العدد : ١٦٨٠٧ - الجمعة ٢٩ مارس ٢٠٢٤ م، الموافق ١٩ رمضان ١٤٤٥هـ

العدد : ١٦٨٠٧ - الجمعة ٢٩ مارس ٢٠٢٤ م، الموافق ١٩ رمضان ١٤٤٥هـ

مقالات

العرب في الذكرى العشرين لاحتلال العراق

بقلم: سميرة رجب

السبت ١٨ مارس ٢٠٢٣ - 02:00

مضى‭ ‬عشرون‭ ‬عاماً،‭ ‬منذ‭ ‬مارس‭ ‬2003،‭ ‬على‭ ‬الغزو‭ ‬والاحتلال‭ ‬الأنجلوأمريكي‭ ‬للعراق،‭ ‬وعلى‭ ‬خروج‭ ‬العراق‭ ‬من‭ ‬معادلة‭ ‬الأمن‭ ‬القومي‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬العربي‭ ‬عموماً‭ ‬والخليجي‭ ‬خصوصاً،‭ ‬وانتقاله‭ ‬من‭ ‬دولة‭ ‬في‭ ‬مقدمة‭ ‬الدول‭ ‬النامية،‭ ‬غنية‭ ‬وذات‭ ‬قوة‭ ‬مهابة،‭ ‬إلى‭ ‬دولة‭ ‬متخلفة‭ ‬فقيرة،‭ ‬مدمرة،‭ ‬هزيلة،‭ ‬تسودها‭ ‬المليشيات‭ ‬وينخر‭ ‬الفساد‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مفاصلها؛‭ ‬بلا‭ ‬سيادة‭ ‬ولا‭ ‬إرادة،‭ ‬بل‭ ‬تعيش‭ ‬تحت‭ ‬سطوة‭ ‬أعدائها‭ ‬التاريخيين،‭ ‬واشنطن‭- ‬طهران‭- ‬تل‭ ‬أبيب،‭ ‬في‭ ‬مشهد‭ ‬سياسي‭ ‬هو‭ ‬الأقذر‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬التاريخ‭ ‬الحديث‭... ‬مشهد‭ ‬يثبت‭ ‬يومياً‭ ‬عدم‭ ‬عدالة‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭ (‬إن‭ ‬وجد‭)‬،‭ ‬ومدى‭ ‬بشاعة‭ ‬العلاقات‭ ‬الدولية،‭ ‬ولاإنسانية‭ ‬الهيمنة‭ ‬الغربية،‭ ‬ووحشية‭ ‬القوة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬وخطرها‭ ‬الدموي‭ ‬التدميري‭ ‬على‭ ‬البشرية‭.‬

على‭ ‬مدار‭ ‬العقدين‭ ‬المذكورين‭ ‬كان‭ ‬الإصرار‭ ‬على‭ ‬استمرار‭ ‬تدمير‭ ‬العراق،‭ ‬والتقهقر‭ ‬السياسي‭ ‬والأمني‭ ‬المتسارع‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربي،‭ ‬من‭ ‬ضمن‭ ‬أهم‭ ‬المؤشرات‭ ‬التي‭ ‬تؤكد‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬حصل‭ ‬للعراق‭ ‬قد‭ ‬تم‭ ‬بإرادة‭ ‬وتخطيط‭ ‬وإعداد‭ ‬ومنهجية‭ ‬مدروسة،‭ ‬ومضمونة‭ ‬النتائج،‭ ‬وبسبق‭ ‬الإصرار‭ ‬والتعمد؛‭ ‬أي‭ ‬أن‭ ‬خطة‭ ‬تدمير‭ ‬العراق‭ ‬وتحويله‭ ‬إلى‭ ‬دولة‭ ‬محطمة‭ ‬فقيرة‭ ‬تحكمه‭ ‬العصابات،‭ ‬كانت‭ ‬مُعدّةً‭ ‬قبل‭ ‬الغزو،‭ ‬وبدأ‭ ‬تنفيذها‭ ‬بعد‭ ‬الاحتلال،‭ ‬لتحقيق‭ ‬مصالح‭ ‬أمريكية‭ ‬جيوسياسية‭ ‬ذات‭ ‬أهمية‭ ‬قصوى‭ ‬في‭ ‬الصراع‭ ‬على‭ ‬نشوء‭ ‬نظام‭ ‬دولي‭ ‬جديد‭.‬

على‭ ‬مدار‭ ‬عشرين‭ ‬سنة‭ ‬كان‭ ‬لسقوط‭ ‬النظام‭ ‬الوطني‭ ‬العربي‭ ‬في‭ ‬العراق،‭ ‬وإنهاء‭ ‬دوره‭ ‬كأهم‭ ‬قوة‭ ‬استراتيجية‭ ‬لتوازن‭ ‬كفتي‭ ‬الأمن‭ ‬والسلام‭ ‬الإقليمي،‭ ‬ضريبة‭ ‬باهظة‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الوطن‭ ‬العربي‭ ‬من‭ ‬المحيط‭ ‬إلى‭ ‬الخليج،‭ ‬ومازالت‭ ‬المنطقة‭ ‬تدفع‭ ‬هذه‭ ‬الضريبة‭ ‬بما‭ ‬تعانيه‭ ‬من‭ ‬تدهور‭ ‬مستمر‭ ‬على‭ ‬المستويين‭ ‬الداخلي‭ ‬والخارجي،‭ ‬من‭ ‬خلالِ‭ ‬التهديدات‭ ‬الأمنية،‭ ‬والفوضىى‭ ‬العارمة،‭ ‬والإنهاك‭ ‬العسكري‭ ‬والاقتصادي‭ ‬والمالي،‭ ‬وحروب‭ ‬الإرهاب،‭ ‬والحروب‭ ‬غير‭ ‬التقليدية‭ ‬المستعرة‭ ‬في‭ ‬الإعلام‭ ‬والمعلومات‭ ‬والتكنولوجيا‭... ‬بل‭ ‬دفعت‭ ‬دولاً‭ ‬عربية‭ ‬ثمناً‭ ‬أغلى‭ ‬بسقوط‭ ‬أنظمتها‭ ‬وإفقارها‭ ‬وانهيار‭ ‬عُمْلاتها،‭ ‬وزعزعة‭ ‬استقرارها‭ ‬أمام‭ ‬جحافل‭ ‬مليشيات‭ ‬الطوائف‭ ‬والمذاهب‭ ‬والأحزاب‭ ‬الدينية‭ ‬والراديكاليات‭ ‬الإرهابية‭ ‬والمتطرفة،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬تدمير‭ ‬مدن‭ ‬وتقسيم‭ ‬وسلب‭ ‬أراضي‭ ‬دول،‭ ‬وتجفيف‭ ‬أنهار‭ ‬دول‭ ‬أخرى،‭ ‬ولا‭ ‬يزال‭ ‬الحبل‭ ‬على‭ ‬الغارب‭.‬

العرب‭ ‬والبديهيات‭ ‬السياسية‭ ‬التاريخية‭ ‬الغائبة

البديهيات‭ ‬هي‭ ‬‮«‬المستوى‭ ‬الأساسي‭ ‬للمعرفة‭ ‬العملية‭ ‬والحكم‭ ‬العملي‭ ‬الذي‭ ‬نكون‭ ‬جميعاً‭ ‬في‭ ‬حاجة‭ ‬إليه‭ ‬لمساعدتنا‭ ‬على‭ ‬المعيشة‭ ‬بطريقة‭ ‬معقولة‭ ‬وآمنة‮»‬‭ (‬تعريف‭ ‬قاموس‭ ‬كامبريدج‭)‬،‭ ‬وهنا‭ ‬يعنينا‭ ‬فهم‭ ‬المصطلح‭ ‬لفهم‭ ‬أسباب‭ ‬تكرار‭ ‬بعض‭ ‬الظواهر‭ ‬والأحداث‭ ‬العربية‭ ‬الخطيرة‭ ‬والأخطر‭ ‬في‭ ‬حياة‭ ‬الشعوب‭ ‬ضمن‭ ‬معطيات‭ ‬متشابهة،‭ ‬حتى‭ ‬تبدو‭ ‬بديهية‭ ‬رغم‭ ‬اختلاف‭ ‬العصر‭ ‬والزمان،‭ ‬ما‭ ‬يرقي‭ ‬بها‭ ‬إلى‭ ‬درجة‭ ‬النظرية‭ ‬التي‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬على‭ ‬طاولة‭ ‬المعنيين‭ ‬بها‭.‬

والبديهيات‭ ‬المعنية‭ ‬هنا‭ ‬هي‭ ‬ذات‭ ‬علاقة‭ ‬بعلوم‭ ‬السياسة‭ ‬والاستراتيجيات‭ ‬الأمنية‭ ‬الإقليمية‭ ‬العربية‭ ‬والشرق‭ ‬أوسطية،‭ ‬أي‭ ‬هي‭ ‬بديهيات‭ ‬سياسية‭ ‬تاريخية‭ ‬تخبرنا‭ ‬عن‭ ‬ظاهرة‭ ‬المد‭ ‬والجزر‭ ‬في‭ ‬العلاقات‭ ‬العربية‭ ‬بجوارها‭ ‬الجغرافي،‭ ‬وخصوصاً‭ ‬إيران‭ (‬بلاد‭ ‬فارس‭)‬،‭ ‬وبالتحديد‭ ‬في‭ ‬فترات‭ ‬الغزو‭ ‬والاحتلال‭ ‬التي‭ ‬تَعَرّض‭ ‬لها‭ ‬العراق‭ ‬عبر‭ ‬التاريخ‭ ‬القديم‭ ‬والحديث‭. ‬بديهيات‭ ‬يمكن‭ ‬قياسها‭ ‬استراتيجيا‭ ‬وجغرافيا‭ ‬وديموغرافيا،‭ ‬وإثباتها‭ ‬عبر‭ ‬شواهد‭ ‬ومعطيات‭ ‬ودلائل‭ ‬تاريخية‭ ‬وثقافية،‭ ‬كما‭ ‬يشهد‭ ‬على‭ ‬صحتها‭ ‬الواقع‭ ‬الأمني‭ ‬والجيوسياسي‭ ‬المتردي‭ ‬الذي‭ ‬يحكم‭ ‬المنطقة‭ ‬والأمة‭ ‬خلال‭ ‬العقود‭ ‬الأخيرة‭.‬

وهناك‭ ‬جهود‭ ‬بحثية‭ ‬تاريخية‭ ‬للعلماء‭ ‬العرب‭ ‬على‭ ‬درجة‭ ‬عالية‭ ‬من‭ ‬العلمية‭ ‬في‭ ‬شأن‭ ‬توثيق‭ ‬هذه‭ ‬الظاهرة‭ ‬وإثباتها‭ ‬كبديهيات‭ ‬متداولة،‭ ‬وهي‭ ‬بديهيات‭ ‬لا‭ ‬تخفى‭ ‬أبداً‭ ‬عن‭ ‬أبناء‭ ‬المنطقة،‭ ‬مما‭ ‬يؤكد‭ ‬أنها‭ ‬كانت‭ ‬معروفة‭ ‬أيضاً‭ ‬للذين‭ ‬خططوا‭ ‬وقرروا‭ ‬غزو‭ ‬العراق‭ ‬وإسقاط‭ ‬نظامه‭ ‬العربي‭ ‬وتدميره‭ ‬منذ‭ ‬2003‭... ‬فترى‭ ‬هل‭ ‬كان‭ ‬الأمر‭ ‬واضحاً‭ ‬للزعماء‭ ‬العرب‭ ‬عندما‭ ‬وافقوا‭ (‬بالترهيب‭ ‬أو‭ ‬بالترغيب‭) ‬على‭ ‬الغزو‭ ‬والاحتلال‭. ‬

أولى‭ ‬هذه‭ ‬البديهيات‭ ‬التاريخية‭ ‬هي‭ ‬أن‭ ‬العراق‭ ‬الذي‭ ‬واجه‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬40‭ ‬غزواً‭ ‬دموياً‭ ‬مدمراً،‭ ‬ليعود‭ ‬بعد‭ ‬دحر‭ ‬كل‭ ‬غزو‭ ‬إلى‭ ‬بناء‭ ‬حضارة‭ ‬جديدة‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬تاريخه‭ ‬الممتد‭ ‬على‭ ‬7‭ ‬آلاف‭ ‬سنة،‭ ‬وبموجب‭ ‬موقعه‭ ‬الجيوسياسي‭ ‬على‭ ‬الحدود‭ ‬الشرقية‭ ‬الأكثر‭ ‬خطراً‭ ‬على‭ ‬المنطقة‭ ‬العربية‭ ‬عموماً،‭ ‬وبفضل‭ ‬ثرواته‭ ‬الطبيعية‭ ‬الثرية‭ ‬والمتجددة‭ ‬التي‭ ‬حباه‭ ‬الله‭ ‬بها،‭ ‬يشكل‭ ‬القوة‭ ‬العربية‭ ‬الكبرى‭ ‬التي‭ ‬صنعها‭ ‬التاريخ‭ ‬والجغرافيا‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬حماية‭ ‬هذه‭ ‬الحدود‭. ‬نعم‭... ‬التاريخ‭ ‬والجغرافيا‭ ‬صنعا‭ ‬العراق‭ ‬وجعلا‭ ‬منه‭ ‬قوة‭ ‬بشرية‭ ‬واقتصادية‭ ‬وثقافية‭ ‬مهيأة‭ ‬وقادرة‭ ‬دائماً،‭ ‬مادياً‭ ‬ومعنوياً،‭ ‬على‭ ‬دفع‭ ‬الغالي‭ ‬والنفيس‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬سلامة‭ ‬الأمة،‭ ‬وحماية‭ ‬كل‭ ‬أرض‭ ‬العرب‭... ‬وهذه‭ ‬بديهية‭ ‬أوضح‭ ‬من‭ ‬نور‭ ‬الشمس‭ ‬المشرقة‭ ‬في‭ ‬بلادنا‭ ‬العربية‭.‬

والبديهية‭ ‬الثانية‭ ‬تؤكد‭ ‬أنه‭ ‬عبر‭ ‬التاريخ‭ ‬حينما‭ ‬يسقط‭ ‬النظام‭ ‬العربي‭ ‬القوي‭ ‬في‭ ‬العراق،‭ ‬وتسقط‭ ‬سلطته‭ ‬المركزية،‭ ‬ينشأ‭ ‬فراغ‭ ‬وخلل‭ ‬أمني‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬عموم‭ ‬المشرق‭ ‬العربي،‭ ‬وكانت‭ ‬الغزوات‭ ‬تتوالى‭ ‬على‭ ‬المنطقة‭ ‬لتدخل‭ ‬الأمة‭ ‬في‭ ‬فترات‭ ‬انكسار‭ ‬وانحسار‭ ‬حضاري‭ ‬لا‭ ‬تُشفى‭ ‬منها‭ ‬إلا‭ ‬بعد‭ ‬دحر‭ ‬الغزاة‭ ‬والانتصار‭ ‬عليهم؛‭ ‬وعوداً‭ ‬على‭ ‬البديهية‭ ‬الأولى‭ ‬لا‭ ‬يكون‭ ‬هذا‭ ‬الانتصار‭ ‬ودحر‭ ‬الغزاة‭ ‬إلا‭ ‬عبر‭ ‬العراق،‭ ‬أرضاً‭ ‬وشعباً‭... ‬هذا‭ ‬ما‭ ‬يؤكده‭ ‬التاريخ‭ ‬الذي‭ ‬تم‭ ‬اجتثاثه‭ ‬من‭ ‬مناهجنا‭ ‬التعليمية،‭ ‬والغائب‭ (‬سهواً‭ ‬أو‭ ‬عمداً‭) ‬عن‭ ‬قرارات‭ ‬الدفاع‭ ‬العربي‭ ‬المشترك،‭ ‬منها‭ ‬قرار‭ ‬غزو‭ ‬العراق‭.‬

البديهية‭ ‬الأخرى‭ ‬والأهم‭ ‬هي‭ ‬أنه‭ ‬عبر‭ ‬التاريخ‭ ‬أيضاً‭ ‬كان‭ ‬دائماً‭ ‬لدول‭ ‬الجوار،‭ ‬وخصوصاً‭ ‬إيران،‭ ‬السبق‭ ‬في‭ ‬ملء‭ ‬أي‭ ‬فراغ‭ ‬أمني‭ ‬وعسكري‭ ‬استراتيجي‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬بسبب‭ ‬سقوط‭ ‬العراق‭ ‬وإنهاء‭ ‬قوته‭ ‬الاستراتيجية،‭ ‬ولطالما‭ ‬استغلت‭ ‬إيران‭ ‬تلك‭ ‬الفرص‭ ‬التاريخية‭ ‬للدخول‭ ‬مع‭ ‬الغزاة‭ ‬إلى‭ ‬المنطقة‭ ‬في‭ ‬شكل‭ ‬احتلال‭ ‬عسكري،‭ ‬أو‭ ‬استيطان‭ ‬ديموغرافي،‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬هيئة‭ ‬عصابات‭ ‬وفرق‭ ‬وجماعات‭ ‬اجتماعية‭ ‬ودينية‭ ‬وغيرها،‭ ‬أو‭ ‬بنشر‭ ‬النفوذ‭ ‬الأمني‭ ‬والسياسي‭ ‬والإرهابي‭ ‬المكثّف‭ ‬للتدمير‭ ‬تارة،‭ ‬ولزعزعة‭ ‬الأمن‭ ‬والاستقرار‭ ‬تارة‭ ‬أخرى‭.‬

وعلى‭ ‬مدار‭ ‬قرون‭ ‬كان‭ ‬لإيران‭ ‬تاريخ‭ ‬حافل‭ ‬بالتحالف‭ ‬مع‭ ‬الأجنبي‭ ‬ضد‭ ‬العرب‭ ‬وضرب‭ ‬مصالح‭ ‬الخليج‭ ‬والجزيرة‭ ‬العربية‭ ‬واختراق‭ ‬المنطقة،‭ ‬كما‭ ‬نجحت‭ ‬مراراً‭ ‬في‭ ‬سلب‭ ‬أراضٍ‭ ‬شاسعة‭ ‬على‭ ‬طول‭ ‬حدود‭ ‬الوطن‭ ‬العربي‭ ‬الشرقية،‭ ‬من‭ ‬العراق‭ ‬شمالاً‭ ‬إلى‭ ‬خليج‭ ‬عمان‭ ‬جنوباً‭.‬

العرب‭ ‬والمستقبل‭ ‬

واليوم،‭ ‬في‭ ‬الذكرى‭ ‬العشرين‭ ‬للاحتلال‭ ‬الأنجلوأمريكي‭ ‬الهمجي‭ ‬البشع‭ ‬للعراق،‭ ‬نتساءل‭: ‬ما‭ ‬المصالح‭ ‬التي‭ ‬حققها‭ ‬العرب‭ ‬الذين‭ ‬سعوا‭ ‬للخلاص‭ ‬من‭ ‬النظام‭ ‬العربي‭ ‬العراقي،‭ ‬وأسهموا‭ ‬في‭ ‬الخلاص‭ ‬من‭ ‬العراق‭ ‬القوي؟؟؟؟‭.. ‬وما‭ ‬الذي‭ ‬كسبه‭ ‬بعض‭ ‬الزعماء‭ ‬العرب‭ ‬من‭ ‬سباق‭ ‬التآمر‭ ‬على‭ ‬استبدال‭ ‬العراق‭ ‬القوي‭ ‬بعراق‭ ‬هزيل‭ ‬مدمر‭ ‬يحتله‭ ‬الأمريكان‭ ‬وتحكمه‭ ‬إيران‭ ‬وإسرائيل‭ ‬بالوكالة؟؟؟‭... ‬ويا‭ ‬ترى‭ ‬هل‭ ‬تم‭ ‬استيعاب‭ ‬الدرس؟؟

أسئلة‭ ‬ليست‭ ‬معقدة‭ ‬أبداً،‭ ‬بل‭ ‬نجد‭ ‬أجوبتها‭ ‬كل‭ ‬يوم‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬أحداث‭ ‬المنطقة‭ ‬المتردية‭ ‬منذ‭ ‬عشرين‭ ‬سنة‭. ‬

بإلقاء‭ ‬نظرة‭ ‬شاملة‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬استقواء‭ ‬دول‭ ‬الجوار‭ ‬الإقليمي‭ ‬ومدى‭ ‬إخفاق‭ ‬الردع‭ ‬العربي،‭ ‬لم‭ ‬ينل‭ ‬العرب‭ ‬عموماً‭ ‬أي‭ ‬مكسب‭ ‬من‭ ‬احتلال‭ ‬العراق،‭ ‬بل‭ ‬كان‭ ‬نصيبهم‭ ‬الخسائر‭ ‬المستمرة‭ ‬حتى‭ ‬اللحظة،‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬تقدم‭ ‬مشاريع‭ ‬دول‭ ‬الجوار‭ (‬إيران،‭ ‬تركيا،‭ ‬إسرائيل‭) ‬التي‭ ‬وجدت‭ ‬نفسها‭ ‬في‭ ‬الفرصة‭ ‬التاريخية‭ ‬السانحة‭ ‬للاستقواء‭ ‬والتمدد‭ ‬وقضم‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬الأراضي‭ ‬العربية،‭ ‬والتسيد‭ ‬في‭ ‬الفراغ‭ ‬الأمني‭ ‬الإقليمي؛‭ ‬وبين‭ ‬الإخفاق‭ ‬والمكابرة‭ ‬وحرمان‭ ‬العرب‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬دور‭ ‬في‭ ‬شأن‭ ‬هذا‭ ‬الأمن‭ ‬الإقليمي،‭ ‬واستمراء‭ ‬حالة‭ ‬التردي‭ ‬والتخبط‭ ‬السياسي،‭ ‬والحروب‭ ‬الأهلية‭ ‬والإقليمية،‭ ‬وتخلف‭ ‬مرتبة‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬في‭ ‬مستقبل‭ ‬عالمي‭ ‬يتجدد،‭ ‬وفي‭ ‬نظامٍ‭ ‬دوليٍ‭ ‬جديد‭ ‬ينشأ،‭ ‬وفي‭ ‬علاقات‭ ‬دولية‭ ‬جديدة‭ ‬تتشكل،‭ ‬وموازين‭ ‬اقتصادية‭ ‬عالمية‭ ‬تتغير،‭ ‬وثورة‭ ‬تكنولوجية‭ ‬تصنع‭ ‬معايير‭ ‬السلطة‭ ‬والقوى‭ ‬الدولية‭... ‬وخلال‭ ‬عقدين‭ ‬صار‭ ‬العربي‭ ‬نموذجاً‭ ‬للإرهاب،‭ ‬وصار‭ ‬عالمنا‭ ‬العربي‭ ‬منطقة‭ ‬غير‭ ‬آمنة‭ ‬وغير‭ ‬مستقرة،‭ ‬وهزائمنا‭ ‬مزمنة‭ ‬في‭ ‬حروب‭ ‬التضليل‭ ‬الإعلامي،‭ ‬وكافة‭ ‬أنواع‭ ‬حروب‭ ‬القوى‭ ‬الناعمة‭ ‬وأسلحتها‭ ‬الفكرية‭ ‬والمعرفية‭ ‬والعلوم‭ ‬الإنسانية‭ ‬المفقودة‭ ‬من‭ ‬قواميس‭ ‬الحكم‭ ‬العربية؛‭ ‬وهي‭ ‬حروب‭ ‬وأسلحة‭ ‬أبعد‭ ‬ما‭ ‬تكون‭ ‬عن‭ ‬الحروب‭ ‬التقليدية‭ ‬والأسلحة‭ ‬القديمة‭ ‬المكدسة‭ ‬في‭ ‬مخازن‭ ‬جيوشنا‭.‬

العرب‭ ‬والمستقبل

ليس‭ ‬من‭ ‬الصعب‭ ‬الإجابة‭ ‬عن‭ ‬أي‭ ‬تساؤلات‭ ‬تخص‭ ‬ماضي‭ ‬وحاضر‭ ‬العرب‭ ‬كأمة‭ ‬وكمنطقة‭ ‬وكدول‭ ‬كانت‭ ‬حتى‭ ‬وقت‭ ‬قريب‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭ ‬موحدة‭ ‬جغرافيا‭ ‬وثقافيا،‭ ‬ولكن‭ ‬من‭ ‬الصعب‭ ‬وضع‭ ‬تصور‭ ‬منهجي‭ ‬استراتيجي‭ ‬لمستقبل‭ ‬المنطقة‭.‬

ففي‭ ‬ظل‭ ‬تضخم‭ ‬حجم‭ ‬الغموض‭ ‬الذي‭ ‬يلف‭ ‬العلاقات‭ ‬العربية‭ ‬العربية؛‭ ‬وفي‭ ‬ظل‭ ‬اتساع‭ ‬رقعة‭ ‬اللاعبين‭ ‬الإقليميين‭ ‬والدوليين‭ ‬في‭ ‬الصراع‭ ‬على‭ ‬الكعكة‭ ‬العربية،‭ ‬ودخول‭ ‬إسرائيل،‭ ‬بعد‭ ‬إيران،‭ ‬في‭ ‬اللعبة‭ ‬من‭ ‬بوابة‭ ‬الأمن‭ ‬والاتفاقيات‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يمكن،‭ ‬بأي‭ ‬شكل‭ ‬من‭ ‬الأشكال،‭ ‬إضفاء‭ ‬حسن‭ ‬النوايا‭ ‬على‭ ‬مضامينها،‭ ‬يبدو‭ ‬من‭ ‬الصعب‭ ‬بلورة‭ ‬توقعات‭ ‬فكرية‭ ‬حول‭ ‬مستقبل‭ ‬البلاد‭ ‬العربية‭ ‬ككتلة،‭ ‬أو‭ ‬كدول‭ ‬منفردة؛‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬دولاً‭ ‬عربية‭ ‬تحاول‭ ‬ضبط‭ ‬بوصلة‭ ‬اتجاهاتها‭ ‬نحو‭ ‬المستقبل،‭ ‬وتجاوز‭ ‬ما‭ ‬يلف‭ ‬هذه‭ ‬الاتجاهات‭ ‬من‭ ‬عدم‭ ‬اليقين‭.‬

لذلك،‭ ‬ورغم‭ ‬أن‭ ‬استشراف‭ ‬المستقبل،‭ ‬والتخطيط‭ ‬له،‭ ‬يتحمل‭ ‬فهم‭ ‬وتفسير‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الاحتمالات،‭ ‬فيما‭ ‬هو‭ ‬ممكن‭ ‬أو‭ ‬متوقع،‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬نريده‭ ‬لمصالحنا،‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬المستقبل،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬ارتفاع‭ ‬معدلات‭ ‬عدم‭ ‬اليقين‭ ‬يعد‭ ‬أحد‭ ‬أهم‭ ‬مخاطر‭ ‬هذا‭ ‬الاستشراف‭. ‬

ويزداد‭ ‬عدم‭ ‬اليقين‭ ‬في‭ ‬استشراف‭ ‬المستقبل‭ ‬عندما‭ ‬يشكل‭ ‬الواقع‭ ‬الراهن‭ ‬ضغطاً‭ ‬سلبياً‭ ‬شديد‭ ‬التأثير‭ ‬على‭ ‬اتخاذ‭ ‬القرار،‭ ‬وعندما‭ ‬تتعدد‭ ‬أنواع‭ ‬الأخطار‭ ‬المباشرة‭ ‬وغير‭ ‬المباشرة،‭ ‬وترتفع‭ ‬معدلات‭ ‬الجهل‭ ‬بالماضي‭ ‬وتتدنى‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬استخلاص‭ ‬العبرة‭ ‬منه‭... ‬وبإيجاز‭ ‬يزداد‭ ‬حجم‭ ‬وخطر‭ ‬عدم‭ ‬اليقين‭ ‬في‭ ‬استشراف‭ ‬المستقبل‭ ‬العربي‭ ‬عندما‭ ‬تكون‭ ‬الأمة‭ ‬أمام‭ ‬مخططات‭ ‬دولية‭ ‬تخترق‭ ‬مراكز‭ ‬الحكم‭ ‬وثقافة‭ ‬الشباب‭ ‬العربي،‭ ‬وأمام‭ ‬أعداء‭ ‬تاريخيين‭ ‬مثل‭ ‬إيران‭ ‬وإسرائيل،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬امتلاك‭ ‬أسلحة‭ ‬توازي‭ ‬أسلحتهم‭ ‬الخبيثة‭ (‬الباطنية،‭ ‬البراجماتية،‭ ‬العملانيّة،‭ ‬الشعوبية‭) ‬التي‭ ‬يجيدون‭ ‬استخدامها‭ ‬للوصول‭ ‬إلى‭ ‬أهدافهم‭.‬

ورغم‭ ‬المحاذير‭ ‬المذكورة،‭ ‬فإنه‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬استشراف‭ ‬بعض‭ ‬الرؤى‭ ‬حول‭ ‬التموضع‭ ‬العربي‭ ‬في‭ ‬الصراعات‭ ‬الدولية‭ ‬القائمة،‭ ‬والتحولات‭ ‬الدولية‭ ‬القادمة،‭ ‬أو‭ ‬المتوقع‭ ‬منها‭.‬

العرب‭ ‬في‭ ‬محاور‭ ‬الصراع‭ ‬

الاستراتيجي‭ ‬الجديد

في‭ ‬مقال‭ ‬للمفكر‭ ‬العربي‭ ‬الدكتور‭ ‬السيد‭ ‬ولد‭ ‬أباه‭ ‬‮«‬استراتيجيات‭ ‬الحواجز‭ ‬والجبهات‭: ‬الاتحاد‭ ‬الإماراتية‭- ‬12‭/‬3‭/‬2023‭) ‬وبعد‭ ‬سرد‭ ‬حول‭ ‬جملة‭ ‬من‭ ‬الأمثلة‭ ‬التي‭ ‬تثبت‭ ‬نظرية‭ ‬استراتيجية‭ ‬دول‭ ‬الحواجز‭ ‬ودول‭ ‬الجبهات‭ ‬عبر‭ ‬التاريخ‭ ‬الحديث،‭ ‬وربط‭ ‬تلك‭ ‬النظرية‭ ‬بالصراع‭ ‬الدولي‭ ‬القائم،‭ ‬يصل‭ ‬الكاتب‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬أن‭ ‬مَحاور‭ ‬الصراع‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬الدولي‭ ‬ستتركز‭ ‬مستقبلا‭ ‬حول‭ ‬مثلث‭: ‬بحر‭ ‬الصين‭ ‬والبحر‭ ‬الأسود‭ ‬وشرق‭ ‬المتوسط،‭ ‬بما‭ ‬يفسر‭ ‬تنامي‭ ‬أهمية‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬تضطلع‭ ‬بدور‭ ‬الحواجز‭ ‬أو‭ ‬الجبهات‭ ‬في‭ ‬مناطق‭ ‬الصدام‭ ‬العالمي‮»‬،‭ ‬وإن‭ ‬التحولات‭ ‬التقنية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬المعاصرة‭ ‬قد‭ ‬أبطلت‭ ‬‮«‬المفاهيمَ‭ ‬التقليدية‭ ‬للجغرافيا‭ ‬السياسية‭ ‬المتمحورة‭ ‬حول‭ ‬نظرية‭ ‬المجال‭ ‬الحيوي‮»‬،‭ ‬إذ‭ ‬إنه‭ ‬‮«‬وفق‭ ‬هذه‭ ‬النظرية،‭ ‬التي‭ ‬اعتمدتها‭ ‬القوى‭ ‬الدولية‭ ‬الكبرى‭ ‬منذ‭ ‬نهاية‭ ‬القرن‭ ‬التاسع‭ ‬عشر،‭ ‬لا‭ ‬تتحدد‭ ‬مصالح‭ ‬البلدان‭ ‬بحيزها‭ ‬الجغرافي‭ ‬السيادي،‭ ‬وإنما‭ ‬بفضاء‭ ‬مصالحها‭ ‬الإقليمية‭ ‬الذي‭ ‬هو‭ ‬مجال‭ ‬حركتها‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬وإطار‭ ‬تدخلها‭ ‬ونفوذها‮»‬‭.‬

ومما‭ ‬لا‭ ‬شك‭ ‬فيه‭ ‬أن‭ ‬الصراعات‭ ‬الدولية‭ ‬القائمة‭ ‬في‭ ‬صدد‭ ‬خلق‭ ‬مرتكزات‭ ‬جديدة‭ ‬في‭ ‬العلاقات‭ ‬الدولية،‭ ‬ومقبلة‭ ‬على‭ ‬تحولات‭ ‬ذات‭ ‬تأثير‭ ‬مباشر‭ ‬على‭ ‬نقطة‭ ‬توازن‭ ‬القوة‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬العلاقات؛‭ ‬ويذكر‭ ‬الدكتور‭ ‬ولد‭ ‬أباه‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬السياق‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬اختراقا‭ ‬في‭ ‬مفاهيم‭ ‬‮«‬التوازن‭ ‬في‭ ‬المجال‭ ‬الحيوي‮»‬‭ ‬للدول‭ ‬بمختلف‭ ‬أحجامها‭ ‬بما‭ ‬يكَرّس‭ ‬‮«‬الدور‭ ‬المتزايد‭ ‬للبلدان‭ ‬المحدودة‭ ‬الحجم،‭ ‬وإن‭ ‬كانت‭ ‬حاسمة‭ ‬التأثير‮»‬‭... ‬وحيث‭ ‬إن‭ ‬عالمنا‭ ‬العربي‭ ‬من‭ ‬الدوائر‭ ‬الأساسية‭ ‬في‭ ‬الاقتصاد‭ ‬العالمي‭ ‬والتجارة‭ ‬الدولية‭ ‬‮«‬ويقع‭ ‬على‭ ‬تماس‭ ‬مع‭ ‬مسارح‭ ‬الاشتباك‭ ‬الجيوسياسي‭ ‬المستقبلي‮»‬،‭ ‬فإن‭ ‬هناك‭ ‬أهمية‭ ‬لبناء‭ ‬‮«‬منظور‭ ‬استراتيجي‭ ‬جديد‭ ‬للنظام‭ ‬الإقليمي‭ ‬العربي‭ ‬في‭ ‬ضوء‭ ‬المستجدات‭ ‬الراهنة،‭ ‬وفيما‭ ‬وراء‭ ‬التحديدات‭ ‬الرائجة‭ ‬مثل‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬الكبير‭ ‬وغرب‭ ‬آسيا‮»‬‭.‬

ولربما‭ ‬وجدتُ‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬التحليل‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬المتفوق‭ ‬مبرراً‭ ‬عملياً‭ ‬لبعض‭ ‬المتغيرات‭ ‬الجديدة‭ ‬في‭ ‬سياسات‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬العربي‭ ‬إقليمياً‭ ‬ودولياً،‭ ‬بدءًا‭ ‬من‭ ‬التوجه‭ ‬اقتصاديا‭ ‬وتكنولوجياً‭ ‬نحو‭ ‬الشرق،‭ ‬مروراً‭ ‬بموقف‭ ‬الحياد‭ ‬الإيجابي‭ ‬في‭ ‬الصراع‭ ‬الروسي‭ ‬الغربي‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا،‭ ‬وفي‭ ‬الصراع‭ ‬الأمريكي‭ ‬الصيني،‭ ‬وصولاً‭ ‬إلى‭ ‬التحول‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬في‭ ‬الرؤى‭ ‬الإقليمية‭ ‬بترميم‭ ‬وبناء‭ ‬وإعادة‭ ‬تأهيل‭ ‬بعض‭ ‬تلك‭ ‬العلاقات‭ ‬مع‭ ‬إيران،‭ ‬إسرائيل،‭ ‬تركيا‭.‬

إن‭ ‬التوجه‭ ‬الخليجي‭ ‬نحو‭ ‬الشرق،‭ ‬خلال‭ ‬العقد‭ ‬الأخير،‭ ‬يعد‭ ‬من‭ ‬فضائل‭ ‬التحول‭ ‬الدولي‭ ‬نحو‭ ‬التعددية‭ ‬القطبية،‭ ‬مثلما‭ ‬كان‭ ‬احتلال‭ ‬العراق،‭ ‬وملأ‭ ‬إيران‭ ‬وتركيا‭ ‬وإسرائيل‭ ‬الفراغ‭ ‬الأمني‭ ‬العربي،‭ ‬وما‭ ‬لحق‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬سياسات‭ ‬الهيمنة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬يعد‭ ‬أحد‭ ‬أبشع‭ ‬مخرجات‭ ‬فترة‭ ‬نظام‭ ‬القطب‭ ‬الأمريكي‭ ‬الأوحد،‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬الحرب‭ ‬الباردة‭.‬

وهنا‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬التنويه‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الصراع‭ ‬الإعلامي‭ ‬الحالي‭ ‬بين‭ ‬إسرائيل‭ ‬وإيران،‭ ‬المهدد‭ ‬لأمن‭ ‬المنطقة‭ ‬ومستقبلها،‭ ‬يمثل‭ ‬شكلا‭ ‬من‭ ‬أشكال‭ ‬الاختلاف‭ ‬على‭ ‬توزيع‭ ‬النفوذ‭ (‬الغنيمة‭) ‬وبناء‭ ‬مرتكزات‭ ‬القوة‭ ‬في‭ ‬منظومة‭ ‬التحولات‭ ‬القادمة،‭ ‬خصوصاً‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬التغول‭ ‬الإيراني‭ ‬مقابل‭ ‬الهزال‭ ‬والتفتت‭ ‬العربي‭ ‬بعد‭ ‬احتلال‭ ‬العراق‭... ‬وهذا‭ ‬الصراع‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬إلا‭ ‬تقاطع‭ ‬صغير‭ ‬في‭ ‬حيز‭ ‬المصالح‭ ‬المتبادلة‭ ‬بين‭ ‬إيران‭ ‬وإسرائيل‭ ‬في‭ ‬منطقتنا‭ ‬العربية؛‭ ‬تلك‭ ‬المصالح‭ ‬الممتدة‭ ‬من‭ ‬هندسة‭ ‬إدارة‭ ‬الاحتلال‭ ‬في‭ ‬العراق،‭ ‬وحراسة‭ ‬الحدود‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬من‭ ‬جنوب‭ ‬لبنان‭ ‬إلى‭ ‬المناطق‭ ‬السورية‭ ‬المحتلة‭ ‬وغيرها‭. ‬ورغم‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الصراع‭ ‬لن‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬مستوى‭ ‬الحرب‭ ‬المباشرة‭ ‬بينهما،‭ ‬فإن‭ ‬البلاد‭ ‬والمصالح‭ ‬العربية‭ ‬ستبقى‭ ‬هي‭ ‬المستهدفة‭ ‬في‭ ‬مرمى‭ ‬الطرفين‭ ‬إلى‭ ‬أمد‭ ‬غير‭ ‬محدود،‭ ‬سواء‭ ‬بالغارات‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬المباشرة‭ ‬كما‭ ‬في‭ ‬لبنان‭ ‬وسوريا،‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬الاحتلال‭ ‬الإيراني‭ ‬غير‭ ‬المباشر‭ ‬كما‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬واليمن‭ ‬وسوريا‭ ‬ولبنان،‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬التهديدات‭ ‬الأمنية‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬الداخلية‭ ‬والخارجية‭ ‬التي‭ ‬تشكل‭ ‬نزيفاً‭ ‬دموياً‭ ‬ومالياً‭ ‬واقتصادياً‭ ‬عربياً‭ ‬واجتماعياً‭ ‬مباشرا‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الخليج‭ ‬العربي،‭ ‬ومعوقاً‭ ‬للتنمية‭ ‬والمستقبل‭ ‬العربي‭ ‬عموماً‭... ‬هذا‭ ‬المستقبل‭ ‬الذي‭ ‬بدأ‭ ‬يتشكل‭ ‬عبر‭ ‬الاندفاع‭ ‬الخليجي‭ ‬نحو‭ ‬الاتفاق‭ ‬مع‭ ‬إسرائيل‭ ‬ودخولها‭ ‬إلى‭ ‬المنطقة‭ ‬من‭ ‬بوابة‭ ‬الأمن‭ ‬الإقليمي‭ ‬من‭ ‬جهة،‭ ‬ونحو‭ ‬خيار‭ ‬السلام‭ ‬مع‭ ‬إيران‭ ‬بهدف‭ ‬حماية‭ ‬أمن‭ ‬واستقرار‭ ‬المنطقة‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬أخرى‭.‬

ويكمن‭ ‬الخلل‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬التحولات‭ ‬الجارية،‭ ‬والمستقبل‭ ‬الذي‭ ‬نستشرفه،‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬الطرف‭ ‬العربي‭ ‬يعمل‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬إنهاك‭ ‬سياسي‭ ‬وأمني‭ ‬استراتيجي‭ ‬يتراكم‭ ‬منذ‭ ‬سقوط‭ ‬العراق‭ ‬القوي،‭ ‬مقابل‭ ‬استقواء‭ ‬جيران‭ ‬إقليميين‭ ‬متربصين‭ ‬يعملون‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬الفرصة‭ ‬الذهبية‭ ‬التاريخية‭ ‬السانحة‭ ‬أمامهم‭ ‬بعد‭ ‬زوال‭ ‬العراق‭ ‬القوي‭... ‬وقد‭ ‬يجيب‭ ‬هذا،‭ ‬بإيجاز‭ ‬شديد،‭ ‬عن‭ ‬أي‭ ‬سؤال‭ ‬حول‭ ‬توقعات‭ ‬الأيام‭ ‬القادمة‭ ‬وانعكاس‭ ‬أثر‭ ‬الاتفاقيات‭ ‬والبيانات‭ ‬في‭ ‬التحولات‭ ‬الدولية‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬نظام‭ ‬دولي‭ ‬جديد‭ ‬ناشئ،‭ ‬وفي‭ ‬سلوك‭ ‬دول‭ ‬الجوار‭ ‬العربي‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تهاب‭ ‬إلا‭ ‬القوي‭ ‬القادر‭ ‬على‭ ‬تحجيم‭ ‬أدوارهم‭ ‬عبر‭ ‬التاريخ‭... ‬ومن‭ ‬السؤال‭ ‬يُستشف‭ ‬الجواب‭.‬

 

sr@sameerarajab‭.‬net‭ ‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا