العدد : ١٦٨٣٦ - السبت ٢٧ أبريل ٢٠٢٤ م، الموافق ١٨ شوّال ١٤٤٥هـ

العدد : ١٦٨٣٦ - السبت ٢٧ أبريل ٢٠٢٤ م، الموافق ١٨ شوّال ١٤٤٥هـ

اطلالة

هالة كمال الدين

halakamal99@hotmail.com

الوحوش السوداء

التنمر،‭ ‬وما‭ ‬أدراك‭ ‬ما‭ ‬التنمر،‭ ‬لقد‭ ‬أصبح‭ ‬من‭ ‬سمات‭ ‬العصر،‭ ‬وتحول‭ ‬إلى‭ ‬وسيلة‭ ‬لقتل‭ ‬الروح‭ ‬واغتيال‭ ‬النفس‭.‬

لقد‭ ‬سمعنا‭ ‬جميعا‭ ‬وتابعنا‭ ‬تفاصيل‭ ‬قصة‭ ‬ضحية‭ ‬التنمر‭ ‬الفتاة‭ ‬المصرية‭ ‬رودينا،‭ ‬الطالبة‭ ‬بالصف‭ ‬الأول‭ ‬الثانوي،‭ ‬وذلك‭ ‬إثر‭ ‬إصابتها‭ ‬بأزمة‭ ‬قلبية‭ ‬حادة‭ ‬عقب‭ ‬تعرضها‭ ‬للتنمر‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬زميلاتها‭ ‬في‭ ‬المدرسة،‭ ‬ووصفهن‭ ‬لها‭ ‬بالقبيحة،‭ ‬وبأنها‭ ‬ليست‭ ‬من‭ ‬مستواهن‭ ‬حتى‭ ‬تلعب‭ ‬معهن،‭ ‬وبسؤالهن‭ ‬كيف‭ ‬لها‭ ‬أن‭ ‬تتحمل‭ ‬شكلها،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬انهيارها‭ ‬التام،‭ ‬وسقوطها‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬فجأة‭ ‬مفارقة‭ ‬الحياة‭ ‬حزنا‭ ‬وقهرا‭.‬

بالطبع‭ ‬ليست‭ ‬هذه‭ ‬الحادثة‭ ‬هي‭ ‬الأولى‭ ‬من‭ ‬نوعها،‭ ‬ولن‭ ‬تكون‭ ‬الأخيرة،‭ ‬فهناك‭ ‬آلاف‭ ‬من‭ ‬ضحايا‭ ‬التنمر‭ ‬حول‭ ‬العالم‭ ‬نكاد‭ ‬نسمع‭ ‬عنها‭ ‬بشكل‭ ‬يومي،‭ ‬والذين‭ ‬يقدمون‭ ‬على‭ ‬الانتحار‭ ‬من‭ ‬جراء‭ ‬هذ‭ ‬الظاهرة،‭ ‬وخاصة‭ ‬من‭ ‬فئة‭ ‬المراهقين،‭ ‬ومنها‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬انتحار‭ ‬طالبة‭ ‬في‭ ‬مدرسة‭ ‬ثانوية‭ ‬في‭ ‬ولاية‭ ‬نيوجيرسي‭ ‬الأمريكية‭ ‬التي‭ ‬تبلغ‭ ‬من‭ ‬العمر‭ ‬14‭ ‬عاما‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تم‭ ‬نشر‭ ‬مقطع‭ ‬فيديو‭ ‬على‭ ‬الإنترنت‭ ‬لمجموعة‭ ‬من‭ ‬الفتيات‭ ‬يهاجمنها،‭ ‬وانتحار‭ ‬شاب‭ ‬أمريكي‭ ‬في‭ ‬ولاية‭ ‬شيكاغو‭ ‬عقب‭ ‬تعرضه‭ ‬لتنمر‭ ‬شديد‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬أشهر‭ ‬من‭ ‬زملائه،‭ ‬وانتحار‭ ‬الكندية‭ ‬أماندا‭ ‬ميشيل‭ ‬تود‭ ‬للسبب‭ ‬نفسه‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬الحالات‭ ‬المؤسفة‭ ‬والمدمية‭ ‬للقلوب‭.‬

لقد‭ ‬تابعت‭ ‬مؤخرا‭ ‬مسلسلا‭ ‬لبنانيا‭ ‬يتعرض‭ ‬لتلك‭ ‬القضية،‭ ‬ومدى‭ ‬تأثيرها‭ ‬على‭ ‬معنويات‭ ‬البعض‭ ‬إلى‭ ‬درجة‭ ‬قد‭ ‬تدفعهم‭ ‬إلى‭ ‬التخلص‭ ‬من‭ ‬حياتهم،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬مرت‭ ‬به‭ ‬البطلة‭ ‬التي‭ ‬فقدت‭ ‬قدرتها‭ ‬على‭ ‬الإنجاب‭ ‬من‭ ‬وراء‭ ‬الإقدام‭ ‬على‭ ‬الانتحار،‭ ‬لتصل‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬إلى‭ ‬قناعة‭ ‬مفادها‭ ‬أن‭ ‬الانتحار‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬يخلص‭ ‬صاحبه‭ ‬من‭ ‬الحياة،‭ ‬بل‭ ‬قد‭ ‬يبقيه‭ ‬حيا‭ ‬ميتا‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأحيان،‭ ‬وذلك‭ ‬لأن‭ ‬نسبة‭ ‬المنتحرين‭ ‬الذين‭ ‬يموتون‭ ‬قليلة‭ ‬للغاية،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬قد‭ ‬يعيش‭ ‬المنتحر‭ ‬بقية‭ ‬حياته‭ ‬على‭ ‬كرسي‭ ‬متحرك‭ ‬مثلا،‭ ‬ليصبح‭ ‬أكثر‭ ‬تعاسة‭ ‬من‭ ‬ذي‭ ‬قبل‭ ‬بسبب‭ ‬فعلته‭ ‬هذه‭.‬

في‭ ‬إحصائية‭ ‬صادمة‭ ‬اتضح‭ ‬أن‭ ‬70%‭ ‬من‭ ‬أطفال‭ ‬مصر‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬يتعرضون‭ ‬للتنمر‭ ‬ليبقى‭ ‬السؤال‭ ‬هنا‭: ‬كم‭ ‬نسبة‭ ‬الأطفال‭ ‬والمراهقين‭ ‬المعرضين‭ ‬للموت‭ ‬انتحارا‭ ‬أو‭ ‬قهرا‭ ‬من‭ ‬جراء‭ ‬هذه‭ ‬الظاهرة؟

والأهم‭: ‬كيف‭ ‬يمكن‭ ‬لأبنائنا‭ ‬اتقاء‭ ‬هذا‭ ‬الشر‭ ‬الآدمي‭ ‬القاتل؟

وما‭ ‬الجهات‭ ‬المنوطة‭ ‬بالتصدي‭ ‬لهذه‭ ‬الوحوش‭ ‬السوداء‭ ‬الذين‭ ‬يرتدون‭ ‬أثواب‭ ‬البشر؟

وليبقى‭ ‬الأمر‭ ‬المؤكد‭ ‬هنا‭ ‬هو‭ ‬الدور‭ ‬الذي‭ ‬يلعبه‭ ‬الآباء‭ ‬بهدف‭ ‬حماية‭ ‬أبنائهم‭ ‬من‭ ‬هؤلاء‭ ‬المرضى‭ ‬النفسانيين‭ ‬الذين‭ ‬يستمتعون‭ ‬بإيذاء‭ ‬غيرهم‭ ‬ويتلذذون‭ ‬باغتيالهم‭ ‬معنويا،‭ ‬وذلك‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬توعيتهم‭ ‬بأن‭ ‬الحياة‭ ‬لن‭ ‬تقف‭ ‬عند‭ ‬أحزانهم‭ ‬أو‭ ‬انكسارهم،‭ ‬وبأن‭ ‬الشر‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬موجودا‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬المكان‭ ‬الذي‭ ‬يغرسون‭ ‬فيه‭ ‬الخير،‭ ‬وبأن‭ ‬عليهم‭ ‬أن‭ ‬يكملوا‭ ‬المسيرة،‭ ‬ويقاوموا‭ ‬هؤلاء‭ ‬الأشرار،‭ ‬ويصمدوا‭ ‬أمامهم،‭ ‬ويصنعوا‭ ‬من‭ ‬أنفسهم‭ ‬أناسا‭ ‬أقوياء‭ ‬وخيرين،‭ ‬أو‭ ‬يسقطوا‭ ‬إلى‭ ‬الأبد،‭ ‬وذلك‭ ‬عملا‭ ‬بمقولة‭ ‬الفيلسوف‭ ‬الصيني‭ ‬منسيوس‭:‬

‮«‬الشر‭ ‬موجود‭ ‬لتمجيد‭ ‬الخير،‭ ‬وما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬شرا‭ ‬لشخص‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬ما‭.. ‬يصبح‭ ‬خيرا‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬آخر‭.. ‬لشخص‭ ‬آخر‭!‬‮»‬‭.‬

إقرأ أيضا لـ"هالة كمال الدين"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا