العدد : ١٧٠٥١ - الخميس ٢٨ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٦ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٥١ - الخميس ٢٨ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٦ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

الثقافي

قراءة في المجموعة القصصية «قرار نهائي» للكاتب السيد جعفر الديري

السبت ٢٢ أبريل ٢٠٢٣ - 02:00

عند‭ ‬قراءتي‭ ‬للمجموعة‭ ‬القصصية‭ ‬تساءلت‭ ‬عن‭ ‬عناصر‭ ‬الجمال‭ ‬في‭ ‬القصص‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬الكاتب‭ ‬كما‭ ‬استشف‭ ‬لي‭ ‬من‭ ‬النصوص‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬أدار‭ ‬ظهره‭ ‬لتقنيات‭ ‬الكتابة‭ ‬وأدواتها،‭ ‬وتركها‭ ‬تأتي‭ ‬وحدها‭ ‬بصورة‭ ‬عفوية‭.‬

ولعلّ‭ ‬سرّ‭ ‬جمال‭ ‬هذه‭ ‬القصص‭ ‬هي‭ ‬موهبة‭ (‬الحكي‭) ‬التي‭ ‬يتميز‭ ‬بها‭ ‬الكاتب‭.‬

لن‭ ‬تجد‭ ‬هذه‭ ‬القصص‭ ‬مرسومة‭ ‬كالدائرة‭ ‬المغلقة‭ ‬التي‭ ‬تنتهي‭ ‬بقفلة،‭ ‬ولا‭ ‬كالدائرة‭ ‬المفتوحة،‭ ‬بل‭ ‬ستجدها‭ ‬كالخط،‭ ‬الذي‭ ‬يستقيم‭ ‬أحيانًا‭ ‬ويتلوى‭ ‬أحيانًا‭ ‬أخرى،‭ ‬أما‭ ‬النهاية‭ ‬فهي‭ ‬المكان‭ ‬الذي‭ ‬تقرر‭ ‬فيه‭ ‬القصة‭ ‬ذاتها‭ ‬أن‭ ‬تتوقف‭ ‬فيه‭. ‬وخلال‭ ‬هذا‭ ‬الخط‭ ‬سيتحرك‭ ‬الكاتب‭ ‬مقدمًا‭ ‬ومؤخرًا‭ ‬في‭ ‬الأحداث،‭ ‬فلا‭ ‬يعود‭ ‬الخط‭ ‬ذا‭ ‬شكل‭ ‬محدد‭.‬

يمكن‭ ‬تشبيه‭ ‬قصص‭ ‬المجموعة‭ ‬بالسيارة‭ (‬اللعبة‭) ‬التي‭ ‬تعمل‭ ‬بنظام‭ ‬السحب‭ ‬للخلف‭ (‬Pull‭ ‬Back‭)‬،‭ ‬والتي‭ ‬تُسحب‭ ‬للخلف‭ ‬يدويًا‭ ‬ثم‭ ‬تتحرك‭ ‬من‭ ‬تلقاء‭ ‬نفسها،‭ ‬وتتوقف‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬مكان،‭ ‬في‭ ‬اللحظة‭ ‬التي‭ ‬تستنفد‭ ‬ما‭ ‬عندها‭.‬

القصص‭ ‬بمجملها‭ ‬تتحدث‭ ‬عن‭ ‬القرية،‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬يسمها،‭ ‬لكنها‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬قرية‭ ‬الكاتب،‭ ‬الدير،‭ ‬كونها‭ ‬قرية‭ ‬ساحلية،‭ ‬ولد‭ ‬فيها‭ ‬الكاتب‭ ‬وعاش‭ ‬فيها‭ ‬كل‭ ‬قصصه‭.‬

هنا‭ ‬القرية‭ ‬تفعل‭ ‬فعلها‭ ‬في‭ ‬الإنسان،‭ ‬تؤثر‭ ‬فيه،‭ ‬وتتأثر‭ ‬به‭.‬

هي‭ ‬قرية‭ ‬ساحلية،‭ ‬اعتمد‭ ‬أهلها‭ (‬في‭ ‬الماضي‭ ‬القريب‭) ‬على‭ ‬صيد‭ ‬الأسماك‭ ‬والزراعة،‭ ‬ولكن‭ ‬بعد‭ ‬افتتاح‭ ‬المطار‭ ‬بالقرب‭ ‬منهم،‭ ‬اشتغل‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬أهلها‭ ‬في‭ ‬وظائف‭ ‬أخرى‭ ‬مختلفة،‭ ‬وبعد‭ ‬انتشار‭ ‬التعليم‭ ‬تعددت‭ ‬الوظائف‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬حصر‭ ‬له،‭ ‬ونشأت‭ ‬طبقات‭ ‬اجتماعية‭ ‬جديدة،‭ ‬ودخلت‭ ‬العمالة‭ ‬الآسيوية‭ ‬والأجانب‭ ‬للاستثمار،‭ ‬في‭ ‬مكان‭ ‬ظن‭ ‬أهله‭ ‬أنه‭ ‬جنتهم‭ ‬الخاصة‭.‬

ستجد‭ ‬القصص‭ ‬ترسم‭ ‬ملامح‭ ‬هذه‭ ‬القرية،‭ ‬المادية‭ ‬والاجتماعية،‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭:‬

1‭- ‬الوصف‭ ‬المادي‭ ‬للقرية

‭ (‬الشوارع‭ ‬التي‭ ‬تتحول‭ ‬إلى‭ ‬برك‭) ‬عند‭ ‬نزول‭ ‬الأمطار‭.‬

وصف‭ ‬بيوت‭ ‬القرية،‭ ‬بيضاء‭ ‬اللون،‭ ‬ذات‭ ‬الطابق‭ ‬الواحد،‭ ‬وذات‭ ‬المساحة‭ ‬الترابية‭ ‬التي‭ ‬تحتل‭ ‬نصف‭ ‬مساحة‭ ‬البيت،‭ ‬والمساحة‭ ‬الواسعة‭ ‬غير‭ ‬المسقفة،‭ ‬والغرف‭ ‬ضعيفة‭ ‬الإنارة،‭ ‬والمجلس‭ ‬الذي‭ ‬يجتمع‭ ‬فيه‭ ‬رجال‭ ‬الحي،‭ ‬أو‭ ‬الدكان‭ ‬الذي‭ ‬يشغل‭ ‬الغرفة‭ ‬المطلة‭ ‬على‭ ‬الشارع،‭ ‬الذي‭ ‬تبيع‭ ‬فيه‭ ‬امرأة‭ ‬كبيرة‭ ‬في‭ ‬السن‭ ‬‮«‬متجر‭ ‬الحاجة‭ ‬زهرة،‭ ‬المليء‭ ‬بأكياس‭ ‬المينو‭ ‬وآيس‭ ‬كريم‭ ‬الحليب‭ ‬المصبوب‭ ‬في‭ ‬كؤوس‭ ‬من‭ ‬النحاس‮»‬‭.‬

2‭- ‬الوصف‭ ‬الاجتماعي‭ ‬للقرية

تكرار‭ ‬كلمة‭ (‬الناس‭)‬،‭ ‬مثل‭ ‬أن‭ ‬يهرع‭ ‬الناس‭ ‬لنجدة‭ ‬الآسيوي،‭ ‬تدل‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬المجتمع‭ ‬يعيش‭ ‬بشكل‭ ‬جماعي‭ ‬ولا‭ ‬تغلب‭ ‬عليه‭ ‬الفردانية‭.‬

مثال‭ ‬آخر‭: ‬الزوجة‭ ‬التي‭ ‬تجد‭ ‬نفسها‭ (‬غريبة‭ ‬على‭ ‬أهل‭ ‬البلد‭) ‬وتكون‭ (‬مكروهة‭ ‬من‭: ‬أهل‭ ‬ضرتها،‭ ‬أهل‭ ‬زوجها،‭ ‬جاراتها‭) ‬هذه‭ ‬الجماعية‭ ‬في‭ ‬الكره‭ ‬وكأن‭ ‬المجتمع‭ ‬كله‭ ‬يتناقل‭ ‬ذات‭ ‬الاعتقاد‭ ‬بأنها‭ ‬امرأة‭ ‬سيئة‭.‬

ستجد‭ ‬أن‭ ‬كبار‭ ‬السن‭ ‬حاضرون‭ ‬بقوة‭ ‬في‭ ‬مجمل‭ ‬القصص،‭ ‬ولعل‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬سمات‭ ‬القرية،‭ ‬حيث‭ ‬يكون‭ ‬الرجل‭ ‬أو‭ ‬المرأة‭ ‬الكهلين‭ ‬مصدرًا‭ ‬للحكايات‭ ‬الغرائبية‭ ‬والتجارب‭ ‬الطويلة،‭ ‬والحكمة‭ ‬أحيانًا،‭ ‬والرعونة‭ ‬في‭ ‬أحيان‭ ‬أخرى‭.‬

كبار‭ ‬السن‭ ‬لم‭ ‬يوظفهم‭ ‬الكاتب‭ ‬كشخصيات‭ ‬فحسب،‭ ‬وإنما‭ ‬استفاد‭ ‬منهم‭ ‬في‭ ‬تمثيلاته‭: ‬‮«‬طرق‭ ‬الباب‭ ‬بهدوء‭ ‬يناسب‭ ‬بيت‭ ‬أرملة‭ ‬مسنة‮»‬،‭ ‬بهذا‭ ‬الوصف‭ ‬واللغة‭ ‬الجميلة‭ ‬أمكنني‭ ‬التعرف‭ ‬على‭ ‬هيئة‭ ‬الطَرق‭ ‬وطريقته‭ ‬ومدى‭ ‬صوت‭ ‬الطرق،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬أنه‭ ‬عزز‭ ‬حضور‭ ‬المسنين‭ ‬في‭ ‬النص‭.‬

النظر‭ ‬إلى‭ ‬الأبناء‭ ‬على‭ ‬أنهم‭ ‬سند‭ ‬الوالدين،‭ ‬وتعداد‭ (‬صفات‭ ‬سيدة‭ ‬البيت‭ ‬الحقيقية‭) ‬التي‭ ‬تسهر‭ ‬على‭ ‬راحة‭ ‬زوجها‭ ‬وأبنائها،‭ ‬والرغبة‭ ‬في‭ ‬إنجاب‭ ‬الولد‭ ‬والتشاؤم‭ ‬من‭ ‬كثرة‭ ‬إنجاب‭ ‬البنات،‭ ‬الأب‭ ‬العنيف‭ ‬وسيء‭ ‬الخلق‭ ‬مع‭ ‬أهله‭.. ‬كلها‭ ‬ملامح‭ ‬اجتماعية‭ ‬لساحة‭ ‬القصص‭.‬

كذلك‭ ‬الأسماء‭ ‬ذات‭ ‬الطابع‭ ‬المحلي‭ (‬عبدالجليل،‭ ‬عبدالمنعم‭..).‬

من‭ ‬الأفكار‭ ‬المتكررة‭ ‬في‭ ‬القصص

حضور‭ (‬الموت‭) ‬في‭ ‬القصص‭ ‬حضورا‭ ‬طاغيا،‭ ‬فأغلب‭ ‬القصص‭ ‬فيها‭ ‬حالة‭ ‬موت،‭ ‬أو‭ ‬دفن،‭ ‬وحتى‭ ‬الخيال‭ ‬في‭ ‬القصص‭ ‬ستجد‭ ‬أن‭ ‬أغلبه‭ ‬على‭ ‬هيئة‭ ‬حديث‭ ‬الميت‭ ‬إلى‭ ‬ذويه‭. ‬هذا‭ ‬الحضور‭ ‬يعكس‭ ‬النظرة‭ ‬المتأملة‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬للكاتب،‭ ‬وانشغاله‭ ‬بالمصير‭ ‬وبذلك‭ ‬العالم‭ ‬الآتي‭.‬

‭(‬البحر‭) ‬له‭ ‬حضور‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬النصوص،‭ ‬فهو‭ ‬مصدر‭ ‬الرزق،‭ ‬وهو‭ ‬المرعب‭ ‬الذي‭ ‬يختطف‭ ‬الرجال‭ ‬والأطفال،‭ ‬وهو‭ ‬مكان‭ ‬التأمل‭ ‬والاسترخاء‭ ‬وهو‭ ‬مستودع‭ ‬الأسرار‭ ‬والهموم‭.‬

الأسرة‭ ‬والأبناء‭ ‬والعلاقة‭ ‬بين‭ ‬الأزواج‭ ‬والزوجات،‭ ‬البر‭ ‬بالوالدين‭ ‬والعقوق،‭ ‬تأثير‭ ‬الوراثة،‭ ‬وفكرة‭ ‬أن‭ ‬الأب‭ ‬يُلقي‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يراه‭ ‬سيئًا‭ ‬في‭ ‬أولاده‭ ‬على‭ ‬الوراثة‭ ‬من‭ ‬الأخوال،‭ ‬ستجد‭ ‬الابن‭ ‬الذي‭ ‬يتمنى‭ ‬موت‭ ‬أبيه،‭ ‬والزوج‭ ‬الذي‭ ‬يتمنى‭ ‬التخلص‭ ‬من‭ ‬زوجته،‭ ‬والعكس،‭ ‬والكثير‭ ‬من‭ ‬الشتائم‭ ‬والسباب‭ ‬بين‭ ‬الأهل‭ ‬والجيران،‭ ‬والعنف‭ ‬الأسري،‭ ‬الزيجات‭ ‬التعيسة،‭ ‬والعلاقات‭ ‬المتوترة‭ ‬بين‭ ‬الزوجات‭ ‬المتعددات،‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬يكشف‭ ‬عن‭ ‬شخصيات‭ ‬سريعة‭ ‬التأثر،‭ ‬سريعة‭ ‬الفرح،‭ ‬سريعة‭ ‬الغضب،‭ ‬كالبحر‭ ‬الذي‭ ‬يتقلب‭ ‬بين‭ ‬مدّ‭ ‬وجزر‭.‬

القصص‭ ‬مليئة‭ ‬بالقضايا‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬مثل‭ ‬البطالة‭ ‬وعدم‭ ‬نفع‭ ‬الشهادات‭ ‬الدراسية،‭ ‬الفقر‭.‬

بخصوص‭ ‬الفقر،‭ ‬ستجد‭ ‬أن‭ ‬الولد‭ ‬الذي‭ ‬يمر‭ ‬في‭ ‬الشارع‭ ‬بثياب‭ ‬نظيفة‭ ‬ويحمل‭ ‬في‭ ‬يديه‭ ‬كتبًا‭ ‬هو‭ ‬حالة‭ ‬لافتة‭ ‬للنظر‭ ‬تجذب‭ ‬إليه‭ ‬أنظار‭ ‬الحسد‭ ‬والاستغراب‭!‬

ستجد‭ ‬عدم‭ ‬الترحيب‭ ‬بالغرباء‭.‬

ستجد‭ ‬العلاقة‭ ‬المعقدة‭ ‬بالقرية،‭ ‬ففي‭ ‬حين‭ ‬يراها‭ ‬الراوي‭ (‬القرية‭ ‬الظالم‭ ‬أهلها‭)‬،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬يهواها‭ ‬ولا‭ ‬يستطيع‭ ‬مفارقتها‭.‬

هذه‭ ‬المجموعة‭ ‬القصصية،‭ ‬تسارع‭ ‬إلى‭ ‬تسجيل‭ ‬حالات‭ ‬إنسانية‭ ‬عميقة،‭ ‬حصلت‭ ‬في‭ ‬الماضي‭ ‬القريب،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يلفها‭ ‬النسيان،‭ ‬ويبتلعها‭ ‬البحر‭.‬

هنيئًا‭ ‬لقرية‭ ‬أو‭ ‬مدينة‭ ‬يوجد‭ ‬فيها‭ ‬كاتب‭ ‬يحمل‭ ‬قلمًا‭ ‬جميلًا‭ ‬يخلد‭ ‬لحظات‭ ‬الآمال‭ ‬والآلام‭ ‬والطموحات‭ ‬التي‭ ‬تناثرت‭ ‬بين‭ ‬طرقاتها‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا