العدد : ١٧٣٤١ - الأحد ١٤ سبتمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٢ ربيع الأول ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٣٤١ - الأحد ١٤ سبتمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٢ ربيع الأول ١٤٤٧هـ

مقالات

خطر فراغ القيادة في «فترة ما بين العهود» -1

بقلم: سميرة بن رجب

السبت ١٣ سبتمبر ٢٠٢٥ - 02:00

لفهم‭ ‬أحداث‭ ‬منطقتنا‭ ‬العربية‭ ‬الساخنة‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬مقدمة‭ ‬لفهم‭ ‬المرحلة‭ ‬التي‭ ‬يمر‭ ‬بها‭ ‬العالم،‭ ‬وخصوصاً‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬المنطقة‭ ‬هي‭ ‬الأكثر‭ ‬حيوية‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬مصالح‭ ‬الأطراف‭ ‬المتصارعة‭ ‬على‭ ‬شكل‭ ‬النظام‭ ‬الدولي‭ ‬الجديد‭.‬

يعيش‭ ‬العالم‭ ‬والمنطقة‭ ‬في‭ ‬‮«‬فترة‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬العهود‮»‬‭ (‬فترة‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬عهدي‭ ‬النظام‭ ‬الدولي‭ ‬السابق‭ ‬والقادم‭)‬،‭ ‬حيث‭ ‬النظام‭ ‬الدولي‭ ‬القديم‭ ‬يحتضر‭ ‬والنظام‭ ‬الجديد‭ ‬لم‭ ‬يولد‭ ‬بعد،‭ ‬وتتسم‭ ‬هذه‭ ‬الفترة‭ ‬الانتقالية‭ ‬الحرجة‭ ‬بعدم‭ ‬الاستقرار‭ ‬وبالمنافسة‭ ‬والحسابات‭ ‬المجهولة،‭ ‬حيث‭ ‬يصبح‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬تقريباً‭ ‬ممكناً‭.‬

وفي‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة‭ ‬الحرجة‭ ‬من‭ ‬فترة‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬العهود‭ ‬يشهد‭ ‬العالم‭ ‬عملية‭ ‬غير‭ ‬سلسة،‭ ‬ولا‭ ‬فورية،‮ ‬للتحول‭ ‬من‭ ‬الأحادية‭ ‬القطبية‭ ‬إلى‭ ‬تعدد‭ ‬الأقطاب،‭ ‬يرافقها‭ ‬فراغ‭ ‬في‭ ‬القيادة‭ ‬والحوكمة‭ ‬العالمية،‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬مظاهرها‭ ‬هو‭ ‬التراجع‭ ‬النسبي‭ ‬للهيمنة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬الذي‭ ‬يبدو‭ ‬واضحاً‭ ‬في‭ ‬عدم‭ ‬رغبة،‭ ‬أو‭ ‬عدم‭ ‬قدرة،‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬لعب‭ ‬دور‭ ‬‮«‬الشرطي‭ ‬العالمي‮»‬‭ ‬بمفردها،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬تجلى‭ ‬واضحاً‭ ‬في‭ ‬فترة‭ ‬ولايتي‭ ‬الرئيس‭ ‬ترامب،‭ ‬وولاية‭ ‬الرئيس‭ ‬جو‭ ‬بايدن؛‭ ‬وهو‭ ‬الدور‭ ‬الذي‭ ‬بدأت‭ ‬تلعبه‭ ‬مباشرة‭ ‬بعد‭ ‬انهيار‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفيتي‭.‬

ومن‭ ‬أهم‭ ‬اسباب‭ ‬التراجع‭ ‬الأمريكي‭ ‬هو‭ ‬تحدياتها‭ ‬الداخلية‭ ‬المتمثلة‭ ‬في‭ ‬الاستقطابات‭ ‬السياسية‭ ‬والمشاكل‭ ‬الاقتصادية،‭ ‬ما‭ ‬قلّص‭ ‬من‭ ‬قدرتها‭ ‬على‭ ‬التركيز‭ ‬على‭ ‬الشؤون‭ ‬الخارجية‭ ‬بشكل‭ ‬مطلق؛‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬فشل‭ ‬سياساتها‭ ‬في‭ ‬مناطق‭ ‬مثل‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬وأفغانستان‭ ‬الذي‭ ‬أضعف‭ ‬من‭ ‬هيبتها‭ ‬وقدرتها‭ ‬على‭ ‬الردع‭.‬

ومن‭ ‬الجهة‭ ‬الأخرى،‭ ‬يعد‭ ‬صعود‭ ‬قوى‭ ‬منافسة‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬الاستعداد‭ ‬لملء‭ ‬الفراغ‭ ‬بالكامل‭ ‬من‭ ‬أحد‭ ‬أهم‭ ‬مظاهر‭ ‬الفراغ‭ ‬في‭ ‬القيادة‭ ‬والحوكمة‭ ‬العالمية،‭ ‬حيث‭ ‬العملاق‭ ‬الاقتصادي‭ ‬الصيني‭ ‬لا‭ ‬يبدي‭ ‬رغبة‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬في‭ ‬تحمل‭ ‬تكاليف‭ ‬وأعباء‭ ‬القيادة‭ ‬العالمية‭ ‬السياسية‭ ‬والأمنية،‭ ‬ولا‭ ‬رغبة‭ ‬في‭ ‬الدخول‭ ‬في‭ ‬نزاعات‭ ‬وصراعات‭ ‬يعطّل‭ ‬مشروعها‭ ‬التنموي‭ ‬العظيم‭.. ‬وكذلك‭ ‬الدور‭ ‬الروسي‭ ‬الذي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يعد‭ ‬دوراً‭ ‬مخرباً،‭ ‬أو‭ ‬معطلاً،‭ ‬للنظام‭ ‬الذي‭ ‬تقوده‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬كونه‭ ‬دورا‭ ‬بناء‭ ‬لنظام‭ ‬بديل‭.‬

وبجانب‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬القيادية‭ ‬يمكن‭ ‬تقييم‭ ‬أداء‭ ‬الدول‭ ‬الأعضاء‭ ‬في‭ ‬منظمة‭ ‬شنغهاي‭ ‬للتعاون‭ (‬الهند،‭ ‬والبرازيل،‭ ‬وتركيا،‭ ‬وإيران‭) ‬على‭ ‬أنها‭ ‬تلعب‭ ‬أدواراً‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬حجمها‭ ‬في‭ ‬محيطها‭ ‬الإقليمي،‭ ‬ما‭ ‬يجعل‭ ‬المشهد‭ ‬العالمي‭ ‬أكثر‭ ‬تعقيداً‭ ‬وتشظياً‭.  ‬

وأخيراً،‭ ‬يبقى‭ ‬عجز‭ ‬المؤسسات‭ ‬الدولية،‭ ‬وتحديداً‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن،‭ ‬الذي‭ ‬بدا‭ ‬مؤخراً‭ ‬أكثر‭ ‬انقساماً‭ ‬بسبب‭ ‬حق‭ ‬النقض‭ (‬الفيتو‭)‬،‭ ‬وفاقداً‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬حل‭ ‬النزاعات‭ ‬أو‭ ‬فرض‭ ‬السلام،‭ ‬هو‭ ‬العامل‭ ‬الرئيسي‭ ‬في‭ ‬خلق‭ ‬الفراغ‭ ‬في‭ ‬الحوكمة‭ ‬العالمية،‭ ‬حيث‭ ‬لا‭ ‬توجد‭ ‬هيئة‭ ‬دولية‭ ‬فعالة‭ ‬يمكنها‭ ‬وضع‭ ‬قرارات‭ ‬وتنفيذها‭.‬

على‭ ‬المستوى‭ ‬الإقليمي،‭ ‬يظهر‭ ‬فراغ‭ ‬توازن‭ ‬القوة‭ ‬في‭ ‬تراجع‭ ‬أدوار‭ ‬القوى‭ ‬التقليدية‭ ‬وتصاعد‭ ‬قوى‭ ‬جديدة،‭ ‬إذ‭ ‬إن‭ ‬تراجع‭ ‬الدور‭ ‬المركزي‭ ‬لمصر‭ ‬وسوريا‭ ‬والعراق‭ ‬بسبب‭ ‬حروب‭ ‬الاحتلال‭ ‬والارهاب‭ ‬والمشاكل‭ ‬الداخلية،‭ ‬خلَقَ‭ ‬فراغاً‭ ‬في‭ ‬القيادة‭ ‬العربية‭ ‬وسمح‭ ‬لقوى‭ ‬غير‭ ‬عربية‭ (‬إيران،‭ ‬وتركيا،‭ ‬وإسرائيل‭) ‬بالتحرك‭ ‬بقوة‭ ‬أكبر‭.‬

فسعت‭ ‬إيران‭ ‬لملء‭ ‬الفراغ‭ ‬عبر‭ ‬مشروع‭ ‬ما‭ ‬يُدعى‭ ‬‮«‬محور‭ ‬الممانعة‮»‬‭ (‬العراق،‭ ‬سوريا،‭ ‬لبنان،‭ ‬اليمن‭)‬،‭ ‬باستخدام‭ ‬أدوات‭ ‬المليشيات؛‭ ‬ووسعت‭ ‬تركيا‭ ‬في‭ ‬نفوذها‭ ‬العسكري‭ ‬والسياسي‭ ‬في‭ ‬عدة‭ ‬مناطق‭ (‬شمال‭ ‬سوريا،‭ ‬العراق،‭ ‬ليبيا‭ ‬وغيرها‭) ‬مستغلة‭ ‬الفراغ؛‭ ‬وعززت‭ ‬إسرائيل‭ ‬موقعها‭ ‬كقوة‭ ‬عسكرية‭ ‬وإقليمية‭ ‬مهيمنة‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬منافس‭ ‬عربي‭ ‬تقليدي‭ ‬مباشر،‭ ‬كما‭ ‬وسّعَت‭ ‬من‭ ‬تحالفاتها‭ ‬مع‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬عبر‭ ‬اتفاقيات‭ ‬التطبيع‭.‬

وفي‭ ‬الطرف‭ ‬الآخر‭ ‬يلعب‭ ‬الفاعلون‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬الدول،‭ ‬والمليشيات‭ ‬والجماعات‭ ‬المسلحة مثل‭ (‬حزب‭ ‬الله،‭ ‬الحشد‭ ‬الشعبي،‭ ‬الحوثيين‭) ‬التي‭ ‬تملك‭ ‬سلطة‭ ‬أقوى‭ ‬من‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬في‭ ‬مناطقها،‭ ‬دوراً‭ ‬رئيسياً‭ ‬في‭ ‬تدمير‭ ‬مفهوم‭ ‬الدولة‭ ‬الوطنية،‭ ‬ما‭ ‬يجعل‭ ‬تحقيق‭ ‬الاستقرار‭ ‬مهمة‭ ‬صعبة‭.‬

وفي‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬المشهد‭ ‬المتنافس‭ ‬الخطير،‭ ‬لا‭ ‬توجد‭ ‬قوى‭ ‬دولية‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬السيطرة‭ ‬وحل‭ ‬الأزمات،‭ ‬بل‭ ‬تتدخل‭ ‬القوى‭ ‬الدولية‭ ‬كأطراف‭ ‬متنافسة،‭ ‬ما،‭ ‬غالباً،‭ ‬يطيل‭ ‬أمد‭ ‬النزاعات‭ ‬ويجعل‭ ‬حلها‭ ‬أصعب‭ ‬مثال‭ (‬سوريا‭ ‬واليمن‭ ‬وليبيا‭).‬

يعد‭ ‬استمرار‭ ‬وتصعيد‭ ‬النزاعات‭ ‬من‭ ‬أهم نتائج‭ ‬فراغ‭ ‬توازن‭ ‬القوة‭ ‬الإقليمي،‭ ‬بجانب‭ ‬ما‭ ‬يتسبب‭ ‬به‭ ‬هذا‭ ‬الفراغ‭ ‬من‭ ‬انهيار‭ ‬لمفهوم‭ ‬الحدود‭ ‬والسيادة‭ ‬الوطنية ببعض‭ ‬المناطق،‭ ‬وفي‭ ‬سباق‭ ‬التسلح‭ ‬الإقليمي‮ ‬وزيادة‭ ‬الإنفاق‭ ‬العسكري‭ ‬خوفاً‭ ‬من‭ ‬عدم‭ ‬وجود‭ ‬ضامن‭ ‬أمني‭ ‬جماعي،‭ ‬وكذلك‭ ‬في‭ ‬تقلب‭ ‬التحالفات بسرعة،‭ ‬حيث‭ ‬تبحث‭ ‬الدول‭ ‬عن‭ ‬حلفاء‭ ‬جدد‭ ‬تحفظ‭ ‬أمنها‭ ‬في‭ ‬بيئة‭ ‬غير‭ ‬مستقرة‭.‬

وقبل‭ ‬البدء‭ ‬بالحديث‭ ‬عن‭ ‬سبل‭ ‬مواجهة‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬الخطير،‭ ‬يجب‭ ‬تأكيد‭ ‬أن‭ ‬فراغ‭ ‬القوة هو فترة‭ ‬انتقالية‭ ‬خطيرة،‭ ‬وليست‭ ‬حالة‭ ‬دائمة،‭ ‬حيث‭ ‬سيظهر‭ ‬توازن‭ ‬قوى‭ ‬جديد،‭ ‬سواء‭ ‬كان‭ ‬متعدد‭ ‬الأقطاب‭ ‬أو‭ ‬ثنائي‭ ‬القطب‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬نظاماً‭ ‬جديداً‭ ‬مختلفاً‭. ‬لكن‭ ‬الطريق‭ ‬إلى‭ ‬هناك‭ ‬محفوف‭ ‬بالمخاطر؛‭ ‬وإن‭ ‬هذه‭ ‬البيئة‭ ‬خصبة‭ ‬للصراع‭ ‬حيث‭ ‬تكثر‭ ‬المغامرات‭ ‬العسكرية‭ ‬وتتصاعد‭ ‬النزاعات‭ ‬عندما‭ ‬يحاول‭ ‬الجميع‭ ‬تعظيم‭ ‬مكاسبه‭ ‬في‭ ‬فرصته‭ ‬التاريخية‭ ‬قبل‭ ‬استقرار‭ ‬النظام‭ ‬الجديد‭.‬

وأخيراً‭ ‬تعد‭ ‬فترة‭ ‬التحول‭ ‬وفراغ‭ ‬القوة‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬الدول‭ ‬الصغيرة‭ ‬والمتوسطة‭ ‬مخاطرة‭ ‬كبيرة‭ ‬بسبب‭ ‬عدم‭ ‬الاستقرار،‭ ‬كما‭ ‬قد‭ ‬يمثل‭ ‬أيضاً‭ ‬فرصة‭ ‬للمناورة‭ ‬وكسب‭ ‬حلفاء‭ ‬جدد‭ ‬أو‭ ‬لعب‭ ‬أدوار‭ ‬إقليمية‭ ‬أكبر‭ ‬مما‭ ‬كانت‭ ‬عليه‭ ‬في‭ ‬النظام‭ ‬السابق‭. ‬وهذا‭ ‬سيكون‭ ‬موضوعنا‭ ‬في‭ ‬المقال‭ ‬القادم‭.‬

 

sr@sameerarajab‭.‬net

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا