لم يكن وصفُ ما حدث في إسرائيل بسببِ الهزيمةِ العسكريَّةِ أمام القواتِ العربيَّة على الجبهتين المصرية والسورية في حرب أكتوبر عام 1973 بالزلزال بمثابةِ تعبيرٍ مجازيٍّ أو ينطوي على المبالغةِ من جانب المؤرخين أو الكتابِ والمحللين العرب، ولكن من استخدمَ تعبير «زلزال أكتوبر» هم أبرزُ القادةِ والمؤرخين الإسرائيليين.
فالجنرالُ الشهيرُ موشي ديان قائدُ جيش الاحتلال الإسرائيلي في حربي عام 1976 وعام 1973 كان أول من أطلقَ على الهزيمةِ العسكريَّةِ الإسرائيليَّة في حرب أكتوبر وصف زلزال أكتوبر في تصريح شهير له حين قال: «إن حربَ أكتوبر كانت بمثابةِ زلزال تعرضت له إسرائيل»..
وفي ذاتِ السياق أصدر زئيف شيف أشهرُ مؤرخ عسكري إسرائيلي كتابا يروي فيه ما حدث في حرب 1973 بعنوان «زلزال أكتوبر» وجاء فيه ما يلي: «هذه أولُ حربٍ للجيش الإسرائيلي التي يعالجُ فيها الأطباء جنودًا كثيرين مصابين بصدمة القتال، ويحتاجون إلى علاج نفسي، هناك من نسوا أسماءهم، لقد أذهل إسرائيل نجاح العرب في المفاجأة في حرب يوم عيد الغفران وفى تحقيق نجاحات عسكرية، لقد أثبتت هذه الحرب أنه على إسرائيل أن تعيد تقدير المقاتل العربي، فقد دفعت إسرائيل هذه المرة ثمنا باهظا جدا، لقد هزت حربُ أكتوبر إسرائيلَ من القاعدةِ إلى القمة، وبدلا من الثقة الزائدة جاءت الشكوكُ وطفت على السطح أسئلةٌ هل نعيشُ على دمارنا إلى الأبد؟ وهل هناك احتمالٌ للصمود في حروب أخرى؟».
إن هولَ الصدمةِ وفداحةَ الخسائر والمحنة القاسية التي عاشها المجتمعُ الإسرائيلي من قمة القيادة إلى كلِّ سكان الكيان الصهيوني خلال حرب أكتوبر تستحقُ الدراسةَ بعمق والتذكير الدائم لتدرك الأجيال العربية الجديدة أن استعراضاتِ القوة التي تمارسها إسرائيلُ في الوقت الحاضر في ظل حكومة اليمين المتطرف الصهيونية برئاسة مجرم حرب الإبادة بنيامين نتنياهو لا يجبُ أن تخيفَ أحدا في الوطن العربي، فقد بكى كبارُ القادة والجنرالات الصهاينة خوفا من انهيار إسرائيل ذلك المجتمع الهش المتدثر بالقوة العسكرية والدعم الأمريكي غير المحدود والغطاء الاستعماري الغربي.
وهنا سوف نعرض أجزاء من الاعترافات الإسرائيلية بمرارة الهزيمة وشهادة الإعلام والمؤرخين الغربيين عن الكارثة التي وقعت لإسرائيل خلال حرب أكتوبر 1973.
في كتابها عن حرب يوم الغفران أو حرب يوم كيبور باللغة العبرية أي حرب أكتوبر والذي صدر بعنوان «حياتي» قالت جولدا مائير – رئيسة وزراء إسرائيل – خلال حرب أكتوبر: «إن المصريين عبروا القناة وضربوا قواتنا في سيناء بشدة، وتوغل السوريون في العمق على مرتفعات الجولان وتكبدنا خسائر جسيمة على الجبهتين، وكان السؤال المؤلم في ذلك الوقت هو ما إذا كنا نطلع الأمة على حقيقة الموقف السيئ أم لا، فالكتابة عن حرب يوم الغفران، يجب ألا تكون تقريرا عسكريا بل كارثة قريبة أو كابوسا مروعا قاسيت منه أنا نفسى وسوف يلازمني مدى الحياة».
قال موشي ديان، وزير الحرب الإسرائيلي خلال حرب أكتوبر في تصريح له بعد الحرب في ديسمبر 1973: «إن حرب أكتوبر كانت بمثابة زلزال تعرضت له إسرائيل، وأن ما حدث في هذه الحرب قد أزال الغبار عن العيون، وأظهر لنا ما لم نكن نراه قبلها وأدى كل ذلك إلى تغيير عقلية القادة الإسرائيليين، فقد أظهرت هذه الحرب أننا لسنا أقوى من المصريين، وأن هالة التفوق والمبدأ السياسي والعسكري القائل إن إسرائيل أقوى من العرب، وأن الهزيمة ستلحق بهم إذا اجترأوا على بدء الحرب هذا المبدأ لم يثبت على الإطلاق».
وفى كتاب أصدره الجنرال إسحق حوفى قائد اللواء الشمالي السابق في جيش الاحتلال الإسرائيلي كشف خلاله عن توصل وزير الحرب وقتها «موشى ديان» تحت ضغط مفاجأة الضربة العربية إلى خيار الهرب، والفرار من جبهات الحرب في ثاني أيام الحرب، ووفقا للجنرال إسحق حوفى فإن ديان، كان قد أصيب بالصدمة من قوة الهجوم العربي، وأنه في اليوم الثاني للحرب أي في 7 أكتوبر تصرف بطريقة دلت على شبه يأس».
وفى كتاب له بعنوان «إلى أين تمضي إسرائيل» قال ناحوم جولدمان -رئيس الوكالة اليهودية الأسبق- إن من أهم نتائج حرب أكتوبر 1973، أنها وضعت حدا لأسطورة إسرائيل في مواجهة العرب، كما كلفت هذه الحرب إسرائيل ثمنا باهظا نحو 5 مليارات دولار، غير أن النتائج الأكثر خطورة كانت تلك التي حدثت على الصعيد النفسي، حيث انتهت ثقة الإسرائيليين في تفوقهم الدائم».
أما أحد كبار جنرالات إسرائيل خلال الحرب وهو أرييل شارون فقد قال في مذكراته: «إن يوم الثامن من أكتوبر 1973 هو أسوأ يوم في تاريخ الجيش الإسرائيلي لأنه كرس الشعور بالهزيمة والفشل، أما الخطأ والفشل فقد جاء من التكتيك ومن الغرور والمسؤول عن ذلك كله هو انتصارنا في حرب يونيو 1967 وأشعل النار في غطرستنا، فمن ذلك الوقت ونحن نؤمن إيمانا مطلقا بأن الدبابة هي سيدة المعارك، لكن المصيبة أن قوات المشاة المصرية قد تدربت جيدا على تصيد الدبابات الإسرائيلية، وكانت الدبابات عادة هي التي تتقدم وتخيف وتسحق، وهي التي تنهي المَعارك لصالحنا».
وأضاف شارون: «إننا فوجئنا بأن المصريين قد تدربوا تدريبا فائقا يوم 8 أكتوبر على اصطياد الدبابات ومطاردتها وإحراقها»، مشيرا إلى أن الجنود المصريين الذين واجهوا المدرعات الإسرائيلية، كانوا من المشاة المتطورة المزودة بأحدث الأسلحة والمدربة على القتال تدريبا ممتازا. وأوضح «شارون» أن الجنود المصريين كانوا يحطمون الدبابات بأيديهم، دبابات متطورة من طراز سنتوريون، لكن كلها أصيبت إصابات مروعة وعلى مسافات بعيدة، بصواريخ ساجر ومدافع «آر بي جي» ففي ساعات تحولت معظم تلك الدبابات إلى عجائن من النيران».
من جانبه وصف الجنرال شموئيل جونين قائد جيش الاحتلال الإٍسرائيلي في الجبهة الجنوبية جبهة سيناء، الحرب من المصريين بأنها: كانت صعبة للغاية، ومعارك المدرعات بها كانت قاسية وأن معارك الجو فيها مريرة، موضحا أن الجندي المصري كان يتقدم في موجات تلو الأخرى رغم إطلاق القوات الإسرائيلية النار عليه، إلا أنه يواصل تقدمه ويحول ما حوله إلى جحيم ويظل يتقدم.
أما مساعد قائد الجبهة الجنوبية الجنرال أروي بن أري، فقد كتب في مذكراته يقول: «في الساعات الأولى لهجوم الجيش المصري كان شعورنا مخيفا لأننا كنا نشعر أننا نزداد صغرا والجيش المصري يزداد كبرا وأن الفشل سيفتح الطريق إلى تل أبيب». وأضاف «بن أري»: «في يوم 7 أكتوبر خيم على إسرائيل ظل الكآبة ومنذ فجر ذلك اليوم، وحتى غروب الشمس كان مصير إسرائيل متوقفا على قدرة صدها لهجوم مصر وسوريا، نحن لم نتعرض خلال الـ25 عاما التي سبقت الحرب منذ حرب 1948، لخطر الدمار بصورة ملموسة كما حدث في ذلك اليوم المصيري».
وفي تقرير لصحيفة «يديعوت أحرونوت» العبرية، اعترفت بأن المسؤولين الإسرائيليين (سياسيين وعسكريين) تخوفوا من مجيء نهاية دولتهم، على خلفية مفاجأة الجيش المصري واقتحام خط «بارليف»، ودخول الضفة الشرقية لقناة السويس، واستعادة شبه جزيرة سيناء. ونقلت الصحيفة العبرية عن أرشيف جيش الاحتلال، بلسان رئيس هيئة الأركان الإسرائيلي، الجنرال ديفيد أليعازر، أن بلاده كانت «تخشى من الانسحاب وترك السلاح».
وأوضحت الصحيفة العبرية أن القادة العسكريين حاولوا شحذ همم جنودهم وضباطهم في أرض المعركة، بعد خسارتهم أمام الجيش المصري بالقول: «إن هذه المعركة من أجل «أرض إسرائيل». وأكدت الصحيفة العبرية أن أرشيف جيش الاحتلال يؤكد أن موشي ديان، وزير الجيش إبان الحرب، تخوف وبقوة، من فناء دولته، وبقائها دون سلاح أو دون من يدافع عنها، ودون طائرات ودبابات، وخشي من أن يحيط العرب بإسرائيل من كل جانب، فضلا عن أنه انهار باكيا في اول اجتماع للحكومة الإسرائيلية ومجلس الحرب من سوء أوضاع الجيش الإسرائيلي على الجبهتين المصرية والسورية» وهذا أدخل الرعب في نفس جولدا مائير عندما رأت الجنرال بطل حرب 1967 منهارا هكذا، ودفعها إلى التفكير في طلب الدعم الأمريكي بسرعة.
وفي ضوء ذلك اقترحت جولدا مائير، أن تتوجه سراً إلى واشنطن من أجل لقاء الرئيس الأمريكي، ريتشارد نيكسون وتطلب «عتاداً كثيراً وسريعاً» وأضافت في مذكراتها تقول إن «هذه البطاقة الأساسية التي بإمكاننا استخدامها لدفع الأمريكيين كي لا يتخلوا عنا». وأضافت حول المساعدات الأمريكية: «يجب أن «يعطونا مساعدات كأن هذه جبهتهم. أن يعطونا كل ما نحتاج إليه». ومعروف أنه لولا الجسر العسكري الأمريكي العاجل والشامل الذي أمر به الرئيس نيكسون بدعم من وزير خارجيته هنري كيسنجر لما استطاعت إسرائيل منع حالة الانهيار التي تعرضت لها القوات الإسرائيلية خلال حرب أكتوبر.
أما رئيس الأركان الإسرائيلي خلال الحرب الجنرال دافيد إليعازر فقد أخبر القيادة الإسرائيلية بأن: «الوضع في سيناء سيئ جداً»، وإنه «توجد (خسائر كثيرة) ولا أحد يعرف عددها». وأضاف أن «المصريين يعبرون، وكل شيء سيئ. وضعنا صعب، ونحن في كارثة... اللواء أبراهام إدان (قائد قوات المدرعات) لم ينجح. وضعنا سيئ. وتوازن القوات لم يعد في صالحنا بشكل خطير جداً. والمصريون سوف ينظمون أنفسهم ويفتكون بنا».
وسمحت الرقابة العسكرية في الجيش الإسرائيلي بنشر كتاب مذكرات من تأليف الضابط أفنر شاليف، الذي شغل خلال الحرب منصب مدير مكتب رئيس أركان الجيش والذي كان يشغله الجنرال ديفيد إليعازر، مؤكداً أنه شاهد الجنرالات الإسرائيليين وهم يعيشون حالة ذعر في الأيام الأولى للحرب واستخدموا عبارات، مثل «كارثة» و«هزيمة» و«حرب من أجل أرض إسرائيل» و«كآبة شديدة»، في وصف وضع الجيش الإسرائيلي في الجبهتين مع مصر وسوريا.
هذه حالة إسرائيل الباكية والمنهارة كما اعترف بذلك كبار قادتها العسكريين والسياسيين وأبرز المؤرخين فيها بالإضافة إلى كبريات الصحف الإسرائيلية.
وهذه الكارثة العسكرية والسياسية والسيكولوجية التي عاشتها إسرائيل خلال حرب أكتوبر اعترف كبار الجنرالات ووسائل في الغرب المؤيد والداعم الأكبر لإسرائيل بها.
فقد أكد الجنرال «أندريه بوفر» الفرنسي الذي يعد أبرز فلاسفة الحرب في القرن العشرين في ندوة عقدت بأكاديمية ناصر العسكرية العليا بالقاهرة في 15 نوفمبر 1973، أن الشلل أصاب إسرائيل في الفترة الأولى من الحرب، وهنا، أريد أن أبدى إعجابي الشديد بالعمل الذي أنجزته القوات المسلحة المصرية والتقدم الذي أظهرته في الميدان.
أما الجنرال فارار هوكلى مدير تطوير القتال في الجيش البريطاني في السبعينيات فأكد أن الإنجاز الهائل الذي حققه المصريون في حرب أكتوبر، هو عبقرية ومهارة القادة والضباط الذين تدربوا وقاموا بعملية هجومية مفاجئة للإسرائيليين برغم أنها تمت تحت بصرهم.
وكتبت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية في 7 أكتوبر 1973 في تقرير لها عن العمليات العسكرية للحرب تقول: «إن المصريين والسوريين يبدون كفاءة عالية وتنظيماً وشجاعة، لقد حقق العرب نصراً نفيساً ستكون له آثاره الكبيرة داخل إسرائيل وإن احتفاظ المصريين بالضفة الشرقية للقناة يعد نصراً ضخماً لا مثيل له تحطمت معه أوهام الإسرائيليين بأن العرب لا يصلحون للحرب».
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك