العدد : ١٦٨٥٦ - الجمعة ١٧ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ٠٩ ذو القعدة ١٤٤٥هـ

العدد : ١٦٨٥٦ - الجمعة ١٧ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ٠٩ ذو القعدة ١٤٤٥هـ

الثقافي

نبض: هواجس العمر!

بقلم: علي الستراوي

السبت ٠١ أبريل ٢٠٢٣ - 02:00

أيّهذا‭ ‬الشّاكي‭ ‬وما‭ ‬بك‭ ‬داء‭  ‬

كيف‭ ‬تغدو‭ ‬إذا‭ ‬غدوت‭ ‬عليلا؟‭ ‬

إنّ‭ ‬شرّ‭ ‬الجناة‭ ‬في‭ ‬الأرض‭ ‬نفس‭ ‬

تتوقّى،‭ ‬قبل‭ ‬الرّحيل،‭ ‬الرّحيلا‭!‬

إيليا‭ ‬أبوماضي‭ ‬

مهما‭ ‬مضت‭ ‬بنا‭ ‬السنون‭ ‬وأخذت‭ ‬منا‭ ‬كثيرا‭ ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬أي‭ ‬إنسان‭ ‬يعيش‭ ‬فوق‭ ‬التبانة‭ ‬تعد‭ ‬الموطن‭ ‬الأول‭ ‬له‭.‬

وهي‭ ‬سنوات‭ ‬ذات‭ ‬محطات‭ ‬من‭ ‬عمره‭ ‬ليس‭ ‬له‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬تجاوزها،‭ ‬محطات‭ ‬من‭ ‬المحال‭ ‬نسيانها‭ ‬أو‭ ‬الهروب‭ ‬منها،‭ ‬لأنها‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬يقاس‭ ‬بها‭ ‬العمر‭ ‬عبر ما‭ ‬حققه‭ ‬المرء‭ ‬وما‭ ‬فاته‭ ‬تحقيقه‭ ‬ضمن‭ ‬خارطة‭ ‬مسيرته‭. ‬

فالسنوات‭ ‬هي‭ ‬الميلاد‭ ‬الأول‭ ‬في‭ ‬مجريات‭ ‬العمر،‭ ‬فمنذ‭ ‬الصرخة‭ ‬الأولى‭ ‬للطفل‭ ‬الأول‭ ‬حتى‭ ‬الصرخة‭ ‬الأخيرة‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬غزا‭ ‬الشيب‭ ‬رأس‭ ‬الطفل‭ ‬الذي‭ ‬تمسك‭ ‬بسرته‭ ‬فأخذت‭ ‬منه‭ ‬الدنيا‭ ‬مأخذها‭ ‬،‭ ‬فتشكل‭ ‬عبر‭ ‬منجز‭ ‬وآخر،‭ ‬ذلك‭ ‬الحلم‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يفارقه‭ ‬ولم‭ ‬يهجره،‭ ‬ظل‭ ‬معه‭ ‬خطوة‭ ‬بخطوة‭ ‬،‭ ‬وتعب‭ ‬بعد‭ ‬تعب،‭ ‬أو‭ ‬فرح‭ ‬بعد‭ ‬فرح،‭ ‬فالليل‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬بالنسبة‭ ‬إليه‭ ‬ظلاما‭ ‬ولا‭ ‬يعني‭ ‬له‭ ‬فرحا،‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬مدرك‭ ‬لواقع‭ ‬نطفته‭ ‬الأولى،‭ ‬أو‭ ‬حجم‭ ‬الحلم‭ ‬الأول‭ ‬الذي‭ ‬تشكلت‭ ‬من‭ ‬خلاله‭ ‬جدل‭ ‬المعادلة‭ ‬الصعبة‭ ‬أو‭ ‬السهلة‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬أول‭ ‬الخطوات‭ ‬التي‭ ‬تقدمت‭ ‬به‭ ‬أو‭ ‬أسندته‭ ‬فوق‭ ‬ساخن‭ ‬من‭ ‬البراكين‭ ‬في‭ ‬مسيرته‭.‬

وهو‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬هذه‭ ‬المسيرة‭ ‬عُجن‭ ‬بالطموح‭ ‬وبحجم‭ ‬الصرخة‭ ‬الأولى‭ ‬لولادة‭ ‬خطواته‭ ‬في‭ ‬مدار‭ ‬عاصفة‭ ‬الدنيا‭ ‬،‭ ‬فالأشجار‭ ‬لا‭ ‬تعرف‭ ‬تربتها‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬راع‭ ‬يراقب‭ ‬نموها‭ ‬ويهتم‭ ‬بها،‭ ‬والتاريخ‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الجذور‭ ‬تشكلت‭ ‬أبعاده‭ ‬التي‭ ‬خرجت‭ ‬بخروج‭ ‬جذوعها‭ ‬من‭ ‬الصلب‭ ‬الصعب‭ ‬أومن‭ ‬دافع‭ ‬ظل‭ ‬يلاحقه‭ ‬ويتعلم‭ ‬منه‭ ‬الكثير‭ ‬فهي‭ ‬الجذور‭ ‬التي‭ ‬تقوّم‭ ‬كل‭ ‬امرئ‭ ‬اتخذ‭ ‬من‭ ‬الصرخة‭ ‬الأولى‭ ‬ميلاد‭ ‬عمره‭ ‬ومن‭ ‬الصرخة‭ ‬الأخيرة‭ ‬إصرارا‭ ‬لم‭ ‬يعرف‭ ‬الانحناء،‭ ‬جاء‭ ‬بعد‭ ‬إنجاز‭ ‬سنوات‭ ‬من‭ ‬العمر،‭ ‬فلا‭ ‬يعني‭ ‬جفاف‭ ‬أي‭ ‬تربة‭ ‬موتا‭ ‬للحياة‭ ‬ولا‭ ‬يعني‭ ‬انشغال‭ ‬السماء‭ ‬بضوء‭ ‬الشهب‭ ‬هي‭ ‬ميلاد‭ ‬سنوات‭ ‬جديدة،‭ ‬فالحكاية‭ ‬أصعب‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬نحددها‭ ‬أو‭ ‬نضع‭ ‬لها‭ ‬ذاكرة‭ ‬حافظة‭ ‬لأن‭ ‬أي‭ ‬تاريخ‭ ‬يحمل‭ ‬ميلاد‭ ‬العمر‭ ‬هو‭ ‬التاريخ‭ ‬الذي‭ ‬ليس‭ ‬لنا‭ ‬غفلانه‭ ‬وليس‭ ‬لنا‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬تجاوزه‭ ‬أو‭ ‬التخلف‭ ‬عنه،‭ ‬فالسباق‭ ‬في‭ ‬مدى‭ ‬عمر‭ ‬الإنسان‭ ‬يعد‭  ‬هاجس‭ ‬سباق‭ ‬الأزمنة،‭ ‬محطات‭ ‬يتوقف‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬العمر‭ ‬متلمس‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬مواقع‭ ‬الألم‭ ‬،‭ ‬متعلماً‭ ‬منها‭ ‬ومستفيدا‭ ‬من‭ ‬مطباتها‭ ‬الكثيرة‭ ‬التي‭ ‬قادته‭ ‬أن‭ ‬يتمسك‭ ‬بالجذوة‭ ‬وإن‭ ‬اختفت‭ ‬بين‭ ‬الرماد،‭ ‬فهي‭ ‬العصارة‭ ‬أو‭ ‬الظل‭ ‬الثابت‭ ‬في‭ ‬جدار‭ ‬العمر،‭ ‬مرهونة‭ ‬بإنجازات‭ ‬سنوات‭ ‬من‭ ‬ينتمي‭ ‬إليها‭.‬

فحمل‭ ‬أي‭ ‬رسالة،‭ ‬تعني‭ ‬لكل‭ ‬امرئ‭ ‬حمل‭ ‬تاريخ‭ ‬حياة‭ ‬تعلم‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬يتعلمه‭ ‬من‭ ‬الغفلة‭ ‬التي‭ ‬تطاولت‭ ‬على‭ ‬ميلاده،‭ ‬تاركة‭ ‬ميلاده‭ ‬بين‭ ‬أنياب‭ ‬مخيفة‭ ‬تحمل‭ ‬الوحشة‭ ‬وغياب‭ ‬الأحبة‭ ‬أحياناً،‭ ‬وبين‭ ‬النسيان‭ ‬أو‭ ‬تطاول‭ ‬الآخرين‭ ‬على‭ ‬مقدمها‭ ‬في‭ ‬التحدي‭.‬

فمهما‭ ‬بلغنا‭ ‬من‭ ‬العمر‭ ‬عتيا،‭ ‬لن‭ ‬نفارق‭ ‬نطفتنا‭ ‬الأولى‭ ‬ولن‭ ‬نستسلم‭ ‬للفقد‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬صناعة‭ ‬الفقد‭ ‬عبر‭ ‬عقول‭ ‬سخرها‭ ‬هواة‭ ‬الفقد‭ ‬لقتل‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬جميل‭ ‬في‭ ‬عمر‭ ‬الإنسان،‭ ‬عمر‭ ‬ركضت‭ ‬سنواته‭ ‬سريعا‭ ‬لكنها‭ ‬في‭ ‬مواقع‭ ‬الإنجاز‭ ‬تعطينا‭ ‬رهان‭ ‬الفرس‭ ‬الشديد‭ ‬في‭ ‬السباق،‭ ‬وتتقدم‭ ‬بنا‭ ‬نحو‭ ‬مرآة‭ ‬تعكس‭ ‬خوفنا‭ ‬فرحاً‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬التمعن‭ ‬في‭ ‬أسرار‭ ‬واقع‭ ‬وجوهنا‭ ‬الملونة‭.‬

فالحب‭ ‬عبر‭ ‬نوافذ‭  ‬الحياة‭ ‬لا‭ ‬تغلق‭ ‬ولا‭ ‬يستطع‭ ‬أي‭ ‬طارئ‭ ‬حصارها‭ ‬بين‭ ‬واقعين‭ ‬من‭ ‬الألم،‭ ‬ألم‭ ‬نحسه‭ ‬وألم‭ ‬نتعامل‭ ‬معه‭ ‬ونتحايل‭ ‬عليه‭ ‬بالهروب،‭ ‬هكذا‭ ‬هو‭ ‬واقعنا‭ ‬كبشر‭ ‬ننفعل‭ ‬ونتفاعل‭ ‬ونحس‭ ‬بأننا‭ ‬دون‭ ‬الحياة‭ ‬ليس‭ ‬لنا‭ ‬ما‭ ‬لقدرة‭ ‬السنديان‭ ‬على‭ ‬الامتداد‭ ‬في‭ ‬تربة‭ ‬تغدي‭ ‬كل‭ ‬فرد‭ ‬منا‭ ‬وتعلمه‭ ‬معنى‭ ‬الوقوف‭ ‬أمام‭ ‬بصيرتنا‭ ‬لا‭ ‬بصرنا‭ ‬،‭ ‬سندان‭ ‬جعل‭ ‬منا‭ ‬أن‭ ‬نتحمل‭  ‬طرقات‭ ‬الأزمنة‭ ‬التي‭ ‬عاشها‭ ‬المرء‭  ‬قبلنا‭ ‬متعلم‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬ما‭ ‬يفيده‭ ‬وما‭ ‬لا‭ ‬يفيده،‭ ‬كأنه‭ ‬والخلق‭ ‬في‭ ‬مدار‭ ‬تلك‭ ‬السنوات‭ ‬‮ ‬تاريخ‭ ‬لا‭ ‬يستطيع‭ ‬الفرار‭ ‬منه‭ ‬بل‭ ‬يستطع‭ ‬أن‭ ‬يجعل‭ ‬منه‭ ‬سحابة‭ ‬تمر‭ ‬،‭ ‬تحمل‭ ‬ماءها‭ ‬لتسقي‭ ‬جفاف‭ ‬ما‭ ‬بداخله‭ ‬من‭ ‬ظمأ‭.‬‮ ‬

 

‭(‬لن‭ ‬يعود‭ ..‬

مثل‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ..‬

طفلٌ‭ ‬يكبر‭ ‬في‭ ‬الحلم‭ ‬

ويحنو‭ ‬على‭ ‬براعم‭ ‬الورد‭ ‬

كاليعسوب‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬الجفاف‭ ‬

تشده‭ ‬الريح‭ ‬بعيدا‭ ..‬

فيدخلُ‭ ‬في‭ ‬التيه‭ ..‬

ويموت‭ ‬على‭ ‬شفتيه‭ ‬نبض‭ ‬العسل‭..‬

ننتظره‭ ‬والجرحُ‭ ‬في‭ ‬المدى‭ ‬البعيد‭ ...‬

غريب‭ ‬الطباع‭ ..‬

غريب‭ ‬النمو‭ ‬في‭ ‬الحب‭!)‬

a.astrawi@gmail.com

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا