الرأي الثالث
محميد المحميد
malmahmeed7@gmail.com
عن المُبالغ فيه.. والمسكوت عنه
يقول الفيلسوف العربي «ابن خلدون» في كتابه «المقدمة»: ((إن الإنسان هو نتاج عاداته أكثر من كونه نتاج طبيعته.. وإنّ تنظيم الحياة الاجتماعية، وتصريف أمور الحياة، يتطلّب الرجوع إلى قوانين مفروضة يسلمها الكافة، وينقادون إلى أحكامها.. وإن للبقاع تأثيرا على الطباع)).
لذلك نقول.. إن في حياتنا اليومية مواقف ومشاهد وملاحظات.. من كثرتها واستمرارها، وفي ظل المُبالغة فيها والسكوت عنها.. تكاد تُقحَم في ثقافتنا المجتمعية، وإدخالها «عنوة» في ثقافتنا الأصيلة، على الرغم من آثارها السلبية.
ألا تستغرب من وجود «بعض» أشخاص في حسابات التواصل الاجتماعي، يتحدثون عن قضايا يعاقب عليها القانون، وتتجاوز حرية الرأي والتعبير المسؤولة، ويتعرضون لمسائل تثير الفتنة.. ويصرون على ذلك.
ألا تنزعج من استمرار بعض «السوّاق» بتجاوز طابور السيارات والدخول عنوة في المسار، دون أدنى خجل ولا حياء، ولا احترام ولا ذوق.. على الرغم من وجود قانون المرور الجديد، وأن هناك غرامات، وكاميرات، وتوعية مرورية مستمرة.
ألا تتساءل: لماذا أسعار الأدوية هنا مرتفعة جدا مقارنة بالدول المجاورة؟ لدرجة أن الكثير أصبح يوصي أي مسافر أن يشتري له علب الدواء من تلك الدول.
ألا تستاء من إصرار البعض على ممارسة الصيد البحري المخالف، وتخريب الثروة البحرية والسمكية، وتهديد الأرواح.. خاصة بعد تنفيذ قانون النوخذة البحريني..؟؟
ألا يحزنك وأنت تدخل إلى مجمع تجاري، وترى الحركة الشرائية ضعيفة، والمكان خال، وبعض المحلات مغلقة، في حين أن مواقف السيارات ممتلئة.. فلماذا حوّل كثير من الناس المجمعات التجارية إلى ممشى للرياضة فقط؟
ألا ينتابك شعور من التعجب، حينما تجلس مع أناس في لقاء عام وتسمع منهم حديثا جميلا وورديا عن الأوضاع العامة.. ولكن ما أن يجلسوا مع بعضهم فيكون كلامهم عكس ذلك.. وتجد أن كلمة «نفاق المصلحة» قليلة في وصفهم.
ألا تحتار حينما تجد أن سعر «عبوة الماء» التي تباع في الأسواق بمائة فلس يكون سعرها دينارا واحدا أو أكثر في مطعم أو مجمع تجاري.. وإذا ما اعترضت أو سألت؟ يقال لك: إن ذلك مقابل فخامة المكان، وروعة المنظر، وجودة الخدمة، وإيجار المحل، ورواتب العاملين.
وبمناسبة «عبوة الماء».. ألا تلاحظ في المساجد أن البعض -من كبار وصغار- يأخذ أكثر من «عبوة واحدة» عند الدخول والخروج، وبأكثر من حاجته.. حتى بدأنا نرى «سرّاق الماء العام» في المساجد..!!
ما ذكرناه آنفا.. مجرد أمثلة لأمور حياتية عامة، بسيطة ومعيشية.. وبالتأكيد هناك أمور أكثر تعقيدا في مجالات حيوية.. مُبالغ فيها ومسكوت عنها.. لن تنصلح إلا بالمصارحة المسؤولة.. ولا بد من ترسيخ القانون، وإعادة الاعتبار لثقافة الاحترام و«السنع».
ختاما.. إن المبالغة في كثير من الأمور السلبية والسكوت عنها.. سيؤدي حتما إلى «مجتمع» غير مرغوب فيه.. جاء وصف تفاصيله في مقدمة «ابن خلدون».

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك