ماذا وراء تحديد يوم 6 أكتوبر والساعة الثانية ظهرا لتكون موعدا لبدء القتال؟
ما هي أسرار «كشكول الجمسي» الذي تضمن خطة الحرب بأدق تفاصيلها؟
يمكن القول إن نجاح القوات المصرية والسورية في إحداث المفاجأة الاستراتيجية الكاملة وخداع قوات الاحتلال الإسرائيلي يعد أحد أهم أسباب تحقيق النصر في حرب السادس من أكتوبر عام 1973 التي تحتفل الأمة العربية كلها اليوم بالذكرى الـ51 لاندلاع هذه الحرب المجيدة.
لقد كشفت خطة الإعداد للحرب عن روعة وعبقرية العقلية العسكرية العربية في التخطيط الاستراتيجي للحرب بدراسة أدق التفاصيل واعتماد أفضل الخيارات لإنجاح خطة عبور قناة السويس أكبر مانع مائي وتحطيم خط بارليف الاستراتيجي شرق القناة واقتحام هضبة الجولان السورية المحتلة.
ولهذا من المهم للأجيال العربية الصاعدة التي لم تشهد وقائع حرب أكتوبر معرفة مستوى الأداء الرفيع الذي قامت به القوات العربية في حرب أكتوبر تحضيرا واستعدادا وقتالا عسكريا في ميدان المعركة.. ولا شك أنها قصة بطولات رائعة تستحق أن تُروى بكافة تفاصيلها.
فبعد هزيمة عام 1967 التي انتهت بهزيمة الجيوش العربية ونجاح إسرائيل في احتلال القدس والضفة الغربية وقطاع غزة في فلسطين، واحتلال شبه جزيرة سيناء في مصر وهضبة الجولان السورية، استدعى الرئيس جمال عبد الناصر اللواء محمد عبدالغني الجمسي، الذي كان يشغل في تلك الفترة منصب رئيس أركان الجيش الثاني الميداني، إلى اجتماع بالقيادة بحضور رئيس أركان الجيش المصري آنذاك الجنرال الذهبي الفريق عبدالمنعم رياض.. وكانت نكسة 5 يونيو 1967 قد دفعت اللواء الجمسي إلى تقديم استقالته من الجيش المصري من تلقاء نفسه ليفسح المجال لجيل جديد قادر على إزالة آثار العدوان، إلا أن الزعيم جمال عبد الناصر رفض الاستقالة لإدراكه وعلمه بكفاءة الجمسي العسكرية.
وخيّم الصمت على المكان بعض الوقت بسبب مشاعر الحزن لما حدث في حرب 1967 حتى قطع الفريق عبدالمنعم رياض حاجز الصمت ليبلغ اللواء الجمسي بلهجة عسكرية صارمة أن الرئيس عبدالناصر قرر اختياره مع فريق من القادة والضباط ليكونوا المشرفين على إعادة تدريب القوات المسلحة استعدادا لحرب التحرير. وبعد وفاة الرئيس جمال عبد الناصر عينه الرئيس السادات رئيسا للمخابرات الحربية، ثم رئيسا لهيئة عمليات القوات المسلحة، وكلف بدراسة الأوضاع العسكرية ووضع خطة الحرب بالتنسيق مع رئيس الأركان الفريق سعدالدين الشاذلي.
قصة «كشكول الجمسي» وخطة الحرب
ظل اللواء الجمسي الذي أطلقت عليه رئيسة وزراء إسرائيل جولدا مائير لقب «النحيف المخيف» فترة طويلة يدرس ويدقق كثيرا في كل الأمور، وحين بدأ يضع ملامح الحرب لم يجد سوى «كشكول» ابنته منى ليدون فيه من دون أن يدري أحد أدق التفاصيل؛ وذلك حفاظا على السرية التامة ومنعا لتسرب المعلومات بشأن أسرار خطة الحرب، فتضمن هذا الكشكول أشرف وأنصع الحروف التي تم من خلالها تحديد التوقيت الأنسب للحرب على الجبهتين المصرية والسورية، وكذلك تحركات الجنود في قلب المعركة.
عكف الجمسي على دراسة جميع الظروف، وحدد التوقيتات ولم يتجاهل شيئا.. ظروف ومواعيد المد والجذر في قناة السويس.. ووضع الشمس في مواجهة جنودنا ومواجهة الجنود الصهاينة يوم بدء المعركة.. وفتحات النابالم التي وضعتها قوات الاحتلال بهدف منع الجيش المصري من عبور القناة وسبل سدها.. ووضع القوات البحرية وإغلاق المضايق.. ولم يترك أمرا للظروف.
وعندما استوفى الجمسي كل التفاصيل المتعلقة بالمعركة قدم الكشكول للرئيس السادات الذي قرأه وداعب الجمسي قائلاً: «ياه.. خطة وافية بكل شيء في هذا الكشكول... مَن يصدق أن كشكول طالبة في الابتدائية يضم خطة حرب العبور؟!».
وكما جاء في كشكول «الجمسي» كان توقيت الحرب في أوائل عام 1973، حيث تمت دراسة أنسب توقيت لشن الحرب، واختيرت عدة أشهر منها أشهر مايو وسبتمبر وأكتوبر. يقول واضع خطة الحرب: وجدنا أن شهر أكتوبر أنسب الشهور للحرب لعدة أسباب؛ هي: ظروف الطقس في ذلك اليوم حيث يتسم الجو بالاعتدال النسبي في جو خريفي لا يشهد ارتفاعا كبيرا في درجات الحرارة قد يؤثر على الجهد البدني للمقاتلين.
كما أن شهر رمضان في تلك السنة توجد به 3 أعياد لليهود في ذلك الشهر تجعلهم يقطعون الاتصالات فيها ويقلصون الأنشطة، ويوم السادس من أكتوبر هو يوم إجازة في إسرائيل لأنه يوافق يوم عيد ديني هو عيد كيبور أو يوم عيد الغفران اليهودي، ونظرًا إلى أهمية هذا العيد اليهودي تتعطل أغلبية الخدمات الجماهيرية الإسرائيلية بما في ذلك وسائل الإعلام ووسائل النقل الجوي والبحري. وهذا ما يساعد في تأخير قدرة الجيش الإسرائيلي على استدعاء قوات الاحتياطي التي يعتمد عليها بشكل كبير نظرا إلى ظروف إجازة العيد اليهودي في ذلك اليوم، فضلا عن مناسبة الأحوال الجومائية لقناة السويس في ذلك اليوم بما يسهل حركة القوارب المطاطية التي تم تجهيزها لحمل الجنود لعبور القناة نحو الشرق.. ولهذا تم اختيار التوقيت وفقا للشهر واليوم والساعة.
فبالنسبة إلى الشهر يعد أنسب توقيت تكون قواتنا استكملت فيه كفاءتها القتالية، فضلا عن طول الليل، حيث يمكن استغلال الليل في عبور القوات. وعلى هذا الأساس تم اختيار شهر أكتوبر حيث كانت إسرائيل تستعد لإجراء انتخابات الكنيست يوم 28 أكتوبر. إلى جانب تحقيق عنصر المفاجأة والخداع الاستراتيجي لقوات الاحتلال لمواكبته اليوم العاشر من شهر رمضان وصعوبة توقع المخابرات الإسرائيلية إمكانية قيام المصريين والسوريين بشن الحرب في شهر رمضان حيث يصوم المسلمون ومن وجهة نظر الإسرائيليين فإن ذلك وقت غير مناسب لبدء الهجوم وشن الحرب، وكان ذلك ضمن خطة الخداع الاستراتيجي.
وفيما يتعلق بصلاحية الطقس على الجبهتين كان يوم 6 أكتوبر هو أنسب أيام الشهر، إذ يكون فرق المنسوب بين المد والجزر في القناة أقل ما يمكن لتوفير ظروف مناسبة لإقامة الكباري، وفي الوقت ذاته فإن ضوء القمر خلال الليل يكون ساطعا خلال النصف الأول ومظلما في النصف الثاني من الليل، وذلك مناسب لإقامة المعديات في الضوء وعبور القوات تحت جنح الظلام.
وبالنسبة إلى اختيار الساعة الثانية وخمس دقائق بعد الظهر فكان لا بد من اختيار هذا التوقيت لكي يتوافر الوقت الكافي للقوات الجوية لتوجيه ضربتين في ضوء النهار قبل آخر ضوء حتى لا يتوافر للعدو الوقت الكافي للرد على الضربات وتتوافر لدينا القدرة على تصحيح القدرات المدفعية ويمكننا إسقاط المعدات الثقيلة والعبور في ضوء القمر.
أما اختيار توقيت الحرب فقد تم في سرية تامة بمعرفة أعداد قليلة من الضباط، ووضع في كشكول «الجمسي» ولم تخطر به القوات إلا قبل الحرب بيوم. وتم إطلاق اسم «الخطة بدر» على خطة حرب أكتوبر تيمنا بانتصار المسلمين في غزوة بدر التي جرت وقائعها أيضا في شهر رمضان المبارك.
نجاح خطة الخداع الاستراتيجي
تشتهر في التاريخ العسكري مقولة «الحرب خدعة»؛ ذلك أن نصف الطريق إلى النصر يتحقق عبر النجاح في خداع العدو بما يربك صفوفه ويشتت قواته.
وفي حرب أكتوبر كانت خطة الخداع الاستراتيجي التي تم وضعها بإحكام مفتاحا حقيقيا لتحقيق النصر لأنها نجحت في تقليص الفوارق في ميزان القوى بين الجانبين العربي والصهيوني.
وقد تحدث المشير الجمسي في مذكراته عن خطة حرب أكتوبر بالتعاون المشترك مع الأشقاء في سوريا قائلا:
كانت فكرة الخطة تقضي بأن تقوم القوات الجوية في الدولتين بتوجيه ضربة جوية في وقت واحد ضد الأهداف العسكرية المعادية في سيناء والجولان، وتحت ستار تمهيد نيراني بالمدفعية في كل من الجبهتين تقوم القوات المصرية بالهجوم مع اقتحام قناة السويس، وتقوم القوات السورية بالهجوم في الجولان.
وكان مقدرا أن القوات السورية يمكنها تحرير الجولان خلال أربعة أو خمسة أيام، وتستمر في تأمينها حتى تصل القوات المصرية إلى الأهداف الاستراتيجية المحددة لها في سيناء وهي الوصول إلى منطقة المضايق الاستراتيجية بوسط وجنوب سيناء، وكانت فكرة الخطة المصرية هي اقتحام قناة السويس بالجيشين الثاني والثالث على طول مواجهة القناة الممتدة على نطاق حوالي 175 كم، وإنشاء رؤوس كباري جيوش مؤمنة بواسطة قوات الدفاع الجوي ويتم تطوير الهجوم شرقا حتى خط المضايق الجبلية لتحريرها، والتشبث بها وتأمينها.
وطبقا لفكرة الخطة، كما يضيف المشير الجمسي، تقوم القوات البحرية بتأمين سواحلنا البحرية والتعرض لخطوط المواصلات البحرية الإسرائيلية في مضيق باب المندب، لإيقاف الملاحة من وإلى إيلات بما يؤثر على اقتصاد إسرائيل وحرمانها من الإمداد بالبترول من إيران، وتنفيذا لهذه الفكرة كان علينا التغلب على كل المشاكل التي تواجه القوات المسلحة تخطيطا وتنفيذا.
وفي يوم السادس من أكتوبر كانت نقطة الانطلاق هي البدء بالضربة الجوية الأولى حيث بدأ عبور الطائرات المصرية على شرق القناة، وبدأت المدفعية المصرية بقصف التحصينات والأهداف الإسرائيلية الواقعة شرق القناة بشكلٍ مكثف، تحضيرًا وتأمينًا لعبور الجنود المشاة. وبدأ المهندسون في تعطيل الأنابيب التي تنقل السائل المشتعل المستخدم في إشعال سطح مياه القناة، وفي الوقت نفسه فتح ثغرات في الساتر الترابي خط بارليف باستخدام خراطيم مياه شديدة الدفع. وتمكنت القوات المصرية خلال ساعات الليل من نقل أكثر من 60 ألف مقاتل تحت جنح الظلام إلى شرق القناة خلال عدة ساعات استغلالا لسرعة وهول المفاجأة وقبل أن تدرك قوات الاحتلال أبعاد وحجم الهجوم.
ولم يكن كل ذلك ليحدث بأقل عدد ممكن من الخسائر البشرية الخسائر في المعدات لولا نجاح خطة الخداع الاستراتيجي الشاملة التي سبقت خوض غمار المعارك في الميدان.
الرؤية الشاملة والخداع لاستراتيجي
يؤكد المشير الجمسي أنه كان ضروريا اختيار أفضل التوقيتات التي تناسب تنفيذ الهجوم على الجبهتين المصرية والسورية في وقت واحد؛ لذلك درسنا كل شهور السنة لاختيار أفضل الشهور لاقتحام القناة على ضوء حالة المد والجزر وسرعة التيار واتجاهه.
ووجدنا أن فرق المنسوب بين أعلى مد وأدنى جزر هو 80 سنتيمتر في القطاع الشمالي للقناة (الإسماعيلية وبورسعيد) بينما فرق المنسوب في القطاع الجنوبي (الإسماعيلية والسويس) هو متران.
كما أن سرعة التيار في القطاع الشمالي هى 18 مترا في الدقيقة، بينما سرعته في القطاع الجنوبي هي 90 مترا في الدقيقة. أما اتجاه التيار فإنه يتغير دوريا كل 6 ساعات من الشمال والجنوب، وبالعكس كانت كل هذه الظواهر الطبيعية مطلوبا معرفتها لتحديد تأثيرها على وسائل العبور بالقوارب، وإنشاء المعديات والكباري.
وكان من الضروري دراسة حالة الأرصاد الجوية المناسبة لعمل للقوات الجوية، وحالة البحرين المتوسط والأحمر لمعرفة أنسبها لعمل القوات البحرية.
أما لماذا وقع الاختيار على يوم السبت السادس من أكتوبر لشن الحرب وبدء العمليات العسكرية فيقول المشير الجمسي انه جاء بعد دراسة وافية للأعياد اليهودية حيث: وجدنا أن لديهم ثلاثة أعياد في شهر أكتوبر عام 1973 هي عيد الغفران (يوم كيبور) وعيد المظلات وعيد التوراة، ولكل عيد من هذه الأعياد تقاليد وإجراءات يقومون بها تختلف من عيد لآخر.
وكان يهمنا في هذا الموضوع معرفة تأثير كل عطلة على إجراءات تعبئة قوات الاحتياطي في إسرائيل التي تعتمد اعتمادا رئيسيا في الحرب عليها، وكما يقولون فإن جيش إسرائيل يشبه جبل الجليد قمته ظاهرة هي الجيش العامل أما قاعدته العريضة في القاع هي القوات الاحتياطية، ولإسرائيل وسائل مختلفة لاستدعاء الاحتياطي بوسائل غير علنية وأخرى علنية تقوم بإذاعة كلمات أو جمل رمزية عن طريق الإذاعة والتليفزيون.
ووجدنا أن يوم عيد الغفران أو يوم كيبور هو يوم سبت، والأهم من ذلك هو اليوم الوحيد خلال العام الذي تتوقف فيه الإذاعة والتليفزيون عن البث كجزء من تقاليد هذا العيد الذي يعتبر يوم سكون كامل، أي أن استدعاء قوات الاحتياطي بالطريقة العلنية السريعة غير مستخدمة، ومن ثم يستخدمون وسائل أخرى تتطلب وقتا أطول لتنفيذ تعبئة الاحتياطي. وعن الوقت المناسب للهجوم فى الجبهة السورية فقد كان لا يجب أن يتأخر بعد شهر أكتوبر 1973، حيث إن حالة الطقس والجو تصبح غير مناسبة في سوريا، نظرا إلى بدء تساقط الجليد. وقد اعتقد الكثيرون أن هذا اليوم تحدد للهجوم المصري السوري لأنه فقط يوم كيبور في إسرائيل وهو اعتقاد خاطئ لأن هناك عوامل أخرى كثيرة تحكمت في تحديد هذا اليوم.
وأشار الفريق أحمد إسماعيل وزير الدفاع إلى إعجاب الرئيس السادات بالخطة وعبّر عن شكره لهيئة عمليات القوات المسلحة لمجهودها في إعداد هذه الوثيقة المهمة، وكان تعليقه عليها مسجلا فيما بعد بقوله: لقد كان تحديد يوم الهجوم عملا على مستوى رفيع. وإن هذا العمل سوف يأخذ حقه من التقدير وسوف يدخل التاريخ العلمي للحروب كنموذج من نماذج الدقة المتناهية والبحث الأمين.
لقد تضمنت خطة الخداع الاستراتيجي قبل الحرب بهدف إخفاء موعد بدء المعركة وإحداث المفاجأة الكاملة للعدو القيام بسلسلة من الإجراءات والتكتيكات المتنوعة التي أربكت الكيان الصهيوني وجعلته غير قادر على تقدير النوايا الهجومية العسكرية على الجبهتين المصرية والسورية وشمل ذلك الأبعاد الآتية:
في يوليو 1972 اجتمع الرئيس أنور السادات مع رئيس المخابرات العامة والمخابرات الحربية ومستشار الأمن القومي والقائد العام للقوات المسلحة لوضع خطة خداع استراتيجي تسمح لمصر بالتفوق على التقدم التكنولوجي والتسليحي الإسرائيلي عن طريق إخفاء أي علامات للاستعداد للحرب وحتى لا تقوم إسرائيل بضربة إجهاضية للقوات المصرية في مرحلة الإعداد على الجبهة، واشتملت الخطة على عدة محاور رئيسية هي:
إجراءات تتعلق بالجبهة الداخلية: منها استيراد مخزون استراتيجي من القمح، عن طريق قيام المخابرات العامة بتسريب معلومات بأن أمطار الشتاء قد غمرت صوامع القمح، وأفسدت ما بها، واستوردت مصر على أثرها الكميات المطلوبة. وإخلاء المستشفيات تحسبا لحالات الطوارئ. واستيراد مصادر بديلة للإضاءة أثناء تقييد الإضاءة خلال الغارات.
إجراءات تتعلق بنقل المعدات إلى الجبهة: منها نقل المعدات الثقيلة كالدبابات إلى الجبهة، عن طريق نقل ورش التصليح إلى الخطوط الأمامية، ودفع الدبابات إلى هناك في طوابير بحجة إصابتها بأعطال. كما تم نقل معدات العبور والقوارب المطاطية من خلال عمليات تمويه.
إجراءات خداع ميدانية: منها توفير المخابرات معلومات حيوية سمحت ببناء نماذج لقطاعات خط بارليف في الصحراء الغربية لتدريب الجنود عليها وخداع الأقمار الصناعية لملء المعسكر بعدد من الخيام البالية والأكشاك الخشبية المتهالكة، ولافتات قديمة لشركات مدنية. وفي يوليو 1972 صدر قرار بتسريح 30 ألفا من المجندين منذ عام 1967 وكان معظمهم خارج التشكيلات المقاتلة الفعلية، وفي مواقع خلفية؛ للإيحاء بعدم الاستعداد الجدي لدخول الحرب.
التمويه برفع درجة الاستعداد القصوى للجيش وإعلان حالة التأهب في المطارات والقواعد الجوية من 22 إلى 25 سبتمبر، ما يضطر إسرائيل إلى رفع درجة استعداد قواتها تحسبا لأي هجوم، ثم يعلن بعد ذلك أنه كان مجرد تدريب روتيني حتى جاء يوم 6 أكتوبر فظنت المخابرات الإسرائيلية أنه مجرد تدريب آخر.
وفي مطلع أكتوبر 1973 تم في وسائل الإعلام إعلان فتح باب رحلات العُمْرة لضباط القوات المسلحة والجنود بما يوحي بعدم الاستعداد لبدء معارك قريبا، وكذا تنظيم دورات رياضية عسكرية؛ ما يتنافى وفكرة الاستعداد للحرب.
ولإخفاء نية القوات البحرية في إغلاق مضيق باب المندب نشر خبر صغير في شهر سبتمبر عام 1973 عن توجه ثلاث قطع بحرية مصرية إلى أحد الموانئ الباكستانية لإجراء العمرات وأعمال الصيانة الدورية لها، وبالفعل تحركت القطع الثلاث إلى ميناء عدن وهناك أمضت أسبوعا ثم صدر لهم الأمر بالتوجه إلى أحد الموانئ الصومالية ثم عادت القطع الثلاث من جديد إلى عدن وهناك جاءتهم الإشارة الكودية في مساء الخامس من أكتوبر 1973 بالتوجه إلى مواقع محددة لها عند مضيق باب المندب في سرية تامة لمنع السفن الإسرائيلية من عبور مضيق باب المندب طوال الحصار.
كما تم استخدام اللغة النوبية كلغة إشارة لم تستطع الأجهزة الصهيونية التعرف عليها، وقد استخدمت كنوع من الخداع والتمويه في الاتصال ونقل المعلومات والتي تم اقتراحها من الصول أحمد إدريس.
إجراءات خداع سيادية: مثل إعلان زيارة قائد القوات الجوية اللواء حسني مبارك لليبيا يوم 5 أكتوبر، ثم تقرر تأجيلها إلى عصر اليوم التالي 6 أكتوبر 1973، وقام المشير أحمد إسماعيل بتوجيه الدعوة إلى وزير الدفاع الروماني لزيارة مصر يوم الإثنين 8 أكتوبر وأعلن رسميا أنه سيكون في استقباله شخصيا لدى وصوله إلى مطار القاهرة. وأوضح المشير عبدالحليم أبو غزالة وزير الدفاع المصري الأسبق أن من أهم الأشياء التي كان مطلوبا العمل على تأمينها هي خداع العدو عن احتمال قيام مصر بالهجوم وتغذية اقتناع القادة الإسرائيليين بأن العرب غير قادرين على الحرب، ولقد نجحت القيادة الاستراتيجية والسياسية المصرية في هذا نجاحا باهرا، وتمكنت من إقناع إسرائيل بأن أي تحركات عسكرية إنما هي لأهداف سياسية داخلية وخارجية وأسلوب من أساليب الضغط السياسي فقط.
وقد تحدث المؤرخ العسكري الأمريكي «ت. ديوي» عن خطة الحرب قائلا: إن كفاءة الاحتراف في التخطيط، والأداء الذي تمت به عملية العبور لم يكن ممكنا لأي جيش آخر في العالم أن يفعل ما هو أفضل منه. ولقد كانت نتيجة هذا العمل الدقيق من جانب أركان الحرب، وعلى الأخص عنصر المفاجأة التي تم تحقيقها، وهو ذلك النجاح الملحوظ في عبور قناة السويس على جبهة عريضة. ولقد كان العبور المصري هو أعظم منجزات الحرب.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك