العدد : ١٦٨٢٩ - السبت ٢٠ أبريل ٢٠٢٤ م، الموافق ١١ شوّال ١٤٤٥هـ

العدد : ١٦٨٢٩ - السبت ٢٠ أبريل ٢٠٢٤ م، الموافق ١١ شوّال ١٤٤٥هـ

الثقافي

سـرديـات:
إبراهيم عبدالله غلوم.. عـلامـة نقدية تأسيسيّة

بقلم: د. ضياء الكعبي

الأحد ١٢ مارس ٢٠٢٣ - 02:00

يُعد‭ ‬الأكاديميُّ‭ ‬والناقدُ‭ ‬البحرينيُّ‭ ‬الأستاذ‭ ‬الدكتور‭ ‬إبراهيم‭ ‬عبدالله‭ ‬غلوم،‭ ‬أستاذ‭ ‬النقد‭ ‬الأدبيّ‭ ‬الحديث‭ ‬بجامعة‭ ‬البحرين‭ ‬واحدًا‭ ‬من‭ ‬أهمِ‭ ‬الأسماءِ‭ ‬النقديةِ‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬المشهدِ‭ ‬النقديِّ‭ ‬العربيِّ‭ ‬تنظيرًا‭ ‬منهجيًا‭ ‬وإضافاتٍ‭ ‬إبداعيةً‭ ‬نقديةً‭ ‬رصينةً‭. ‬لقد‭ ‬تشكَّل‭ ‬خطابه‭ ‬النقدي‭ ‬والإبداعي‭ ‬عبر‭ ‬مراحلَ‭ ‬متعدّدةٍ‭ ‬من‭ ‬التكوينِ‭ ‬التأسيسي‭ ‬الأول‭ ‬في‭ ‬السبعينيات‭ ‬وصولاً‭ ‬إلى‭ ‬محايثة‭ ‬النظرياتِ‭ ‬النقديةِ‭ ‬الحديثةِ‭ ‬منذ‭ ‬ثمانينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬في‭ ‬كتبه‭ ‬الأولى‭: ‬‮«‬القصة‭ ‬القصيرة‭ ‬في‭ ‬الخليج‭ ‬العربي‮»‬‭ (‬1980‭)‬،‭ ‬و«ظواهر‭ ‬التجربة‭ ‬المسرحية‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ (‬1980‭)‬‮»‬،‭ ‬و«المسرح‭ ‬والتغيّر‭ ‬الاجتماعي‭ ‬في‭ ‬سوسيولوجيا‭ ‬التجربة‭ ‬المسرحية‭ ‬في‭ ‬الخليج‭ ‬العربي‮»‬‭ (‬1986‭)‬،‭ ‬و«الثقافة‭ ‬وإشكالية‭ ‬التواصل‭ ‬الثقافي‭ ‬في‭ ‬مجتمعات‭ ‬الخليج‭ ‬العربي‮»‬‭(‬1989‭). ‬لقد‭ ‬كان‭ ‬هاجس‭ ‬تأصيل‭ ‬البدايات‭ ‬الإبداعيّة‭ ‬الخليجيّة‭ ‬وتوثيقها،‭ ‬وإخضاعها‭ ‬لمقاربات‭ ‬سوسيولوجيّة‭ ‬عن‭ ‬النظريات‭ ‬النقدية‭ ‬الغربيّة‭ ‬هو‭ ‬الهاجس‭ ‬الكبير‭ ‬الذي‭ ‬شكَّل‭ ‬وعي‭ ‬أ‭.‬د‭ ‬إبراهيم‭ ‬غلوم‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة‭ ‬من‭ ‬مساره‭ ‬النقدي‭. ‬كما‭ ‬مثَّلت‭ ‬النصوص‭ ‬الإبداعيّة‭ ‬المسرحية‭ ‬ونصوص‭ ‬القصة‭ ‬القصيرة‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬والكويت‭ ‬مجالاً‭ ‬تطبيقيًا‭ ‬نقديًا‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬كتابيه‭ ‬اللذين‭ ‬هما‭ ‬في‭ ‬الأصل‭ ‬أطروحتين‭ ‬أكاديميتين‭ ‬الأول‭ ‬رسالة‭ ‬ماجستير،‭ ‬والآخر‭ ‬أطروحة‭ ‬دكتوراه‭: ‬‮«‬القصة‭ ‬القصيرة‭ ‬في‭ ‬الخليج‭ ‬العربي‮»‬‭ (‬1980‭)‬،‭ ‬و‮«‬المسرح‭ ‬والتغيّر‭ ‬الاجتماعي‭ ‬في‭ ‬سوسيولوجيا‭ ‬التجربة‭ ‬المسرحية‭ ‬في‭ ‬الخليج‭ ‬العربي‮»‬‭ (‬1986‭).‬

لقد‭ ‬استمرَّ‭ ‬هاجس‭ ‬تأصيل‭ ‬البدايات‭ ‬الإبداعيّة‭ ‬والنقدية‭ ‬الأولى‭ ‬عند‭ ‬أ‭.‬د‭ ‬إبراهيم‭ ‬غلوم‭ ‬في‭ ‬كتابيه‭ ‬‮«‬مسرح‭ ‬إبراهيم‭ ‬العريّض،‭ ‬دراسة‭ ‬وتوثيق‮»‬‭ (‬1996‭)‬،‭ ‬و«عبدالله‭ ‬الزايد‭ ‬وتأسيس‭ ‬الخطاب‭ ‬الأدبيّ‭ ‬الحديث”‭(‬1996‭)‬؛‭ ‬وهما‭ ‬الكتابان‭ ‬اللذان‭ ‬تناول‭ ‬فيهما‭ ‬البواكير‭ ‬الإبداعية‭ ‬البحرينيّة‭ ‬الحديثة‭ ‬ممّثلة‭ ‬في‭ ‬الشاعر‭ ‬إبراهيم‭ ‬العريّض‭ ‬والأديب‭ ‬عبدالله‭ ‬الزائد‭ ‬مؤسِّس‭ ‬الصحافة‭ ‬البحرينيّة‭ ‬في‭ ‬تأسيسه‭ ‬الخطاب‭ ‬الأدبي‭ ‬البحريني‭ ‬الحديث‭. ‬وسيمثل‭ ‬كتاب‭ ‬‮«‬المرجعية‭ ‬والانزياح‭: ‬دراسة‭ ‬لبدايات‭ ‬النقد‭ ‬الأدبيّ‭ ‬في‭ ‬الخليج‭ ‬العربي‭ ‬حول‭ ‬تجربة‭ ‬الشاعر‭ ‬عبدالرحمن‭ ‬المعاودة‮»‬‭ (‬1996‭) ‬مسارًا‭ ‬نقديًا‭ ‬مغايرًا‭ ‬وثَّق‭ ‬فيه‭ ‬د‭. ‬غلوم‭ ‬السجالات‭ ‬النقدية‭ ‬الخاصة‭ ‬بتجربة‭ ‬عبدالرحمن‭ ‬المعاودة‭ ‬مع‭ ‬رباعيات‭ ‬الخيَّام‭. ‬ويمثل‭ ‬كتابه‮»‬‭ ‬الخاصية‭ ‬المنفردة‭ ‬في‭ ‬الخطاب‭ ‬المسرحي،‭ ‬دراسة‭ ‬نقدية‮»‬‭ (‬1997‭) ‬الانشغال‭ ‬بالبحث‭ ‬عن‭ ‬عناصر‭ ‬الحساسية‭ ‬المنفردة‭ ‬في‭ ‬الخطاب‭ ‬المسرحي‭. ‬وفي‭ ‬كتابه‭ ‬‮«‬عالم‭ ‬روائي‭ ‬في‭ ‬القصة‭ ‬القصيرة،‭ ‬دراسات‭ ‬نقدية‮»‬‭ (‬2007‭) ‬برز‭ ‬سؤال‭ ‬الأنساق‭ ‬وسؤال‭ ‬التجنيس‭ ‬الأدبي‭ ‬في‭ ‬السَّرديات؛‭ ‬إذ‭ ‬لا‭ ‬توجد‭ ‬أجناس‭ ‬معزولة‭ ‬وإنَّما‭ ‬توجد‭ ‬صيغ‭  ‬وتقنيات‭ ‬متنوعة‭ ‬لعوالم‭ ‬قصصية‭ ‬لا‭ ‬ترتضي‭ ‬بالنهايات‭ ‬المطلقة‭. ‬ويمثِّل‭ ‬كتابه‭ ‬‮«‬المسافة‭ ‬وإنتاج‭ ‬الوعي‭ ‬النقدي،‭ ‬أحمد‭ ‬المناعي‭ ‬والوعي‭ ‬بالحركة‭ ‬الأدبيّة‭ ‬الجديدة‭ ‬في‭ ‬البحرين‮»‬‭ (‬2010‭) ‬اجتراحًا‭ ‬نقديًا‭ ‬لمصطلح‭ ‬نقدي‭ ‬جديد‭ ‬هو‭ ‬‮«‬المسافة‭ ‬النقدية‮»‬‭. ‬إنَّ‭ ‬‮«‬المسافة‭ ‬النقدية‮»‬‭ ‬تعني‭ ‬أنَّ‭ ‬تجربة‭ ‬الناقد‭ ‬تمنح‭ ‬إمكانيات‭ ‬كبيرة‭ ‬لتأويلها‭ ‬وفهمها‭ ‬بعمق‭ ‬أكثر‭ ‬ممّا‭ ‬يتوقعها‭ ‬هو،‭ ‬أو‭ ‬يتوقعها‭ ‬الزمن‭ ‬المؤسّس‭ ‬لها،‭ ‬وهذه‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬كشوف‭ ‬فلسفة‭ ‬الخطابات‭ ‬المؤولة،‭ ‬فكثيرًا‭ ‬ما‭ ‬يطمس‭ ‬زمنٌ‭ ‬ما‭ ‬نصوصًا‭ ‬وتجارب‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يعني‭ ‬ذلك‭ ‬نقصها‭ ‬الفادح،‭ ‬وعدم‭ ‬امتلاكها‭ ‬روح‭ ‬الحدث‭ ‬وعمق‭ ‬التأسيس‭ ‬في‭ ‬الوعي‭.‬

تمثّل‭ ‬الخطابات‭ ‬الموازية‭ ‬مكونًا‭ ‬رئيسًا‭ ‬من‭ ‬مكونات‭ ‬الخطاب‭ ‬النقدي‭ ‬لدى‭ ‬الناقد‭ ‬البحريني‭ ‬الأستاذ‭ ‬الدكتور‭ ‬إبراهيم‭ ‬غلوم،‭ ‬ويتضح‭ ‬هذا‭ ‬المكوِّن‭ ‬النقدي‭ ‬في‭ ‬كتابيه‭ ‬‮«‬المسرح‭ ‬الموازي‭ ‬في‭ ‬سوسيولوجيا‭ ‬البدايات‭ ‬المسرحية‭ ‬والوعي‭ ‬القومي‭ ‬في‭ ‬الخليج‭ ‬العربي‮»‬‭ (‬2013‭)‬،‭ ‬و«مسرح‭ ‬القضية‭ ‬الأصلية،‭ ‬البنية‭ ‬الفكرية‭ ‬في‭ ‬مسرح‭ ‬الدكتور‭ ‬سلطان‭ ‬بن‭ ‬محمد‭ ‬القاسمي‮»‬‭(‬2015‭). ‬إنَّ‭ ‬الوعي‭ ‬العميق‭ ‬بالخطابات‭ ‬الموازية‭ ‬في‭ ‬علاقتها‭ ‬بالإبداع‭ ‬الأدبي‭ ‬هو‭ ‬امتداد‭ ‬نقدي‭ ‬طبيعي‭ ‬لبحث‭ ‬د‭. ‬غلوم‭ ‬عن‭ ‬التقابلات‭ ‬البنيوية‭ ‬بين‭ ‬الفنون‭ ‬الدرامية‭ (‬المسرح،‭ ‬القصة‭ ‬القصيرة،‭ ‬القصيدة،‭ ‬الرواية‭) ‬وبين‭ ‬حركة‭ ‬التغيّر‭ ‬الاجتماعي‭ ‬والسياسي‭ ‬في‭ ‬مجتمعات‭ ‬الخليج‭ ‬العربي‭. ‬ويشكّل‭ ‬سؤال‭ ‬النسق‭ ‬والبنية‭ ‬إشكالية‭ ‬البحث‭ ‬في‭ ‬الخطابات‭ ‬الموازية‭ ‬لمسرح‭ ‬سلطان‭ ‬القاسمي؛‭ ‬فالقضية‭ ‬الأصلية‭ ‬وبنية‭ ‬السؤال‭ ‬واحدة‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬أنَّ‭ ‬النصوص‭ ‬مترامية،‭ ‬متعدَّدة‭ ‬بين‭ ‬مسرح،‭ ‬وتاريخ،‭ ‬ورواية،‭ ‬وسيرة‭ ‬ذاتية‮»‬‭. ‬

يتوفَّر‭ ‬الأستاذ‭ ‬الدكتور‭ ‬إبراهيم‭ ‬غلوم‭ ‬على‭ ‬وعي‭ ‬عميق‭ ‬بأهمية‭ ‬الثقافة‭ ‬الشعبيّة‭ ‬وضرورة‭ ‬إخضاعها‭ ‬للدرس‭ ‬الأكاديمي‭ ‬المنهجي؛‭ ‬ولذلك‭ ‬فهو‭ ‬يُعد‭ ‬مؤسِّسًا‭ ‬لمقرر‭ ‬‮«‬الأدب‭ ‬الشعبي‮»‬‭ (‬الفولكلور‭)‬،‭ ‬وجعله‭ ‬مقررًا‭ ‬في‭ ‬برنامج‭ ‬البكالوريوس‭ ‬في‭ ‬اللغة‭ ‬العربيّة‭ ‬وآدابها‭.  ‬إنَّ‭ ‬جامعة‭ ‬البحرين‭ ‬تاريخيًا‭ ‬هي‭ ‬من‭ ‬أوائل‭ ‬الجامعات‭ ‬الخليجيّة‭ ‬تنبهًا‭ ‬ووعيًا‭ ‬إلى‭ ‬أهمية‭ ‬الثقافة‭ ‬الشعبيّة‭ ‬وعلاقتها‭ ‬بالهُوية‭ ‬الثقافيّة‭. ‬يقول‭ ‬أ‭. ‬د‭ ‬غلوم‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬السياق‭: ‬‮«‬إنَّ‭ ‬غياب‭ ‬هذا‭ ‬الحقل‭ ‬أو‭ ‬غياب‭ ‬اختصاص‭ ‬واحد‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الحقل‭ ‬يُعد‭ ‬نقصًا‭ ‬فادحًا‭ ‬وخطيرًا‭ ‬في‭ ‬المعرفة‭ ‬الجامعية‭ ‬فقمتُ‭ ‬بإدخال‭ ‬هذا‭ ‬الحقل‭ ‬حتّى‭ ‬يسد‭ ‬الفجوة‭ ‬الكبيرة‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬موجودة‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬العلوم‭ ‬الإنسانيّة‭. ‬فالهدف‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬الأول‭ ‬الذي‭ ‬دفعني‭ ‬إلى‭ ‬تدريس‭ ‬هذا‭ ‬المقرر‭ ‬هو‭ ‬محاولة‭ ‬استكمال‭ ‬المعرفة‭ ‬الإنسانيّة‭ ‬المطروحة‭ ‬داخل‭ ‬الجامعة‭ ‬فلا‭ ‬يجوز‭ ‬إغفال‭ ‬حقل‭ ‬الدراسات‭ ‬الشعبيّة‭ ‬لأنَّ‭ ‬ذلك‭ ‬يعتبر‭ ‬نقصًا‭. ‬وقد‭ ‬قمتُ‭ ‬كذلك‭ ‬بإدخال‭ ‬هذا‭ ‬المقرر‭ ‬ضمن‭ ‬المقررات‭ ‬الاختيارية‭ ‬في‭ ‬علم‭ ‬الانثروبولوجيا‮»‬‭.‬

{ أستاذة‭ ‬السرديات‭ ‬والنقد‭ ‬الأدبي‭ ‬الحديث‭ ‬المشارك،

كلية‭ ‬الآداب،‭ ‬جامعة‭ ‬البحرين‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا