العدد : ١٧٠٥٧ - الأربعاء ٠٤ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٠٣ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٥٧ - الأربعاء ٠٤ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٠٣ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

وقت مستقطع

علي ميرزا

موت المؤلف

‮«‬موت‭ ‬المؤلف‮»‬‭ ‬هذه‭ ‬المقولة‭ ‬يعرفها‭ ‬ويتداولها‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬الخصوص‭ ‬المهتمون‭ ‬بالفكر‭ ‬والفلسفة‭ ‬والنقد،‭ ‬والتي‭ ‬تعود‭ ‬لصاحبها‭ ‬المنظّر‭ ‬الفرنسي‭ ‬والناقد‭ ‬الأدبي‭ ‬‮«‬رولان‭ ‬بارت‮»‬،‭ ‬ولا‭ ‬نريد‭ ‬أن‭ ‬نغوص‭ ‬كثيرا‭ ‬في‭ ‬بطن‭ ‬المقولة،‭ ‬لأن‭ ‬هذا‭ ‬ليس‭ ‬مكانه،‭ ‬ولكن‭ ‬هناك‭ ‬بعض‭ ‬النقاط‭ ‬آثرنا‭ ‬التوقف‭ ‬عندها‭ ‬واستنطاقها‭ ‬بحسب‭ ‬فهمنا‭.‬

النقطة‭ ‬الأولى،‭ ‬تتعلق‭ ‬بالكاتب،‭ ‬فأي‭ ‬كاتب‭ ‬تنتهي‭ ‬مهمته‭ ‬بانتهاء‭ ‬ما‭ ‬يكتبه،‭ ‬ووضع‭ ‬النقطة‭ ‬الأخيرة،‭ ‬وهو‭ -‬أي‭ ‬الكاتب‭- ‬مسؤول‭ ‬فقط‭ ‬عن‭ ‬كل‭ ‬كلمة‭ ‬كتبها‭.‬

النقطة‭ ‬الثانية،‭ ‬تتعلق‭ ‬بالمتلقي‭ ‬أي‭ ‬القارئ‭ ‬والمتابع،‭ ‬فالفهم‭ ‬يختلف‭ ‬من‭ ‬قارئ‭ ‬إلى‭ ‬آخر،‭ ‬وهذا‭ ‬مرجعه‭ ‬إلى‭ ‬اختلاف‭ ‬الثقافة‭ ‬والبيئة‭ ‬الاكتسابية‭ ‬والمكونات‭ ‬الوراثية‭ ‬والمستوى‭ ‬التعليمي‭ ‬وأمور‭ ‬أخرى،‭ ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬للقارئ‭ ‬حرية‭ ‬الفهم،‭ ‬ولكن‭ ‬حذار‭ ‬أن‭ ‬يستثمر‭ ‬هذه‭ ‬الحرية،‭ ‬ويحمّل‭ ‬‮«‬بتشديد‭ ‬الميم‮»‬‭ ‬الكلام‭ ‬المكتوب‭ ‬أكثر‭ ‬مما‭ ‬يحتمل‭ ‬من‭ ‬الفهم‭.. ‬بمعنى‭ ‬آخر،‭ ‬لا‭ ‬تبالغ‭ ‬أيها‭ ‬القارئ‭ ‬في‭ ‬فهمك‭.‬

النقطة‭ ‬الثالثة‭.. ‬صحيح‭ ‬أن‭ ‬أي‭ ‬كتابة‭ ‬قد‭ ‬منحتك‭ ‬حرية‭ ‬القراءة‭ ‬والفهم،‭ ‬ويبقى‭ ‬أن‭ ‬الكاتب‭ ‬ليس‭ ‬مسؤولا‭ ‬عن‭ ‬فهمك،‭ ‬فليس‭ ‬بالضرورة‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬تتوصل‭ ‬إليه‭ ‬من‭ ‬الفهم‭ ‬هو‭ ‬نفسه‭ ‬مقصود‭ ‬الكاتب،‭ ‬فقد‭ ‬يعني‭ ‬الكاتب‭ ‬أمرا‭ ‬معينا،‭ ‬وأنت‭ ‬تغرد‭ ‬في‭ ‬واد‭ ‬آخر‭. ‬زد‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬الكاتب‭ ‬لا‭ ‬يلزم‭ ‬القارئ‭ ‬الاتفاق‭ ‬معه‭ ‬فيما‭ ‬يكتبه،‭ ‬فإن‭ ‬اتفق‭ ‬معه‭ ‬القارئ‭ ‬فأهلا‭ ‬وسهلا،‭ ‬وإلا‭ ‬فالاختلاف‭ ‬القائم‭ ‬على‭ ‬الوعي‭ ‬والنضج‭ ‬هو‭ ‬الأساس،‭ ‬أضف‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬سبق‭ ‬فإن‭ ‬الكاتب‭ ‬ليس‭ ‬ملزما‭ ‬بأن‭ ‬يفسر‭ ‬لك‭ ‬ويوضح‭ ‬ما‭ ‬تتضمنه‭ ‬كتابته،‭ ‬فهذه‭ ‬مهمة‭ ‬الأستاذ‭ ‬في‭ ‬المدارس‭ ‬الابتدائية‭ ‬والإعدادية‭ ‬والثانوية‭.‬

النقطة‭ ‬الرابعة‭.. ‬كما‭ ‬أسلفنا‭ ‬في‭ ‬النقطة‭ ‬الثانية،‭ ‬فقد‭ ‬قيل‭ ‬إنه‭ ‬لا‭ ‬توجد‭ ‬قراءة‭ ‬بريئة،‭ ‬بمعنى‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬الكثير‭ ‬ربما‭ ‬من‭ ‬القراء‭ ‬يحاولون‭ ‬أن‭ ‬يطوعوا‭ ‬المكتوب‭ ‬ويجرونه‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬يعتقدون‭ ‬به‭ ‬ويميلون‭ ‬إليه،‭ ‬فإذا‭ ‬كان‭ ‬المكتوب‭ ‬يصب‭ ‬فيما‭ ‬يحبه‭ ‬ويهواه‭ ‬ويميل‭ ‬إليه‭ ‬عندها‭ ‬سيكيل‭ ‬المدح‭ ‬للقارئ‭ ‬وما‭ ‬كتبه،‭ ‬والعكس‭ ‬صحيح،‭ ‬فإذا‭ ‬كان‭ ‬المطروح‭ ‬لا‭ ‬يتماشى‭ ‬مع‭ ‬ما‭ ‬تهواه‭ ‬النفس‭ ‬ولا‭ ‬يشبع‭ ‬الميول‭ ‬والأهواء‭ ‬عندها‭ ‬ستصب‭ ‬على‭ ‬الكاتب‭ ‬لعنات‭ ‬السماء،‭ ‬فكلتا‭ ‬القراءتين‭ ‬متأثرة،‭ ‬وعلينا‭ ‬أن‭ ‬نكون‭ ‬حذرين‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الجانب،‭ ‬وأن‭ ‬نتخلى‭ ‬عن‭ ‬كل‭ ‬المؤثرات‭ ‬ونقرأ‭ ‬بحيادية‭ ‬وموضوعية،‭ ‬ولا‭ ‬نقلل‭ ‬من‭ ‬شأن‭ ‬المكتوب‭ ‬أو‭ ‬نعطيه‭ ‬أكثر‭ ‬مما‭ ‬يحتمله‭.‬

والنقطة‭ ‬الخامسة‭ ‬والأخيرة،‭ ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬نتعلم‭ ‬ثقافة‭ ‬الاختلاف،‭ ‬وكيف‭ ‬نختلف‭ ‬مع‭ ‬الآخر‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬الاحترام‭ ‬والتقدير،‭ ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬المهاترات‭ ‬والمزايدات‭ ‬واستعراض‭ ‬الأنا،‭ ‬ومن‭ ‬قال‭ ‬إن‭ ‬قراءة‭ ‬وفهم‭ ‬فلان‭ ‬أو‭ ‬علان‭ ‬هما‭ ‬الصحيحان‭ ‬فقط؟‭ ‬وماذا‭ ‬عن‭ ‬قراءة‭ ‬وفهم‭ ‬الآخرين؟‭ ‬فإذا‭ ‬قرأت‭ ‬شيئا‭ ‬وفهمته‭ ‬على‭ ‬طريقتك‭ ‬الخاصة‭ ‬فاحتفظ‭ ‬بفهمك‭ ‬ولا‭ ‬تحاول‭ ‬أن‭ ‬تزاحم‭ ‬به‭ ‬الآخرين‭ ‬وتفرضه‭ ‬عليهم،‭ ‬لأنهم‭ ‬لهم‭ ‬قراءتهم‭ ‬الخاصة‭ ‬وفهمهم‭ ‬الخاص‭ ‬كذلك،‭ ‬ورحم‭ ‬الله‭ ‬من‭ ‬عرف‭ ‬قدر‭ ‬نفسه‭.‬

إقرأ أيضا لـ"علي ميرزا"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا