العدد : ١٧٤١٣ - الثلاثاء ٢٥ نوفمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٤ جمادى الآخر ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٤١٣ - الثلاثاء ٢٥ نوفمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٤ جمادى الآخر ١٤٤٧هـ

مقالات

التصنيف الائتماني للبحرين

بقلم: عدنان أحمد يوسف

الثلاثاء ٢٥ نوفمبر ٢٠٢٥ - 02:00

في‭ ‬قرار‭ ‬صدر‭ ‬مؤخرا،‭ ‬خفّضت‭ ‬وكالة‭ ‬ستاندرد‭ ‬آند‭ ‬بورز‭ ‬التصنيف‭ ‬الائتماني‭ ‬لمملكة‭ ‬البحرين‭ ‬إلى‭ (‬B‭) ‬مع‭ ‬نظرة‭ ‬مستقبلية‭ ‬مستقرة،‭ ‬مرجعة‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬ارتفاع‭ ‬الدين‭ ‬العام‭ ‬وتزايد‭ ‬المخاطر‭ ‬المالية‭. ‬وبحسب‭ ‬بيانات‭ ‬الوكالة،‭ ‬تتوقع‭ ‬S‭&‬P‭ ‬أن‭ ‬يرتفع‭ ‬الدين‭ ‬الحكومي‭ ‬في‭ ‬2025‭ ‬بنحو‭ ‬10%‭ ‬من‭ ‬الناتج‭ ‬المحلي‭ ‬الإجمالي،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬اعتبرته‭ ‬مؤشراً‭ ‬على‭ ‬ضغوط‭ ‬مالية‭ ‬متنامية‭.‬

غير‭ ‬أن‭ ‬التركيز‭ ‬المفرط‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الدين‭ ‬العام‭ ‬يطرح‭ ‬أسئلة‭ ‬جوهرية‭ ‬حول‭ ‬آليات‭ ‬التصنيف‭ ‬التي‭ ‬تتبناها‭ ‬الوكالات‭ ‬الدولية،‭ ‬والتي‭ ‬غالباً‭ ‬ما‭ ‬تتجاهل‭ ‬مجموعة‭ ‬مهمة‭ ‬من‭ ‬المؤشرات‭ ‬الإيجابية‭ ‬التي‭ ‬تميز‭ ‬الاقتصاد‭ ‬البحريني‭ ‬وتحدّ‭ ‬من‭ ‬المخاطر‭ ‬السيادية‭ ‬الفعلية‭ ‬على‭ ‬المدى‭ ‬المتوسط‭.‬

لقد‭ ‬دعوت‭ ‬في‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مناسبة‭ ‬إلى‭ ‬تأسيس‭ ‬وكالة‭ ‬تصنيف‭ ‬عربية‭ ‬تكون‭ ‬لها‭ ‬مكانتها‭ ‬العالمية‭ ‬المعترف‭ ‬بها،‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬تقديم‭ ‬تقييمات‭ ‬ائتمانية‭ ‬أكثر‭ ‬مصداقية‭ ‬وتعكس‭ ‬الواقع‭ ‬الحقيقي‭ ‬للاقتصاديات‭ ‬العربية‭ ‬ومنها‭ ‬البحرين‭.‬

كما‭ ‬أنني‭ ‬عندما‭ ‬كنت‭ ‬أتولى‭ ‬رئاسة‭ ‬الإدارة‭ ‬التنفيذية‭ ‬للبنوك‭ ‬الإسلامية‭ ‬كانت‭ ‬لنا‭ ‬تجربة‭ ‬غنية‭ ‬مع‭ ‬التعاون‭ ‬مع‭ ‬بعض‭ ‬وكالات‭ ‬التصنيف‭ ‬الصينية‭ ‬التي‭ ‬تتبع‭ ‬نهجا‭ ‬أكثر‭ ‬ملاءمة‭ ‬لأوضاعنا‭ ‬المالية‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭. ‬فبالرغم‭ ‬من‭ ‬اتفاق‭ ‬وكالات‭ ‬التصنيف‭ ‬الائتماني‭ ‬العالمية‭ ‬على‭ ‬الهدف‭ ‬الأساسي‭ ‬المتمثل‭ ‬في‭ ‬تقييم‭ ‬القدرة‭ ‬المالية‭ ‬للدول‭ ‬على‭ ‬الإيفاء‭ ‬بالتزاماتها،‭ ‬فإن‭ ‬منهجيات‭ ‬التقييم‭ ‬قد‭ ‬تختلف‭ ‬بين‭ ‬الوكالات‭ ‬الغربية‭ ‬والوكالات‭ ‬الآسيوية‭. ‬ففي‭ ‬حين‭ ‬تعتمد‭ ‬الوكالات‭ ‬الغربية‭ ‬على‭ ‬إطار‭ ‬تحليلي‭ ‬تقليدي‭ ‬يقوم‭ ‬على‭ ‬تقييم‭ ‬الاستدامة‭ ‬المالية‭ ‬وهيكل‭ ‬الموازنة‭ ‬ومستويات‭ ‬الدين‭ ‬والعجز،‭ ‬وتميل‭ ‬هذه‭ ‬المنهجية‭ ‬إلى‭ ‬التركيز‭ ‬على‭ ‬البيانات‭ ‬الكمية‭ ‬والمؤشرات‭ ‬المالية‭ ‬الرسمية،‭ ‬مع‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬الإفصاحات‭ ‬الحكومية‭ ‬والمعايير‭ ‬الدولية‭ ‬في‭ ‬قياس‭ ‬المخاطر‭.‬

في‭ ‬المقابل،‭ ‬تتبنى‭ ‬وكالات‭ ‬التصنيف‭ ‬الآسيوية‭ ‬نهجاً‭ ‬تحليلياً‭ ‬أوسع‭ ‬نسبياً،‭ ‬حيث‭ ‬تُدمج‭ ‬ضمن‭ ‬تقييمها‭ ‬عناصر‭ ‬تتعلق‭ ‬بقدرة‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الحقيقي‭ ‬على‭ ‬توليد‭ ‬الثروة،‭ ‬ومتانة‭ ‬البنية‭ ‬الإنتاجية،‭ ‬وكفاءة‭ ‬السياسات‭ ‬طويلة‭ ‬الأمد‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬النمو‭ ‬والاستقرار‭. ‬كما‭ ‬تمنح‭ ‬هذه‭ ‬المنهجيات‭ ‬وزناً‭ ‬أكبر‭ ‬لعوامل‭ ‬مثل‭ ‬تنوع‭ ‬القاعدة‭ ‬الاقتصادية،‭ ‬واستقرار‭ ‬البيئة‭ ‬التشغيلية،‭ ‬ومخاطر‭ ‬التمويل‭ ‬الخارجي‭. ‬ويعتمد‭ ‬هذا‭ ‬التوجه‭ ‬على‭ ‬النظر‭ ‬إلى‭ ‬الجدارة‭ ‬الائتمانية‭ ‬من‭ ‬زاوية‭ ‬متكاملة‭ ‬تشمل‭ ‬الأداء‭ ‬الاقتصادي‭ ‬الكلي‭ ‬والقدرة‭ ‬على‭ ‬مواجهة‭ ‬التقلبات‭ ‬في‭ ‬الأسواق‭ ‬العالمية‭.‬‮ ‬

ولو‭ ‬نظرنا‭ ‬إلى‭ ‬تصنيف‭ ‬البحرين‭ ‬من‭ ‬زاوية‭ ‬هذه‭ ‬العوامل‭ ‬لوجدنا‭ ‬أنها‭ ‬تتمتع‭ ‬بقدرات‭ ‬مالية‭ ‬قوية‭ ‬تؤهلها‭ ‬لتصنيف‭ ‬ائتماني‭ ‬مرتفع‭. ‬فمن‭ ‬ناحية‭ ‬الأداء‭ ‬الاقتصادي،‭ ‬سجّل‭ ‬الناتج‭ ‬المحلي‭ ‬الإجمالي‭ ‬الحقيقي‭ ‬للبحرين‭ ‬نموّاً‭ ‬بنسبة‭ ‬2‭.‬5%‭ ‬في‭ ‬الربع‭ ‬الثاني‭ ‬من‭ ‬العام‭ ‬الحالي،‭ ‬فيما‭ ‬حققت‭ ‬القطاعات‭ ‬غير‭ ‬النفطية‭ ‬نمواً‭ ‬سنوياً‭ ‬بلغ‭ ‬3‭.‬5%،‭ ‬وفق‭ ‬بيانات‭ ‬وزارة‭ ‬المالية‭. ‬وتشير‭ ‬تقارير‭ ‬رسمية‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬مساهمة‭ ‬القطاعات‭ ‬غير‭ ‬النفطية‭ ‬تتراوح‭ ‬اليوم‭ ‬بين‭ ‬8386%‭ ‬من‭ ‬الناتج‭ ‬المحلي،‭ ‬وهي‭ ‬نسبة‭ ‬تعكس‭ ‬نجاح‭ ‬جهود‭ ‬التنويع‭ ‬الاقتصادي‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬قطاعات‭ ‬أساسية‭ ‬مثل‭ ‬الخدمات‭ ‬المالية‭ ‬والسياحة‭ ‬والتصنيع‭ ‬حافظت‭ ‬على‭ ‬معدلات‭ ‬نمو‭ ‬مستقرة،‭ ‬وبلغت‭ ‬مساهمة‭ ‬قطاع‭ ‬المال‭ ‬وحده‭ ‬نحو‭ ‬17%‭ ‬من‭ ‬الناتج‭ ‬المحلي‭ - ‬وهي‭ ‬من‭ ‬الأعلى‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭.‬

أما‭ ‬القطاع‭ ‬المصرفي،‭ ‬الذي‭ ‬يشكل‭ ‬أحد‭ ‬أعمدة‭ ‬الاقتصاد‭ ‬البحريني،‭ ‬فيُعد‭ ‬اليوم‭ ‬من‭ ‬الأكثر‭ ‬متانة‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬العربي‭. ‬فوفق‭ ‬مصرف‭ ‬البحرين‭ ‬المركزي،‭ ‬بلغ‭ ‬معدل‭ ‬كفاية‭ ‬رأس‭ ‬المال‭ ‬في‭ ‬البنوك‭ ‬ما‭ ‬يفوق‭ ‬19%‭ - ‬وهو‭ ‬أعلى‭ ‬بكثير‭ ‬من‭ ‬الحد‭ ‬الأدنى‭ ‬العالمي‭ ‬البالغ‭ ‬12%‭. ‬كما‭ ‬تجاوزت‭ ‬الأصول‭ ‬المصرفية‭ ‬حاجز‭ ‬230‭ ‬مليار‭ ‬دولار،‭ ‬وهو‭ ‬رقم‭ ‬يعكس‭ ‬عمق‭ ‬القطاع‭ ‬وقدرته‭ ‬على‭ ‬امتصاص‭ ‬الصدمات‭ ‬المالية‭. ‬ورغم‭ ‬الأزمات‭ ‬الإقليمية‭ ‬والدولية‭ ‬المتعاقبة،‭ ‬حافظ‭ ‬القطاع‭ ‬على‭ ‬استقراره‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أي‭ ‬اضطرابات‭ ‬ائتمانية‭ ‬تُذكر‭.‬

وعلى‭ ‬صعيد‭ ‬الالتزامات‭ ‬المالية،‭ ‬تحتفظ‭ ‬البحرين‭ ‬بسجل‭ ‬استثنائي‭ ‬في‭ ‬الوفاء‭ ‬بديونها‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أي‭ ‬حالة‭ ‬تعثر‭ ‬منذ‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬50‭ ‬عاماً،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬خلال‭ ‬فترات‭ ‬انخفاض‭ ‬أسعار‭ ‬النفط‭ ‬والأزمات‭ ‬المالية‭ ‬العالمية‭. ‬هذا‭ ‬السجل‭ ‬التاريخي‭ -‬الذي‭ ‬يُعد‭ ‬معياراً‭ ‬جوهرياً‭ ‬في‭ ‬قياس‭ ‬المخاطر‭ ‬الائتمانية‭ - ‬لا‭ ‬يحظى‭ ‬بالوزن‭ ‬الكافي‭ ‬في‭ ‬نماذج‭ ‬وكالات‭ ‬التصنيف‭ ‬التي‭ ‬تميل‭ ‬للاعتماد‭ ‬على‭ ‬المؤشرات‭ ‬الرقمية‭ ‬الآنية‭.‬

إن‭ ‬قرار‭ ‬خفض‭ ‬التصنيف‭ ‬الائتماني‭ ‬قد‭ ‬يحمل‭ ‬رسالة‭ ‬إلى‭ ‬صناع‭ ‬القرار‭ ‬بشأن‭ ‬أهمية‭ ‬الاستمرار‭ ‬في‭ ‬تعزيز‭ ‬الانضباط‭ ‬المالي،‭ ‬لكنه‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬يكشف‭ ‬عن‭ ‬قصور‭ ‬بنيوي‭ ‬في‭ ‬آليات‭ ‬التصنيف‭ ‬الدولية‭ ‬التي‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬تحديث،‭ ‬بحيث‭ ‬تعكس‭ ‬الصورة‭ ‬الكاملة‭ ‬للاقتصادات‭ ‬الصغيرة‭ ‬والمتنوعة،‭ ‬وتمنح‭ ‬وزناً‭ ‬عادلاً‭ ‬لعوامل‭ ‬القوة‭ ‬الهيكلية‭ ‬والسجل‭ ‬التاريخي‭ ‬للدولة‭.‬

 

رئيس‭ ‬اتحاد‭ ‬المصارف‭ ‬العربية‭ ‬سابقا

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا