أيّهذا الشّاكي وما بك داء
كيف تغدو إذا غدوت عليلا؟
إنّ شرّ الجناة في الأرض نفس
تتوقّى، قبل الرّحيل، الرّحيلا!
إيليا أبوماضي
مهما مضت بنا السنون وأخذت منا كثيرا إلا أنها بالنسبة إلى أي إنسان يعيش فوق التبانة تعد الموطن الأول له.
وهي سنوات ذات محطات من عمره ليس له القدرة على تجاوزها، محطات من المحال نسيانها أو الهروب منها، لأنها هي التي يقاس بها العمر عبر ما حققه المرء وما فاته تحقيقه ضمن خارطة مسيرته.
فالسنوات هي الميلاد الأول في مجريات العمر، فمنذ الصرخة الأولى للطفل الأول حتى الصرخة الأخيرة بعد أن غزا الشيب رأس الطفل الذي تمسك بسرته فأخذت منه الدنيا مأخذها ، فتشكل عبر منجز وآخر، ذلك الحلم الذي لم يفارقه ولم يهجره، ظل معه خطوة بخطوة ، وتعب بعد تعب، أو فرح بعد فرح، فالليل لا يعني بالنسبة إليه ظلاما ولا يعني له فرحا، بقدر ما هو مدرك لواقع نطفته الأولى، أو حجم الحلم الأول الذي تشكلت من خلاله جدل المعادلة الصعبة أو السهلة في بناء أول الخطوات التي تقدمت به أو أسندته فوق ساخن من البراكين في مسيرته.
وهو من خلال هذه المسيرة عُجن بالطموح وبحجم الصرخة الأولى لولادة خطواته في مدار عاصفة الدنيا ، فالأشجار لا تعرف تربتها من دون راع يراقب نموها ويهتم بها، والتاريخ من هذه الجذور تشكلت أبعاده التي خرجت بخروج جذوعها من الصلب الصعب أومن دافع ظل يلاحقه ويتعلم منه الكثير فهي الجذور التي تقوّم كل امرئ اتخذ من الصرخة الأولى ميلاد عمره ومن الصرخة الأخيرة إصرارا لم يعرف الانحناء، جاء بعد إنجاز سنوات من العمر، فلا يعني جفاف أي تربة موتا للحياة ولا يعني انشغال السماء بضوء الشهب هي ميلاد سنوات جديدة، فالحكاية أصعب من أن نحددها أو نضع لها ذاكرة حافظة لأن أي تاريخ يحمل ميلاد العمر هو التاريخ الذي ليس لنا غفلانه وليس لنا القدرة على تجاوزه أو التخلف عنه، فالسباق في مدى عمر الإنسان يعد هاجس سباق الأزمنة، محطات يتوقف من خلالها العمر متلمس الكثير من مواقع الألم ، متعلماً منها ومستفيدا من مطباتها الكثيرة التي قادته أن يتمسك بالجذوة وإن اختفت بين الرماد، فهي العصارة أو الظل الثابت في جدار العمر، مرهونة بإنجازات سنوات من ينتمي إليها.
فحمل أي رسالة، تعني لكل امرئ حمل تاريخ حياة تعلم من خلالها ما لم يتعلمه من الغفلة التي تطاولت على ميلاده، تاركة ميلاده بين أنياب مخيفة تحمل الوحشة وغياب الأحبة أحياناً، وبين النسيان أو تطاول الآخرين على مقدمها في التحدي.
فمهما بلغنا من العمر عتيا، لن نفارق نطفتنا الأولى ولن نستسلم للفقد في زمن صناعة الفقد عبر عقول سخرها هواة الفقد لقتل ما هو جميل في عمر الإنسان، عمر ركضت سنواته سريعا لكنها في مواقع الإنجاز تعطينا رهان الفرس الشديد في السباق، وتتقدم بنا نحو مرآة تعكس خوفنا فرحاً من دون التمعن في أسرار واقع وجوهنا الملونة.
فالحب عبر نوافذ الحياة لا تغلق ولا يستطع أي طارئ حصارها بين واقعين من الألم، ألم نحسه وألم نتعامل معه ونتحايل عليه بالهروب، هكذا هو واقعنا كبشر ننفعل ونتفاعل ونحس بأننا دون الحياة ليس لنا ما لقدرة السنديان على الامتداد في تربة تغدي كل فرد منا وتعلمه معنى الوقوف أمام بصيرتنا لا بصرنا ، سندان جعل منا أن نتحمل طرقات الأزمنة التي عاشها المرء قبلنا متعلم من خلالها ما يفيده وما لا يفيده، كأنه والخلق في مدار تلك السنوات تاريخ لا يستطيع الفرار منه بل يستطع أن يجعل منه سحابة تمر ، تحمل ماءها لتسقي جفاف ما بداخله من ظمأ.
(لن يعود ..
مثل ما كان ..
طفلٌ يكبر في الحلم
ويحنو على براعم الورد
كاليعسوب في زمن الجفاف
تشده الريح بعيدا ..
فيدخلُ في التيه ..
ويموت على شفتيه نبض العسل..
ننتظره والجرحُ في المدى البعيد ...
غريب الطباع ..
غريب النمو في الحب!)
a.astrawi@gmail.com
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك