭ ‬الأيديولوجي‭ ‬ليصل‭ ‬إلى‭ ‬فضاء‭ ‬إنساني‭ ‬كوني،‭ ‬أكثر‭ ‬حرية‭ ‬ومرونة‭.‬

{ ‭- ‬ما‭ ‬سبب‭ ‬ميلك‭ ‬للرمزية‭ ‬واللغة‭ ‬الاستعارية‭ ‬الكثيفة‭ ‬في‭ ‬المنجز‭ ‬السردي؟

‭- ‬في‭ ‬بداياتنا‭ ‬كنا‭ ‬نتعامل‭ ‬مع‭ ‬الرموز‭ ‬بسذاجة‭ ‬وضحالة‭ ‬فكرية،‭ ‬معتقدين‭ ‬أن‭ ‬بإمكاننا‭ ‬مراوغة‭ ‬السلطة‭ ‬السياسية‭ ‬وجهازها‭ ‬الرقابي‭ ‬باستخدام‭ ‬الوردة‭ ‬الحمراء‭ ‬‭ ‬مثلاً‭ ‬‭ ‬كرمز‭ ‬للثورة،‭ ‬والشمس‭ ‬كرمز‭ ‬للحرية،‭ ‬وهكذا‭. ‬عندما‭ ‬نمت‭ ‬الحركة‭ ‬الأدبية‭ ‬ونضجت،‭ ‬خرجنا‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬الدائرة‭ ‬المغلقة،‭ ‬لننطلق‭ ‬إلى‭ ‬فضاء‭ ‬أرحب‭ ‬وآفاق‭ ‬أوسع‭ ‬من‭ ‬التعبير‭.‬

إذا‭ ‬وجدتَ‭ ‬في‭ ‬نصوصي‭ ‬ابتعاداً‭ ‬عن‭ ‬التقريرية‭ ‬والمباشرة،‭ ‬وتوكيداً‭ ‬على‭ ‬المجاز‭ ‬والرمز‭ ‬والصور‭ ‬البلاغية،‭ ‬فذلك‭ ‬لأنني‭ ‬أحاول‭ ‬إثراء‭ ‬الصورة‭ ‬الأدبية،‭ ‬وتوسيع‭ ‬دلالتها،‭ ‬وتعميق‭ ‬أبعادها‭ ‬الفنية‭ ‬والجمالية،‭ ‬بغية‭ ‬تحريك‭ ‬ذهنية‭ ‬القارئ‭ ‬وتحفيزه‭ ‬على‭ ‬المشاركة‭ ‬الفعالة‭.‬

{ ‭- ‬لوحظ‭ ‬إعطاؤك‭ ‬عنصر‭ ‬الوصف‭ ‬أهمية‭ ‬بارزة‭ ‬في‭ ‬تحويل‭ ‬الملفوظات‭ ‬المكتوبة‭ ‬لمشهد‭ ‬مرئي‭ ‬ومسموع‭ ‬في‭ ‬إبداعك‭ ‬السردي،‭ ‬فكيف‭ ‬تفسر‭ ‬ذلك؟‭  ‬

‭- ‬الوصف‭ ‬وسيلة‭ ‬من‭ ‬وسائل‭ ‬التعبير،‭ ‬وهي‭ ‬موظفة‭ ‬‭ ‬في‭ ‬نصوصي‭ ‬‭ ‬لغاية‭ ‬جمالية،‭ ‬وليس‭ ‬فقط‭ ‬لنقل‭ ‬معلومة‭ ‬أو‭ ‬لوصف‭ ‬ظاهر‭ ‬الأشياء‭ ‬بموضوعية‭.‬

الكاتب،‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬إغناء‭ ‬الصورة‭ ‬الفنية،‭ ‬وضمان‭ ‬قدرتها‭ ‬على‭ ‬إحداث‭ ‬التفاعل‭ ‬والتأثير،‭ ‬من‭ ‬حقه‭ ‬أن‭ ‬يلجأ‭ ‬إلى‭ ‬استخدام‭ ‬كل‭ ‬وسائل‭ ‬التعبير‭ ‬والبلاغة‭ ‬المتاحة‭. ‬

{ ‭- ‬يرى‭ ‬بعض‭ ‬النقاد‭ ‬أن‭ ‬أمين‭ ‬صالح‭ ‬لا‭ ‬يهتم‭ ‬بالحدث‭ ‬والحبكة‭ ‬الفنية‭ ‬بقدر‭ ‬اهتمامه‭ ‬بالزخرفة‭ ‬اللغوية‭ ‬في‭ ‬منجزه‭ ‬السردي،‭ ‬فإلام‭ ‬تعزو‭ ‬ذلك؟‭  ‬

‭- ‬أنا‭ ‬اعتني‭ ‬باللغة،‭ ‬وأشحذها‭ ‬وأصقلها‭ ‬وألهو‭ ‬معها‭ ‬وأتلاعب‭ ‬بها‭ ‬واستثمر‭ ‬طاقاتها،‭ ‬لأنها‭ ‬أداتي‭ ‬التي‭ ‬بها‭ ‬أعبّر‭ ‬عن‭ ‬ذاتي‭ ‬وعن‭ ‬واقعي،‭ ‬تماماً‭ ‬مثلما‭ ‬يفعل‭ ‬الموسيقي‭ ‬مع‭ ‬آلته،‭ ‬والرسام‭ ‬مع‭ ‬ألوانه،‭ ‬والممثل‭ ‬مع‭ ‬جسده‭. ‬من‭ ‬دون‭ ‬فعل‭ ‬هذا،‭ ‬سوف‭ ‬تكون‭ ‬لغتي‭ ‬جافة،‭ ‬خاملة،‭ ‬مبتذلة،‭ ‬لا‭ ‬روح‭ ‬فيها،‭ ‬وحتماً‭ ‬سوف‭ ‬يعلوها‭ ‬الصدأ‭.‬

إنهم‭ ‬يسمّون‭ ‬ذلك‭ ‬زخرفةً،‭ ‬أنا‭ ‬أسمّيه‭ ‬بلاغة‭ ‬اللغة‭.. ‬البلاغة‭ ‬التي‭ ‬هي،‭ ‬في‭ ‬جوهرها،‭ ‬احتفاء‭ ‬باللغة‭.‬

ومن‭ ‬يقول‭ ‬أنَّني‭ ‬لا‭ ‬أهتم‭ ‬بالحدث،‭ ‬لا‭ ‬يقرأ‭ ‬نصوصي‭ ‬جيداً،‭ ‬أو‭ ‬أنه‭ ‬يرى‭ ‬إلى‭ ‬الحدث‭ ‬باعتباره‭ ‬دراماتيكياً‭ ‬أو‭ ‬ميلودرامياً‭ ‬فقط،‭ ‬أي‭ ‬ضاجاً‭ ‬ومبالغاً‭ ‬فيه‭. ‬عندما‭ ‬يلتقي‭ ‬رجل‭ ‬وامرأة‭ ‬في‭ ‬مقهى،‭ ‬ولا‭ ‬يدور‭ ‬بينهما‭ ‬حوار،‭ ‬ولا‭ ‬يحدث‭ ‬بينهما‭ ‬شيء،‭ ‬فهذا‭ ‬‭ ‬في‭ ‬حد‭ ‬ذاته‭ ‬‭ ‬حدث‭.. ‬حدث‭ ‬مشحون‭ ‬بالتوتر‭ ‬والانفعالات‭ ‬الداخلية‭. ‬

إن‭ ‬نصوصي‭ ‬مليئة‭ ‬بالأحداث،‭ ‬فكيف‭ ‬لا‭ ‬أهتم‭ ‬بها‭. ‬

{ ‭- ‬هل‭ ‬ترى‭ ‬أن‭ ‬الرواية‭ ‬البحرينية‭ ‬الحديثة‭ ‬امتداد‭ ‬للرواية‭ ‬البحرينية‭ ‬في‭ ‬الجيل‭ ‬القديم؟

‭- ‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬هناك‭ ‬فارق‭ ‬زمني‭ ‬واسع‭ ‬بين‭ ‬الرواية‭ ‬في‭ ‬بداياتها،‭ ‬في‭ ‬البحرين،‭ ‬والرواية‭ ‬الراهنة،‭ ‬بحيث‭ ‬يسمح‭ ‬لنا‭ ‬بالحديث‭ ‬عن‭ ‬اختلافات‭ ‬وتماثلات‭ ‬وتمايزات‭ ‬وتأثيرات‭ ‬وخصائص‭ ‬مشتركة‭. ‬المسافة‭ ‬زمنياً‭ ‬قصيرة،‭ ‬وعدد‭ ‬من‭ ‬الذين‭ ‬كانوا‭ ‬يكتبون‭ ‬آنذاك‭ ‬لا‭ ‬يزالون‭ ‬ينتجون‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الحاضر‭.‬

إن‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬مؤكد‭ ‬أن‭ ‬الرواية‭ ‬البحرينية،‭ ‬سابقاً‭ ‬وراهناً،‭ ‬هي‭ ‬امتداد‭ ‬للرواية‭ ‬العربية‭ ‬بشكل‭ ‬عام،‭ ‬مع‭ ‬تأثر‭ ‬جلي‭ ‬بالرواية‭ ‬الأجنبية،‭ ‬كما‭ ‬نلاحظها‭ ‬الآن‭ ‬مع‭ ‬جيل‭ ‬الانترنت‭ ‬ووسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭. ‬

{ ‭- ‬كيف‭ ‬تنظر‭ ‬إلى‭ ‬مستقبل‭ ‬السرد‭ ‬في‭ ‬البحرين؟‭ ‬

‭- ‬لست‭ ‬رائياً‭ ‬ولا‭ ‬قارئاً‭ ‬للمستقبل‭ ‬لكي‭ ‬أتنبأ‭ ‬بما‭ ‬سيكون‭ ‬عليه‭ ‬السرد‭ ‬غداً،‭ ‬لكن‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬اطّلاعي‭ ‬على‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الكتابات‭ ‬السردية‭ ‬عندنا،‭ ‬أستطيع‭ ‬القول‭ ‬بأن‭ ‬لدينا‭ ‬مواهب‭ ‬حقيقية‭ ‬وجادة،‭ ‬وسيكون‭ ‬لها‭ ‬حضوراً‭ ‬لافتاً‭ ‬في‭ ‬ساحتنا‭ ‬الثقافية‭.‬

{ ‭- ‬هل‭ ‬يحاول‭ ‬أمين‭ ‬صالح‭ ‬أن‭ ‬يشكّل‭ ‬مدرسة‭ ‬لها‭ ‬خصائصها‭ ‬الفنية‭ ‬في‭ ‬إنتاجه‭ ‬السردي؟

‭- ‬مدرسة؟‭! ‬أنا؟‭! ‬لا،‭ ‬على‭ ‬الإطلاق‭.‬

مازلت‭ ‬أتعلم‭. ‬أنهل‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬ومن‭ ‬ذاك‭. ‬استعير‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬ومن‭ ‬ذاك‭. ‬وأجرّب‭ ‬أدواتي‭ ‬ووسائلي‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬أصل‭ ‬إلى‭ ‬مكان‭ ‬ما،‭ ‬واستقر‭ ‬في‭ ‬مكان‭ ‬ما‭. ‬الرحلة‭ ‬لم‭ ‬تنته‭. ‬بيني‭ ‬وبين‭ ‬المحطة‭ ‬التالية‭ ‬مسافة‭ ‬طويلة‭ ‬ومساحة‭ ‬شاسعة،‭ ‬وكل‭ ‬ما‭ ‬أرجوه‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬خطواتي‭ ‬ثابتة،‭ ‬لا‭ ‬رعشة‭ ‬فيها،‭ ‬وأن‭ ‬تكون‭ ‬جديرة‭ ‬بالطريق‭ ‬الذي‭ ‬سلكته‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا