وقت مستقطع

علي ميرزا
(نيكولوف) يرسم خارطة الإعداد
قبل أسابيع قليلة، شدني مقطع فيديو قصير متداول عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لشاب لم أكن أعرف أصله أو فصله، لكن شخصيته المليئة بالثقة وطريقته المميزة في اللعب جعلتني أعود مرارا وتكرارا لإعادة المشاهدة، وكأنني أراه للمرة الأولى في كل مرة.
إنه سيمون نيكولوف صانع ألعاب منتخب بلغاريا للكرة الطائرة (رجال)، ابن التسعة عشر عاما (مواليد 2006)، والذي يقترب من إكمال عقده الثاني في نوفمبر المقبل، لاعب بطول مترين وأكثر بقليل، يجمع بين طول القامة وخفة الحركة، وبين قوة الشباب ونضج الرؤية داخل الملعب.
مؤخرا سنحت لي الفرصة على طبق من ذهب لمتابعته من قرب خلال مباراة بلغاريا أمام ألمانيا، في بطولة العالم المقامة حاليا بالعاصمة الفلبينية مانيلا، ورغم تعدد أسباب فوز المنتخب البلغاري، فإن نيكولوف كان العنوان الأبرز، إذ إن طريقة تعامله مع الكرة تجبرك على التركيز في كل لمسة، يتحرك بخفة مدهشة، ويمرر بأناقة، ويوزع الكرات بذكاء ليحول اللحظة إلى مشهد إبداعي.
إنه لا يكتفي بدور «المعد» الكلاسيكي الذي يوزع الكرات على الضاربين، بل يذهب أبعد من ذلك: يربك حوائط الصد، يسهم في بناء الهجوم، ويظهر أحيانا كضارب غير متوقع، وهنا تكمن فرادته، فصانع الألعاب لم يعد مجرد «مسهل» للهجمات، بل لاعب شامل قادر على فرض حضوره الشخصي وتغيير مسار الشوط.
ما يقدمه نيكولوف يشير بوضوح إلى أن صناعة اللعب في الكرة الطائرة مقبلة على مرحلة جديدة، جيل جديد من المعدين لا يكتفي بالوظيفة التقليدية، بل يضيف إليها لمسات من الإبداع والمباغتة، وهذا بالضبط ما يجعل نيكولوف مشروع نجم عالمي، قادر على إعادة صياغة دور المعد وتوسيع حدوده.
وخلال ثلاثة أشواط أمام ألمانيا، ورغم وجود أسماء بارزة في كلا المنتخبين، لم أستطع كمشاهد أن أتابع أحدا سوى نيكولوف، إذ كان يفرض نفسه على الشاشة بتفاصيله الصغيرة قبل الكبيرة، وكأنه يلعب بلغة جديدة في قراءة الكرة وإعادة تقديمها.
وإن تبقت كلمة أخيرة، فنقول:
قد يبدو الوقت مبكرا أن نتحدث عن لاعب في التاسعة عشرة كأيقونة جديدة، لكن المؤشرات واضحة: نيكولوف ليس مجرد موهبة عابرة، بل مشروع صانع لعب سيعلو نجمه بسرعة الصوت، وربما، حين نعود بعد سنوات لنقرأ خارطة تطور صناعة اللعب في الكرة الطائرة، سنجد اسم «نيكولوف» مكتوبا في أول السطر.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك