العدد : ١٧٣٣٩ - الجمعة ١٢ سبتمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٠ ربيع الأول ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٣٣٩ - الجمعة ١٢ سبتمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٠ ربيع الأول ١٤٤٧هـ

دراسات

بمناسبة الاحتفال بالذكرى الـ73 لقيام ثورة 23 يوليو 1952..
دور ثورة يوليو وجمال عبدالناصر في دعم حركة التحرر العربي

بقلم: عبدالـمالك سالـمان

الأربعاء ٢٣ يوليو ٢٠٢٥ - 10:25

كيف أصبح تحقيق الوحدة العربية حلم ملايين العرب من المحيط إلى الخليج؟

هل تكون صيغة الفيدرالية أو الكونفدرالية هي الأنسب لتحقيق الوحدة العربية؟

كيف يمكن للعرب النهوض من حالة التفكك والتشتت الراهنة؟


تحتفل‭ ‬مصر‭ ‬والأمة‭ ‬العربية‭ ‬اليوم‭ ‬بالذكرى‭ ‬الـ73‭ ‬لقيام‭ ‬ثورة‭ ‬23‭ ‬يوليو‭ ‬المجيدة،‭ ‬وهي‭ ‬الثورة‭ ‬التي‭ ‬غيرت‭ ‬وجه‭ ‬التاريخ‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬والوطن‭ ‬العربي‭ ‬بدءا‭ ‬من‭ ‬منتصف‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭ ‬ومازالت‭ ‬آثارها‭ ‬والمبادئ‭ ‬التي‭ ‬رفعتها‭ ‬والاهداف‭ ‬التي‭ ‬سعت‭ ‬إلى‭ ‬تحقيقها‭ ‬تشكل‭ ‬القوام‭ ‬الرئيسي‭ ‬للوعي‭ ‬بالقضايا‭ ‬العربية‭ ‬وفي‭ ‬طليعتها‭ ‬التحرر‭ ‬من‭ ‬الاستعمار‭ ‬الغربي‭ ‬وسطوته‭ ‬وهيمنته‭ ‬وتأكيد‭ ‬الاستقلال‭ ‬العربي‭ ‬والنضال‭ ‬ضد‭ ‬المشروع‭ ‬التوسعي‭ ‬الصهيوني‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬العربية،‭ ‬ومركزية‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬وحتمية‭ ‬الكفاح‭ ‬العربي‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تحريرها،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬تحرير‭ ‬الإنسان‭ ‬العربي‭ ‬والارتقاء‭ ‬بمستوى‭ ‬معيشته‭ ‬وفق‭ ‬سياسات‭ ‬تحقق‭ ‬العدل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬والنهوض‭ ‬الحضاري‭ ‬لكل‭ ‬الأمة‭ ‬العربية‭.‬

ولعل‭ ‬الدليل‭ ‬الدامغ‭ ‬على‭ ‬قوة‭ ‬تأثير‭ ‬توجهات‭ ‬ثورة‭ ‬يوليو‭ ‬حتى‭ ‬يومنا‭ ‬هذا‭ ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬العربي‭ ‬أنه‭ ‬كلما‭ ‬ادلهمت‭ ‬الظروف‭ ‬وتصاعدت‭ ‬المخططات‭ ‬العدوانية‭ ‬الصهيونية‭ ‬والغربية‭ ‬ضد‭ ‬الأمة‭ ‬العربية،‭ ‬وخرجت‭ ‬الجماهير‭ ‬العربية‭ ‬لتعبر‭ ‬عن‭ ‬رفضها‭ ‬واحتجاجها‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الأعمال‭ ‬العدوانية،‭ ‬نجد‭ ‬الجماهير‭ ‬العربية‭ ‬ترفع‭ ‬صور‭ ‬الزعيم‭ ‬التاريخي‭ ‬جمال‭ ‬عبدالناصر‭ ‬باعتباره‭ ‬رمزا‭ ‬لإرادة‭ ‬الصمود‭ ‬والاستقلال‭ ‬العربي‭ ‬ضد‭ ‬المخططات‭ ‬الاستعمارية‭ ‬التي‭ ‬تستهدف‭ ‬إخضاع‭ ‬الأمة‭ ‬العربية‭. ‬

وفي‭ ‬الوقت‭ ‬ذاته،‭ ‬فانه‭ ‬رغم‭ ‬رحيل‭ ‬الرئيس‭ ‬جمال‭ ‬عبدالناصر‭ ‬عن‭ ‬عالمنا‭ ‬منذ‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬نصف‭ ‬قرن‭ ‬من‭ ‬الزمان‭ ‬عام‭ ‬1970،‭ ‬فإن‭ ‬الملاحظ‭ ‬أن‭ ‬كثيرا‭ ‬من‭ ‬العائلات‭ ‬العربية‭ ‬من‭ ‬المحيط‭ ‬إلى‭ ‬الخليج‭ ‬مازالت‭ ‬تحتفظ‭ ‬بصور‭ ‬الرئيس‭ ‬جمال‭ ‬عبدالناصر‭ ‬في‭ ‬بيوتها‭ ‬وخاصة‭ ‬في‭ ‬صالونات‭ ‬الضيافة،‭ ‬وهي‭ ‬ظاهرة‭ ‬لافتة‭ ‬للنظر،‭ ‬ولكن‭ ‬تجد‭ ‬تفسيرها‭ ‬التاريخي‭ ‬في‭ ‬شعور‭ ‬الجماهير‭ ‬العربية‭ ‬بأن‭ ‬مواقف‭ ‬عبدالناصر‭ ‬وطموحاته‭ ‬كانت‭ ‬تعبر‭ ‬عن‭ ‬تطلعات‭ ‬وأحلام‭ ‬الإنسان‭ ‬العربي‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬أنحاء‭ ‬الوطن‭ ‬العربي،‭ ‬وان‭ ‬الجماهير‭ ‬تدرك‭ ‬جيدا‭ ‬مدى‭ ‬إخلاص‭ ‬ذلك‭ ‬الزعيم‭ ‬لأمته‭ ‬وتعرف‭ ‬حجم‭ ‬المؤامرات‭ ‬الاستعمارية‭ ‬التي‭ ‬سعت‭ ‬لإفشاله‭ ‬وإسقاط‭ ‬مشروعه‭ ‬القومي‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬حلم‭ ‬الوحدة‭ ‬العربية‭.‬

‭ ‬ولا‭ ‬ننسى‭ ‬أن‭ ‬نشير‭ ‬إلى‭ ‬ظاهرة‭ ‬واكبت‭ ‬عهد‭ ‬جمال‭ ‬عبدالناصر‭ ‬وقلما‭ ‬تكررت‭ ‬في‭ ‬التاريخ،‭ ‬وهي‭ ‬أن‭ ‬الجماهير‭ ‬كانت‭ ‬تتلهف‭ ‬لسماع‭ ‬خطب‭ ‬عبدالناصر‭ ‬وكانت‭ ‬تتنادى‭ ‬للاستماع‭ ‬إليه‭ ‬عبر‭ ‬المذياع‭ ‬وخاصة‭ ‬من‭ ‬إذاعة‭ ‬صوت‭ ‬العرب‭ ‬في‭ ‬اجتماعات‭ ‬أسرية‭ ‬جماعية،‭ ‬وهي‭ ‬ظاهرة‭ ‬تعكس‭ ‬التأييد‭ ‬الشعبي‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يحظى‭ ‬به‭ ‬عبدالناصر‭ ‬عند‭ ‬أبناء‭ ‬الأمة‭ ‬العربية‭. ‬

في‭ ‬هذا‭ ‬السياق،‭ ‬نذكر‭ ‬ما‭ ‬كتبه‭ ‬مراسل‭ ‬لجريدة‭ ‬‮«‬اللوموند‮»‬‭ ‬الفرنسية‭ ‬عن‭ ‬أنه‭ ‬سأل‭ ‬مواطنا‭ ‬جزائريا‭ ‬من‭ ‬منطقة‭ ‬القبائل‭ ‬التي‭ ‬يقطنها‭ ‬الإخوة‭ ‬الأمازيغ‭ ‬وكثير‭ ‬منهم‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت‭ ‬يتحدثون‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬ووجده‭ ‬ذات‭ ‬يوم‭ ‬يستمع‭ ‬في‭ ‬جبال‭ ‬الأوراس‭ ‬إلى‭ ‬خطاب‭ ‬لجمال‭ ‬عبدالناصر‭ ‬سأله‭ ‬مراسل‭ ‬جريدة‭ ‬‮«‬لوموند‮»‬‭ ‬هل‭ ‬تعرف‭ ‬اللغة‭ ‬العربية؟‭ ‬قال‭: ‬لا‭. ‬فقال‭ ‬له‭ ‬لماذا‭ ‬تسمع‭ ‬جمال‭ ‬عبدالناصر؟‭ ‬فأجابه‭: ‬‮«‬أنا‭ ‬أسمعه‭ ‬بقلبي‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬أسمعه‭ ‬بأذني‮»‬‭.‬

‭ ‬والكل‭ ‬يعرف‭ ‬الدعم‭ ‬القوي‭ ‬الذي‭ ‬قدمه‭ ‬جمال‭ ‬عبدالناصر‭ ‬لثورة‭ ‬الجزائر،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬أحد‭ ‬الأسباب‭ ‬القوية‭ ‬التي‭ ‬دفعت‭ ‬فرنسا‭ ‬إلى‭ ‬المشاركة‭ ‬في‭ ‬العدوان‭ ‬الثلاثي‭ ‬على‭ ‬مصر‭ ‬عام‭ ‬1956‭ ‬بالتحالف‭ ‬مع‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬بريطانيا‭ ‬وإسرائيل،‭ ‬وكان‭ ‬هدفها‭ ‬إسقاط‭ ‬نظام‭ ‬عبدالناصر‭ ‬عبر‭ ‬إلحاق‭ ‬هزيمة‭ ‬عسكرية‭ ‬به‭. ‬

عبدالناصر‭ ‬والوعي‭ ‬القومي‭ ‬المبكر

وإذا‭ ‬كانت‭ ‬الحقائق‭ ‬التاريخية‭ ‬تشير‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬آباء‭ ‬الفكر‭ ‬القومي‭ ‬العربي‭ ‬ودعاة‭ ‬الوحدة‭ ‬العربية‭ ‬كان‭ ‬أبرزهم‭ ‬من‭ ‬مفكري‭ ‬بلاد‭ ‬الشام،‭ ‬وهم‭ ‬الذين‭ ‬قاموا‭ ‬بالتأصيل‭ ‬الفكري‭ ‬لدعوة‭ ‬‮«‬القومية‭ ‬العربية‮»‬‭ ‬وكان‭ ‬من‭ ‬أشهرهم‭ ‬ساطع‭ ‬الحصري‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬شخصيات‭ ‬مهمة‭ ‬أخرى‭ ‬مثل زكي‭ ‬الأرسوزي،‭ ‬ومحمد‭ ‬عزة‭ ‬دروزة،‭ ‬عبدالرحمن‭ ‬الكواكبي،‭ ‬وميشيل‭ ‬عفلق،‭ ‬وقسطنطين‭ ‬زريق‭ ‬وهم‭ ‬من‭ ‬نادوا‭ ‬بتحقيق‭ ‬الوحدة‭ ‬العربية‭ ‬الشاملة،‭ ‬ورفض‭ ‬الكيانات‭ ‬السياسية‭ ‬المصطنعة‭ ‬والتقسيمات‭ ‬الإقليمية‭ ‬في‭ ‬الوطن‭ ‬العربي‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬تعيق‭ ‬هذه‭ ‬الوحدة‭. ‬فإن‭ ‬الواقع‭ ‬السياسي‭ ‬يؤكد‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬أنزل‭ ‬مشروع‭ ‬الوحدة‭ ‬العربية‭ ‬إلى‭ ‬الواقع‭ ‬وعمق‭ ‬الدعم‭ ‬والتأييد‭ ‬الجماهيري‭ ‬العربي‭ ‬له‭ ‬كان‭ ‬هو‭ ‬الزعيم‭ ‬جمال‭ ‬عبدالناصر‭ ‬بمواقفه‭ ‬وسياساته‭ ‬العملية،‭ ‬بحيث‭ ‬بات‭ ‬حلم‭ ‬الوحدة‭ ‬هدف‭ ‬كل‭ ‬إنسان‭ ‬عربي‭ ‬من‭ ‬المحيط‭ ‬إلى‭ ‬الخليج‭.‬

ان‭ ‬جمال‭ ‬عبدالناصر‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬شخصية‭ ‬عادية‭ ‬أو‭ ‬مجرد‭ ‬ضابط‭ ‬في‭ ‬الجيش‭ ‬المصري‭ ‬،‭ ‬بل‭ ‬كان‭ ‬يمتلك‭ ‬وعيا‭ ‬تاريخيا‭ ‬متقدما‭ ‬جعله‭ ‬في‭ ‬رؤيته‭ ‬وفكره‭ ‬سابقا‭ ‬لزمانه،‭ ‬ولعل‭ ‬ذلك‭ ‬ما‭ ‬اكتسبه‭ ‬من‭ ‬قراءة‭ ‬التاريخ‭ ‬وعمله‭ ‬عدة‭ ‬سنوات‭ ‬محاضرا‭ ‬في‭ ‬الكلية‭ ‬الحربية،‭ ‬وكان‭ ‬يدرس‭ ‬قواعد‭ ‬حماية‭ ‬الأمن‭ ‬القومي‭ ‬المصري،‭ ‬وجعله‭ ‬ذلك‭ ‬يدرك‭ ‬حقيقة‭ ‬ارتباط‭ ‬الأمن‭ ‬القومي‭ ‬المصري‭ ‬ببلاد‭ ‬الشام،‭ ‬وهي‭ ‬حقائق‭ ‬ثابتة‭ ‬منذ‭ ‬العصر‭ ‬الفرعوني‭ ‬حينما‭ ‬كان‭ ‬القادة‭ ‬الفراعنة‭ ‬مثل‭ ‬أحمس‭ ‬ورمسيس‭ ‬الثاني‭ ‬يتحركون‭ ‬لصد‭ ‬هجمات‭ ‬الغزاة‭ ‬في‭ ‬فلسطين‭ ‬وبلاد‭ ‬الشام‭ ‬ومنع‭ ‬وصولهم‭ ‬إلى‭ ‬الأراضي‭ ‬المصرية‭ ‬بما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نطلق‭ ‬عليه‭ ‬وصف‭ ‬‮«‬خطط‭ ‬الدفاع‭ ‬الوقائي‭ ‬المتقدم‮»‬‭.‬

وهو‭ ‬ما‭ ‬طبقه‭ ‬قادة‭ ‬تاريخيون‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬مثل‭ ‬صلاح‭ ‬الدين‭ ‬الأيوبي‭ ‬وسيف‭ ‬الدين‭ ‬قطز‭ ‬والظاهر‭ ‬بيبرس‭ ‬ثم‭ ‬إبراهيم‭ ‬باشا‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬محمد‭ ‬علي‭.‬

وبالطبع‭ ‬من‭ ‬المؤكد‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الحقائق‭ ‬قد‭ ‬ترسخت‭ ‬في‭ ‬وعي‭ ‬ووجدان‭ ‬جمال‭ ‬عبدالناصر‭ ‬لدى‭ ‬مشاركته‭ ‬في‭ ‬حرب‭ ‬فلسطين‭ ‬عام‭ ‬1948‭ ‬وخوضه‭ ‬معركة‭ ‬الفالوجة‭ ‬ضد‭ ‬الاحتلال‭ ‬الصهيوني‭ ‬لفلسطين،‭ ‬ولكن‭ ‬ما‭ ‬يلفت‭ ‬النظر‭ ‬الى‭ ‬الوعي‭ ‬المبكر‭ ‬لجمال‭ ‬عبدالناصر‭ ‬بقضية‭ ‬فلسطين‭ ‬وأهميتها‭ ‬لمستقبل‭ ‬الامة‭ ‬العربية‭ ‬وخطورة‭ ‬المشروع‭ ‬الصهيوني‭ ‬الذي‭ ‬تم‭ ‬زرعه‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬الوطن‭ ‬العربي‭ ‬للحيلولة‭ ‬دون‭ ‬تحقيق‭ ‬التوحد‭ ‬العربي‭ ‬بين‭ ‬جناحي‭ ‬الأمة‭ ‬في‭ ‬المشرق‭ ‬والمغرب‭ ‬أنه‭ ‬قبل‭ ‬حرب‭ ‬فلسطين‭ ‬بعام‭ ‬كامل،‭ ‬في‭ ‬سبتمبر‭ ‬1947‭ ‬قررت‭ ‬لجنة‭ ‬الضباط‭ ‬الأحرار‭ ‬مساندة‭ ‬حركة‭ ‬المقاومة‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬فلسطين،‭ ‬وأرسلت‭ ‬بعض‭ ‬أعضائها‭ ‬كمتطوعين،‭ ‬وانضم‭ ‬بعض‭ ‬هؤلاء‭ ‬من‭ ‬دمشق‭ ‬إلى‭ ‬جيش‭ ‬الإنقاذ‭ ‬العربي‭ ‬بقيادة‭ ‬فوزي‭ ‬القاوقجي،‭ ‬وقال‭ ‬جمال‭ ‬عبدالناصر‭ ‬لزملائه‭: ‬‮«‬لو‭ ‬فرض‭ ‬القتال‭ ‬في‭ ‬فلسطين‭ ‬فإن‭ ‬ذلك‭ ‬لن‭ ‬يكون‭ ‬مجرد‭ ‬حرب‭ ‬في‭ ‬أرض‭ ‬عربية،‭ ‬بل‭ ‬سيكون‭ ‬واجباً‭ ‬مقدساً‭ ‬للدفاع‭ ‬عن‭ ‬النفس‮»‬،‭ ‬وهكذا‭ ‬أدخل‭ ‬جمال‭ ‬عبدالناصر‭ ‬مبكراً‭ ‬قضية‭ ‬فلسطين‭ ‬إلى‭ ‬عمق‭ ‬قلب‭ ‬وروح‭ ‬مصر‭ ‬ليصبح‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬فلسطين‭ ‬دفاعاً‭ ‬عن‭ ‬النفس‭. ‬‮«‬ويمكن‭ ‬القول‭ ‬بأن‭ ‬جمال‭ ‬عبدالناصر‭ ‬وثورة‭ ‬يوليو‭ ‬1952‭ ‬قد‭ ‬لعبا‭ ‬دورًا‭ ‬محوريًا‭ ‬في‭ ‬دعم‭ ‬حركة‭ ‬التحرر‭ ‬العربي‭ ‬من‭ ‬الاستعمار‭ ‬الغربي‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬فرض‭ ‬سطوته‭ ‬على‭ ‬المنطقة‭ ‬العربية،‭ ‬وخاصة‭ ‬بعد‭ ‬انهيار‭ ‬الدولة‭ ‬العثمانية‭ ‬وإبرام‭ ‬اتفاق‭ ‬سايكس‭ ‬بيكو‭ ‬بين‭ ‬بريطانيا‭ ‬وفرنسا‭ ‬عام‭ ‬1916‭.‬‮ ‬فقد‭ ‬مثلت‭ ‬الثورة‭ ‬المصرية‭ ‬تحفيزًا‭ ‬قويًا‭ ‬لحركات‭ ‬التحرر‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬البلدان‭ ‬العربية،‭ ‬حيث‭ ‬ألهمت‭ ‬الشعوب‭ ‬بالاعتماد‭ ‬على‭ ‬قوتها‭ ‬الذاتية‭ ‬لتحقيق‭ ‬الاستقلال‭ ‬والوحدة‭.‬‮ ‬كما‭ ‬عملت‭ ‬مصر‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬عبدالناصر‭ ‬على‭ ‬تقديم‭ ‬الدعم‭ ‬المادي‭ ‬والمعنوي‭ ‬لحركات‭ ‬التحرر‭ ‬في‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الدول،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬تبني‭ ‬سياسات‭ ‬قومية‭ ‬عربية‭ ‬تهدف‭ ‬إلى‭ ‬تحقيق‭ ‬الوحدة‭ ‬والتحرر‭.‬

‭ ‬لقد‭ ‬ألهمت‭ ‬ثورة‭ ‬يوليو‭ ‬الشعوب‭ ‬العربية‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تعاني‭ ‬من‭ ‬الاستعمار‭ ‬والاحتلال،‭ ‬حيث‭ ‬أظهرت‭ ‬لهم‭ ‬أن‭ ‬التغيير‭ ‬ممكن‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬العمل‭ ‬الجاد‭ ‬والاعتماد‭ ‬على‭ ‬الذات‭.‬‮ ‬وقد‭ ‬شكلت‭ ‬الثورة‭ ‬نموذجًا‭ ‬يحتذى‭ ‬به‭ ‬في‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تسعى‭ ‬للاستقلال‭ ‬عن‭ ‬الاستعمار‭ ‬الغربي‭.‬

‭ ‬وكما‭ ‬يقول‭ ‬د‭. ‬أحمد‭ ‬يوسف‭ ‬أحمد‭ ‬أستاذ‭ ‬العلاقات‭ ‬الدولية‭ ‬بجامعة‭ ‬القاهرة‭: ‬إن‭ ‬ثورة‭ ‬يوليو1952‭ ‬تركت‭ ‬بصمة‭ ‬تاريخية‭ ‬لا‭ ‬تُمحى،‭ ‬ليس‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬مصر‭ ‬فحسب،‭ ‬وإنما‭ ‬على‭ ‬امتداد‭ ‬الوطن‭ ‬العربي؛‭ ‬بل‭ ‬وإفريقيا‭ ‬وآسيا‭ ‬وأمريكا‭ ‬اللاتينية‭ ‬أيضاً‭. ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬هذا‭ ‬راجعاً‭ ‬إلا‭ ‬لكون‭ ‬تلك‭ ‬الثورة‭ ‬قد‭ ‬جسدت‭ ‬آمال‭ ‬شعب‭ ‬مصر‭ ‬العربي‭ ‬وطموحاته‭ ‬إلى‭ ‬الحرية‭ ‬والكرامة‭ ‬والعدالة‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬وهي‭ ‬الآمال‭ ‬والطموحات‭ ‬نفسها‭ ‬التي‭ ‬كشف‭ ‬عنها‭ ‬النضال‭ ‬الوطني‭ ‬لكل‭ ‬شعب‭ ‬عربي‭ ‬ولكل‭ ‬الشعوب‭ ‬التي‭ ‬خضعت‭ ‬للهيمنة‭ ‬الاستعمارية،‭ ‬فضـلاً‭ ‬عن‭ ‬أن‭ ‬الله‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭ ‬قد‭ ‬حبا‭ ‬الثورة‭ ‬بقيادة‭ ‬كاريزمية‭ ‬واعية‭ ‬وصلبة‭ ‬ذات‭ ‬نزعة‭ ‬استقلالية‭ ‬صارمة‭ ‬وتوجه‭ ‬عروبي‭ ‬أصيل‭ ‬على‭ ‬النحو‭ ‬الذي‭ ‬أحاط‭ ‬تلك‭ ‬القيادة‭ ‬بحب‭ ‬الجماهير‭ ‬ودعمها‭ ‬وجعلها‭ ‬سلاحاً‭ ‬حقيقياً‭ ‬بيدها‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬المعارك‭ ‬التي‭ ‬خاضتها،‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬نزاهتها‭ ‬المطلقة‭ ‬على‭ ‬النحو‭ ‬الذي‭ ‬جعل‭ ‬أعتى‭ ‬خصوم‭ ‬جمال‭ ‬عبدالناصر‭ ‬يقولون‭ ‬إنه‭ ‬كان‭ ‬نظيفاً‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬اللعنة‭.‬

‭ ‬ولقد‭ ‬كشفت‭ ‬الثورة‭ ‬عن‭ ‬وجهها‭ ‬الاستقلالي‭ ‬العروبي‭ ‬فدعمت‭ ‬حركات‭ ‬التحرر‭ ‬العربي‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مكان‭. ‬وبرزت‭ ‬معركة‭ ‬تحرير‭ ‬الجزائر‭ (‬1954‭ ‬‭ ‬1962‭) ‬وجنوب‭ ‬اليمن‭ (‬1963‭ ‬‭ ‬1967‭) ‬كأبرز‭ ‬معركتين‭ ‬تاريخيتين‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الصدد‭ ‬بنجاحهما‭ ‬في‭ ‬تحرير‭ ‬كلٍ‭ ‬من‭ ‬الجزائر‭ ‬وجنوب‭ ‬اليمن‭ ‬في‭ ‬سنوات‭ ‬قليلة‭ ‬من‭ ‬استعمار‭ ‬دام‭ ‬نحو‭ ‬قرن‭ ‬وثلث‭ ‬القرن‭.‬

‭ ‬وقد‭ ‬أكد‭ ‬جمال‭ ‬عبدالناصر‭ ‬ارتباط‭ ‬أهداف‭ ‬ثورة‭ ‬يوليو‭ ‬بطموحات‭ ‬الأمة‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬‮«‬فلسفة‭ ‬الثورة‮»‬‭ ‬قائلا‭: ‬‮«‬إن‭ ‬هدف‭ ‬حكومة‭ ‬ثورة‭ ‬23‭ ‬يوليو‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬العرب‭ ‬أمة‭ ‬متحدة‭ ‬يتعاون‭ ‬أبناؤها‭ ‬في‭ ‬الخير‭ ‬المشترك‭: ‬فالثورة‭ ‬تؤمن‭ ‬بأن‭ ‬الموقع‭ ‬الذي‭ ‬يحتله‭ ‬العرب‭ ‬بين‭ ‬قارات‭ ‬العالم‭ ‬وخدماتهم‭ ‬العظيمة‭ ‬للحضارة‭ ‬ومواردهم‭ ‬الاقتصادية‭ ‬القيمة‭ ‬واتصالاتهم‭ ‬بالشرق‭ ‬الإسلامي‭ ‬وبالشرق‭ ‬كله‭ ‬يرشحهم‭ ‬لمكانة‭ ‬كبيرة‭ ‬تتيح‭ ‬لهم‭ ‬التأثير‭ ‬في‭ ‬شؤون‭ ‬العالم‮»‬‭.‬

وجدد‭ ‬قناعته‭ ‬القومية‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1962‭ ‬قائلا‭: ‬‮«‬إن‭ ‬أعظم‭ ‬تقدير‭ ‬لنضال‭ ‬الشعب‭ ‬العربي‭ ‬في‭ ‬مصر،‭ ‬ولتجربته‭ ‬الرائدة‭ ‬هو‭ ‬الدور‭ ‬الذي‭ ‬استطاع‭ ‬أن‭ ‬يؤثر‭ ‬به‭ ‬في‭ ‬حياة‭ ‬أمته‭ ‬العربية،‭ ‬وخارج‭ ‬حدود‭ ‬وطنه‭ ‬الصغير‭ ‬إلى‭ ‬آفاق‭ ‬وطنه‭ ‬الأكبر‮»‬‭.‬

وفي‭ ‬تأكيده‭ ‬على‭ ‬الاتجاه‭ ‬القومي‭ ‬العربي‭ ‬لثورة‭ ‬يوليو‭ ‬يقول‭ ‬الرئيس‭ ‬جمال‭ ‬عبدالناصر‭: ‬‮«‬ما‭ ‬دامت‭ ‬المنطقة‭ ‬واحدة‭ ‬وأحوالها‭ ‬واحدة،‭ ‬ومشاكلها‭ ‬واحدة،‭ ‬ومستقبلها‭ ‬واحد،‭ ‬والعدو‭ ‬واحد‭ ‬مهما‭ ‬يحاول‭ ‬أن‭ ‬يضع‭ ‬على‭ ‬وجهه‭ ‬من‭ ‬أقنعة‭ ‬مختلفة‭ ‬فلماذا‭ ‬تتشتت‭ ‬جهودنا؟‮»‬‭.‬

من‭ ‬جانبه،‭ ‬يؤكد‭ ‬الباحث‭ ‬والكاتب‭ ‬القومي‭ ‬د‭. ‬محمد‭ ‬السعيد‭ ‬إدريس‭ ‬أن‭ ‬ثورة‭ ‬23‭ ‬يوليو‭ ‬1952‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬أدركت‭ ‬منذ‭ ‬قيامها‭ ‬أهمية‭ ‬توحيد‭ ‬النضال‭ ‬العربي‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تعزيز‭ ‬القومية‭ ‬العربية‭ ‬وتحقيق‭ ‬وحدة‭ ‬العرب،‭ ‬وكان‭ ‬جمال‭ ‬عبدالناصر‭ ‬يرى‭ ‬ضرورة‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬جبهة‭ ‬عربية‭ ‬واحدة‭ ‬تقوم‭ ‬خطتها‭ ‬على‭ ‬حمل‭ ‬الأمة‭ ‬العربية‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬تدرك‭ ‬مدى‭ ‬قوتها‭ ‬وطاقاتها‭ ‬وإمكاناتها،‭ ‬ولذلك‭ ‬قال‭ ‬عبدالناصر‭: ‬‮«‬ولسوف‭ ‬أظل‭ ‬دائماً‭ ‬أقول‭ ‬إننا‭ ‬أقوياء،‭ ‬ولكن‭ ‬الكارثة‭ ‬الكبرى‭ ‬أننا‭ ‬لا‭ ‬ندرك‭ ‬مدى‭ ‬قوتنا،‭ ‬إننا‭ ‬نخطئ‭ ‬في‭ ‬تعريف‭ ‬القوة‭ ‬فليست‭ ‬القوة‭ ‬أن‭ ‬تصرخ‭ ‬بصوت‭ ‬عال،‭ ‬وإنما‭ ‬القوة‭ ‬أن‭ ‬تتصرف‭ ‬إيجابياً‭ ‬وبكل‭ ‬ما‭ ‬تملك‭ ‬من‭ ‬مقوماتها‮»‬‭.‬

مركزية‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية

يعرف‭ ‬الجميع‭ ‬أن‭ ‬نكبة‭ ‬فلسطين‭ ‬عام‭ ‬1948‭ ‬كانت‭ ‬أحد‭ ‬الدوافع‭ ‬القوية‭ ‬وراء‭ ‬إصرار‭ ‬حركة‭ ‬الضباط‭ ‬الاحرار‭ ‬على‭ ‬القيام‭ ‬بثورة‭ ‬1952‭ ‬والتي‭ ‬بدأت‭ ‬بتحرك‭ ‬للجيش‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬تغيير‭ ‬نظام‭ ‬الحكم‭ ‬في‭ ‬مصر،‭ ‬ولهذا‭ ‬كان‭ ‬الاهتمام‭ ‬بتحرير‭ ‬فلسطين‭ ‬والتصدي‭ ‬للخطر‭ ‬الذي‭ ‬تشكله‭ ‬الحركة‭ ‬الصهيونية‭ ‬على‭ ‬الأمن‭ ‬المصري‭ ‬والأمن‭ ‬القومي‭ ‬العربي‭ ‬في‭ ‬طليعة‭ ‬أهداف‭ ‬الضباط‭ ‬الأحرار‭ ‬بزعامة‭ ‬جمال‭ ‬عبدالناصر‭. ‬

وقد‭ ‬أشار‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬باحث‭ ‬عربي‭ ‬بقوله‭: ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬إدراك‭ ‬عبدالناصر‭ ‬لارتباط‭ ‬الصراع‭ ‬مع‭ ‬الاستعمار‭ ‬وربيبته‭ ‬الصهيونية‭ ‬بالنضال‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الحرية‭ ‬والاستقلال‭ ‬والتنمية‭ ‬والوحدة،‭ ‬وإقامة‭ ‬مجتمع‭ ‬الكفاية‭ ‬والعدل،‭ ‬نابعاً‭ ‬فقط‭ ‬من‭ ‬طبيعة‭ ‬الفكر‭ ‬الوطني‭ ‬والقومي‭ ‬والتحرّري‭ ‬الذي‭ ‬حملته‭ ‬ثورة‭ ‬23‭ ‬يوليو،‭ ‬ولا‭ ‬ناجماً‭ ‬عن‭ ‬التزام‭ ‬أخلاقي‭ ‬وقومي‭ ‬وإنساني‭ ‬بحق‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬في‭ ‬أرضه‭ ‬وحريته‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬كان‭ ‬أيضاً‭ ‬وليد‭ ‬رؤية‭ ‬استراتيجية‭ ‬عميقة‭ ‬للأمن‭ ‬القومي‭ ‬لمصر‭ ‬وأمتها‭ ‬بأسرها،‭ ‬مدركاً‭ ‬أن‭ ‬أكثر‭ ‬المخاطر‭ ‬التي‭ ‬تهدد‭ ‬ذلك‭ ‬الأمن‭ ‬إنما‭ ‬كان‭ ‬مصدره‭ ‬غزوات‭ ‬قادمة‭ ‬من‭ ‬فلسطين‭ ‬وبلاد‭ ‬الشام،‭ ‬وأن‭ ‬الدفاع‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬عن‭ ‬استقلال‭ ‬مصر‭ ‬ومستقبلها‭ ‬إنما‭ ‬يكون‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬تلك‭ ‬المخاطر‭ ‬والغزوات‭ ‬التي‭ ‬اتخذت‭ ‬عبر‭ ‬التاريخ‭ ‬أشكالا‭ ‬متعدّدة،‭ ‬كان‭ ‬آخرها‭ ‬المشروع‭ ‬الصهيوني‭ ‬التوسعي‭ ‬في‭ ‬فلسطين‭.‬

ولقد‭ ‬عملت‭ ‬قيادة‭ ‬الثورة‭ ‬على‭ ‬تقديم‭ ‬الدعم‭ ‬العسكري‭ ‬للمقاومة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬بعد‭ ‬حرب‭ ‬1948وخاصة‭ ‬الفدائيين‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬أثار‭ ‬غضب‭ ‬الصهاينة‭ ‬وكان‭ ‬أحد‭ ‬أسباب‭ ‬مشاركتهم‭ ‬في‭ ‬العدوان‭ ‬الثلاثي‭ ‬على‭ ‬مصر‭ ‬عام‭ ‬1956‭.‬

كما‭ ‬دعمت‭ ‬مصر‭ ‬عبدالناصر‭ ‬بقوة‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬إنشاء‭ ‬منظمة‭ ‬التحرير‭ ‬الفلسطينية‭ ‬لتقود‭ ‬حركة‭ ‬النضال‭ ‬الفلسطيني‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تحرير‭ ‬فلسطين‭ ‬وتعبر‭ ‬عن‭ ‬الهوية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬وقد‭ ‬تولى‭ ‬قيادتها‭ ‬في‭ ‬البداية‭ ‬أحمد‭ ‬الشقيري‭ ‬وتاليا‭ ‬ياسر‭ ‬عرفات‭.‬

كما‭ ‬عبر‭ ‬القادة‭ ‬الصهاينة‭ ‬عن‭ ‬مخاوفهم‭ ‬من‭ ‬التوجهات‭ ‬الثورية‭ ‬والقومية‭ ‬لجمال‭ ‬عبدالناصر،‭ ‬وقد‭ ‬أعلن‭ ‬ديفيد‭ ‬بن‭ ‬جوريون‭ ‬عن‭ ‬ذلك‭ ‬صراحة‭ ‬في‭ ‬خطاب‭ ‬له‭ ‬أمام‭ ‬الكنيست‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬قائلا‭: ‬‮«‬لقد‭ ‬كنت‭ ‬أخشى‭ ‬دائماً‭ ‬قيام‭ ‬شخصية‭ ‬كتلك‭ ‬التي‭ ‬قامت‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬الحكام‭ ‬العرب‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬السابع‭ ‬أو‭ ‬مثل‭ (‬كمال‭ ‬أتاتورك‭) ‬الذي‭ ‬قام‭ ‬في‭ ‬تركيا‭ ‬بعد‭ ‬هزيمتها‭ ‬في‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الأولى‭. ‬فقد‭ ‬رفع‭ ‬معنوياتها‭ ‬وحوَّلهم‭ ‬إلى‭ ‬أمة‭ ‬مقاتلة‭. ‬لقد‭ ‬كان‭ ‬ولا‭ ‬يزال‭ ‬هناك‭ ‬خطر‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬جمال‭ ‬عبدالناصر‭ ‬هو‭ ‬هذا‭ ‬الرجل‮»‬‭.‬

دعم‭ ‬الثورة‭ ‬الجزائرية

جعلت‭ ‬ثورة‭ ‬23‭ ‬يوليو،‭ ‬إذاعة‭ ‬صوت‭ ‬العرب‭ ‬أحد‭ ‬الأمور‭ ‬الداعمة‭ ‬للوقوف‭ ‬حائطا‭ ‬قويا‭ ‬خلف‭ ‬الثورة‭ ‬الجزائرية‭ ‬ضد‭ ‬الاستعمار‭ ‬الفرنسي،‭ ‬كما‭ ‬تم‭ ‬تدشين‭ ‬إذاعة‭ ‬سرية‭ ‬عام‭ ‬1955‭ ‬لإذاعة‭ ‬كافة‭ ‬بيانات‭ ‬الثورة‭ ‬الجزائرية‭. ‬

ولقد‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬ثمار‭ ‬هذا‭ ‬الدعم‭ ‬أن‭ ‬تحقق‭ ‬حلم‭ ‬الجزائريين‭ ‬في‭ ‬التخلص‭ ‬من‭ ‬الاستعمار‭ ‬الفرنسي‭ ‬بعد‭ ‬132‭ ‬عامًا،‭ ‬حيث‭ ‬ظلت‭ ‬الجزائر‭ ‬تناضل‭ ‬ضد‭ ‬أشرس‭ ‬استعمار‭ ‬استيطاني‭ ‬استهدف‭ ‬الهوية‭ ‬الجزائرية‭ ‬كوطن‭ ‬وشعب‭ ‬حتى‭ ‬بلغ‭ ‬طغيانه‭ ‬إلى‭ ‬درجة‭ ‬اعتبار‭ ‬الجزائر‭ ‬جزءا‭ ‬من‭ ‬الدولة‭ ‬الفرنسية‭ ‬عبر‭ ‬قرار‭ ‬إداري‭ ‬بضم‭ ‬الجزائر‭ ‬وإلحاقها‭ ‬بفرنسا‭ ‬وإطلاق‭ ‬تسمية‭ ‬‮«‬فرنسا‭ ‬الجزائرية‮»‬‭ ‬عليها،‭ ‬ونالت‭ ‬الجزائر‭ ‬استقلالها‭ ‬بعد‭ ‬نضال‭ ‬صعب‭ ‬ومرير‭ ‬راح‭ ‬ضحيته‭ ‬نحو‭ ‬مليون‭ ‬ونصف‭ ‬المليون‭ ‬شهيد‭.‬

‭ ‬وتشير‭ ‬بعض‭ ‬الكتابات‭ ‬التاريخية‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬ثورة‭ ‬23‭ ‬يوليو‭ ‬دعمت‭ ‬الجزائر‭ ‬بأول‭ ‬صفقة‭ ‬سلاح‭ ‬من‭ ‬أوروبا‭ ‬وكان‭ ‬يبلغ‭ ‬ثمنها‭ ‬نحو‭ ‬مليون‭ ‬دولار،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬ترتيب‭ ‬إرسال‭ ‬12‭ ‬مليون‭ ‬جنيه‭ ‬سنويًا‭ ‬من‭ ‬جامعة‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬للثورة‭ ‬الجزائرية،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬3‭ ‬مليارات‭ ‬فرنك‭ ‬فرنسي‭ ‬من‭ ‬دخل‭ ‬قناة‭ ‬السويس‭ ‬بعد‭ ‬إعلان‭ ‬الرئيس‭ ‬الراحل‭ ‬جمال‭ ‬عبدالناصر‭ ‬تأميمها‭. ‬كما‭ ‬أنشئت‭ ‬أول‭ ‬حكومة‭ ‬للجزائر‭ ‬في‭ ‬المنفى‭ ‬وكان‭ ‬مقرها‭ ‬القاهرة‭ ‬سنة‭ ‬1958‭. ‬وضمت‭ ‬عددا‭ ‬من‭ ‬أبرز‭ ‬قادة‭ ‬الثورة‭ ‬الجزائرية‭ ‬وعلى‭ ‬رأسهم‭ ‬فرحات‭ ‬عباس‭ ‬رئيس‭ ‬الحكومة‭ ‬المؤقتة،‭ ‬وأحمد‭ ‬بن‭ ‬بيلا‭ ‬أول‭ ‬رئيس‭ ‬للجزائر‭ ‬بعد‭ ‬الاستقلال‭ ‬وحسين‭ ‬آيت‭ ‬أحمد‭.‬

وأعلن‭ ‬الرئيس‭ ‬الجزائرى‭ ‬هواري‭ ‬بو‭ ‬مدين،‭ ‬في‭ ‬أحد‭ ‬خطاباته‭ ‬الشهيرة،‭ ‬أن‭ ‬الدولة‭ ‬المصرية‭ ‬هي‭ ‬صاحبة‭ ‬الفضل‭ ‬الأول‭ ‬في‭ ‬تحرير‭ ‬الجزائر،‭ ‬مؤكدًا‭ ‬أن‭ ‬اللمسات‭ ‬الأخيرة‭ ‬من‭ ‬الثورة‭ ‬الجزائرية‭ ‬كانت‭ ‬مصر‭ ‬لها‭ ‬دور‭ ‬كبير‭ ‬فيها‭ ‬حتى‭ ‬حصلت‭ ‬على‭ ‬استقلالها‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1962،‮ ‬وظلت‭ ‬ثورة‭ ‬23‭ ‬يوليو‭ ‬تدعم‭ ‬الجزائر‭ ‬على‭ ‬كافة‭ ‬الأوجه‭ ‬السياسية‭ ‬والعسكرية‭ ‬والمادية‭. ‬وقد‭ ‬أسهمت‭ ‬القيادة‭ ‬المصرية‭ ‬بدور‭ ‬فاعل‭ ‬ومؤثر‭ ‬في‭ ‬دعم‭ ‬ومساندة‭ ‬سياسة‭ ‬‮«‬التعريب‮»‬‭ ‬الجزائرية‭ ‬بعد‭ ‬الاستقلال‭ ‬عبر‭ ‬إرسال‭ ‬البعثات‭ ‬التعليمية‭ ‬المصرية‭ ‬لنشر‭ ‬وتعليم‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬والحد‭ ‬من‭ ‬غلبة‭ ‬اللغة‭ ‬الفرنسية‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬الجزائري‭ ‬في‭ ‬الستينيات‭ ‬عقب‭ ‬الاستقلال‭. ‬

‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬آخر،‭ ‬لقد‭ ‬كان‭ ‬جمال‭ ‬عبدالناصر‭ ‬مناصرا‭ ‬قويا‭ ‬لثورة‭ ‬الشعب‭ ‬اليمني‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬الجنوب‭ ‬أو‭ ‬الشمال‭ ‬وكان‭ ‬تأييده‭ ‬واضحا‭ ‬وقويا‭ ‬ووصل‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬إرسال‭ ‬قوات‭ ‬مصرية‭ ‬لمساندة‭ ‬الثورة‭ ‬اليمنية‭ ‬في‭ ‬الشمال،‭ ‬أما‭ ‬في‭ ‬الجنوب‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬بريطانيا‭ ‬ترغب‭ ‬في‭ ‬الخروج‭ ‬منه‭ ‬بسبب‭ ‬أهمية‭ ‬موقعه‭ ‬الجغرافي‭ ‬في‭ ‬ميناء‭ ‬عدن‭ ‬والقدرة‭ ‬على‭ ‬التحكم‭ ‬في‭ ‬مضيق‭ ‬باب‭ ‬المندب‭ ‬وحركة‭ ‬الملاحة‭ ‬في‭ ‬البحر‭ ‬الأحمر،‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬الدعم‭ ‬المصري‭ ‬مؤثرا‭ ‬في‭ ‬التعجيل‭ ‬بإنهاء‭ ‬الوجود‭ ‬الاستعماري‭ ‬البريطاني‭ ‬هناك‭ ‬عبر‭ ‬تأجيج‭ ‬حركة‭ ‬المقاومة‭ ‬المسلحة‭ ‬للاحتلال‭ ‬البريطاني‭.‬

ومازال‭ ‬اليمنيون‭ ‬يتذكرون‭ ‬الخطاب‭ ‬القوي‭ ‬لجمال‭ ‬عبدالناصر‭ ‬في‭ ‬محافظة‭ ‬تعز‭ ‬التي‭ ‬زارها‭ ‬عقب‭ ‬قيام‭ ‬ثورة‭ ‬26‭ ‬سبتمبر‭ ‬1962،‭ ‬وقال‭ ‬فيه‭ ‬عبارته‭ ‬التاريخية‭ ‬الشهيرة‭: ‬‮«‬على‭ ‬بريطانيا‭ ‬أن‭ ‬تأخذ‭ ‬عصاها‭ ‬وترحل‭ ‬عن‭ ‬عدن‮»‬‭. ‬قائلا‭ ‬ما‭ ‬نصه‭: ‬‮«‬إن‭ ‬بريطانيا‭ ‬التي‭ ‬تنظر‭ ‬إلى‭ ‬ثورتكم‭ ‬بكراهية‭ ‬وحقد،‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تحمل‭ ‬عصاها‭ ‬على‭ ‬كتفها‭ ‬وترحل‭ ‬من‭ ‬عدن‭. ‬إننا‭ ‬نعاهد‭ ‬الله‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الأرض‭ ‬المقدسة،‭ ‬أن‭ ‬نطرد‭ ‬بريطانيا‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬الوطن‭ ‬العربي‮»‬‭.‬

لقد‭ ‬شمل‭ ‬دعم‭ ‬ثورة‭ ‬يوليو‭ ‬كل‭ ‬حركات‭ ‬التحرر‭ ‬العربي‭ ‬لأن‭ ‬جمال‭ ‬عبدالناصر‭ ‬كان‭ ‬يدرك‭ ‬أن‭ ‬النجاح‭ ‬في‭ ‬مكافحة‭ ‬الاستعمار‭ ‬تقتضي‭ ‬كسب‭ ‬معارك‭ ‬التحرير‭ ‬كلها‭ ‬لأن‭ ‬بقاء‭ ‬المستعمر‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬بقعة‭ ‬عربية‭ ‬هو‭ ‬تهديد‭ ‬لحركة‭ ‬التحرر‭ ‬العربي‭ ‬وأيضا‭ ‬يشكل‭ ‬عقبة‭ ‬كأداء‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬إمكانية‭ ‬تحقيق‭ ‬الأحلام‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬الاستقلال‭ ‬والوحدة‭.‬

لذلك‭ ‬سعى‭ ‬جمال‭ ‬عبدالناصر‭ ‬منذ‭ ‬وقت‭ ‬مبكر‭ ‬بعد‭ ‬قيام‭ ‬ثورة‭ ‬23‭ ‬يوليو‭ ‬الى‭ ‬مساندة‭ ‬استقلال‭ ‬السودان‭ ‬ليتحقق‭ ‬استقلاله‭ ‬عام‭ ‬1956‭ ‬ويفشل‭ ‬المخططات‭ ‬البريطانية‭ ‬للبقاء‭ ‬هناك،‭ ‬وعمل‭ ‬على‭ ‬دعم‭ ‬استقلال‭ ‬ليبيا‭ ‬ومنع‭ ‬تقسيمها‭ ‬إلى‭ ‬ثلاث‭ ‬ولايات،‭ ‬كما‭ ‬وقفت‭ ‬مصر‭ ‬عبدالناصر‭ ‬ضد‭ ‬تقسيم‭ ‬الصومال‭ ‬إلى‭ ‬صومال‭ ‬فرنسي‭ ‬وصومال‭ ‬إيطالي‭ ‬وصومال‭ ‬بريطاني‭ ‬ودعمت‭ ‬وحدة‭ ‬الأمة‭ ‬والدولة‭ ‬الصومالية‭.‬

ولعبت‭ ‬مصر‭ ‬الثورة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مكتب‭ ‬المغرب‭ ‬العربي‭ ‬دورا‭ ‬بارزا‭ ‬في‭ ‬مساندة‭ ‬رموز‭ ‬الكفاح‭ ‬المغربي‭ ‬ضد‭ ‬الاستعمار‭ ‬ومن‭ ‬أبرزهم‭ ‬علال‭ ‬الفاسي‭ ‬وعبدالكريم‭ ‬الخطابي،‭ ‬كما‭ ‬تصدت‭ ‬لمحاولات‭ ‬نزع‭ ‬الشرعية‭ ‬عن‭ ‬الملك‭ ‬الوطني‭ ‬والزعيم‭ ‬الشرعي‭ ‬للمغرب‭ ‬الملك‭ ‬محمد‭ ‬الخامس‭ ‬وهاجمت‭ ‬المحاولات‭ ‬الفرنسية‭ ‬لنفيه‭ ‬خارج‭ ‬المغرب‭.‬

‭ ‬وساندت‭ ‬مصر‭ ‬الثورة‭ ‬بقيادة‭ ‬جمال‭ ‬عبدالناصر‭ ‬ثورة‭ ‬العراق‭ ‬عام‭ ‬1958‭ ‬وتصدت‭ ‬للمحاولات‭ ‬البريطانية‭ ‬والأمريكية‭ ‬لإجهاضها،‭ ‬ونجح‭ ‬عبدالناصر‭ ‬في‭ ‬اقناع‭ ‬القيادة‭ ‬السوفيتية‭ ‬في‭ ‬دعم‭ ‬ثورة‭ ‬العراق‭ ‬وإصدار‭ ‬بيان‭ ‬لتأييدها‭ ‬والتحذير‭ ‬من‭ ‬المحاولات‭ ‬الغربية‭ ‬لإفشالها،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬أدى‭ ‬الى‭ ‬تراجع‭ ‬الخطط‭ ‬الغربية‭ ‬للتدخل‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬ومحاولة‭ ‬الاجهاز‭ ‬على‭ ‬الثورة‭ ‬العراقية‭. ‬

ولقد‭ ‬انتشر‭ ‬الفكر‭ ‬القومي‭ ‬العربي‭ ‬في‭ ‬لبنان‭ ‬بصورة‭ ‬قياسية‭ ‬حتى‭ ‬بات‭ ‬لبنان‭ ‬أحد‭ ‬المنابر‭ ‬العربية‭ ‬المؤثرة‭ ‬في‭ ‬الترويج‭ ‬للفكر‭ ‬القومي‭ ‬والدعوة‭ ‬للوحدة‭ ‬العربية‭ ‬وتأييد‭ ‬التوجهات‭ ‬الوحدوية‭ ‬للزعيم‭ ‬جمال‭ ‬عبدالناصر،‭ ‬ويروي‭ ‬باحث‭ ‬لبناني‭ ‬أن‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬السياسيين‭ ‬اللبنانيين‭ ‬كانوا‭ ‬إذا‭ ‬أرادوا‭ ‬أن‭ ‬يرشحوا‭ ‬أنفسهم‭ ‬للانتخابات‭ ‬النيابية‭ ‬يوزعون‭ ‬صورهم‭ ‬مع‭ ‬القائد‭ ‬خالد‭ ‬الذكر‭ ‬جمال‭ ‬عبدالناصر‭ ‬لكي‭ ‬يكسبوا‭ ‬شعبية،‭ ‬وقد‭ ‬ظلت‭ ‬شعبية‭ ‬عبد‭ ‬الناصر‭ ‬بين‭ ‬اللبنانيين‭ ‬شعبية‭ ‬كبيرة‭. ‬

تجربة‭ ‬الوحدة‭ ‬المصرية‭ ‬السورية

يظل‭ ‬إعلان‭ ‬قيام‭ ‬الجمهورية‭ ‬العربية‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬فبراير‭ ‬عام‭ ‬1958‭ ‬برئاسة‭ ‬الزعيم‭ ‬جمال‭ ‬عبدالناصر،‭ ‬التي‭ ‬امتدت‭ ‬حتى‭ ‬عام‭ ‬1961‭ ‬حين‭ ‬وقع‭ ‬الانفصال‭ ‬هي‭ ‬التجربة‭ ‬الأبرز‭ ‬في‭ ‬مسيرة‭ ‬محاولات‭ ‬تحقيق‭ ‬حلم‭ ‬الوحدة‭ ‬العربية‭.‬

وقد‭ ‬جاءت‭ ‬هذه‭ ‬التجربة‭ ‬الوحدوية‭ ‬في‭ ‬ضوء‭ ‬مشاعر‭ ‬شعبية‭ ‬جياشة‭ ‬وجارفة‭ ‬لتحقيق‭ ‬الوحدة‭ ‬العربية‭ ‬بالذات‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬الشعب‭ ‬السوري‭ ‬الذي‭ ‬تعمقت‭ ‬في‭ ‬صفوفه‭ ‬القومية‭ ‬العربية‭ ‬وفكرة‭ ‬الوحدة‭ ‬العربية‭ ‬بتأثير‭ ‬من‭ ‬افكار‭ ‬رموز‭ ‬ومؤسسي‭ ‬الفكر‭ ‬القومي‭ ‬العربي،‭ ‬الذين‭ ‬أشرنا‭ ‬إليهم‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬هذا‭ ‬التحليل‭. ‬وكان‭ ‬على‭ ‬أي‭ ‬قائد‭ ‬سياسي‭ ‬في‭ ‬سوريا‭ ‬لكي‭ ‬يكتسب‭ ‬شعبية‭ ‬أو‭ ‬شرعية‭ ‬أن‭ ‬يعلن‭ ‬أن‭ ‬هدفه‭ ‬الأساسي‭ ‬هو‭ ‬تحقيق‭ ‬الوحدة‭ ‬العربية‭.‬

ويرى‭ ‬كثيرون‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬الاعداد‭ ‬جيدا‭ ‬بخطوات‭ ‬سياسية‭ ‬وإدارية‭ ‬محسوبة‭ ‬لضمان‭ ‬إنجاح‭ ‬تجربة‭ ‬الوحدة‭ ‬المصرية‭ ‬السورية‭ ‬وإجراء‭ ‬دراسات‭ ‬معمقة‭ ‬لخصائص‭ ‬المجتمعين‭ ‬السوري‭ ‬والمصري‭ ‬وبلورة‭ ‬الاستراتيجيات‭ ‬الملائمة‭ ‬لإنجاح‭ ‬التجربة‭ ‬الوحدوية‭.‬

ورغم‭ ‬مرارة‭ ‬تجربة‭ ‬الانفصال،‭ ‬فإن‭ ‬جمال‭ ‬عبدالناصر‭ ‬بحكمته‭ ‬وبعد‭ ‬نظره‭ ‬نجح‭ ‬في‭ ‬تفادي‭ ‬أن‭ ‬تتحول‭ ‬عملية‭ ‬الانفصال‭ ‬إلى‭ ‬كارثة‭ ‬إنسانية‭ ‬وسياسية‭ ‬ورفض‭ ‬استخدام‭ ‬القوة‭ ‬العسكرية‭ ‬لإخماد‭ ‬الانفصال،‭ ‬مفضلا‭ ‬عدم‭ ‬إراقة‭ ‬الدماء‭ ‬لتظل‭ ‬المشاعر‭ ‬الوحدوية‭ ‬العروبية‭ ‬أقوى‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬تجربة‭ ‬سياسية‭ ‬يمكن‭ ‬استخلاص‭ ‬العبر‭ ‬والدروس‭ ‬منها‭ ‬وتلافي‭ ‬أخطائها‭ ‬في‭ ‬المستقبل،‭ ‬وكما‭ ‬قال‭ ‬جمال‭ ‬عبدالناصر‭ ‬في‭ ‬حينها‭: ‬إن‭ ‬المهم‭ ‬هو‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬سوريا‭ ‬والشعب‭ ‬السوري‮»‬‭. ‬

‭ ‬ويري‭ ‬بعض‭ ‬علماء‭ ‬السياسة‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬إيجابيات‭ ‬تجربة‭ ‬الوحدة‭ ‬المصرية‭ ‬السورية‭ ‬أنها‭ ‬جعلت‭ ‬الوحدة‭ ‬العربية‭ ‬تخرج‭ ‬إلى‭ ‬حيز‭ ‬التنفيذ،‭ ‬وأنها‭ ‬أضحت‭ ‬هدفا‭ ‬قابلا‭ ‬للتحقيق،‭ ‬وأنها‭ ‬ربطت‭ ‬وبقوة‭ ‬وعن‭ ‬تجربة‭ ‬بين‭ ‬هدف‭ ‬الوحدة‭ ‬وهدف‭ ‬التحرير‭ ‬والاستقلال‭ ‬الوطني‭ ‬والقومي‭ ‬بمعناه‭ ‬الواسع‭ ‬والشامل‭.‬

كذلك،‭ ‬فإن‭ ‬هذه‭ ‬التجربة‭ ‬قد‭ ‬أكدت‭ ‬ضرورة‭ ‬إعادة‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬الصيغة‭ ‬الأنسب‭ ‬لتحقيق‭ ‬الوحدة‭ ‬العربية،‭ ‬فقد‭ ‬تكون‭ ‬الصيغة‭ ‬الفيدرالية‭ ‬أو‭ ‬الكونفدرالية‭ ‬أنسب‭ ‬من‭ ‬الصيغة‭ ‬الاندماجية‭ ‬في‭ ‬ضوء‭ ‬حرص‭ ‬قادة‭ ‬الدولة‭ ‬الوطنية‭ ‬العربية‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬الاستقلال‭ ‬على‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬قدر‭ ‬من‭ ‬الكينونة‭ ‬والاستقلالية‭ ‬النسبية‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬أي‭ ‬صيغة‭ ‬وحدوية‭ ‬مستقبلية‭ ‬وأن‭ ‬حماية‭ ‬الوحدة‭ ‬وإن‭ ‬تطلبت‭ ‬بالضرورة‭ ‬سلامة‭ ‬بنيتها‭ ‬الداخلية‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تكتمل‭ ‬إلا‭ ‬بالتحسب‭ ‬لمواجهة‭ ‬خصومها‭ ‬الخارجيين‭ ‬من‭ ‬النظم‭ ‬والقوى‭ ‬الإقليمية‭ ‬والعالمية‭ ‬المعادية‭.‬

ورغم‭ ‬كل‭ ‬الصدمات‭ ‬التي‭ ‬عانى‭ ‬منها‭ ‬الواقع‭ ‬العربي‭ ‬خلال‭ ‬العقود‭ ‬والسنوات‭ ‬الماضية‭ ‬بسبب‭ ‬شراسة‭ ‬المخططات‭ ‬الصهيونية‭ ‬والاستعمارية،‭ ‬فان‭ ‬الحقيقة‭ ‬المؤكدة‭ ‬ان‭ ‬كل‭ ‬الانتكاسات‭ ‬التي‭ ‬تعرض‭ ‬لها‭ ‬العرب‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬لتحدث‭ ‬لولا‭ ‬حالة‭ ‬التفكك‭ ‬والضعف‭ ‬التي‭ ‬طغت‭ ‬على‭ ‬الأوضاع‭ ‬العربية‭ ‬وما‭ ‬واكبها‭ ‬من‭ ‬تراجع‭ ‬أفكار‭ ‬ومشاريع‭ ‬التكامل‭ ‬والتوحد‭ ‬العربي،‭ ‬وهنا‭ ‬تبرز‭ ‬الحاجة‭ ‬مجددا‭ ‬إلى‭ ‬ضرورة‭ ‬إحياء‭ ‬مشعل‭ ‬الأفكار‭ ‬الوحدوية‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬لثورة‭ ‬23‭ ‬يوليو‭ ‬وقيادة‭ ‬جمال‭ ‬عبدالناصر‭ ‬الفضل‭ ‬الكبير‭ ‬في‭ ‬إشاعتها‭ ‬في‭ ‬عموم‭ ‬الأرض‭ ‬العربية‭ ‬من‭ ‬المحيط‭ ‬إلى‭ ‬الخليج‭. ‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا