انطلاقة الكتاب من مصر تعني أن التجربة صارت جزءا من الذاكرة الثقافية العربية
كتب: محمد الساعي
«مريم.. يا معجزتي الصغيرة، كنتِ أستاذتي في هذا الدرس.. وُلدتِ بلا سمع، لكنك سمعتِ قلبي قبل أن تسمعي العالم. لم تسمعي صوتي، لكنك قرأتِ نبرة روحي وابتسمتِ.. فامتلأت يقينًا أن الحب الذي لا يُسمع بالأذن يُسمع بالقلب، وأن أبلغ رسائل العاطفة لا تحتاج إلى حروف. تعلمت منكِ أن الحب الواعي هو الذي يُقال قبل أن يُفعل، ويُعلن بلا خوف، ويُقدَّم كما تُقدَّم الهدايا الثمينة: في العلن، بفخر، واعتزاز».
بهذه الكلمات لخص الأستاذ الدكتور فؤاد شهاب علاقته بابنته مريم، التي ولدت عام 1988 بمشكلة في السمع، ولكن.. بدل أن يتركها تغرق في عالم الصمت، خاض ووالدتها رحلة طويلة من المعاناة والصبر الممزوج بالأمل. وتنقلا فيها عبر البحار بحثا عن ذلك البصيص من النور في آخر نفق الظلام. وبالفعل، لم تكمل مريم عامها السادس حتى استطاعت شفاهها البريئة ان تهمس بأولى كلماتها، وكانت «بابا».
ومع نفاد الطبعتين الأولى والثانية من الكتاب، تحتضن قاعة محمد حسنين هيكل في مقر نقابة الصحفيين المصرية في القاهرة، بنهاية هذا الشهر حفل تدشين الطبعة الثالثة تحت رعاية الدكتور عبدالله بن يوسف الحواج، الرئيس المؤسسة ورئيس مجلس أمناء الجامعة الاهلية.
في تصريح لـ«أخبار الخليج»، أكد الأستاذ الدكتور فؤاد شهاب، أن نفاد الطبعتين الأولى والثانية من كتاب حبيبتي ابنتي سميتها مريم، ثم صدور الطبعة الثالثة، ليس مجرد حدث طباعي بالنسبة له، بل شهادة حياة جديدة وهو تجديد للعهد مع رسالة إنسانية وحضارية. فكل نسخة نفدت كانت قلبًا جديدًا شاركني الرحلة مع مريم، وكل قارئ كان شريكًا في تحويل تجربة شخصية إلى رسالة إنسانية تتسع للجميع.
وأضاف: أشعر أن الكتاب لم يعد كتابي وحدي، بل أصبح كتاب كل أب وأم وكل إنسان يؤمن بأن الحب والقبول هما سر الوجود. الطبعة الثالثة بالنسبة لي ليست استمرارًا للنشر فحسب، بل امتدادا لصوت مريم في العالم، ولحكاية اخترقت الصمت لتولد أملًا جديدًا.
وحول اختيار مصر لتدشين الطبعة الثالثة، قال الدكتور شهاب: إذا كانت التجربة قد وُلدت في البحرين، فإن انطلاقتها الجديدة عبر مصر تمثل لي بعدًا عميقًا واستثنائيًا. مصر ليست فقط بلدًا عربيًا شقيقًا، بل هي قلب العالم العربي وذاكرته الحضارية، ومنبر ثقافته الممتد عبر العصور. هنا تتقاطع الجغرافيا مع التاريخ، وهنا تتحول الحكايات الفردية إلى رسائل إنسانية للأمة بأكملها.
وأن تُطبع الطبعة الثالثة من كتابي في مصر، يعني أن التجربة لم تعد حكاية أسرة فقط، بل صارت جزءًا من الذاكرة الثقافية العربية، قادرة على الوصول إلى قلوب الناس من المحيط إلى الخليج.
أما مريم… بطلة الكتاب ومعجزتي الصغيرة، فقد أصبحت اليوم شخصية فاعلة في المجتمع البحريني، خاصة في ميدان ذوي الإعاقة، حيث تتبوأ مراكز إدارية وتنظيمية في مؤسسات رائدة. نجاحها العملي والاجتماعي ليس مجرد ثمرة حب أبوي، بل هو شهادة عملية على أن الرسالة التي حملها الكتاب لم تكن حلمًا، بل واقعًا متجسدًا.
وتابع: أن يصدر الكتاب في مصر، وأن يلقى هذا الاحتفاء والاهتمام، يعني لي الكثير على المستويين الإنساني والأدبي. فأنا ككاتب وأكاديمي بحريني، أرى في ذلك جسرًا حيًا بين وطني البحرين ومصر التي كانت دائمًا وستظل قلب الثقافة العربية النابض. إن استقبال القارئ المصري والعربي لهذه التجربة يؤكد أن الحكايات الصادقة تتجاوز الحدود والجغرافيا، لتلامس القلوب حيثما كانت. بالنسبة لي، هذا النجاح ليس إنجازًا شخصيًا فحسب، بل اعترافا بأن التجارب الإنسانية المشتركة هي اللغة الأعمق التي توحّدنا جميعًا.
لذلك، فإن هذه الطبعة الثالثة ليست لي وحدي، ولا لمريم وحدها، بل لكل أب وأم، ولكل أسرة عربية، ولكل من يؤمن أن الحب الواعي يصنع المعجزات. وانطلاقتها من مصر تمنحها البعد الحضاري والجغرافي والثقافي الذي تستحقه، لتكون رسالة أمل متجددة للعالم العربي كله.
وبسؤاله عن خلاصة الرسالة التي تريد ايصالها من خلال الكتاب، أكد أن «الهدف من كتاب حبيبتي ابنتي سميتها مريم هو أن أؤكد أن الحب والقبول هما المعجزة التي تغيّر مسار الإنسان والأسرة معًا. لم أرد أن تكون قصتنا مع مريم مجرد حكاية معاناة، بل شهادة على أن الحب قادر أن يحوّل الصمت إلى صوت، واليأس إلى رجاء. رسالتي أن كل طفل، مهما كان مختلفًا، يملك نورًا يستحق أن يُحتضن ويُمنح فرصته الكاملة في الحياة. ومن خلال هذه التجربة الإنسانية العميقة، أطمح إلى تعميم رسالة إيجابية مفادها أن الحب الصادق لا ينقذ فردًا واحدًا فحسب، بل يضيء طريق الأسرة والمجتمع بأسره، ويفتح أبواب الأمل أمام كل من يواجه تحديًا يشبه قصتنا».
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك