في قرار صدر مؤخرا، خفّضت وكالة ستاندرد آند بورز التصنيف الائتماني لمملكة البحرين إلى (B) مع نظرة مستقبلية مستقرة، مرجعة ذلك إلى ارتفاع الدين العام وتزايد المخاطر المالية. وبحسب بيانات الوكالة، تتوقع S&P أن يرتفع الدين الحكومي في 2025 بنحو 10% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو ما اعتبرته مؤشراً على ضغوط مالية متنامية.
غير أن التركيز المفرط على مستوى الدين العام يطرح أسئلة جوهرية حول آليات التصنيف التي تتبناها الوكالات الدولية، والتي غالباً ما تتجاهل مجموعة مهمة من المؤشرات الإيجابية التي تميز الاقتصاد البحريني وتحدّ من المخاطر السيادية الفعلية على المدى المتوسط.
لقد دعوت في أكثر من مناسبة إلى تأسيس وكالة تصنيف عربية تكون لها مكانتها العالمية المعترف بها، قادرة على تقديم تقييمات ائتمانية أكثر مصداقية وتعكس الواقع الحقيقي للاقتصاديات العربية ومنها البحرين.
كما أنني عندما كنت أتولى رئاسة الإدارة التنفيذية للبنوك الإسلامية كانت لنا تجربة غنية مع التعاون مع بعض وكالات التصنيف الصينية التي تتبع نهجا أكثر ملاءمة لأوضاعنا المالية في دول الخليج. فبالرغم من اتفاق وكالات التصنيف الائتماني العالمية على الهدف الأساسي المتمثل في تقييم القدرة المالية للدول على الإيفاء بالتزاماتها، فإن منهجيات التقييم قد تختلف بين الوكالات الغربية والوكالات الآسيوية. ففي حين تعتمد الوكالات الغربية على إطار تحليلي تقليدي يقوم على تقييم الاستدامة المالية وهيكل الموازنة ومستويات الدين والعجز، وتميل هذه المنهجية إلى التركيز على البيانات الكمية والمؤشرات المالية الرسمية، مع الاعتماد على الإفصاحات الحكومية والمعايير الدولية في قياس المخاطر.
في المقابل، تتبنى وكالات التصنيف الآسيوية نهجاً تحليلياً أوسع نسبياً، حيث تُدمج ضمن تقييمها عناصر تتعلق بقدرة الاقتصاد الحقيقي على توليد الثروة، ومتانة البنية الإنتاجية، وكفاءة السياسات طويلة الأمد في تحقيق النمو والاستقرار. كما تمنح هذه المنهجيات وزناً أكبر لعوامل مثل تنوع القاعدة الاقتصادية، واستقرار البيئة التشغيلية، ومخاطر التمويل الخارجي. ويعتمد هذا التوجه على النظر إلى الجدارة الائتمانية من زاوية متكاملة تشمل الأداء الاقتصادي الكلي والقدرة على مواجهة التقلبات في الأسواق العالمية.
ولو نظرنا إلى تصنيف البحرين من زاوية هذه العوامل لوجدنا أنها تتمتع بقدرات مالية قوية تؤهلها لتصنيف ائتماني مرتفع. فمن ناحية الأداء الاقتصادي، سجّل الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للبحرين نموّاً بنسبة 2.5% في الربع الثاني من العام الحالي، فيما حققت القطاعات غير النفطية نمواً سنوياً بلغ 3.5%، وفق بيانات وزارة المالية. وتشير تقارير رسمية إلى أن مساهمة القطاعات غير النفطية تتراوح اليوم بين 83–86% من الناتج المحلي، وهي نسبة تعكس نجاح جهود التنويع الاقتصادي. كما أن قطاعات أساسية مثل الخدمات المالية والسياحة والتصنيع حافظت على معدلات نمو مستقرة، وبلغت مساهمة قطاع المال وحده نحو 17% من الناتج المحلي - وهي من الأعلى في المنطقة.
أما القطاع المصرفي، الذي يشكل أحد أعمدة الاقتصاد البحريني، فيُعد اليوم من الأكثر متانة في دول الخليج العربي. فوفق مصرف البحرين المركزي، بلغ معدل كفاية رأس المال في البنوك ما يفوق 19% - وهو أعلى بكثير من الحد الأدنى العالمي البالغ 12%. كما تجاوزت الأصول المصرفية حاجز 230 مليار دولار، وهو رقم يعكس عمق القطاع وقدرته على امتصاص الصدمات المالية. ورغم الأزمات الإقليمية والدولية المتعاقبة، حافظ القطاع على استقراره من دون أي اضطرابات ائتمانية تُذكر.
وعلى صعيد الالتزامات المالية، تحتفظ البحرين بسجل استثنائي في الوفاء بديونها من دون أي حالة تعثر منذ أكثر من 50 عاماً، بما في ذلك خلال فترات انخفاض أسعار النفط والأزمات المالية العالمية. هذا السجل التاريخي -الذي يُعد معياراً جوهرياً في قياس المخاطر الائتمانية - لا يحظى بالوزن الكافي في نماذج وكالات التصنيف التي تميل للاعتماد على المؤشرات الرقمية الآنية.
إن قرار خفض التصنيف الائتماني قد يحمل رسالة إلى صناع القرار بشأن أهمية الاستمرار في تعزيز الانضباط المالي، لكنه في الوقت نفسه يكشف عن قصور بنيوي في آليات التصنيف الدولية التي تحتاج إلى تحديث، بحيث تعكس الصورة الكاملة للاقتصادات الصغيرة والمتنوعة، وتمنح وزناً عادلاً لعوامل القوة الهيكلية والسجل التاريخي للدولة.
رئيس اتحاد المصارف العربية سابقا

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك