العدد : ١٦٨٤٩ - الجمعة ١٠ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ٠٢ ذو القعدة ١٤٤٥هـ

العدد : ١٦٨٤٩ - الجمعة ١٠ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ٠٢ ذو القعدة ١٤٤٥هـ

الرأي الثالث

محميد المحميد

malmahmeed7@gmail.com

ورحل قارئ دعاء السفر.. «بو عمران»

لطالما‭ ‬كنا‭ ‬نشغل‭ ‬جهاز‭ ‬‮«‬مسجل‮»‬‭ ‬السيارة‭ ‬أو‭ ‬الباص،‭ ‬ونحن‭ ‬على‭ ‬جسر‭ ‬الملك‭ ‬فهد‭ ‬متوجهين‭ ‬إلى‭ ‬المملكة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية‭ ‬لأداء‭ ‬مناسك‭ ‬العمرة‭ ‬أو‭ ‬أي‭ ‬مدينة‭ ‬أخرى،‭ ‬ونستمع‭ ‬إلى‭ ‬دعاء‭ ‬السفر‭ ‬بصوت‭ ‬الأستاذ‭ ‬أحمد‭ ‬محمد‭ ‬العلي‭ ‬‮«‬بوعمران‮»‬‭ ‬رحمه‭ ‬الله،‭ ‬في‭ ‬إلقاء‭ ‬عجيب‭ ‬يدخل‭ ‬القلب‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يدخل‭ ‬الأذن،‭ ‬ويلامس‭ ‬الفؤاد‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يلامس‭ ‬السمع‭.. ‬حتى‭ ‬أصبح‭ ‬صوت‭ ‬بوعمران‭ ‬أيقونة‭ ‬السفرات‭ ‬والرحلات‭.‬

بالأمس‭ ‬وبعد‭ ‬صلاة‭ ‬العصر‭ ‬ضجت‭ ‬مقبرة‭ ‬المحرق‭ ‬للصلاة‭ ‬على‭ ‬الراحل‭ ‬الأستاذ‭ ‬أحمد‭ ‬محمد‭ ‬العلي‭ ‬رحمه‭ ‬الله،‭ ‬وكان‭ ‬إمام‭ ‬صلاة‭ ‬الجنازة‭ ‬القاضي‭ ‬الجليل‭ ‬والشيخ‭ ‬الفاضل‭ ‬عدنان‭ ‬القطان،‭ ‬ووجدت‭ ‬في‭ ‬وجوه‭ ‬الحاضرين‭ ‬من‭ ‬رفقاء‭ ‬دربه‭ ‬وتلاميذه‭ ‬وأحبابه،‭ ‬وأفراد‭ ‬أسرته‭ ‬الكريمة،‭ ‬وهم‭ ‬يسجونه‭ ‬في‭ ‬قبره،‭ ‬شريطا‭ ‬من‭ ‬الذكريات‭ ‬الجميلة‭ ‬مع‭ ‬الراحل،‭ ‬سواء‭ ‬خلال‭ ‬أيام‭ ‬الدراسة،‭ ‬أو‭ ‬الرحلات‭ ‬والسفرات،‭ ‬أو‭ ‬اللقاءات‭ ‬والتجمعات،‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬الصلاة‭ ‬خلفه‭ ‬بصوته‭ ‬الندي‭.   ‬

للأستاذ‭ ‬الراحل‭ ‬أحمد‭ ‬محمد‭ ‬العلي‭ ‬صوت‭ ‬جميل‭ ‬جدا،‭ ‬وكأنه‭ ‬أوتي‭ ‬مزمارا‭ ‬من‭ ‬مزامير‭ ‬سيدنا‭ ‬داود‭ ‬عليه‭ ‬السلام،‭ ‬من‭ ‬شدة‭ ‬جمال‭ ‬صوته،‭ ‬وكثيرا‭ ‬ما‭ ‬صليت‭ ‬وراءه‭ ‬صلاة‭ ‬التراويح‭ ‬والقيام‭ ‬خلال‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭ ‬في‭ ‬سنوات‭ ‬مضت،‭ ‬وكانت‭ ‬الصلاة‭ ‬خلفه‭ ‬مثل‭ ‬المباريات‭ ‬الرائعة‭ ‬في‭ ‬جودة‭ ‬الأداء‭ ‬وجمال‭ ‬الأصوات،‭ ‬حيث‭ ‬كان‭ ‬يجتمع‭ ‬في‭ ‬صلاة‭ ‬التراويح‭ ‬بالمحرق‭ ‬في‭ ‬مسجد‭ ‬واحد،‭ ‬الشيخ‭ ‬عدنان‭ ‬القطان،‭ ‬والأستاذ‭ ‬أحمد‭ ‬يوسف،‭ ‬والشيخ‭ ‬عبدالباسط‭ ‬الشاعر،‭ ‬والمؤذن‭ ‬الأستاذ‭ ‬يوسف‭ ‬الزياني،‭ ‬وكان‭ ‬الحضور‭ ‬لهم‭ ‬كحضور‭ ‬أوركسترا‭ ‬قرآنية،‭ ‬للاستماع‭ ‬إلى‭ ‬سيمفونية‭ ‬رائعة‭ ‬قلما‭ ‬تستمع‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬أيامنا‭ ‬هذه‭.‬

‭ ‬وقد‭ ‬حظيت‭ ‬شخصيا‭ ‬بعلاقة‭ ‬طيبة‭ ‬مع‭ ‬الأستاذ‭ ‬الراحل‭ ‬أحمد‭ ‬العلي‭ ‬رحمه‭ ‬الله،‭ ‬حيث‭ ‬كنت‭ ‬مدرسا‭ ‬لابنه‭ ‬الأصغر‭ ‬عيسى،‭ ‬وزميلا‭ ‬لابنه‭ ‬الأكبر‭ ‬عمران،‭ ‬وكان‭ ‬مدير‭ ‬المدرسة‭ ‬شقيقه‭ ‬المربي‭ ‬الفاضل‭ ‬الأستاذ‭ ‬القدير‭ ‬يوسف‭ ‬محمد‭ ‬العلي‭.. ‬ولطالما‭ ‬كان‭ ‬يوصيني‭ ‬بأبنائه‭ ‬ويقول‭ ‬لي‭: ‬إنك‭ ‬والدهم‭ ‬هنا‭ ‬في‭ ‬المدرسة،‭ ‬ولك‭ ‬كل‭ ‬الاحترام‭ ‬والأمانة‭ ‬في‭ ‬تعليمهم‭ ‬وتربيتهم،‭ ‬ولا‭ ‬أذكر‭ ‬أنه‭ ‬اشتكى‭ ‬يوما‭ ‬من‭ ‬تأخر‭ ‬مستواهم‭ ‬الدراسي،‭ ‬بل‭ ‬كان‭ ‬مشجعا‭ ‬ومثمنا‭ ‬لكل‭ ‬ما‭ ‬أقوم‭ ‬به‭ ‬لهم‭ ‬ولكل‭ ‬الطلاب‭.. ‬أقول‭ ‬هذا‭ ‬الكلام‭ ‬وأسرد‭ ‬هذا‭ ‬الحديث‭ ‬حينما‭ ‬كنا‭ ‬نجد‭ ‬من‭ ‬أولياء‭ ‬أمور‭ ‬من‭ ‬يقدر‭ ‬ويتفهم‭ ‬عمل‭ ‬المدرس‭ ‬والمربي‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬السنوات‭.‬

حينما‭ ‬وقف‭ ‬الشيخ‭ ‬عدنان‭ ‬القطان‭ ‬يدعو‭ ‬للراحل‭ ‬أمام‭ ‬قبره‭ ‬ويسأل‭ ‬الله‭ ‬له‭ ‬بالتثبيت،‭ ‬كان‭ ‬الجميع‭ ‬يقول‭ ‬‮«‬آمين‮»‬‭.. ‬ووجدت‭ ‬الشيخ‭ ‬إبراهيم‭ ‬الحادي‭ ‬والشيخ‭ ‬جلال‭ ‬الشرقي‭ ‬والسفير‭ ‬وحيد‭ ‬سيار‭ ‬والدكتور‭ ‬أسامة‭ ‬العلي،‭ ‬والعديد‭ ‬من‭ ‬المشايخ‭ ‬والشخصيات‭ ‬والأفراد،‭ ‬ممن‭ ‬حرص‭ ‬على‭ ‬الحضور‭ ‬في‭ ‬المقبرة‭ ‬بالمحرق،‭ ‬حتى‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬مقيما‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬بعيدة،‭ ‬ولكن‭ ‬الجميع‭ ‬حرص‭ ‬على‭ ‬الوجود‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬اللحظات‭ ‬المهيبة،‭ ‬وفاء‭ ‬وتقديرا‭ ‬للراحل‭ ‬الكريم‭.‬

سيظل‭ ‬الأستاذ‭ ‬أحمد‭ ‬محمد‭ ‬يوسف‭ ‬العلي‭ ‬رحمه‭ ‬الله،‭ ‬شاهدا‭ ‬على‭ ‬حقبة‭ ‬زمنية‭ ‬جميلة،‭ ‬لإنسان‭ ‬حمل‭ ‬في‭ ‬قلبه‭ ‬كل‭ ‬الحب‭ ‬والتقدير‭ ‬للجميع،‭ ‬فبادله‭ ‬الناس‭ ‬وجموع‭ ‬الحاضرين‭ ‬عند‭ ‬رحيله‭ ‬حبا‭ ‬وتقديرا،‭ ‬ووفاء‭ ‬ودعاء‭.  ‬

خالص‭ ‬التعازي‭ ‬والمواساة‭ ‬لأسرة‭ ‬وعائلة‭ ‬الأستاذ‭ ‬أحمد‭ ‬يوسف‭ ‬العلي‭ ‬رحمه‭ ‬الله،‭ ‬وأسكنه‭ ‬فسيح‭ ‬جناته،‭ ‬وألهمهم‭ ‬الصبر‭ ‬والسلوان‭ ‬والأجر‭ ‬والثواب،‭ ‬وسيظل‭ ‬دعاء‭ ‬السفر‭ ‬المسجل‭ ‬بصوته‭ ‬رحمه‭ ‬الله،‭ ‬وكأنه‭ ‬يردد‭ ‬في‭ ‬أذني‭ ‬الآن‭ ‬قائلا‭: ((‬الله‭ ‬أكبر،‭ ‬الله‭ ‬أكبر،‭ ‬الله‭ ‬أكبر‭.. ‬سبحان‭ ‬الذي‭ ‬سخر‭ ‬لنا‭ ‬هذا‭ ‬وما‭ ‬كنا‭ ‬له‭ ‬مقرنين،‭ ‬وإنا‭ ‬إلى‭ ‬ربنا‭ ‬لمنقلبون،‭ ‬اللهم‭ ‬إنا‭ ‬نسألك‭ ‬في‭ ‬سفرنا‭ ‬هذا‭ ‬البر‭ ‬والتقوى،‭ ‬ومن‭ ‬العمل‭ ‬ما‭ ‬ترضى،‭ ‬اللهم‭ ‬هون‭ ‬علينا‭ ‬سفرنا‭ ‬هذا،‭ ‬واطو‭ ‬عنا‭ ‬بعده،‭ ‬اللهم‭ ‬أنت‭ ‬الصاحب‭ ‬في‭ ‬السفر،‭ ‬والخليفة‭ ‬في‭ ‬الأهل،‭ ‬اللهم‭ ‬إني‭ ‬أعوذ‭ ‬بك‭ ‬من‭ ‬وعثاء‭ ‬السفر،‭ ‬وكآبة‭ ‬المنظر،‭ ‬وسوء‭ ‬المنقلب،‭ ‬في‭ ‬المال‭ ‬والأهل‭)).‬

إقرأ أيضا لـ"محميد المحميد"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا