إن كلمات الرثاء صعبة في حق الفقيدة التي لها مكانة خاصة في قلوب أقاربها ومعارفها، فقد ارتبط اسمها بكل معاني الخير، كونها نموذجا مشرّفا للزوجة والأم والأخت والمرأة البحرينية يحتذى به، فقد سخرت حياتها لخدمة الوطن والمجتمع البحريني، وتركت وراءها إرثا من العطاء لا ينسى، فقد جسدت مبكرا منذ صغرها، مفهوم المواطنة الصالحة والمشاركة الاجتماعية، في دعم المحتاجين والمرضى وحرصها على وجودها في الأتراح والأفراح، فقد كانت قريبة من الناس وتصل الأقارب والمعارف، ولمس الجميع منها بما تتحلى به من أخلاق حميدة وتواضع وعطاء وإسهامات إنسانية وخيرية، وتركت بصمات مضيئة في مختلف المجالات، مستلهمة من تعاليم الإسلام السمحة، والعادات العربية العريقة في الاهتمام باحتياجات الآخرين من دون منفعة دنيوية مرجوة، وكانت تحرص على فتح مجلسها الأسبوعي حتى أقعدها المرض.
رحلت الفقيدة إلى رحاب الله سبحانه وتعالى في مساء يوم الخميس 1 جماد الأولى 1447هـ الموافق 23 أكتوبر 2025م، ووارى جثمانها الثرى في اليوم التالي بعد صلاة الجمعة في مقبرة المنامة وكان حشود المشيعين الكثيرة محزونين ويرفعون أكفهم إلى الله سبحانه وتعالى بطلب الرحمة والمغفرة، ما جعلني أسترجع قول الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه:
ألا أيها الموت الذي ليس تاركي
أرحني فقد أفنيت كل خليلي
أراك خبيرا بالذين أحبهـــــم
كأنك تسعى نحوهــــم بدليلي
وقول أبو العلاء المعري:
رفعت يدي وقلت لهـــــــم وداعـــــا
وبالأخرى تنـــاولت اليراعــــا
عشقت الفقيدة الوطن منذ صغرها، وكانت متفانية بالعطاء المتواصل لخدمة الوطن الغالي والقيادة الحكيمة والمواطنين الأوفياء، حتى أقعدها المرض، وكان دورها مشرفا عندما تعرض الوطن لأحداث مؤسفة، بقيامها من نفسها ومن دون تردد بالتواصل مع الأهل والمعارف والأسر والعائلات لحثهم على الحضور والتواجد مع جميع أفرادها من كبير وصغير للمشاركة في تجمع الوحدة الوطنية بجامع الفاتح في الجفير، لإظهار عمق العلاقات الراسخة والقوية بين مختلف أطياف المجتمع البحريني نحو قيادتهم ووطنهم، وكانت تقول إن هذا هو الوقت المناسب لإظهار التضحية والحب والولاء والوفاء ورد الجميل للقيادة الحكيمة والوطن الغالي، مستشهدة بقول الشاعر أحمد شوقي «ان للأوطان في دم كل حر يد سلفت ودين مستحق»، وعند تواجدنا، لاحظت عدم وجود أو قلة توافر مياه الشرب، طلبت مني بسرعة جلب المياه، ما جعلها محل احترام وتقدير جميع من عرفها، وتركت لديهم ذكرى طيبة لا تنسى، وان فقدها كان صدعا في فؤاد العائلة لا يلتئم أبدًا، وستبقى ذكراها حاضرة بإذن الله سبحانه وتعالى.
ومازلت اذكر وصية الفقيدة لي قبل سنتين ونصف السنة من سفرها إلى الخارج لتلقي العلاج، وكان ذلك قبل أيام من حلول عيد الأضحى المبارك بالحرص على توزيع أضاحي العيد كعادتها السنوية، وتواصلها معي بعد أيام معدودة من وصولها وتذكيري بتوزيع أضاحي العيد.
وخير ما أختم به مقالي عن الفقيدة، بأنها كانت كالنسمة الجميلة والحنونة في أناقتها وأعمالها وتواضعها وعطائها وأسلوبها المميز في التعامل مع الناس، وتركت في كل مكان كانت موجودة به بصماتها الجميلة من أعمال التضحية والحنان والمساعدة والعطف، ولكننا نعزي أنفسنا، بأنها مشيئة الله سبحانه وتعالى.
وأقول كما قال المتنبي عن الموت:
وما الموت إلا سارق دق شخصه
يصول بلا كف ويسعى بلا رجل
نبكي لموتـــانــــا على غير رغبة
تفوت من الدنيــا ولا موهب جزل
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يتغمد الفقيدة بواسع رحمته، وأن يدخلها فسيح جناته، ويلهم أهلها وأقاربها ومعارفها ومحبيها الصبر والسلوان، وإنا لله وإنا إليه راجعون، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك