أكد الدكتور محمد سلمان المالكي أخصائي طب الأطفال بمستشفى الإرسالية الأمريكية أن الغذاء له دور محوري في حياة الطفل اذ يتجاوز مجرد إشباع الجوع؛ فهو الوقود الذي يدفع عجلة نموهم، ويشكل حجر الأساس لبناء أجسام قوية وعقول متقدة، مشيرا الى البحوث العلمية الحديثة كشفت عن عدة أمور أساسية حول العلاقة المباشرة بين التغذية الصحية والنشاط البدني والنجاح الدراسي، منها:
- يميل الأطفال الأكثر لياقة بدنية إلى التركيز بشكل أكبر أثناء الحصص الدراسية وامتلاك ذاكرة أفضل وبالتالي الحصول على درجات أعلى.
- البرامج المدرسية التي تشجع على التغذية الصحية والنشاط البدني تؤثر إيجابيا على سلوك الأطفال، وترتبط بانخفاض حالات التغيب والتأخر الدراسي.
- لا يكون تثقيف الأطفال حول التغذية الصحية فعالًا إذا اقتصر على تدريسه نظريا في الفصول الدراسية ولم يُطبق في المدارس والحياة اليومية.
وأضاف الدكتور سلمان مع انطلاق العام الدراسي الجديد، أطلقت وزارة التربية والتعليم مبادرة طموحة لتقديم وجبات غذائية صحية في مقاصف المدارس الحكومية، بهدف تعزيز الصحة العامة للطلاب ودعم نموهم البدني والفكري. وتأتي هذه المبادرة في إطار الجهود الوطنية للحد من مشاكل سوء التغذية والسمنة بين الأطفال، وتكريس ثقافة الغذاء الصحي في المجتمع التعليمي. ومن المؤمل أن تراعي هذه الوجبات العناصر الغذائية الأساسية التي يحتاج اليها الطلبة، من حيث السعرات الحرارية والمكونات التي تدعم النمو البدني والفكري، كما أن أسعار الوجبات ستكون بأسعار ميسورة تناسب جميع الفئات الاجتماعية وسيتم إعداد الوجبات وفق أفضل معايير الجودة العالمية مع مراعاة الاحتياجات الغذائية الخاصة للطلاب باستخدام مكونات طازجة وصحية.
وتُعد هذه المبادرة خطوة استراتيجية نحو بناء جيل أقوى بدنياً وأكثرَ صفاءً عقلياً، حيث تشكل التغذية السليمة في سنوات العمر الأولى لبنة أساسية في تشكيل البنية الجسدية السليمة والوظائف العقلية المتكاملة.
وتأتي هذه المبادرة في وقت تشهد فيه المنطقة ارتفاعاً مقلقاً في معدلات السمنة بين الأطفال. ففي البحرين، ارتفعت نسبة السمنة بين الأطفال والمراهقين الذين تتراوح أعمارهم بين 5 و19 عامًا بشكل ملحوظ من 11.6 % في عام 2000 إلى 17.2 % في عام 2016، وتشير أحدث الإحصائيات إلى أن نسبة الأطفال الذين يعانون من زيادة الوزن والسمنة في ارتفاع لتتجاوز 20%. أما على مستوى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، فقد وصلت معدلات السمنة وزيادة الوزن بين الأطفال إلى مستويات تنذر بالخطر، حيث تشير بعض الدراسات إلى أن ما يقرب من ثلث الأطفال في سن المدرسة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا يعانون من زيادة الوزن أو السمنة.
وتكمن خطورة السمنة في آثارها الصحية بعيدة المدى، حيث تزيد من خطر الإصابة بالأمراض المزمنة مثل السكري من النوع الثاني، أمراض القلب والشرايين، ارتفاع ضغط الدم، والاضطرابات العضلية الهيكلية. كما تؤثر سلباً على الصحة النفسية للأطفال، حيث ترتبط بانخفاض الثقة بالنفس، الاكتئاب، والعزلة الاجتماعية. وتشير الدراسات إلى أن 80% من الأطفال الذين يعانون من السمنة يستمرون في المعاناة منها في مرحلة البلوغ، ما يزيد من أخطار الإصابة بالسرطان وأمراض الكبد والكلى.
وتعتمد الوجبات المدرسية الصحية على معايير تغذوية دقيقة، يجب ان تشمل هذه الوجبات على العناصر الغذائية المتنوعة مثل الخضراوات والفواكه والبروتينات الصحية والحبوب الكاملة، مع تقليل نسبة الدهون المشبعة والسكريات المضافة، ما يضمن حصول التلاميذ على جميع العناصر الغذائية التي يحتاجون اليها لنموهم وتطورهم لتوفر هكذا وجبات ما معدله 30% من الاحتياج اليومي للطالب من الطاقة والعناصر الغذائية، وتشمل أربع مجموعات غذائية رئيسية:
- الكربوهيدرات الصحية: خبز الحبوب الكاملة، الشوفان، البطاطا الحلوة (40%)
- البروتينات عالية الجودة: البيض، اللبن، الزبادي، السمك، البقوليات (20%)
- الخضراوات والفواكه الطازجة: البرتقال، الموز، الجزر، السبانخ، الخيار (25%)
- الدهون الصحية من مصادر نباتية: المكسرات، زيت الزيتون، الأفوكادو (15%)
البعد الاجتماعي والاقتصادي للمبادرة:
تحقيق العدالة الاجتماعية
تمثل هذه المبادرة خطوة مهمة نحو تحقيق العدالة الاجتماعية بين جميع التلاميذ، حيث يحصل الجميع على نفس الوجبات المتكاملة بغض النظر عن خلفياتهم الاقتصادية والاجتماعية. وهذا يعزز قيم المساواة والتكافؤ في الفرص بين الطلاب.
دعم الاقتصاد الوطني
من خلال التعاقد مع شركات القطاع الخاص، تسهم المبادرة في تحفيز الاقتصاد الوطني ودعم رواد الأعمال في مجال التغذية الصحية، ما يخلق فرص عمل جديدة ويطور قطاع إنتاج الغذاء الصحي في المملكة.
ولا ننسى ان نؤكد ان هكذا مبادرة ستكون بحاجة الى آليات للمتابعة والتقييم بشكل دوري بناء على ما يرد من ملاحظات ومقترحات من قبل الطلبة وأولياء الأمور لضمان جودة الخدمة وتطويرها المستمر وفقاً لاحتياجات المستفيدين من الطلبة.
خطة للتطوير المستقبلي
يمكن تطوير هذه المبادرة مستقبلاً من خلال:
1. إشراك الكوادر الطبية وأخصائي التغذية في تصميم الوجبات المدرسية.
2. توعية الطلاب وأولياء الأمور بأهمية التغذية الصحية.
3. توسيع المبادرة لتشمل المدارس الخاصة أيضاً.
4. إدراج أنشطة تعليمية حول التغذية السليمة في المناهج الدراسية.
تمثل مبادرة الوجبات المدرسية الصحية في البحرين استثماراً حقيقياً في مستقبل الأجيال، وتعكس حرص المملكة على رعاية صحتهم وتعليمهم، ما يسهم في بناء مجتمع صحي وواعٍ قادر على مواجهة التحديات المستقبلية. هذه المبادرة لا توفر تغذية صحية للطلاب فحسب، بل تسهم في بناء ثقافة غذائية سليمة تستمر معهم طوال حياتهم، وتسهم في الحد من الآثار الصحية والاقتصادية المترتبة على السمنة وأمراضها المصاحبة.
بهذه الخطوة الرائدة، تؤكد البحرين مرة أخرى التزامها بتحقيق أهداف التنمية المستدامة وبناء مستقبل أفضل لأطفالها، وهو استثمار في رأس المال البشري الذي يشكل العمود الفقري لرؤية البحرين الاقتصادية 2030 وما بعدها.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك