سوف تظل حرب أكتوبر عام 1973 واحدة من انصع الصفحات في التاريخ العربي المعاصر، ومع اشتداد ضراوة الصراع العربي الصهيوني في السنوات الأخيرة، وخاصة في ضوء حرب الإبادة الهمجية التي شنتها حكومة مجرمي حرب الإبادة من اليمين الصهيوني المتطرف في إسرائيل برئاسة بنيامين نتنياهو ضد الشعب الفلسطيني في غزة، ومع انهيار أحلام السلام وانكشاف حقيقة الكيان الصهيوني بأنه كيان يرفض السلام ولا يقبل الاعتراف بإقامة دولة فلسطينية، ويؤكد على مشروعه التوسعي في إقامة «إسرائيل الكبرى» في أراضي ثماني دول عربية فإن من المهم استذكار دروس حرب أكتوبر بالنسبة الى العرب حين حققوا انتصارهم التاريخي وجعلوا القادة الصهاينة في حالة ذعر ورعب خوفا من انهيار إسرائيل.
إن أهمية حرب أكتوبر أنها أظهرت قدرة العرب على التصدي للمشروع الصهيوني الاستعماري التوسعي، وإن الشرط الأساسي لذلك هو استنفار القدرات العربية الهائلة وتسخيرها لمواجهة الخطر الصهيوني.
إن استرجاع هذه الحقائق ونشر الوعي العربي بها اصبح ضرورة تاريخية ومصيرية في الوقت الحاضر وفي المستقبل، بعد أن اتضح أن إسرائيل تسعي لفرض الهيمنة الاستعمارية على كل العرب من المحيط إلى الخليج، وقد ثبت للجميع أن العرب جميعا في خطر، وان العالم العربي قد عاش خدعة كبرى عندما كرس كل جهوده من اجل إحلال السلام على مدى أكثر من نصف قرن أي منذ انتهاء حرب أكتوبر عام 1973، وقد مارست الولايات المتحدة وأوروبا الغربية ضغوطا هائلة على الدول العربية من اجل الاعتراف بوجود إسرائيل وان هذا سيكون مفتاحا لإقرار السلام في المنطقة.
ورغم تشكك كثير من المفكرين العرب في إمكانية التعايش مع كيان استعماري نشأ عبر العدوان وفرض الوجود بالقوة العسكرية فضلا عن اطماعه التوسعية، ولكن قبل العرب والفلسطينيون بهذا المنطق الغربي وقرروا خوض مسار التفاوض من اجل السلام، وانخرطوا في مسيرة مؤتمر مدريد وما تلاها من توقيع اتفاقيات أوسلو عام 1993 وسبق ذلك توقيع معاهدة سلام بين مصر وإسرائيل بعد زيارة الرئيس السادات للقدس عام 1977، كما تم لاحقا توقيع اتفاقية سلام بين الأردن وإسرائيل عام 1994.
ورغم كل ذلك، ظل جوهر الصراع العربي الإسرائيلي وهو الاعتراف بالحقوق المشروعة الشعب الفلسطيني وإقامة دولة فلسطينية امرا عصيا عن الوصول اليه بسبب الرفض الإسرائيلي للإقرار بالحقوق الفلسطينية.
ثم كانت الصدمة الكبرى عندما اسفر نتنياهو عن حقيقة التوجهات الإسرائيلية بالرفض المطلق لفكرة إقامة دولة فلسطينية معتبرا انها تشكل تهديدا لوجود إسرائيل، ورفضه لفكرة حل الدولتين التي تركزت عليها جهود ومفاوضات السلام لنحو 40 عاما، رغم اعتراف اكثر من 150 دولة في العالم بالدولة الفلسطينية بما في ذلك اربع دول من الخمس الكبار الذين يمتلكون حق النقض «الفيتو» في مجلس الأمن وهي روسيا والصين وفرنسا وبريطانيا.
إننا حقا امام حالة من العبث السياسي واللامعقول عندما تتوحد إرادة العالم كله من أجل حل يحقق الحد الأدنى من حقوق الشعب الفلسطيني، وتصر إسرائيل على رفضه لها، فقط تحظى بالدعم الأمريكي الذي يزدري ويعادي الشعب الفلسطيني.
لقد حانت ساعة مواجهة الحقيقة امام كل العرب، لا يمكن الرهان على أوهام السلام إلى الابد، ويمكن القول ان خطة الرئيس الأمريكي ترامب ستكون الاختبار الأخير لمحاولات إحلال السلام في المنطقة، ورغم ان الخطة مليئة بالألغام والبنود الاستفزازية التي تظهر التوجهات الامريكية الإسرائيلية لتقزيم الحقوق الفلسطينية والعمل على القضاء على القضية الفلسطينية، لكن الأطراف العربية رأت أن هذه الخطة ستكون محاولة أخيرة لاختبار النوايا الامريكية والإسرائيلية بشأن إقرار السلام في المنطقة.
ولكن في واقع الامر وبغض النظر عن مصير «خطة ترامب» والألاعيب الإسرائيلية المتوقعة من حكومة نتنياهو لإجهاضها وافشالها فإننا امام حقائق صادمة يجب على العرب التعامل معها بكل جدية لأنها سوف تحدد مستقبلهم في هذه المنطقة.
أولا: إن العرب جميعا في خطر داهم، واننا نعيش اخطر مراحل انكشاف الامن القومي العربي، وذلك بعد أن اسفرت إسرائيل عن مخططاتها تجاه مستقبل السلام برفض قيام الدولة الفلسطينية، واتجاه دول الجوار العربي بالعمل على تنفيذ مخطط «إسرائيل الكبرى» من النيل إلى الفرات ويشمل ضم أراضي واسعة في ثماني دول عربية، هي كل فلسطين والأردن ومصر وسوريا ولبنان والعراق والسعودية والكويت. بالإضافة إلى تهديد تركيا، وكذلك فرض الهيمنة الصهيونية عبر التهديدات المتواصلة بضرب أي مكان في العالم العربي من المحيط الى الخليج ومحاولة فرض الاستسلام على الأمة العربية جمعاء.
من هنا، فإن العرب مطالبون بأخذ هذه التهديدات الإسرائيلية مأخذ الجد، واذا كانت دول مجلس التعاون الخليجي قد سارعت بعد العدوان الصهيوني الغادر على الشقيقة قطر إلى بحث كيفية تفعيل الاتحاد الدفاعي الخليجي ووضع الخطط العسكرية والاستراتيجية التي تجعله قوة ردع لأي قوة تهدد أمن الخليج العربي، فإن الدول العربية مطالبة بسرعة العودة الى اتفاقية الدفاع العربي المشترك وبحث الوسائل والاليات الكفيلة بتكوين قوة عسكرية مشتركة قادرة على وضع حد للتهديدات الصهيونية.
ثانيا: إن من اعظم دروس الانتصار العربي في حرب أكتوبر هو اعتماد العلم والتطور التكنولوجي سلاحا فاعلا ومؤثرا في المعركة، فقد تم الاعتماد بصفة أساسية على خريجي الجامعات ليشكلوا القوام الأساسي للقوات المسلحة في مصر وسوريا، باعتبار انهم بحكم تكوينهم العلمي أكثر قدرة على استيعاب تقنيات السلاح الحديثة في ذلك الوقت والتعامل معها بكفاءة واقتدار، وقد كان ذلك قرارا صائبا، فكان الجندي العربي المقاتل هو مفتاح تحقيق النصر في حرب أكتوبر.
وفي ضوء تطورات الحروب الجديدة باتت التكنولوجيا هي مصدر قوة الأسلحة الحديثة سواء في الطائرات المسيرة او الصواريخ بعيدة المدى متعددة الرؤوس القادرة على الانشطار المتعدد أو فنون التتبع للأهداف المستهدفة عبر الأقمار الصناعية وأجهزة الهاتف النقال والقدرة على اختراق الشبكات المعلوماتية عبر الهجمات السيبرانية وكلها تعتمد على القدرات العالية في البرمجة الالكترونية وهندسة الاتصالات وتعظيم القدرة على التشويش على المراكز الدفاعية وغير ذلك، الامر الذي يتطلب مجددا الاعتماد على الكوادر العلمية العربية من خريجي الجامعات والمعاهد العليا ليشكلوا قوام القوات العربية.
والحمد لله فإن الأجيال الشبابية العربية تمتلك في معظمها قدرات علمية تؤهلها للتعامل مع البرمجة الالكترونية وتقنيات الحاسوب والتعامل مع الشبكات المعلوماتية بكفاءة، وكل ما تحتاج اليه هو توظيفها بشكل فعال في إطار تعزيز القدرات العسكرية العربية وبناء استراتيجية عربية شاملة للردع.
ثالثا: لقد ثبت مجددا ضرورة الاعتماد العربي على الذات في صناعة التسليح، ليس فقط من منطلق أهمية ذلك لتعزيز الاستقلالية والتخلص من التبعية للخارج وخاصة قوى الغرب الاستعماري الداعم بقوة لإسرائيل، ولكن لقد تحدث كثير من الخبراء الاستراتيجيين في العالم أن كثيرا من الأسلحة التي يستوردها العرب من أمريكا وخاصة الطائرات المقاتلة والصواريخ مبرمجة بحيث لا يمكن استخدامها ضد اهداف إسرائيلية وتلك كارثة حقيقية، لأنها أسلحة لن تحمي العرب اذا وقعت مواجهة جديدة متوقعة مع إسرائيل، كما انها تستنزف الثروات العربية فيما لا طائل من ورائه.
ولاشك أن العرب قادرون على تصحيح هذا الخلل والبدء في مشروع استراتيجي لتصنيع أسلحة عربية، فالعرب يمتلكون رؤوس الأموال اللازمة لذلك، كما ان تكنولوجيا تصنيع السلاح أصبحت متاحة بسبب التطورات العلمية والمعلوماتية بصورة أفضل من السابق، من المهم ضرورة الاستفادة من دروس تجربة مشروع الهيئة العربية للتصنيع في السبعينيات، وعلى الأقل نحن بحاجة الى الشروع سريعا في بناء طائرة مسيرة عربية متطورة، فنحن لسنا اقل من تركيا وايران في اقتحام هذا المجال، وقد ثبت ان الطائرات المسيرة (بدون طيار) تلعب أدوارا مؤثرة في حسم كثير من المعارك والنزاعات في الوقت الراهن.
أن ما نحتاج إليه بإلحاح هو استنهاض روح التضامن العربي التي سخرت كل الإمكانات العربية من أجل معركة تحرير الأرض وردع العدوان الصهيوني، وكان في طليعة تلك الإمكانات سلاح النفط العربي وقاد المبادرة في ذلك المغفور له بإذن الله الملك فيصل بن عبدالعزيز، وحينها قال حكيم العرب الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان – رحمة الله عليه – مقولته التاريخية: «ان النفط العربي ليس أغلى من الدم العربي».
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك