العدد : ١٦٩٧٨ - الاثنين ١٦ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٣ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٦٩٧٨ - الاثنين ١٦ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٣ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

قراءة مختلفة لواقع المجتمع الإسرائيلي

بقلم: د. أسعد عبدالرحمن

الجمعة ٢٨ أبريل ٢٠٢٣ - 02:00

يعلمنا‭ ‬التاريخ‭ ‬الحديث‭ ‬أن‭ ‬عديدا‭ ‬من‭ ‬البلدان‭ ‬نجحت‭ ‬خلال‭ ‬عقود‭ ‬قليلة‭ ‬وربما‭ ‬سنوات‭ ‬في‭ ‬مواكبة‭ ‬العلم‭ ‬الحديث‭ ‬بأنواعه‭ ‬المتعددة،‭ ‬وبالتالي‭ ‬رفعت‭ ‬من‭ ‬شأنها‭ ‬بين‭ ‬الدول‭ ‬الكبار‭. ‬حققت‭ ‬ذلك‭ ‬ألمانيا‭ ‬واليابان‭ ‬بعد‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية،‭ ‬ودول‭ ‬شرق‭ ‬آسيا‭ ‬في‭ ‬ثمانينيات‭ ‬القرن‭ ‬العشرين،‭ ‬والهند‭ ‬في‭ ‬تسعينياته،‭ ‬وتركيا‭ ‬والبرازيل‭ ‬في‭ ‬بدايات‭ ‬القرن‭ ‬الواحد‭ ‬والعشرين‭ ‬وتحديدا‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2003،‭ ‬بل‭ ‬هذا‭ ‬ما‭ ‬تعمله‭ ‬اليوم‭ ‬دول‭ ‬إفريقية‭ ‬مثل‭ ‬إثيوبيا‭ ‬ورواندا‭.‬

ما‭ ‬يخص‭ ‬‮«‬إسرائيل‮»‬،‭ ‬كثيرون‭ ‬يؤمنون‭ ‬بحقيقة‭ ‬أنها‭ ‬دولة‭ ‬قوية‭ ‬عسكريا‭ ‬وأمنيا‭ ‬وتكنولوجيا‭ ‬وزراعيا‭ ‬واقتصاديا‭ ‬بل‭ ‬وفي‭ ‬كل‭ ‬المناحي‭ ‬الأخرى‭. ‬

هذه‭ ‬حقائق‭ ‬لا‭ ‬نستطيع‭ ‬أن‭ ‬نلغيها‭ ‬أو‭ ‬أن‭ ‬نهون‭ ‬منها‭. ‬وفي‭ ‬الوقت‭ ‬ذاته،‭ ‬هناك‭ ‬الانقسامات‭ ‬والشروخ‭ ‬في‭ ‬البنية‭ ‬الداخلية‭ ‬والفروقات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والطائفية‭ ‬والديموغرافية‭ ‬بين‭ ‬مكونات‭ ‬المجتمع‭ ‬السياسي‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬التي‭ ‬تجعل‭ ‬الكثيرين‭ ‬يقعون‭ ‬في‭ ‬فكي‭ ‬التقليل‭ ‬والتهوين‭ ‬من‭ ‬الميزات‭ ‬الإسرائيلية،‭ ‬وإضفاء‭ ‬صفة‭ ‬‮«‬البلد‭ ‬الأسطوري‮»‬‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الدولة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تهزم‮…‬‭ ‬إلخ‭. ‬وهناك‭ ‬الآخرون‭ ‬الذين‭ ‬يرون‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬‮«‬الدولة‮»‬‭ ‬تمثل‭ ‬شذاذ‭ ‬الآفاق‭ ‬وأن‭ ‬مجتمعها‭ ‬مكون‭ ‬من‭ ‬مجرد‭ ‬عصابات‭ ‬وهم‭ ‬جبناء‭ ‬كانوا‭ ‬يربطونهم‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬يهربوا‭ ‬من‭ ‬ساحة‭ ‬المعركة‭.‬

لا‭ ‬خلاف‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬الدولة‭ ‬الصهيونية‭ ‬التي‭ ‬أطلق‭ ‬عليها‭ ‬عديد‭ ‬الألقاب‭ ‬من‭ ‬مثل‭ ‬‮«‬ورم‭ ‬سرطاني‮»‬‭ ‬و«شذاذ‭ ‬الآفاق‮»‬‭ ‬ولم‭ ‬تكن‭ ‬لتصمد‭ ‬طوال‭ ‬هذه‭ ‬العقود‭ ‬لولا‭ ‬أنها،‭ ‬مع‭ ‬الدعم‭ ‬الغربي‭ ‬اللامحدود‭ ‬أساسا،‭ ‬اعتمدت‭ ‬على‭ ‬مبدأ‭ ‬أن‭ ‬‮«‬الصمود‮»‬‭ ‬و«البقاء‮»‬‭ ‬قائم‭ ‬على‭ ‬العلم‭ ‬وحولت‭ ‬نفسها‭ ‬بذلك‭ ‬إلى‭ ‬كيان‭ ‬عالمي‭ ‬لاستقطاب‭ ‬الشركات‭ ‬المتخصصة‭ ‬في‭ ‬تكنولوجيا‭ ‬المعلومات‭ ‬والبرمجيات‭ ‬المتطورة،‭ ‬ومنها‭ ‬برامج‭ ‬التجسس‭ ‬الإلكترونية،‭ ‬وباتت‭ ‬تبيع‭ ‬منتجاتها‭ ‬بأغلى‭ ‬الأسعار‭ ‬إلى‭ ‬الأنظمة‭ ‬العالمية‭ ‬لمحاربة‭ ‬الإرهاب،‭ ‬وإلى‭ ‬الأنظمة‭ ‬الشمولية‭ ‬لمراقبة‭ ‬المعارضين‭.‬

بل‭ ‬إن‭ ‬قطاع‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬في‭ ‬‮«‬إسرائيل‮»‬‭ ‬يأتي‭ ‬في‭ ‬المرتبة‭ ‬الثانية‭ ‬بعد‭ ‬وادي‭ ‬السيليكون‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬‮«‬المبادرات‮»‬‭. ‬ثم،‭ ‬على‭ ‬أسس‭ ‬علمية،‭ ‬حوّلت‭ ‬‮«‬الدولة‮»‬‭ ‬المجتمع‭ ‬إلى‭ ‬كيان‭ ‬عسكري‭ ‬وأمني‭ ‬متكامل‭ ‬بحيث‭ ‬أصبح‭ ‬للجيش‭ ‬دولة‭ ‬وليس‭ ‬العكس‭.‬

أما‭ ‬أولئك‭ ‬الذين‭ ‬يرون‭ ‬أنها‭ ‬‮«‬دولة‮»‬‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬فيها‭ ‬جبناء‭ ‬كانوا‭ ‬يربطون‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬يهربوا‭ ‬من‭ ‬ساحة‭ ‬المعركة،‭ ‬فإن‭ ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬كله‭ ‬صحيحا‭ ‬في‭ ‬الماضي،‭ ‬فإنه‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬كذلك‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬التدريبات‭ ‬العسكرية‭ ‬على‭ ‬أكثر‭ ‬مستويات‭ ‬العصرنة‭ ‬وعلم‭ ‬النفس‭ ‬وغيرهما،‭ ‬وفي‭ ‬ظل‭ ‬الأسلحة‭ ‬المتطورة‭ ‬التي‭ ‬برعت‭ ‬فيها‭ ‬‮«‬إسرائيل‮»‬‭ ‬نفسها،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الأسلحة‭ ‬النووية‭.‬

لكن‭ ‬النقطة‭ ‬البارزة‭ ‬والمهمة‭ ‬هنا‭ ‬أن‭ ‬مكون‭ ‬المجتمع‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬في‭ ‬العشرينيات‭ ‬والثلاثينيات‭ ‬وحتى‭ ‬الخمسينيات‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬كان‭ ‬مجتمعا‭ ‬غير‭ ‬متجانس،‭ ‬جميعهم‭ ‬ولدوا‭ ‬ونشأوا‭ ‬وترعرعوا‭ ‬خارج‭ ‬فلسطين‭ ‬ولا‭ ‬ارتباط‭ ‬لهم‭ ‬في‭ ‬الأرض‭ ‬‭ ‬فلسطين‭.‬

لكن،‭ ‬بعد‭ ‬ذلك،‭ ‬نشأ‭ ‬أقلها‭ ‬ثلاثة‭ ‬إلى‭ ‬أربعة‭ ‬أجيال‭ ‬لا‭ ‬يعرفون‭ ‬إلا‭ ‬فلسطين‭ ‬‮«‬وطنا‮»‬‭ ‬لهم،‭ ‬ولدوا‭ ‬فيها‭ ‬وذكرياتهم‭ ‬وحياتهم‭ ‬كلها‭ ‬فيها‭ ‬وبالتالي‭ ‬ارتباطهم‭ ‬بالأرض،‭ ‬من‭ ‬أسف،‭ ‬كارتباط‭ ‬أي‭ ‬إنسان‭ ‬آخر‭ ‬‮«‬بأرضه‮»‬،‭ ‬فهم‭ ‬دفعوا‭ ‬الدم‭ ‬في‭ ‬عديد‭ ‬الحروب،‭ ‬وعززوا‭ ‬ذلك‭ ‬بأيدولوجيات‭ ‬قومية‭ ‬ودينية‭ ‬ملتزمة‭. ‬

وبالتالي‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬هناك‭ ‬أي‭ ‬منطق‭ ‬في‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬شذاذ‭ ‬الآفاق‭ ‬المارقين‭ ‬ومع‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬سبق،‭ ‬ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬فإن‭ ‬حتمية‭ ‬التاريخ‭ ‬شرط‭ (‬وأعدوا‭ ‬لهم‭ ‬ما‭ ‬استطعتم‮…‬‭) ‬تؤكد‭ ‬لنا‭ ‬صباح‭ ‬مساء‭ ‬أنهم‭ ‬عابرون‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬عابر‭ ‬بإرادة‭ ‬جيل،‭ ‬فلسطيني‭ ‬وعربي‭ ‬ومسلم،‭ ‬جديد‭ ‬لا‭ ‬يقبل‭ ‬لا‭ ‬بالتهوين‭ ‬ولا‭ ‬بالتهويل‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا