العدد : ١٧١٧٦ - الأربعاء ٠٢ أبريل ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٤ شوّال ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧١٧٦ - الأربعاء ٠٢ أبريل ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٤ شوّال ١٤٤٦هـ

الثقافي

نبض: هل لك يا أمي عيد يشبه عيد الحب!

بقلم: علي الستراوي

السبت ٢٩ مارس ٢٠٢٥ - 02:00

‭ (‬تمرُّ‭ ‬سنوات‭ ‬عمركِ‭ ‬في‭ ‬الغياب‭.. ‬

والبيتُ‭ ‬يا‭ ‬أمي‭ ‬صامتٌ‭ ‬حزين‭ ‬

يبحثُ‭ ‬عن‭ ‬طيفكِ‭ ‬في‭ ‬الدهاليز‭ ‬الضيقةِ،‭ ‬

لا‭ ‬ألفةٌ‭ ‬ظلّتْ‭..‬

ولا‭ ‬أنجمٌ‭ ‬انتظرتكِ‭..‬

ولا‭ ‬شجرةٌ‭ ‬كانت‭ ‬موطناً‭ ‬للعصافير‭..‬

بعدكِ‭ ‬بقتْ‭ ‬في‭ ‬الفناءِ‭ ‬الكبير‭)‬

 

لم‭ ‬تغب‭ ‬يوماً‭ ‬عن‭ ‬ذاكرتي،‭ ‬ولم‭ ‬انشغل‭ ‬عن‭ ‬سواها‭ ‬بما‭ ‬يبعدني‭ ‬عنها‭ ‬أو‭ ‬يأخذُ‭ ‬أحد‭ ‬مكانها،‭ ‬هي‭ ‬الروح‭ ‬وإن‭ ‬اكتظت‭ ‬بي‭ ‬الأيام‭ ‬وتجاسرت‭ ‬عليّ‭ ‬بخطوبها‭ ‬تظل‭ ‬معي‭ ‬حاضرة‭ ‬كأنها‭ ‬لم‭ ‬تغادرنا،‭ ‬ففي‭ ‬كل‭ ‬عام‭ ‬أرى‭ ‬في‭ ‬الضيف‭ ‬العزيز‭ ‬ما‭ ‬يوقظ‭ ‬ذاكرتي‭ ‬بوجودها‭ ‬بجنبي،‭ ‬تخيط‭ ‬فتق‭ ‬ثوبي‭ ‬وتلقمني‭ (‬اللقيمات‭) ‬وتملأ‭ ‬السفرة‭ ‬بأنواع‭ ‬كثيرة‭ ‬بينها‭ ‬الحلو‭ ‬والمالح،‭ ‬هي‭ ‬الأول‭ ‬في‭ ‬الحب‭ ‬وهي‭ ‬الآخر‭ ‬في‭ ‬تجوسقها‭ ‬فوق‭ ‬قلبي،‭ ‬هي‭ ‬العشق‭ ‬العفيف‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬استبداله‭ ‬بآخر‭.‬

إنها‭ ‬تقدمت‭ ‬يوم‭ ‬تأخر‭ ‬الآخرون،‭ ‬أعطتني‭ ‬دون‭ ‬مقابل‭ ‬ودون‭ ‬أن‭ ‬اطلب‭ ‬منها،‭ ‬كونها‭ ‬تعرف‭ ‬ما‭ ‬بداخلي‭ ‬وما‭ ‬الذي‭ ‬كنتُ‭ ‬أريده،‭ ‬هداياها‭ ‬ليس‭ ‬لها‭ ‬حدود،‭ ‬وعطاؤها‭ ‬لا‭ ‬يضمحل‭ ‬أو‭ ‬تجف‭ ‬أوراق‭ ‬ربيعه،‭ ‬تقدمت‭ ‬بعيد‭ ‬حبها‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬أدرك‭ ‬أن‭ ‬للأم‭ ‬عيد‭ ‬حب‭ ‬يحتفل‭ ‬به‭ ‬كل‭ ‬عام‭ ‬نساء‭ ‬العالم‭ ‬في‭ ‬21‭ ‬من‭ ‬مارس،‭ ‬فهل‭ ‬تدرك‭ ‬أمي‭ ‬أي‭ ‬عيد‭ ‬هي‭ ‬وأي‭ ‬رسالة‭ ‬إلهية‭ ‬خالدة‭ ‬في‭ ‬قلبي،‭ ‬تنمو‭ ‬كلما‭ ‬شدّ‭ ‬الزمان‭ ‬وقسا‭!‬

في‭ ‬كل‭ ‬عام‭ ‬يحل‭ ‬علينا‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭ ‬المبارك‭ ‬تبرز‭ ‬صورة‭ ‬أمي‭ ‬أمامي‭ ‬بشموخها‭ ‬وبحنانها‭ ‬وبصلابتها‭ ‬وخوفها‭ ‬ولهفتها‭ ‬على‭ ‬أولادها‭ ‬وإدارتها‭ ‬القوية‭ ‬والمتمكنة‭ ‬منها‭ ‬في‭ ‬توزيع‭ ‬المهام‭ ‬البيتية‭ ‬وما‭ ‬يجب‭ ‬القيام‭ ‬به‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الشهر‭ ‬الكريم،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تلين‭ ‬في‭ ‬الواجبات‭ ‬أو‭ ‬تستعطف‭ ‬أحداً،‭ ‬تؤكد‭ ‬أن‭ ‬الصيام‭ ‬له‭ ‬واجبات‭ ‬كما‭ ‬أوجبها‭ ‬الله‭ ‬وأوصانا‭ ‬بها‭ ‬نبينا‭ ‬والعترة‭ ‬الطاهرة‭ ‬التمسك‭ ‬بها‭ ‬وأدائها‭ ‬بأمانة‭ ‬وإخلاص،‭ ‬بقلب‭ ‬إيماني‭ ‬حمل‭ ‬مهمة‭ ‬واجبات‭ ‬الشهر‭ ‬الكريم،‭ ‬تنبه‭ ‬كبيرنا‭ ‬قبل‭ ‬صغيرنا‭ ‬بأهمية‭ ‬صيام‭ ‬هذا‭ ‬الشهر‭ ‬الفضيل‭.‬

وقبل‭ ‬بضعة‭ ‬أيام‭ ‬تستعد‭ ‬للضيف‭ ‬القادم،‭ ‬تزين‭ ‬البيت‭ ‬بما‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬عليه‭ ‬في‭ ‬استقبال‭ ‬خصوصية‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭ ‬عن‭ ‬الأشهر‭ ‬الأخرى‭.‬

نلتف‭ ‬جميعاً‭ ‬أخوتي‭ ‬وأخواتي،‭ ‬حول‭ ‬أمي،‭ ‬ننصتُ‭ ‬لها‭ ‬ولا‭ ‬أحد‭ ‬يستطيع‭ ‬مخالفتها،‭ ‬فهي‭ ‬ربان‭ ‬السفينة‭ ‬وهي‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تهادن‭ ‬في‭ ‬الواجبات‭.‬

توزع‭ ‬يومها‭ ‬في‭ ‬استقبال‭ ‬الشهر‭ ‬بين‭ ‬العبادة‭ ‬وبين‭ ‬المطبخ‭ ‬وهي‭ ‬العارفة‭ ‬بمذاق‭ ‬كل‭ ‬واحد‭ ‬منا‭ ‬وماذا‭ ‬يحب‭ ‬أن‭ ‬يأكل‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الشهر‭ ‬رغم‭ ‬التعتير‭ ‬والفقر‭ ‬الذي‭ ‬نعيشه‭ ‬فلا‭ ‬تشعرنا‭ ‬أمي‭ ‬بأن‭ ‬هناك‭ ‬ما‭ ‬يعكر‭ ‬صفوتنا،‭ ‬لا‭ ‬نحس‭ ‬ولا‭ ‬نعرف‭ ‬كيف‭ ‬لأمي‭ ‬توضيب‭ ‬سفرة‭ ‬الفطور‭ ‬بأنواع‭ ‬مختلفة‭ ‬بينها‭ ‬جميع‭ ‬أصناف‭ ‬الطعام‭ ‬وهي‭ ‬التي‭ ‬ودعتنا‭ ‬في‭ ‬السادس‭ ‬من‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭ ‬قبل‭ ‬سنوات‭ ‬رحمة‭ ‬الله‭ ‬عليها‭.‬

ورغم‭ ‬مرور‭ ‬تلك‭ ‬السنوات‭ ‬فإنني‭ ‬لا‭ ‬زلتُ‭ ‬اشعر‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬عام‭ ‬يهل‭ ‬فيه‭ ‬هلال‭ ‬مقدمه‭ ‬بأن‭ ‬امي‭ ‬مازالت‭ ‬معنا،‭ ‬ففي‭ ‬ذكرياتها‭ ‬ما‭ ‬يفيض‭ ‬علينا‭ ‬بالحب‭ ‬برغم‭ ‬ما‭ ‬نحسه‭ ‬بألم‭ ‬الفقد،‭ ‬فنشغل‭ ‬أنفسنا‭ ‬بتلاوة‭ ‬القرآن‭ ‬والأدعية‭ ‬التي‭ ‬تصب‭ ‬أجواءها‭ ‬الهدوء‭ ‬والسكينة‭ ‬على‭ ‬النفس،‭ ‬كونها‭ ‬نفحات‭ ‬رحمانية‭ ‬تدعنا‭ ‬أن‭ ‬نترحم‭ ‬على‭ ‬من‭ ‬كانوا‭ ‬بالأمس‭ ‬معنا‭ ‬واليوم‭ ‬غادرونا‭.‬

وفي‭ ‬اكتظاظ‭ ‬صعوبة‭ ‬الحياة‭ ‬ومشاغل‭ ‬الدنيا‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تنتهي‭ ‬اتذكر‭ ‬ان‭ ‬أمي‭ ‬لو‭ ‬كانت‭ ‬بجنبي‭ ‬للاطفتني‭ ‬بحنانها‭ ‬وبما‭ ‬تحمله‭ ‬من‭ ‬طيبة‭ ‬ومحبة،‭ ‬لم‭ ‬أر‭ ‬بعد‭ ‬عينها‭ ‬ما‭ ‬يشبه‭ ‬حنان‭ ‬امي‭ ‬وخوفها‭ ‬ولهفتها‭ ‬علي‭ ‬وعلى‭ ‬إخوتي‭ ‬وأخواتي،‭ ‬كانت‭ ‬كالطير‭ ‬المذبوح‭ ‬إذا‭ ‬تأخر‭ ‬أحدنا‭ ‬في‭ ‬الرجوع‭ ‬إلى‭ ‬المنزل‭ ‬كما‭ ‬هي‭ ‬تريد،‭ ‬تراها‭ ‬تقيس‭ ‬المسافة‭ ‬بقدميها‭ ‬وبين‭ ‬فناء‭ ‬البيت‭ ‬وبابه،‭ ‬تترقب‭ ‬بلهفة‭  ‬من‭ ‬يفتح‭ ‬الباب‭ ‬وعينيها‭ ‬تحمر‭ ‬تارة‭ ‬وأخرى‭ ‬تدمع‭ ‬بالبكاء،‭ ‬ولحظة‭ ‬رجوع‭ ‬غائبها‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬العوارض‭ ‬التي‭ ‬صبغتها‭ ‬بالحزن‭  ‬تختفي،‭ ‬تبتسم‭ ‬وهي‭ ‬مطمئنة‭ ‬أن‭ ‬أولاده‭ ‬الذكور‭ ‬والإناث‭ ‬بين‭ ‬جناحيها،‭ ‬عندها‭ ‬تطمئن‭ ‬أن‭ ‬جميع‭ ‬فلذات‭  ‬أكبادها‭ ‬بين‭ ‬حضنها‭ ‬في‭ ‬أمان‭. ‬

كل‭ ‬شي‭ ‬يذكرني‭ ‬بها،‭ ‬فهل‭ ‬كان‭ ‬لأمي‭ ‬يوم‭ ‬يسمى‭ ‬بعيد‭ ‬الحب‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬السنوات؟

لا‭ ‬يوجد‭ ‬ما‭ ‬يشبه‭ ‬اليوم،‭ ‬عيد‭ ‬أمي‭ ‬هو‭ ‬عيد‭ ‬وجود‭ ‬أحبتها‭ ‬بينها،‭ ‬لا‭ ‬تسأل‭ ‬من‭ ‬يقدم‭ ‬لها‭ ‬هدية‭ ‬ولا‭ ‬من‭ ‬يساعدها‭ ‬في‭ ‬إعداد‭ ‬الفطور،‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬تتقدم‭ ‬الكل‭ ‬وتحتضن‭ ‬العائلة‭ ‬وحدها‭ ‬ترتب‭ ‬ما‭ ‬يبهج‭ ‬صغارها‭ ‬ويفرح‭ ‬رجل‭ ‬البيت‭ ‬من‭ ‬أصناف‭ ‬الطعام،‭ ‬لا‭ ‬تتأفف‭ ‬ولا‭ ‬تضجر،‭ ‬صنعتها‭ ‬هي‭ ‬بناء‭ ‬أسرة‭ ‬هادئة‭ ‬دون‭ ‬خوف‭.‬

فالعيد‭ ‬يا‭ ‬أمي،‭ ‬أن‭ ‬يرفعك‭ ‬الله‭ ‬في‭ ‬اعلى‭ ‬عليين‭ ‬عند‭ ‬مليك‭ ‬مقتدر‭ ‬لا‭ ‬تجوعين‭ ‬ولا‭ ‬تعطشين،‭ ‬وأن‭ ‬يجعل‭ ‬روحك‭ ‬وروح‭ ‬أبي‭ ‬وكل‭ ‬أحبتي‭ ‬الذين‭ ‬غادرونا‭ ‬في‭ ‬هدوء‭ ‬وفي‭ ‬جنة‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬الوعد‭ ‬الإلهي‭ ‬لكل‭ ‬مؤمن‭ ‬شكور‭.‬

وإن‭ ‬قلت‭ ‬يا‭ ‬أمي‭: ‬أنك‭ ‬العيد،‭ ‬فأنت‭ ‬العيد‭ ‬كله‭ ‬وإن‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬ما‭ ‬يشبه‭ ‬عيد‭ ‬الحب‭ ‬عند‭ ‬جيل‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬وردة‭ ‬حمراء‭ ‬أو‭ ‬هدية‭ ‬في‭ ‬علبة‭ ‬مزركشة‭ ‬يهديها‭ ‬أبناء‭ ‬اليوم‭ ‬لأمهاتهم،‭ ‬كونك‭ ‬العيد‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يضمحل‭ ‬ولا‭ ‬يشبه‭ ‬أي‭ ‬عيد‭.‬

a‭.‬astrawi@gmail‭.‬com

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا