أسحبُ الهواء إلى صدري، فيسحبُ إليّ الرصيف، الماء والأشجار والذاكرة.
أحبك كل يوم دون رأفةٍ بنفسي. الآن وقد تعبتُ، أريد أن أجلس مع نفسي إلى الطاولة، أن أضع أمامي آخر نفسٍ من سيجارتك، فُتات الكلام الذي بيننا، ذاكرة الأشياء التي حدثت أو تلك التي لم تحدث، النظرة الأخيرة التي تشيعني بها قبل ذهابك.
أريد أن أفرغ روحي من أحمالها، أن أخرج منها الأشياء التي دخلت قبل قليل: الشارع، المارة، الأشجار، الرصيف، الذاكرة.
أريد أن أجلس إلى نفسي، أن أراقب الغيمة الغافية على كوب القهوة، اشتباك الأشواك مع الملاعق، مريلة النادلة البيضاء.
أريد أن أنتزعك من قلبي وعيني وروحي أيضاً، وأجلسكَ على المقعد المقابل.
تجلسُ على المقعد المقابل دون أن يذكرني وجهك بالأشجار، دون أن تصدح في القلب أغنية ودون ارتباكٍ في الحواس.
أمدُ يدي نحو الفراغ، نحو مقعدكَ الفارغ أمامي
لقد أحببتكَ أكثر مما ينبغي.
أحببتك حتى صرت أرى وجهك في الشوارع، في الغيم، في وجوه كل الذين أحبهم.
أريد أن ألوح لوجهك المُتخيَّل بيديَّ العاريتين، يديَّ المزرقة لفرط البرد والوحدة.
أريدُ أن أناديك لكن صوتي أكلته الوحشة، صوتي صدأ لفرطٍ ما غبت، لفرط ما ذهبت ذهاباً كثيراً دون عودة. من بعيدٍ أراقبُ الطفلة تترك شعرها للأراجيح، جسدها يميلُ في الهواء، وأراقب حياتي وهي تنهارُ ببطء مثل قلعةٍ رملية. ليست لدي قوة كي أنفض هذا التراب كله، ليس لدي متسعٌ كي أدفن تحت وسادتي جثة جديدة لأي شيء: قطة، حلم، أغنية أو قصيدة.
ليست لدي قوة، كي أجزَّ هذا العُشب الذي نبتَ في غيابك.
خمسة وأربعون يوماً مرت، جفت القصائد على حبال الظهيرة
أخضر.. أخضر.
مكانك الفارغ الذي لا يشغله أحدٌ في القلب.
انتظرتك، خمسة وأربعين يوما في البرية، حتى أن صوتي ذهب كله في انتظارك. على مقعدك الفارغ الذي أمامي أن يقول شيئا، على المقعد الفارغ أن يقول إلى أين نذهبُ حين نفقدُ خط العودة، إلى أين نذهب حين نحبُ بهذه الكثرة.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك