العدد : ١٧٣٩٠ - الأحد ٠٢ نوفمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ١١ جمادى الاول ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٣٩٠ - الأحد ٠٢ نوفمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ١١ جمادى الاول ١٤٤٧هـ

مقالات

دمعة وفاء على الفقيدة سهام عبدالله الخاجة

بقلم: يوسف صلاح الدين

الأحد ٠٢ نوفمبر ٢٠٢٥ - 02:00

إن‭ ‬كلمات‭ ‬الرثاء‭ ‬صعبة‭ ‬في‭ ‬حق‭ ‬الفقيدة‭ ‬التي‭ ‬لها‭ ‬مكانة‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬قلوب‭ ‬أقاربها‭ ‬ومعارفها،‭ ‬فقد‭ ‬ارتبط‭ ‬اسمها‭ ‬بكل‭ ‬معاني‭ ‬الخير،‭ ‬كونها‭ ‬نموذجا‭ ‬مشرّفا‭ ‬للزوجة‭ ‬والأم‭ ‬والأخت‭ ‬والمرأة‭ ‬البحرينية‭ ‬يحتذى‭ ‬به،‭ ‬فقد‭ ‬سخرت‭ ‬حياتها‭ ‬لخدمة‭ ‬الوطن‭ ‬والمجتمع‭ ‬البحريني،‭ ‬وتركت‭ ‬وراءها‭ ‬إرثا‭ ‬من‭ ‬العطاء‭ ‬لا‭ ‬ينسى،‭ ‬فقد‭ ‬جسدت‭ ‬مبكرا‭ ‬منذ‭ ‬صغرها،‭ ‬مفهوم‭ ‬المواطنة‭ ‬الصالحة‭ ‬والمشاركة‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬في‭ ‬دعم‭ ‬المحتاجين‭ ‬والمرضى‭ ‬وحرصها‭ ‬على‭ ‬وجودها‭ ‬في‭ ‬الأتراح‭ ‬والأفراح،‭ ‬فقد‭ ‬كانت‭ ‬قريبة‭ ‬من‭ ‬الناس‭ ‬وتصل‭ ‬الأقارب‭ ‬والمعارف،‭ ‬ولمس‭ ‬الجميع‭ ‬منها‭ ‬بما‭ ‬تتحلى‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬أخلاق‭ ‬حميدة‭ ‬وتواضع‭ ‬وعطاء‭ ‬وإسهامات‭ ‬إنسانية‭ ‬وخيرية،‭ ‬وتركت‭ ‬بصمات‭ ‬مضيئة‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬المجالات،‭ ‬مستلهمة‭ ‬من‭ ‬تعاليم‭ ‬الإسلام‭ ‬السمحة،‭ ‬والعادات‭ ‬العربية‭ ‬العريقة‭ ‬في‭ ‬الاهتمام‭ ‬باحتياجات‭ ‬الآخرين‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬منفعة‭ ‬دنيوية‭ ‬مرجوة،‭ ‬وكانت‭ ‬تحرص‭ ‬على‭ ‬فتح‭ ‬مجلسها‭ ‬الأسبوعي‭ ‬حتى‭ ‬أقعدها‭ ‬المرض‭.‬

رحلت‭ ‬الفقيدة‭ ‬إلى‭ ‬رحاب‭ ‬الله‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭ ‬في‭ ‬مساء‭ ‬يوم‭ ‬الخميس‭ ‬1‭ ‬جماد‭ ‬الأولى‭ ‬1447هـ‭ ‬الموافق‭ ‬23‭ ‬أكتوبر‭ ‬2025م،‭ ‬ووارى‭ ‬جثمانها‭ ‬الثرى‭ ‬في‭ ‬اليوم‭ ‬التالي‭ ‬بعد‭ ‬صلاة‭ ‬الجمعة‭ ‬في‭ ‬مقبرة‭ ‬المنامة‭ ‬وكان‭ ‬حشود‭ ‬المشيعين‭ ‬الكثيرة‭ ‬محزونين‭ ‬ويرفعون‭ ‬أكفهم‭ ‬إلى‭ ‬الله‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭ ‬بطلب‭ ‬الرحمة‭ ‬والمغفرة،‭ ‬ما‭ ‬جعلني‭ ‬أسترجع‭ ‬قول‭ ‬الإمام‭ ‬علي‭ ‬بن‭ ‬أبي‭ ‬طالب‭ ‬كرم‭ ‬الله‭ ‬وجهه‭:‬

ألا‭ ‬أيها‭ ‬الموت‭ ‬الذي‭ ‬ليس‭ ‬تاركي‭ ‬

‭ ‬أرحني‭ ‬فقد‭ ‬أفنيت‭ ‬كل‭ ‬خليلي

أراك‭ ‬خبيرا‭ ‬بالذين‭ ‬أحبهـــــم‭ ‬

‭ ‬كأنك‭ ‬تسعى‭ ‬نحوهــــم‭ ‬بدليلي

وقول‭ ‬أبو‭ ‬العلاء‭ ‬المعري‭:‬

رفعت‭ ‬يدي‭ ‬وقلت‭ ‬لهـــــــم‭ ‬وداعـــــا‭ ‬

‭ ‬وبالأخرى‭ ‬تنـــاولت‭ ‬اليراعــــا

عشقت‭ ‬الفقيدة‭ ‬الوطن‭ ‬منذ‭ ‬صغرها،‭ ‬وكانت‭ ‬متفانية‭ ‬بالعطاء‭ ‬المتواصل‭ ‬لخدمة‭ ‬الوطن‭ ‬الغالي‭ ‬والقيادة‭ ‬الحكيمة‭ ‬والمواطنين‭ ‬الأوفياء،‭ ‬حتى‭ ‬أقعدها‭ ‬المرض،‭ ‬وكان‭ ‬دورها‭ ‬مشرفا‭ ‬عندما‭ ‬تعرض‭ ‬الوطن‭ ‬لأحداث‭ ‬مؤسفة،‭ ‬بقيامها‭ ‬من‭ ‬نفسها‭ ‬ومن‭ ‬دون‭ ‬تردد‭ ‬بالتواصل‭ ‬مع‭ ‬الأهل‭ ‬والمعارف‭ ‬والأسر‭ ‬والعائلات‭ ‬لحثهم‭ ‬على‭ ‬الحضور‭ ‬والتواجد‭ ‬مع‭ ‬جميع‭ ‬أفرادها‭ ‬من‭ ‬كبير‭ ‬وصغير‭ ‬للمشاركة‭ ‬في‭ ‬تجمع‭ ‬الوحدة‭ ‬الوطنية‭ ‬بجامع‭ ‬الفاتح‭ ‬في‭ ‬الجفير،‭ ‬لإظهار‭ ‬عمق‭ ‬العلاقات‭ ‬الراسخة‭ ‬والقوية‭ ‬بين‭ ‬مختلف‭ ‬أطياف‭ ‬المجتمع‭ ‬البحريني‭ ‬نحو‭ ‬قيادتهم‭ ‬ووطنهم،‭ ‬وكانت‭ ‬تقول‭ ‬إن‭ ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬الوقت‭ ‬المناسب‭ ‬لإظهار‭ ‬التضحية‭ ‬والحب‭ ‬والولاء‭ ‬والوفاء‭ ‬ورد‭ ‬الجميل‭ ‬للقيادة‭ ‬الحكيمة‭ ‬والوطن‭ ‬الغالي،‭ ‬مستشهدة‭ ‬بقول‭ ‬الشاعر‭ ‬أحمد‭ ‬شوقي‭ ‬‮«‬ان‭ ‬للأوطان‭ ‬في‭ ‬دم‭ ‬كل‭ ‬حر‭ ‬يد‭ ‬سلفت‭ ‬ودين‭ ‬مستحق‮»‬،‭ ‬وعند‭ ‬تواجدنا،‭ ‬لاحظت‭ ‬عدم‭  ‬وجود‭ ‬أو‭ ‬قلة‭ ‬توافر‭ ‬مياه‭ ‬الشرب،‭ ‬طلبت‭ ‬مني‭ ‬بسرعة‭ ‬جلب‭ ‬المياه،‭ ‬ما‭ ‬جعلها‭ ‬محل‭ ‬احترام‭ ‬وتقدير‭ ‬جميع‭ ‬من‭ ‬عرفها،‭ ‬وتركت‭ ‬لديهم‭ ‬ذكرى‭ ‬طيبة‭ ‬لا‭ ‬تنسى،‭ ‬وان‭ ‬فقدها‭ ‬كان‭ ‬صدعا‭ ‬في‭ ‬فؤاد‭ ‬العائلة‭ ‬لا‭ ‬يلتئم‭ ‬أبدًا،‭ ‬وستبقى‭ ‬ذكراها‭ ‬حاضرة‭ ‬بإذن‭ ‬الله‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭.‬

ومازلت‭ ‬اذكر‭ ‬وصية‭ ‬الفقيدة‭ ‬لي‭ ‬قبل‭ ‬سنتين‭ ‬ونصف‭ ‬السنة‭ ‬من‭ ‬سفرها‭ ‬إلى‭ ‬الخارج‭ ‬لتلقي‭ ‬العلاج،‭ ‬وكان‭ ‬ذلك‭ ‬قبل‭ ‬أيام‭ ‬من‭ ‬حلول‭ ‬عيد‭ ‬الأضحى‭ ‬المبارك‭ ‬بالحرص‭ ‬على‭ ‬توزيع‭ ‬أضاحي‭ ‬العيد‭ ‬كعادتها‭ ‬السنوية،‭ ‬وتواصلها‭ ‬معي‭ ‬بعد‭ ‬أيام‭ ‬معدودة‭ ‬من‭ ‬وصولها‭ ‬وتذكيري‭ ‬بتوزيع‭ ‬أضاحي‭ ‬العيد‭. ‬

وخير‭ ‬ما‭ ‬أختم‭ ‬به‭ ‬مقالي‭ ‬عن‭ ‬الفقيدة،‭ ‬بأنها‭ ‬كانت‭ ‬كالنسمة‭ ‬الجميلة‭ ‬والحنونة‭ ‬في‭ ‬أناقتها‭ ‬وأعمالها‭ ‬وتواضعها‭ ‬وعطائها‭ ‬وأسلوبها‭ ‬المميز‭ ‬في‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬الناس،‭ ‬وتركت‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مكان‭ ‬كانت‭ ‬موجودة‭ ‬به‭ ‬بصماتها‭ ‬الجميلة‭ ‬من‭ ‬أعمال‭ ‬التضحية‭ ‬والحنان‭ ‬والمساعدة‭ ‬والعطف،‭ ‬ولكننا‭ ‬نعزي‭ ‬أنفسنا،‭ ‬بأنها‭ ‬مشيئة‭ ‬الله‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭.‬

‭ ‬وأقول‭ ‬كما‭ ‬قال‭ ‬المتنبي‭ ‬عن‭ ‬الموت‭:‬

وما‭ ‬الموت‭ ‬إلا‭ ‬سارق‭ ‬دق‭ ‬شخصه

يصول‭ ‬بلا‭ ‬كف‭ ‬ويسعى‭ ‬بلا‭ ‬رجل

نبكي‭ ‬لموتـــانــــا‭ ‬على‭ ‬غير‭ ‬رغبة‭ ‬

تفوت‭ ‬من‭ ‬الدنيــا‭ ‬ولا‭ ‬موهب‭ ‬جزل

أسأل‭ ‬الله‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭ ‬أن‭ ‬يتغمد‭ ‬الفقيدة‭ ‬بواسع‭ ‬رحمته،‭ ‬وأن‭ ‬يدخلها‭ ‬فسيح‭ ‬جناته،‭ ‬ويلهم‭ ‬أهلها‭ ‬وأقاربها‭ ‬ومعارفها‭ ‬ومحبيها‭ ‬الصبر‭ ‬والسلوان،‭ ‬وإنا‭ ‬لله‭ ‬وإنا‭ ‬إليه‭ ‬راجعون،‭ ‬ولا‭ ‬حول‭ ‬ولا‭ ‬قوة‭ ‬إلا‭ ‬بالله‭ ‬العلي‭ ‬العظيم‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا