العدد : ١٦٨٥٦ - الجمعة ١٧ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ٠٩ ذو القعدة ١٤٤٥هـ

العدد : ١٦٨٥٦ - الجمعة ١٧ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ٠٩ ذو القعدة ١٤٤٥هـ

الثقافي

في أمسية حول رواية دلمونيا لرسول درويش

السبت ٠١ أبريل ٢٠٢٣ - 02:00

مرحمة: ترجمة الخزاعي الإبداعية خاطبت ثقافة المتلقي وحافظت على مكونات النص


تغطية‭: ‬المحرر‭ ‬الثقافي

 

أقامت‭ ‬لجنة‭ ‬الترجمة‭ ‬بأسرة‭ ‬الأدباء‭ ‬والكتاب‭ ‬البحرينية‭ ‬أمسية‭ ‬أدبية‭ ‬حول‭ ‬ترجمة‭ ‬رواية‭ ‬دلمونيا‭ ‬لكاتبها‭ ‬البحريني‭ ‬رسول‭ ‬درويش،‭ ‬وعرض‭ ‬الدكتور‭ ‬حسن‭ ‬مرحمة‭ ‬مقارنة‭ ‬تقريبية‭ ‬بين‭ ‬النص‭ ‬الأصلي‭ ‬الذي‭ ‬صدر‭ ‬عام‭ ‬2016،‭ ‬وبين‭ ‬النص‭ ‬المترجَم‭ ‬الذي‭ ‬صدر‭ ‬عن‭ ‬دار‭ ‬أولمبيا‭ ‬البريطانية‭ ‬عام‭ ‬2022‭ ‬وهو‭ ‬من‭ ‬ترجمة‭ ‬عميد‭ ‬الترجمة‭ ‬البحرينية‭ ‬الدكتور‭ ‬محمد‭ ‬الخزاعي‭.‬

وجدير‭ ‬بالذكر‭ ‬أن‭ ‬النص‭ ‬الأصلي‭ ‬الصادر‭ ‬عن‭ ‬دار‭ ‬نينوى‭ ‬للنشر‭ ‬والتوزيع‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬400‭ ‬صفحة،‭ ‬فيما‭ ‬جاءت‭ ‬الترجمة‭ ‬في‭ ‬387‭ ‬صفحة،‭ ‬وقد‭ ‬استغرقت‭ ‬كتابة‭ ‬النص‭ ‬الأصلي‭ ‬ثلاث‭ ‬سنوات‭ ‬فيما‭ ‬جاءت‭ ‬الترجمة‭ ‬في‭ ‬سنة‭ ‬واحدة،‭ ‬تواصل‭ ‬خلالها‭ ‬الكاتب‭ ‬والمترجم‭ ‬حول‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬النقاط‭ ‬التي‭ ‬أثمرت‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬العمل‭ ‬المميز،‭ ‬كما‭ ‬نذكر‭ ‬أن‭ ‬النص‭ ‬الأصلي‭ ‬هو‭ ‬في‭ ‬طور‭ ‬الترجمة‭ ‬للغة‭ ‬الفرنسية‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬إحدى‭ ‬المترجمات‭ ‬الجزائريات‭.‬

هذا‭ ‬وقد‭ ‬أُقيمت‭ ‬الأمسية‭ ‬الأدبية‭ ‬في‭ ‬مقر‭ ‬أسرة‭ ‬الأدباء‭ ‬يوم‭ ‬الأحد‭ ‬الموافق‭ ‬12‭/‬3‭/‬2023‭. ‬وأدار‭ ‬الأمسية‭ ‬وقدَّم‭ ‬لها‭ ‬المترجم‭ ‬محمد‭ ‬المبارك،‭ ‬ثم‭ ‬أفسح‭ ‬المجال‭ ‬للدكتور‭ ‬مرحمة‭ ‬ليتناول‭ ‬أهم‭ ‬مقومات‭ ‬الترجمة‭ ‬الإبداعية‭ ‬لرواية‭ ‬دلمونيا،‭ ‬وجاءت‭ ‬محاور‭ ‬الدراسة‭ ‬المقارنة‭ ‬مختلفة‭ ‬ومتعددة‭ ‬نذكر‭ ‬منها‭:‬

تمثل‭ ‬رواية‭ ‬دلمونيا‭ ‬حضارة‭ ‬تاريخية‭ ‬وجب‭ ‬على‭ ‬الدكتور‭ ‬الخزاعي‭ ‬أن‭ ‬يترجمها‭ ‬ويقدمها‭ ‬للقارئين‭ ‬بالإنجليزية،‭ ‬وبما‭ ‬أن‭ ‬الرواية‭ ‬ثقيلة‭ ‬لغويا‭ ‬وثقافيًا‭ ‬وتاريخيا،‭ ‬فقد‭ ‬تمكن‭ ‬المترجم‭ ‬من‭ ‬تجاوز‭ ‬هذه‭ ‬المطبات‭ ‬والصعوبات‭. ‬وقد‭ ‬احتوت‭ ‬دلمونيا‭ ‬على‭ ‬ثيمات‭ ‬متعددة،‭ ‬وشخصيات‭ ‬كثيرة،‭ ‬وذلك‭ ‬يستوجب‭ ‬مراعاة‭ ‬الدقة‭ ‬في‭ ‬الترجمة‭. ‬وإذا‭ ‬افترضنا‭ ‬أن‭ ‬الترجمة‭ ‬هي‭ ‬عملية‭ ‬نقل‭ ‬المفردات‭ ‬أو‭ ‬العلامات‭ ‬من‭ ‬نص‭ ‬إلى‭ ‬آخر،‭ ‬فهذه‭ ‬عملية‭ ‬تفكيك‭ ‬الشفرات‭ ‬في‭ ‬النص‭ ‬الأصلي‭.‬

وتطرق‭ ‬الدكتور‭ ‬مرحمة‭ ‬إلى‭ ‬ضرورة‭ ‬أن‭ ‬يقرأ‭ ‬المترجم‭ ‬النص‭ ‬الأصلي‭ ‬بدقة،‭ ‬ثم‭ ‬يقوم‭ ‬بتأويله‭ ‬وتفكيك‭ ‬شفراته،‭ ‬ومواءمة‭ ‬الدال‭ ‬إلى‭ ‬المدلول،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬ينتج‭ ‬عنه‭ ‬مدلول‭ ‬ثقافي‭ ‬واجتماعي‭ ‬وأيديولوجي‭ ‬وحتى‭ ‬سياسي،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يستوجب‭ ‬على‭ ‬المترجم‭ ‬أيضًا‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬المعنى‭ ‬الضمني،‭ ‬هكذا‭ ‬هو‭ ‬الأمر‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬رواية‭ ‬دلمونيا،‭ ‬إنها‭ ‬مشحونة‭ ‬بالأحاسيس‭ ‬والمشاعر‭ ‬وكان‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يسلط‭ ‬الضوء‭ ‬عليها‭ ‬ونقلها‭ ‬بقدر‭ ‬الإمكان‭ ‬إلى‭ ‬المتلقي‭ ‬الأجنبي‭.‬

وتحدث‭ ‬الدكتور‭ ‬أيضًا‭ ‬حول‭ ‬أهمية‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬المترجم‭ ‬منسجمًا‭ ‬مع‭ ‬خط‭ ‬الأديب‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬النواحي‭ ‬ويراعي‭ ‬متطلبات‭ ‬المتلقي‭ ‬في‭ ‬ذات‭ ‬الوقت‭ ‬بحيث‭ ‬يكون‭ ‬وسيطًا‭ ‬بين‭ ‬الكاتب‭ ‬والمتلقي‭. ‬وأن‭ ‬يحافظ‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬النص‭ ‬الأصلي‭ ‬من‭ ‬الأهداف‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والثقافية‭ ‬والأيدولوجية،‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬ينوي‭ ‬المؤلف‭ ‬إبرازها‭ ‬وتأكيدها‭. ‬ومن‭ ‬جانب‭ ‬آخر،‭ ‬أمامه‭ ‬المتلقي‭ ‬أي‭ ‬القارئ‭ ‬الذي‭ ‬يختلف‭ ‬تمام‭ ‬الاختلاف‭ ‬في‭ ‬الثقافة‭ ‬والعادات‭ ‬عن‭ ‬المؤلف‭ ‬نفسه‭.‬

ومن‭ ‬جانب‭ ‬آخر،‭ ‬أكَّد‭ ‬الدكتور‭ ‬مرحمة‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬الممكن‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬ترجمة‭ ‬صادقة‭ ‬بين‭ ‬النصين،‭ ‬وإنما‭ ‬يكون‭ ‬التقارب‭ ‬في‭ ‬المضمون‭ ‬هو‭ ‬الهدف‭ ‬بين‭ ‬لغتين‭ ‬مختلفتين،‭ ‬وهنا‭ ‬نحن‭ ‬لا‭ ‬نتحدث‭ ‬فقط‭ ‬عن‭ ‬الترجمة‭ ‬اللغوية‭ ‬بل‭ ‬أيضا‭ ‬الثقافة‭ ‬والقيم‭ ‬وغيرها،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬جلي‭ ‬وواضح‭ ‬في‭ ‬دلمونيا‭. ‬ولذلك‭ ‬على‭ ‬المترجم‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬ملما‭ ‬بالثقافة‭ ‬والتاريخ‭ ‬والعقيدة‭ ‬في‭ ‬النص‭ ‬الأصلي،‭ ‬أي‭ ‬أنه‭ ‬يبحث‭ ‬عن‭ ‬أفضل‭ ‬نهج‭ ‬لنقل‭ ‬النص‭ ‬إلى‭ ‬النص‭ ‬المُترجَم‭. ‬وعليه‭ ‬أيضًا‭ ‬التعمق‭ ‬في‭ ‬النص‭ ‬لمعرفة‭ ‬مكوناته،‭ ‬وهنا‭ ‬تتعدد‭ ‬وظائفه‭ ‬كمترجم‭: ‬دراسة‭ ‬اللغة‭ ‬والأدوات‭ ‬البلاغية‭ ‬ومعرفة‭ ‬الطابع‭ ‬الجمالي،‭ ‬والمعرفي‭ ‬والسيميائي‭ ‬وغيرها‭. ‬وعليه‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬ننظر‭ ‬إلى‭ ‬عملية‭ ‬الترجمة‭ ‬كعملية‭ ‬التبادل‭ ‬Exchange بين‭ ‬الدال‭ ‬والمدلول‭ ‬وتحويل‭ ‬العلامة‭ ‬من‭ ‬فضاء‭ ‬النص‭ ‬الأصلي‭ ‬إلى‭ ‬فضاء‭ ‬آخر‭.‬

وفي‭ ‬سياقٍ‭ ‬متصل،‭ ‬تحدث‭ ‬الدكتور‭ ‬مرحمة‭ ‬عن‭ ‬الاختلاف‭ ‬بين‭ ‬المتلقي‭ ‬العربي‭ ‬والأجنبي،‭ ‬وأوضح‭ ‬أن‭ ‬العربي‭ ‬يبحث‭ ‬عن‭ ‬شخصيات‭ ‬ذات‭ ‬مهارات‭ ‬عملية‭ ‬ونظرية‭ ‬كلامية،‭ ‬وعن‭ ‬الحوار‭ ‬بين‭ ‬الشخصيات،‭ ‬والزوايا‭ ‬التاريخية‭ ‬والثقافية،‭ ‬بينما‭ ‬يبحث‭ ‬الأجنبي‭ ‬عن‭ ‬الشخصيات‭ ‬المغامراتية‭ ‬والإثارة‭ ‬والمونولوج‭ ‬الداخلي‭ ‬والحبكة‭ ‬الأفلاطونية‭.‬

وفي‭ ‬مقابل‭ ‬ذلك،‭ ‬تحدث‭ ‬الدكتور‭ ‬مرحمة‭ ‬عن‭ ‬رواية‭ ‬دلمونيا‭ ‬قائلًا‭: ‬إنها‭ ‬رواية‭ ‬تروي‭ ‬قصة‭ ‬أجيال‭ ‬ومجتمعات‭ ‬وشخصيات،‭ ‬كانت‭ ‬تعيش‭ ‬تحت‭ ‬ظل‭ ‬قوانين‭ ‬اجتماعية‭ ‬أو‭ ‬فردية‭ ‬طاغية،‭ ‬ومنها‭ ‬قصة‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬المغمور،‭ ‬عن‭ ‬مقابر‭ ‬دلمون،‭ ‬وطبعا‭ ‬لا‭ ‬ننسى‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬التلميح‭ ‬حول‭ ‬ما‭ ‬سيحدث‭ ‬بعد‭ ‬ذلك،‭ ‬وخاصة‭ ‬مغامرات‭ ‬المستكشف‭ ‬الدنماركي‭ ‬أدم،‭ ‬الذي‭ ‬يتعرف‭ ‬إلى‭ ‬مجريات‭ ‬تاريخ‭ ‬الغوص‭ ‬ومآسي‭ ‬الغواصين،‭ ‬وهي‭ ‬تشكل‭ ‬مقدمة‭ ‬الرواية‭.‬

وانتقل‭ ‬الدكتور‭ ‬مرحمة‭ ‬إلى‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬عتبة‭ ‬العنوان‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬النص‭ ‬الإبداعي‭ ‬وقال‭ ‬إن‭ ‬اختيار‭ ‬العنوان‭ ‬المناسب‭ ‬يعزز‭ ‬استجابة‭ ‬القارئ‭ ‬للنص،‭ ‬ومن‭ ‬خلال‭ ‬هذا‭ ‬العنوان‭ ‬يستطيع‭ ‬القارئ‭ ‬التكهن‭ ‬بمجريات‭ ‬أحداث‭ ‬الرواية،‭ ‬ولكن‭ ‬الأهم‭ ‬أن‭ ‬العنوان‭ ‬كعلامة‭ ‬لها‭ ‬سماتها‭ ‬السيميائية‭ ‬البارزة‭ ‬طبقا‭ ‬لمقولة‭ ‬العالم‭ ‬الأمريكي‭ ‬تشارلز‭ ‬بيرس؛‭ ‬هنا‭ ‬‮«‬دلمونيا‮»‬‭ ‬كعنوان‭ ‬يحمل‭ ‬سمة‭ ‬رمزية‭ ‬وأيقونية‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬أنه‭ ‬يرمز‭ ‬إلى‭ ‬حضارة‭ ‬دلمون،‭ ‬والتي‭ ‬تدور‭ ‬حولها‭ ‬أحداث‭ ‬الرواية‭.‬

ومن‭ ‬جانب،‭ ‬آخر،‭ ‬لها‭ ‬سمة‭ ‬أيقونية‭ ‬مصورة‭ ‬عن‭ ‬مقابر‭ ‬دلمون؛‭ ‬ولذلك‭ ‬أدركت‭ ‬الأهمية‭ ‬التاريخية‭ ‬والثقافية‭ ‬للعنوان،‭ ‬ولم‭ ‬يقم‭ ‬المترجم‭ ‬بتغيره‭ ‬كما‭ ‬فعلت‭ ‬مثلا‭ ‬مارلين‭ ‬بوث‭ ‬في‭ ‬سيدات‭ ‬القمر‭. ‬إذن‭ ‬العنوان‭ ‬في‭ ‬النصين‭ ‬يرمز‭ ‬الى‭ ‬حضارة‭ ‬دلمون؛‭ ‬هناك‭ ‬شعور‭ ‬بالفخر‭ ‬والاعتزاز‭ ‬لدى‭ ‬القارئ‭ ‬من‭ ‬ناحية،‭ ‬ومن‭ ‬ناحية‭ ‬أخرى،‭ ‬الحزن‭ ‬والأسى‭ ‬بزوالها‭.‬

كما‭ ‬تطرق‭ ‬الدكتور‭ ‬إلى‭ ‬الأهمية‭ ‬السيميائية‭ ‬في‭ ‬النص‭ ‬وكيف‭ ‬طُبِّق‭ ‬النظام‭ ‬السيميائي‭ ‬على‭ ‬رواية‭ ‬دلمونيا‭. ‬وتحدث‭ ‬عن‭ ‬المشهد‭ ‬الافتتاحي‭ ‬أو‭ ‬المفاجئ‭ ‬الذي‭ ‬قدم‭ ‬شخصيات‭ ‬النص‭ ‬الرئيسة‭ ‬والصراعات‭ ‬بينها‭. ‬وأكد‭ ‬أن‭ ‬المترجم‭ ‬استطاع‭ ‬تجاوز‭ ‬الهوامش‭ ‬وأخذ‭ ‬عنها‭ ‬المعنى‭ ‬في‭ ‬النص‭ ‬ذاته‭.‬

وتطرق‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬الدكتور‭ ‬للحديث‭ ‬عن‭ ‬دور‭ ‬الوصف‭ ‬في‭ ‬رواية‭ ‬دلمونيا‭ ‬وقال‭ ‬إن‭ ‬وصف‭ ‬البيت‭ ‬الذي‭ ‬يسكنه‭ ‬أل‭ ‬جبور‭ ‬يستحق‭ ‬التمعن؛‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬هو‭ ‬بيت‭ ‬قديم‭ ‬تسكنه‭ ‬عائلة‭ ‬أل‭ ‬جبور‭ ‬ومن‭ ‬جانب‭ ‬آخر‭ ‬يرمز‭ ‬إلى‭ ‬التراث‭ ‬القديم‭. ‬وهنا‭ ‬يجب‭ ‬ذكر‭ ‬الميزة‭ ‬الأدبية‭ ‬الرفيعة‭ ‬لرواية‭ ‬دلمونا،‭ ‬فهي‭ ‬لا‭ ‬تأتي‭ ‬فقط‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الاقتباسات‭ ‬الدينية‭ ‬والشعارات،‭ ‬بل‭ ‬من‭ ‬بنيتها‭ ‬الفنية؛‭ ‬الإشارة‭ ‬إلى‭ ‬العادات‭ ‬والعقائد‭ ‬هي‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الإبداع‭. ‬يجب‭ ‬قراءة‭ ‬دلمونيا‭ ‬من‭ ‬المنظور‭ ‬الفني‭ ‬وليس‭ ‬من‭ ‬الزوايا‭ ‬الضيقة‭ ‬كالإشارة‭ ‬إلى‭ ‬الكنيسة‭ ‬الكاثوليكية‭ ‬وغيرها‭. ‬نحن‭ ‬هنا‭ ‬نتعامل‭ ‬مع‭ ‬موضوع‭ ‬حي‭ ‬ألا‭ ‬وهو‭ ‬حضارة‭ ‬دلمون‭ ‬وهذه‭ ‬الحضارة‭ ‬ليست‭ ‬وهمية‭ ‬بل‭ ‬إنها‭ ‬الحقيقة‭.‬

وركز‭ ‬الدكتور‭ ‬على‭ ‬استخدام‭ ‬رسول‭ ‬درويش‭ ‬للحوار‭ ‬أو‭ ‬المناجاة،‭ ‬وهو‭ ‬الذي‭ ‬يستخدم‭ ‬في‭ ‬الغالب‭ ‬في‭ ‬دراسة‭ ‬الحالة‭ ‬النفسية‭ ‬للشخصية‭ ‬مثل‭ ‬قول‭ ‬هاملت‭ ‬المعروف‭ (‬أكون‭ ‬أو‭ ‬لا‭ ‬أكون‭) ‬وتكون‭ ‬في‭ ‬الغالب‭ ‬اللاإرادية،‭ ‬وهي‭ ‬الى‭ ‬حد‭ ‬ما‭ ‬قريبة‭ ‬الى‭ ‬التقنية‭ ‬الأدبية‭ ‬المعروفة‭ ‬بتيار‭ ‬الوعي‭ ‬Stream of Consciousness‭ ‬وهكذا‭ ‬يمكن‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬المناجاة‭ ‬تفتح‭ ‬قلب‭ ‬الشخصية‭ ‬للقارئ‭ ‬لتبوح‭ ‬عن‭ ‬أسراره‭ ‬الداخلية‭ ‬بشكل‭ ‬فعال‭. ‬مثلا‭ ‬الحوار‭ ‬الداخلي‭ ‬الذي‭ ‬يردده‭ ‬بو‭ ‬راشد‭ ‬عندما‭ ‬يريد‭ ‬مقابلة‭ ‬النوخذة‭ ‬ويمنعه‭ ‬الخادم‭.‬

كما‭ ‬ركز‭ ‬الدكتور‭ ‬على‭ ‬أحد‭ ‬أهم‭ ‬المشاهد‭ ‬المثيرة‭ ‬في‭ ‬دلمونيا‭ ‬في‭ ‬ص‭ ‬219،‭ ‬وقال‭ ‬إنه‭ ‬يجب‭ ‬الإشارة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬المشهد‭ ‬ومشاهد‭ ‬جنسية‭ ‬أخرى‭ ‬مثيرة‭ ‬هي‭ ‬مألوفة‭ ‬وعادية‭ ‬عند‭ ‬المتلقي‭ ‬الأجنبي،‭ ‬ولذلك‭ ‬لم‭ ‬يسلط‭ ‬المترجم‭ ‬الضوء‭ ‬على‭ ‬القوة‭ ‬البصرية‭ ‬كمشهد‭ ‬سينمائي‭ ‬وإنما‭ ‬قام‭ ‬المترجم‭ ‬بسرد‭ ‬المشهد‭.‬

وفيما‭ ‬يخص‭ ‬الهوامش‭ ‬والحواشي،‭ ‬ذكر‭ ‬الدكتور‭ ‬أن‭ ‬جيرارد‭ ‬جينيت‭ ‬أسماها‭ ‬بالعتبة‭ ‬أي‭ ‬الإضافات‭ ‬التي‭ ‬تكتب‭ ‬خارج‭ ‬النص‭ ‬وتسمى‭ ‬paratext‭. ‬وقال‭ ‬إننا‭ ‬لا‭ ‬ننسى‭ ‬إن‭ ‬الترجمة‭ ‬الأدبية‭ ‬تختلف‭ ‬عن‭ ‬الترجمات‭ ‬الثانية‭ ‬لأنها‭ ‬تتميز‭ ‬بلمسات‭ ‬خاصة‭ ‬يضعها‭ ‬المترجم‭ ‬الماهر‭ ‬على‭ ‬النص‭ ‬المترجم‭ ‬إليه‭ ‬ما‭ ‬يجعل‭ ‬التفاعل‭ ‬بين‭ ‬النص‭ ‬والقارئ‭ ‬أقوى؛‭ ‬في‭ ‬النص‭ ‬العربي‭ ‬قام‭ ‬رسول‭ ‬درويش‭ ‬بإلحاق‭ ‬حواش‭ ‬لبعض‭ ‬المفردات‭ ‬مثلا‭ ‬ص‭ ‬34‭ ‬في‭ ‬الإشارة‭ ‬إلى‭ ‬كلمة‭ ‬‮«‬الأشرفية‮»‬‭ ‬ولكن‭ ‬المترجم‭ ‬أبقى‭ ‬المفردة‭ ‬نفسها‭ ‬في‭ ‬ص‭ ‬36‭ ‬وبشكل‭ ‬مائل‭ ‬لجذب‭ ‬انتباه‭ ‬المتلقي،‭ ‬إذن‭ ‬غيَّر‭ ‬المترجم‭ ‬ما‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬النص‭ ‬الأصلي‭ ‬ما‭ ‬دام‭ ‬هو‭ ‬متمسك‭ ‬بالمضمون‭ ‬خشية‭ ‬من‭ ‬التشويش‭. ‬وربما‭ ‬يجد‭ ‬المترجم‭ ‬أن‭ ‬العبارة‭ ‬غير‭ ‬مناسبة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬السياق‭: ‬مثلا‭ ‬يقول‭ ‬رسول‭ ‬ص‭ ‬35‭ ‬‮«‬يتمنى‭ ‬الحاكم‭ ‬وتابعوه‭...‬‮»‬‭ ‬ولكن‭ ‬المترجم‭ ‬حذف‭ ‬‮«‬تابعوه‮»‬‭ ‬واكتفى‭ ‬ب‭ ‬The Ruler‭ ‬ص‭ ‬37‭ ‬وحولت‭ ‬R إلى‭ ‬حرف‭ ‬كبير‭ ‬Capital Letter‭ ‬وطبعا‭ ‬ما‭ ‬يقصده‭ ‬الراوي‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال‭ ‬هو‭ ‬النوخذة‭ ‬والتاجر‭.‬

نعم‭ ‬يجب‭ ‬التوضيح‭ ‬أنه‭ ‬توجد‭ ‬في‭ ‬النص‭ ‬العربي‭ ‬من‭ ‬دلمونيا‭ ‬شعارات‭ ‬سياسية‭ ‬وأيدولوجية‭ ‬slogans‭ ‬والتي‭ ‬هي‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬شعارات‭ ‬سياسية‭ ‬أو‭ ‬الدعاية‭ ‬السياسية political propaganda‭ ‬والكثير‭ ‬من‭ ‬الكتاب‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬والغرب‭ ‬استخدموها‭ ‬ابتداء‭ ‬من‭ ‬ماكسيم‭ ‬جوركي‭ ‬الروسي‭ ‬إلى‭ ‬جاك‭ ‬لندن‭ ‬الأمريكي؛‭ ‬لدينا‭ ‬عادة‭ ‬نوعان‭ ‬من‭ ‬البروبغندا‭ ‬السياسية‭ ‬؛‭ ‬أولا‭ ‬البروبغندا‭ ‬الناعمة‭ ‬والبربوغندا‭ ‬المتشددة؛‭ ‬في‭ ‬ص‭ ‬41‭ ‬عربي‭ ‬والدة‭ ‬آدم‭ ‬تشرح‭ ‬لآدم‭ ‬الفلسفة‭ ‬الاشتراكية‭ ‬وبالإشارة‭ ‬طبعا‭ ‬للبرجوازيةالقارئ‭ ‬العربي‭ ‬طبقا‭ ‬لخلفيته‭ ‬السياسية‭ ‬يستجيب‭ ‬لهذه‭ ‬الأقوال‭ ‬ربما‭ ‬يرفضها‭ ‬في‭ ‬الحال‭ ‬أو‭ ‬يتقبلها‭ ‬تعاطفا‭ ‬مع‭ ‬المظلومين‭. ‬ونلاحظ‭ ‬أنه‭ ‬في‭ ‬النص‭ ‬المترجم‭ ‬نحن‭ ‬نخاطب‭ ‬قارئا‭ ‬مختلفا‭ ‬ثقافيا‭ ‬وأيدولوجيا‭ ‬وفكريا،‭ ‬ولذا‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬الترجمة‭ ‬أقل‭ ‬حدة‭ ‬وصرامة‭ ‬مما‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬النص‭ ‬الأولي‭ ‬مع‭ ‬أنها‭ ‬مطابقة‭ ‬للنص‭ ‬الأول‭ ‬لدرجة‭ ‬أن‭ ‬الشعارات‭ ‬الاشتراكية‭ ‬تتبدل‭ ‬إلى‭ ‬بربغندا‭ ‬ناعمة‭ ‬تمر‭ ‬مرور‭ ‬الكرام‭ ‬على‭ ‬القارئ‭ ‬الإنجليزي‭.‬

وفي‭ ‬نهاية‭ ‬الجلسة‭ ‬الحوارية،‭ ‬أتاح‭ ‬محمد‭ ‬المبارك‭ ‬المجال‭ ‬لمداخلات‭ ‬الجمهور‭ ‬لإثراء‭ ‬الحوار‭ ‬والإشادة‭ ‬بالورقة‭ ‬الإبداعية‭ ‬التي‭ ‬طرحها‭ ‬الناقد‭ ‬د‭ ‬حسن‭ ‬مرحمة،‭ ‬لنصٍ‭ ‬إبداعي‭ ‬ونصٍ‭ ‬مترجَم‭ ‬موازٍ‭ ‬له‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا