قبل أن يقف الوزراء والسفراء والمسؤولون لأداء القسم عند توليهم مواقعهم، وقبل أن توثق الكلمات في المراسم الرسمية، عاش البحريني عهداً أسبق وأعمق منذ ولادته، جعل البحرين أولاً في الضمير قبل الموقع، وجعل حمايتها فعلاً يسبق القول، وأداء الواجب تجاهها مساراً ثابتاً لا يرتبط بظرف أو منصب. هذا الجوهر لم يُصغ في نصوص رسمية، وإنما نشأ في البيوت، ونما في المدارس، واستقر في وجدان هذا الوطن، فأصبح جزءاً من الهوية البحرينية الجامعة.
من هذا العمق تتضح خصوصية شهر ديسمبر في البحرين، شهر يستقر في الوجدان قبل التقويم، ويعيد التذكير بقيمة الوطن كما تُعاش في تفاصيل الحياة اليومية. خلاله تحتفل مملكة البحرين والبحرينيون بالعيد الوطني المجيد وعيد الجلوس، في ظل مسار الدولة الذي يقوده حضرة صاحب الجلالة ملك البلاد المعظم، حفظه الله ورعاه، إلى جانب استذكار المحطات الوطنية المفصلية في تاريخ الدولة، بما يعكس عمق الارتباط الوطني واستمرارية الطريق.
لأنني أحبك يا البحرين، أرى في ديسمبر لحظة وعي تتقدم فيها القيم على المظاهر، ويغدو فيها الارتباط بالوطن ممارسة يومية. في هذا السياق يتبدل الإحساس العام بهدوء ويصبح الاستقبال أقرب إلى حالة وجدانية يتقدم فيها المعنى على الشكل، ويتحول الاحتفال الى امتداد لسلوك مسؤول لا حالة عابرة.
يظل السادس عشر من ديسمبر يوماً له وقع خاص عند البحرينيين. يوم نشعر فيه أن الوطن أقرب، وأن العلاقة بين الدولة وأبنائها أكثر حضوراً ووضوحاً. ننتظره لأنه يوم وطني مجيد تتجدد فيه القيم الأصيلة، ويستعاد فيه الإحساس بأن البحرين بيت واحد يتسع للجميع.
هذا القرب والارتباط تبلور عبر تجربة وطنية طويلة قامت على الحكمة والتدرج. فالبحرين وطن كبير في قيمه، عميق في احتوائه، قادر على حماية أبنائه ومنحهم الأمان من دون ضجيج. الانتظام هنا ممارسة يومية تظهر في سير الحياة، وثقة الناس، وهدوء الشارع، واستمرارية المؤسسات، وهو ما يمنح هذه المناسبة طابعها الهادئ والمتزن.
نعم، أحبك يا البحرين، في هذا اليوم وكل يوم. يوم تتجلى فيه قيمة الدولة حين يولي حضرة صاحب الجلالة ملك البلاد المعظم، حفظه الله ورعاه، اهتمامه بتكريم أبنائه المخلصين، بما يعكس فلسفة حكم قائمة على الإنصاف وتثمين العطاء وأن الجهد يجد تقديره المستحق، وأن الوطن لا ينسى من خدموه بإخلاص. ورغم كثرة الصور، يبقى المعنى أعمق من المشهد، لأنها توثق تقديرا صادقا أكثر مما تسعى إلى إبراز لحظة. ويظل هذا التكريم شاهداً على ثقافة وفاء راسخة، وعلى علاقة متينة بين الحكم وأبنائه تقوم على الاعتراف بالعمل والمسؤولية المشتركة.
من هذا المسار، ينظر البحريني إلى ما يعيشه من طمأنينة عامة بوصفها نعمة تستحق الفهم قبل الاحتفال. هذا الأمان تحقق عبر مسار طويل من الحكمة وبناء الإنسان وتطوير المؤسسات، في دولة جعلت الإنسان محور أولوياتها وربطت التقدم بالعدالة والوعي. في عالم يشهد اضطرابات متسارعة، تتأكد قيمة هذه النعمة، وتتجدد الحاجة إلى الحفاظ عليها بوعي دائم.
في قلب هذه التجربة، يبرز التعايش كإحدى سماتها الراسخة، حيث تُدار الاختلافات بهدوء، ويُحترم القانون، ويُحفظ النسيج الاجتماعي.. هذا الواقع المستقر ينعكس مباشرة على سلوك الناس وعلى تفاصيل حياتهم اليومية. ومع ترسخ هذا الانسجام المجتمعي، تتحدد مسؤولية الفرد تجاه وطنه في ممارسات واضحة تبدأ بالالتزام، وتمتد إلى حفظ ما تحقق، وصون المكتسبات بالسلوك الواعي والعمل الجاد. فالوطن الذي يوفر لأبنائه الأمان يستحق أن يُقابل بالجدية في الأداء، وبالصدق في العلاقة معه، وبالحرص على المصلحة العامة في كل موقع.
ولأنني أحب البحرين، أتقدم بخالص التهاني إلى قيادتنا الرشيدة وإلى الشعب البحريني الكريم، بمناسبة العيد الوطني المجيد وعيد الجلوس، في ظل قيادة حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، حفظه الله ورعاه. مناسبة تتجدد فيها مشاعر التقدير لوطن مستقر، ومسار وطني قائم على الحكمة، ومجتمع واعٍ يعرف كيف يحب وطنه ويحفظه بصدق.
مهتمة بالحوكمة وتطوير الأداء المؤسسي

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك