العدد : ١٧٤٣٤ - الثلاثاء ١٦ ديسمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٥ جمادى الآخر ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٤٣٤ - الثلاثاء ١٦ ديسمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٥ جمادى الآخر ١٤٤٧هـ

مقالات

براحة فخرو والمكتبة العصرية

بقلم: المحامية د. هنادي بنت عيسى الجودر

الأحد ١٤ ديسمبر ٢٠٢٥ - 02:00

القراء‭ ‬الأعزاء‭ ‬

من‭ ‬المؤكد‭ ‬أن‭ ‬الاشتغال‭ ‬على‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬الهوية‭ ‬الوطنية‭ ‬يبدأ‭ ‬بإحياء‭ ‬الأحياء‭ ‬الشعبية‭ ‬العتيقة‭ ‬العريقة‭ ‬في‭ ‬خطٍ‭ ‬موازٍ‭ ‬لإحياء‭ ‬المتوارث‭ ‬من‭ ‬ثقافة‭ ‬شعبية‭ ‬وطنية‭ ‬تميّز‭ ‬المكان‭ ‬وأهله،‭ ‬المادي‭ ‬منها‭ ‬واللامادي،‭ ‬والذي‭ ‬تزخر‭ ‬به‭ ‬البحرين‭ ‬أرض‭ ‬الحضارات‭ ‬والتاريخ،‭ ‬حيث‭ ‬إنه‭ ‬من‭ ‬الواجب‭ ‬على‭ ‬الشعوب‭ ‬التي‭ ‬لها‭ ‬تاريخ‭ ‬وهويّة‭ ‬أن‭ ‬تعضّ‭ ‬عليها‭ ‬بالنواجذ‭ ‬لتحافظ‭ ‬عليها،‭ ‬ولا‭ ‬سيما‭ ‬أننا‭ ‬الآن‭ ‬قد‭ ‬أصبحنا‭ ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬يسهل‭ ‬فيها‭ ‬ضياع‭ ‬الموروث‭ ‬والهوية‭ ‬الشعبية‭ ‬مع‭ ‬وجود‭ ‬أفواه‭ ‬تفتقر‭ ‬الى‭ ‬الهوية‭ ‬ومستعدة‭ ‬لابتلاعها‭.‬

لذا‭ ‬أصبح‭ ‬مهرجان‭ (‬ليالي‭ ‬المحرق‭) ‬أحد‭ ‬أهم‭ ‬فعاليات‭ ‬شهر‭ ‬ديسمبر‭ ‬احتفالاً‭ ‬بالعيد‭ ‬الوطني‭ ‬المجيد‭ ‬لمملكة‭ ‬البحرين‭ ‬لأسباب‭ ‬عدة،‭ ‬أحدها‭ ‬الأهمية‭ ‬التاريخية‭ ‬والوطنية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬لمدينة‭ ‬المحرق،‭ ‬كما‭ ‬أضاف‭ ‬التنظيم‭ ‬الرائع‭ ‬للفعالية‭ ‬بُعدّا‭ ‬آخر‭ ‬لنجاحها‭ ‬رغم‭ ‬كل‭ ‬الظروف‭ ‬والصعوبات‭ ‬والمعوقات‭ ‬المتمثلة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الحيّز‭ ‬الجغرافي‭ ‬الصغير‭ ‬الذي‭ ‬يخضع‭ ‬حالياً‭ ‬للتجديد‭ ‬وإعادة‭ ‬النبض‭ ‬للحياة‭ ‬فيه‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬غادره‭ ‬معظم‭ ‬أهله‭ ‬واحياء‭ ‬هويته‭ ‬الأصلية‭.‬

ولعل‭ ‬أجمل‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الليالي‭ ‬هي‭ ‬أنها‭ ‬قد‭ ‬استقطبت‭ ‬القاصي‭ ‬والداني‭ ‬من‭ ‬البحرين‭ ‬وخارجها‭ ‬بأريحيتها‭ ‬وتمثيلها‭ ‬لبساطة‭ ‬وتلقائية‭ ‬أهل‭ ‬المحرق،‭ ‬في‭ ‬دعوة‭ ‬من‭ ‬القلب‭ ‬للزائر‭ ‬كي‭ ‬يألف‭ ‬التجوال‭ ‬في‭ ‬شوارعها‭ ‬وأزقّتها‭ ‬الضيقة‭ ‬التي‭ ‬تفوح‭ ‬عبقاً‭ ‬وأصالةً،‭ ‬ويتصل‭ ‬مباشرة‭ ‬بروح‭ ‬المحرق،‭ ‬ضمن‭ ‬برنامج‭ ‬ثقافي‭ ‬فني‭ ‬تراثي‭ ‬متنوع‭ ‬وأنيق‭ ‬جداً‭ ‬بحيث‭ ‬يستطيع‭ ‬الزائر‭ ‬أن‭ ‬يقطع‭ ‬كيلومترات‭ ‬المهرجان‭ ‬الثلاثة‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬كلل‭ ‬أو‭ ‬ملل‭ ‬ولا‭ ‬شعور‭ ‬بالتعب‭ ‬بغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬مرحلته‭ ‬العمرية،‭ ‬ويلعب‭ ‬الشعور‭ ‬بالفرح‭ ‬والحنين‭ ‬والارتياح‭ ‬دوراً‭ ‬مهماً‭ ‬في‭ ‬ذلك‭.‬

هناك‭ ‬تفاصيل‭ ‬كثيرة‭ ‬في‭ ‬المهرجان‭ ‬تجعله‭ ‬مشروع‭ ‬كتاب‭ ‬تاريخي‭ ‬توثيقي‭ ‬مهم‭ ‬جداً،‭ ‬ولكني‭ ‬سأقف‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المقال‭ ‬في‭ ‬محطتين‭ ‬أحببتهما‭ ‬جداً،‭ ‬الأولى‭ ‬عاصرت‭ ‬جميع‭ ‬نسخ‭ ‬مهرجان‭ ‬ليالي‭ ‬المحرق‭ ‬والثانية‭ ‬تم‭ ‬احياؤها‭ ‬في‭ ‬نسخة‭ ‬هذا‭ ‬العام،‭ ‬الأولى‭ ‬هي‭ ‬مجلس‭ ‬براحة‭ ‬فخرو،‭ ‬والثانية‭ ‬هي‭ ‬المكتبة‭ ‬العصرية‭.‬

فقد‭ ‬زرت‭ ‬مجلس‭ ‬براحة‭ ‬فخرو‭ ‬في‭ ‬ليالي‭ ‬المحرق‭ ‬لأربعة‭ ‬أعوام‭ ‬متتالية‭ ‬ضمن‭ ‬فعاليات‭ ‬المهرجان،‭ ‬والمجلس‭ ‬يقع‭ ‬على‭ ‬خط‭ ‬مسار‭ ‬اللؤلؤ‭ ‬وهو‭ ‬من‭ ‬أعرق‭ ‬وأهم‭ ‬المجالس‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭.‬

قبل‭ ‬ليالي‭ ‬المحرق‭ ‬كنت‭ ‬أمر‭ ‬على‭ ‬المجلس‭ ‬عبوراً‭ ‬بسيارتي‭ ‬وألاحظه‭ ‬دائماً‭ ‬ولم‭ ‬أفكر‭ ‬بزيارته‭ ‬باعتباره‭ ‬مجلسا‭ ‬رجاليا،‭ ‬ولكن‭ ‬المهرجان‭ ‬شرّع‭ ‬أبواب‭ ‬المجلس‭ ‬وقلوب‭ ‬أهل‭ ‬المجلس‭ ‬ليصبح‭ ‬مزاراً‭ ‬للجميع‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬تمييز‭ ‬وأصبح‭ ‬يستقطب‭ ‬الزوار‭ ‬بما‭ ‬يقدمه‭ ‬القائمون‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬كرم‭ ‬استقبال‭ ‬بوجوه‭ ‬تنضح‭ ‬بشاشةَ‭ ‬وترحيباً‭ ‬بلهجة‭ ‬محرقيّة‭ ‬أصيلة،‭ ‬وكرم‭ ‬اطعام‭ ‬الضيوف‭ ‬بمختلف‭ ‬الأغذية‭ ‬البحرينية‭ ‬الأصيلة‭ ‬كالهريس‭ ‬والنخي‭ ‬واللقيمات‭ ‬والشاي‭ ‬والقهوة‭ ‬التي‭ ‬تُقدم‭ ‬للضيوف‭ ‬التي‭ ‬تفضل‭ ‬الجلوس‭ ‬وللعابرين‭ ‬مروراً‭ ‬على‭ ‬قدم‭ ‬سواء‭.‬

وقد‭ ‬استرعاني‭ ‬تطوّر‭ ‬الاعتناء‭ ‬بالمجلس‭ ‬شكلاً‭ ‬ومضموناً،‭  ‬بجانب‭ ‬ميزّة‭ ‬خاصة‭ ‬يتفرد‭ ‬بها‭ ‬مجلس‭ ‬براحة‭ ‬فخرو،‭ ‬وهي‭ ‬أنه‭ ‬يضم‭ ‬بجانب‭ ‬أبناء‭ ‬عائلة‭ ‬فخرو‭ ‬أبناء‭ ‬عوائل‭ ‬متعددة‭ ‬من‭ ‬عوائل‭ ‬المحرق‭ ‬كعائلة‭ ‬الحادي‭ ‬والغريب‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬وغيرهم،‭ ‬كل‭ ‬منهم‭ ‬يُعنى‭ ‬بالمجلس‭ ‬وكأنه‭ ‬مجلس‭ ‬عائلته‭ ‬في‭ ‬انعكاس‭ ‬لواقع‭ ‬العلاقات‭ ‬الأخوية‭ ‬والودية‭ ‬التي‭ ‬تميّز‭ ‬أبناء‭ ‬المحرق،‭ ‬واسترعاني‭ ‬أيضا‭ ‬حرص‭ ‬الوجيه‭ ‬عبدالحميد‭ ‬بن‭ ‬إبراهيم‭ ‬بن‭ ‬يوسف‭ ‬فخرو‭ ‬على‭ ‬الوجود‭ ‬في‭ ‬المجلس‭ ‬واستقصاء‭ ‬رضا‭ ‬الزوار‭ ‬عما‭ ‬يقدمه‭ ‬المجلس‭ ‬لزوار‭ ‬مهرجان‭ ‬ليالي‭ ‬المحرق‭ ‬مجاناً،‭ ‬وهي‭ ‬بادرة‭ ‬ذات‭ ‬بعد‭ ‬انساني‭ ‬واخلاقي‭ ‬راقٍ‭ ‬جداً‭ ‬بأسلوب‭ ‬قيادي‭ ‬تجاري‭ ‬مُحنك‭ ‬يستحق‭ ‬الشكر‭ ‬والتقدير‭.‬

أما‭ ‬المكتبة‭ ‬العصرية‭ ‬المملوكة‭ ‬لمؤسسها‭ ‬العم‭ ‬العزيز‭ ‬عبدالله‭ ‬بن‭ ‬أحمد‭ ‬الجودر‭ ‬والتي‭ ‬كانت‭ ‬أول‭ ‬مكتبة‭ ‬في‭ ‬المحرق،‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬إعادة‭ ‬افتتاحها‭ ‬وادراجها‭ ‬ضمن‭ ‬فعاليات‭ ‬مسار‭ ‬اللؤلؤ‭ ‬بادرة‭ ‬ثقافية‭ ‬مهمة‭ ‬باعتبارها‭ ‬كانت‭ ‬مناراً‭ ‬ثقافياً‭ ‬تنويرياً‭ ‬لأهالي‭ ‬المحرق‭ ‬في‭ ‬منتصف‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭ ‬بعد‭ ‬افتتاحها‭ ‬عام‭ ‬1952،‭ ‬وظلت‭ ‬فترة‭ ‬طويلة‭ ‬أُزي‭ ‬تسميتها‭ ‬بالعصرية‭ ‬إلى‭ ‬الحداثة‭ ‬ومواكبة‭ ‬تطورات‭ ‬العصر،‭ ‬بينما‭ ‬كان‭ ‬ذهن‭ ‬العم‭ ‬عبدالله‭ ‬متّجهاً‭ ‬اتجاها‭ ‬آخر‭ ‬باعتبار‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬يعمل‭ ‬صباحاً‭ ‬في‭ ‬وظيفته‭ ‬ولا‭ ‬يستطيع‭ ‬تشغيل‭ ‬المكتبة‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬فترة‭ ‬العصر،‭ ‬فأسماها‭ ‬بالعصرية‭ ‬نسبة‭ ‬إلى‭ ‬فترة‭ ‬العصر‭ ‬من‭ ‬اليوم‭ ‬أو‭ ‬كما‭ ‬يُسميها‭ ‬أهل‭ ‬البحرين‭ ‬بالعصرية‭ ‬أو‭ ‬العصاري‭.‬

وختاماً،‭ ‬فإننا‭ ‬حين‭ ‬نذكر‭ ‬مهرجان‭ ‬ليالي‭ ‬المحرق‭ ‬لابد‭ ‬أن‭ ‬نتوقف‭ ‬وقفة‭ ‬شكر‭ ‬وتقدير‭ ‬للجهود‭ ‬التي‭ ‬تبذلها‭ ‬هيئة‭ ‬الثقافة‭ ‬والآثار‭ ‬ليظهر‭ ‬المهرجان‭ ‬بهذه‭ ‬الصورة‭ ‬المشرفة،‭ ‬فشكراً‭ ‬لكل‭ ‬العاملين‭ ‬على‭ ‬المهرجان‭ ‬من‭ ‬جنود‭ ‬ظاهرة‭ ‬وأخرى‭ ‬مجهولة،‭ ‬وعلى‭ ‬رأسهم‭ ‬معالي‭ ‬الوزير‭ ‬الشيخ‭ ‬خليفة‭ ‬بن‭ ‬أحمد‭ ‬آل‭ ‬خليفة،‭ ‬ويبقى‭ ‬دائماً‭ ‬وأبداً‭ ‬الشكر‭ ‬موصول‭ ‬إلى‭ ‬معالي‭ ‬الشيخة‭ ‬مي‭ ‬بنت‭ ‬محمد‭ ‬آل‭ ‬خليفة‭ ‬وزيرة‭ ‬الثقافة‭ ‬السابقة‭ ‬رئيسة‭ ‬مجلس‭ ‬أمناء‭ ‬مركز‭ ‬الشيخ‭ ‬إبراهيم‭ ‬بن‭ ‬محمد‭ ‬آل‭ ‬خليفة‭ ‬للثقافة‭ ‬والبحوث،‭ ‬لأنها‭ ‬وضعت‭ ‬اللبنات‭ ‬الأساسية‭ ‬لهذا‭ ‬المهرجان‭ ‬بإدراج‭ ‬مسار‭ ‬اللؤلؤ‭ ‬على‭ ‬قائمة‭ ‬التراث‭ ‬العالمي‭ ‬لدى‭ ‬اليونيسكو‭. ‬

 

hanadialjowder@gmail‭.‬com

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا