تشهد الولايات المتحدة تحوّلًا دينيًا وجيليًا عميقًا يُعد الأسرع في تاريخها الحديث، يتمثل في الارتفاع الحاد بأعداد الأمريكيين غير المنتمين دينيًا، بالتوازي مع إغلاق آلاف الكنائس في مختلف الولايات، في مشهد يعكس تغيرًا جذريًا في القيم والهوية الاجتماعية.
وبحسب تقرير لموقع Axios فإن ثلاثة من كل عشرة بالغين أمريكيين (نحو 30%) يعرّفون أنفسهم اليوم بأنهم «غير منتمين دينيًا» (Nones)، بزيادة قدرها 33% منذ عام 2013. ويؤكد أن هذا المسار يمثل أسرع تحوّل ديني رئيسي تشهده البلاد في تاريخها الحديث.
ويبرز التحول بشكل أوضح بين فئة الشباب، إذ إن نحو 38% من الأمريكيين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و29 عامًا لا ينتمون إلى أي ديانة. كما تشير بيانات Gallup إلى أن 57% من الأمريكيين نادرًا ما يحضرون الطقوس الدينية أو لا يحضرونها مطلقًا، مقارنة بـ40% فقط عام 2000. ومن المتوقع، وفق التقديرات، إغلاق نحو 15 ألف كنيسة خلال العام الجاري، وهو رقم قياسي تاريخيًا.
سياسيًا، يفرض هذا التحول تحديات جديدة على الأحزاب والمرشحين، إذ ترتفع كلفة الوصول إلى الناخب غير المنتمي دينيًا إلى نحو 1.40 دولار، مقابل 0.45 دولار للناخب المنتمي دينيًا. ولا يزال المسيحيون البيض يشكلون الأغلبية داخل الحزب الجمهوري، بينما يغلب غير المنتمين دينيًا والمسيحيون من أعراق أخرى على القاعدة الديمقراطية، ما يفرض إعادة صياغة الخطاب الانتخابي بعيدًا عن الاستراتيجيات التقليدية المرتبطة بالمؤسسات الدينية.
ومع تراجع دور الكنيسة كمركز روحي واجتماعي، تتنامى بدائل رقمية ولا مركزية للبحث عن المعنى والهوية، من قنوات «يوتيوب» ذات الطابع الروحي أو العلمي، إلى شخصيات فكرية مثل كارل ساغان وريتشارد دوكينز، وصولًا إلى تطبيقات وروبوتات محادثة تعمل بالذكاء الاصطناعي مثل Bible Chat، التي باتت تقدم الإرشاد الروحي والصلاة لملايين المستخدمين.
ورغم حديث بعض الأوساط المحافظة عن «صحوة دينية» محتملة، تؤكد الرئيسة التنفيذية لمعهد PRRI ميليسا ديكمان أن المعطيات الأكاديمية لا تشير إلى موجة عودة واسعة للكنائس قادرة على عكس الاتجاه العام. وبذلك، تبدو الخريطة الدينية التقليدية للولايات المتحدة في طريقها إلى الزوال، لتحل محلها خريطة جديدة أكثر علمانية ورقمية ولامركزية، يتوقع خبراء أن يكون تأثيرها على الثقافة والسياسة والهوية الأمريكية عميقًا وطويل الأمد.

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك