تتزايد التساؤلات بشأن الصفقات العقارية الخارجية المرتبطة باستثمارات اجنبية مباشرة، التي تعلن بشكل خاص من قبل دول وشركات خليجية في بعض الدول العربية مثل مصر، ففي الوقت الذي يشيد البعض بأهمية تلك الصفقات ودورها في تطوير الاستثمارات، تظهر أصوات محذرة ومعتبرة أن مثل هذه الصفقات العقارية تعتبر تخليا عن الأصول الثابتة وتفريطا بأراضي الدولة.
فأي الرأيين أصح؟ وهل يعتبر بيع الأراضي لدول أخرى بهدف الاستثمار تفريطا في الثروات؟
الخبير العقاري أشرف علام يناقش هذا الأمر في قناته «المخبر العقاري»، مبينا أن مثل هذا اللبس ينبع من الخلط الكبير عند الكثير من الافراد في مصطلحات اقتصادية مهمة؛ فعند الحديث عن الاستثمار الأجنبي في دولة أخرى، يبرز مصطلحان اساسيان هما البيع والاستثمار. وهناك فرق بينهما؛ فعند بيع الدولة لأصل ثابت مثل مصنع أو مشروع، وفقدت الملكية والسيطرة على هذا المشروع، فإن هذا يعتبر بيعا. ولكن الاستثمار الأجنبي المباشر امر مختلف تماما. حيث تشتري شركة اجنبية مثلا قطعة ارض وتبني عليها مصنعا او تقيم عليها استثمارا كبيرا، وهذا لا يعتبر تنازلا عن ملكية الدولة لشركة أو دولة أخرى، بل هو استثمار في فرصة استثمارية بالدولة الحاضنة، وتبادر الشركة او الدولة المستثمرة في الاستثمار وضخ أموال غالبا ما تكون بالعملة الأجنبية، وقد تلجأ إلى الاقتراض من البنوك، وهذا ما يحرك الاقتصاد بشكل مباشر في أي دولة.
الأمر الآخر هو توفير فرص العمل ودفع الضرائب واستخدام أفضل التقنيات والتكنولوجيا المتقدمة التي غالبا ما تعتبر إضافة إلى أسواق الدولة الحاضنة؛ حيث تستفيد المصانع والاستثمارات المحلية من تلك التكنولوجيا وتطبقها في استثماراتها.
والامر ذاته ينسحب على العقارات؛ فعند شراء دولة أراضي في دولة أخرى وتبني عليها مشروعا استثماريا، فإنها بذلك لا تأخذ الأرض معها أو تنتزعها من الدولة الأخرى، وإنما تبقى موجودة، والمطور الأجنبي يبني عليها المشروع ويستثمر فيها ويوفر فرص عمل ويدفع ضرائب ويدخل أحدث التكنولوجيا والأساليب الإدارية الحديثة، وقد يدخل في دورة القروض. يضاف إلى ذلك ان هذه الخطوة تبرز الدولة المضيفة على خارطة الاستثمارات العالمية وخاصة إذا كانت الشركات التي تشتري الأراضي معروفة على مستوى العالم.
ويسوق أشرف علام على ذلك مثالا بدبي التي تعتمد في اقتصادها على ثلاثة أسس هي العقارات والسياحة والشحن. ونسبة كبيرة من الأراضي التي تباع بشكل يومي في دبي تكون لمطورين أجانب وليس محليين، ومنهم أسماء عالمية مرموقة. وهؤلاء المطورون يلعبون دورا مباشرا في دعم الاقتصاد، ولا يعني امتلاكهم تلك العقارات أن دبي تم بيعها لمطورين أجانب؛ فمثلا كان متوسط المبيعات العقارية في دبي كل سنة يتراوح بين 350 و400 مليار، وفي 2024 وصل الرقم إلى 720 مليارا؛ حيث ارتفعت المبيعات بشكل ملحوظ وكذلك الأسعار والايجارات، وجزء كبير من الأسباب هو المشاريع العقارية التي تباع لمستثمرين أجانب.
ويتابع علام: في 2025 أعلنت شركة «أورا للتطوير العقاري» التابعة لنجيب ساويرس البدء في بيع مشاريع مهمة جدا بين دبي وأبوظبي، وكذلك شركات أجنبية أخرى مثل «بالم هيلز للتطوير العقاري» أعلنت مشاريع ضخمة في دبي أو أبوظبي. وهذا لا يعني ان ابوظبي او دبي قد بيعت لهذه الشركات، بل هي استثمارات مباشرة داعمة للاقتصاد. وهناك عشرات الالاف من قطع الأراضي في الامارات بيعت لمطورين خارجيين يدفعون ضرائب ورسوما ويطورون مشاريع حيوية. أضف إلى ذلك أن كل عملية بيع او شراء تكون مسجلة ومنظمة من قبل الدولة، وتكون الحكومة على متابعة وتحكم بحجم المبيعات في البلد.
وكل ذلك يعني ان بيع عقارات وأراض لمستثمرين أجانب لا يعني الاستغناء عن أراضي الدولة وإنما هو استثمار يسهم في ابراز الدولة على الخريطة العالمية وتحريك الاقتصاد وخاصة السوق العقاري. ومثال ذلك أن السوق العقاري والاستثماري في الساحل الشمالي بجمهورية مصر انتقل من مرحلة إلى مرحلة أخرى متقدمة تماما بعد دخول شركة اعمار بقوة، وبدأ السوق المحلي يتعلم من هذه التجربة وما نقلتها الشركة الإماراتية «إعمار» من خبرات وتكنولوجيا وإدارة متطورة. وهذا لا يعيب أي سوق، بل هو أحد اهداف استقطاب الاستثمارات الأجنبية.

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك