زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
ارحموهن كي تنشط الأرحام
مما يعيب العمل الخيري في بلداننا أنه يتم في أحوال كثيرة فقط استجابة لمناشدات، ويكون ذلك غالباً من خلال ما تكتبه الصحف عن حالات -أفراد وبلدان- تستحق المساعدة بسبب ظروف قاهرة، أي أنها تكون بعد وقوع الفأس على الرأس، وليس عملا منظما تحسبا لطوارئ أو وضعا في الاعتبار أن هناك دائما من هم بحاجة إلى عون إنساني، على هيئة طعام أو دواء أو كساء، وبالتأكيد بيننا أناس مجبولون على عمل الخير، ولا ينتظرون المناشدات بل يتقصون بأنفسهم أحوال من يحتاجون إلى عون ويقدمون إليهم الدعم المطلوب، وهناك من أوقفوا جزءا من ثرواتهم السائلة و«الصلبة» وأعني بالأخيرة العقارات وما على شاكلتها من ممتلكات تدرّ عائدات وأرباحا ثابتة لعمل الخير.
ولكنني ألمس قصورا معيبا في العمل الخيري في بلداننا، وسوء فهم أو فهما ضيقا لمعنى العمل الخيري، فمن النادر أن تجد شخصاً أو مجموعات من الأشخاص ينشئون صندوقاً -مثلا- لرعاية الطلاب الفقراء أو النوابغ وتمكينهم من استكمال تعليمهم داخلياً أو في الخارج، أو تحديدا لغسل كلى من يعانون من توقف كلياتهم عن العمل، وبحمد الله فقد ازداد اهتمامنا كدول وأفراد بأحوال ذوي الاحتياجات الخاصة «المعاقين» فصارت هناك دور كثيرة لتقديم الرعاية والعناية لهم، وصارت لدينا جمعيات لمرضى السكري والسرطان وأخرى تأخذ بيد المدخنين (وهم أيضاً ذوو احتياجات خاصة وإن كانوا يعانون نوعاً من الإدمان غير الخبيث جداً).
ولكن هناك شريحة كبيرة من الناس كتبت عنها مرارا وسأظل أكتب عنها، مازالت تعاني إهمال أهل الخير والجمعيات الخيرية، بينما أرى أنها أجدر بالرعاية. وقد سبق لي أن كتبت أكثر من مرة هنا منبهاً إلى أن الحرمان من الإنجاب يسبب «إعاقة» نفسية غائرة ومدمرة أحيانا، (حالات طلاق بالجملة كان سببها عدم الإنجاب وتكون فيها الزوجة -عادة- المتهمة بعدم الخصوبة، فيتم تسريحها بمعروف أو بالكرت الأحمر)، ويكون الألم مضاعفاً عندما يكون ذلك الحرمان ناتجاً عن علّة جسدية. فمن أقسى ألوان العذاب النفسي الحرمان من الأطفال، والناس الأسوياء في جميع البلدان يتزاوجون طلبا للنسل، وما من إنسان على وجه الأرض إلا ويعرف عزيزاً لديه حُرم نعمة الإنجاب، ويعاني في صمت أو ألم صارخ من ذلك الحرمان، ويصبح ألم من ليس لديهم أطفال جارحاً ودامياً عندما تكون حالة العقم التي يعانونها قابلة للعلاج ولكنهم لا يملكون الموارد لتلقي العلاج اللازم والذي يكون عادة باهظ التكاليف. باختصار فإنني أرى -مجددا- أن هناك ما يستوجب قيام جمعية أو أكثر مهمتها الوحيدة تقديم العون المادي لمن حرموا الإنجاب بسبب علل طارئة قابلة للعلاج.
في العشرين من نوفمبر من العام الماضي انعقد في العاصمة التشيكية براغ مؤتمر حول التناسل وعلم الأجنة، وكان أغرب ما اتفق عليه المشاركون فيه هو أن الكثير من حالات العقم عند النساء منشؤها التوتر، بمعنى أنه قد تتمتع المرأة بدورة شهرية منتظمة وتعمل مبايضها على نحو طبيعي، ولكنها لا تحبل. وقالت البروفيسور بيرغا من جامعة إيموري بأتلانتا بالولايات المتحدة إن التوتر والشد العصبي يحرمان نسبة كبيرة من النساء من الحمل، والتوتر الذي تعاني منه النساء يتسبب فيه الأزواج في غالب الأحوال فـ«سي السيد» يريدها أن تكون طباخة وكناسة ووناسة ودادة ومديرة أعمال وسكرتيرة وحارساً ليلياً (تبقى يقظانة إلى أن يرجع سيادته قبيل الفجر ويريد منها أن تفتح له الباب ثم يصيح: جوعان). وإذا كانت الزوجة عاملة بأجر فاحتمالات إصابتها بالتوتر تصبح مضاعفة فهناك سي السيد في المكتب وسي السيد الأكبر في البيت.
يعني قد تكون بعصبيتك وعنجهيتك سبباً في عدم إنجاب زوجتك فـ«حِل» عنها قليلا، عسى أن يرزقها الله وإياك العيال بعد أن تهنأ براحة البال.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك