المنطقة تحولت إلى وجهة استثمارية عالمية.. والبحرين أمام لحظة حاسمة
في صباحٍ مشمس من أيام الشتاء في الخليج، جلس أحد المستثمرين الأجانب في مقهى مطل على البحر بالعاصمة البحرينية المنامة. كان يراقب الأفق حيث تتناثر الأبراج الزجاجية الجديدة، ويدوّن ملاحظاته في دفتر صغير. دار في ذهنه سؤال يتردد في أذهان الكثير من المستثمرين حول العالم: هل تستطيع البحرين أن تقدم تجربة عقارية تضاهي دبي أو الرياض أو الدوحة؟ لم يكن السؤال بسيطاً، فهو يرتبط بقرارات استثمارية بملايين الدولارات وبثقة طويلة الأمد.
هذا المستثمر، الذي جاب مدن الخليج خلال السنوات الماضية، يعرف جيداً أن المنطقة لم تعد مجرد سوق محلية، بل تحولت إلى وجهة استثمارية عالمية. فالإمارات صنعت لنفسها علامة فارقة، والسعودية تجهز لمشاريع كبرى لا مثيل لها، وقطر برزت بفضل كأس العالم، بينما اختارت عمان الهدوء، وظلت الكويت أكثر تحفظاً. والبحرين تقف الآن أمام منعطف حاسم، إما أن تستغل موقعها وإمكاناتها أو تترك الفرصة تفلت منها.
دبي: الحلم الذي صار حقيقة
حين يذكر أحدهم العقار في الخليج، تتجه الأنظار فوراً إلى دبي. لم تبدأ هذه المدينة من فراغ، بل من صحراء قاحلة، لكنها وضعت خطة واضحة جعلتها عاصمة عقارية عالمية. سر نجاحها لم يكن فقط في الأبراج الشاهقة أو المشاريع الضخمة، بل في التشريعات المرنة التي سمحت للأجانب بالتملك بحرية، وفي الثقة التي بنتها مع المستثمرين.
دبي كانت جريئة حين قررت فتح أبوابها للمستثمرين الأجانب في مطلع الألفية. كثيرون كانوا يشككون، لكن الخطوة صنعت طفرة غير مسبوقة. خلال سنوات قليلة، أصبحت دبي قبلة للاستثمار العقاري، وأصبح امتلاك شقة فيها حلماً يسعى إليه الأفراد من مختلف أنحاء العالم.
اليوم، يتعامل المستثمر مع سوق دبي وكأنه يدخل نظاماً عالمياً. يمكنه أن يشتري عقاراً عبر تطبيق على هاتفه، ويضمن أن أمواله في حساب ضمان لا تُصرف إلا بقدر تقدم البناء. هذه الشفافية منحت المستثمرين الأجانب والمحليين راحة نفسية جعلتهم يضخون مليارات في السوق، وهو ما جعل العقار يشكل أحد أعمدة اقتصاد الإمارة.
السعودية: الطموح بحجم الصحراء
إذا كانت دبي قد بدأت القصة، فإن السعودية تكتب فصلاً جديداً في تاريخ العقار الخليجي. برؤية 2030، قررت المملكة أن تجعل القطاع العقاري محوراً رئيسياً في تحولها الاقتصادي. لم يعد الأمر يتعلق فقط بزيادة عدد الوحدات السكنية، بل بخلق مدن جديدة بالكامل مثل «نيوم» و«ذا لاين».
هذه المشاريع العملاقة ليست مجرد أبراج أو أحياء سكنية، بل نماذج مستقبلية للحياة. الفكرة أن يعيش السكان في مدن ذكية مستدامة، تعتمد على أحدث التقنيات، وتستقطب العقول والاستثمارات من مختلف أنحاء العالم.
لكن النجاح لا يقتصر على المشاريع، بل يشمل أيضاً البنية التشريعية. برنامج «وافي»، الذي أطلقته وزارة الإسكان، يمثل نقلة نوعية في تنظيم البيع على الخارطة. بفضله، ارتفعت الثقة بين المشترين والمطورين، وبدأت السوق السعودية تستقطب شرائح واسعة من المستثمرين الذين كانوا مترددين في السابق.
قطر: من البطولة إلى الاستدامة
في قطر، شكّل تنظيم كأس العالم 2022 فرصة ذهبية لإعادة رسم المشهد العمراني والعقاري. فخلال سنوات قليلة، شهدت الدوحة طفرة في البنية التحتية، من ملاعب حديثة إلى مشاريع سكنية وفندقية عملاقة.
لكن الأهم كان ما تبع البطولة: قوانين جديدة سمحت للأجانب بتملك العقارات في مناطق مختارة، مع ربط ذلك بإقامات طويلة الأمد. هذا القرار جعل الدوحة خياراً جاذباً للمستثمرين الذين يبحثون عن بيئة حديثة وموقع استراتيجي بين الشرق والغرب.
ورغم أن وهج البطولة قد تراجع قليلاً، إلا أن البنية التشريعية التي أُسست ستبقى إرثاً طويل المدى يمكن أن تبني عليه قطر مستقبلاً عقارياً متوازناً.
عمان: التدرج والهدوء
في سلطنة عمان، المشهد مختلف. فبينما تسعى بعض الدول إلى سباق محموم، اختارت مسقط أن تسير بخطوات أبطأ وأكثر حذراً. فتحت الباب للأجانب في مشاريع سياحية متكاملة، لكنها حافظت على قيود تحمي السوق من المضاربات.
هذه السياسة جعلت سوق العقار العماني أكثر استقراراً. صحيح أنه أقل جذباً للمستثمرين الباحثين عن أرباح سريعة، لكنه خيار مثالي لمن يفضلون استثمارات طويلة الأمد في بيئة مستقرة وهادئة.
الكويت: إمكانيات تنتظر الانفتاح
الكويت، رغم قوتها المالية، لا تزال متحفظة في مجال العقار. السوق نشط بفضل الطلب المحلي، لكن غياب التشريعات المرنة وضعف الانفتاح أمام الأجانب جعلاها أقل تنافسية مقارنة بجيرانها.
المستثمرون الإقليميون والدوليون يرون في الكويت فرصة كبيرة إذا ما اتخذت خطوات إصلاحية جريئة. فالسوق لديها إمكانيات ضخمة، لكن الحاجة ماسة إلى تحديث القوانين وإزالة العراقيل البيروقراطية.
البحرين: التحدي والفرصة
وبين هذه العواصم، تقف البحرين عند مفترق طرق. المملكة الصغيرة جغرافياً، لكنها ذات موقع استراتيجي مميز بين السعودية وقطر والإمارات، أطلقت هيئة التنظيم العقاري (RERA) لتضع الأسس القانونية الحديثة. من أبرز إنجازاتها تنظيم البيع على الخارطة، وإلزام المطورين بفتح حسابات ضمان، وحماية حقوق المشترين.
هذه خطوات ضرورية وموفقة، لكنها ليست كافية إذا ما أرادت البحرين أن تضع نفسها بوضوح على الخريطة العقارية الخليجية. فالسباق محتدم، والمستثمرون يقارنون دوماً بين الخيارات المتاحة.
التحدي الأكبر للبحرين ليس في القوانين فقط، بل في الترويج الدولي والتوسع في التسهيلات. المستثمر الأجنبي اليوم يبحث عن تجربة متكاملة: سرعة في الإجراءات، وضوح في التشريعات، وربط الاستثمار بميزات إضافية مثل الإقامة الطويلة أو الجنسية الاقتصادية.
أمام لحظة حاسمة
السوق العقاري في الخليج اليوم أشبه بسباق طويل المدى. دبي انطلقت مبكراً وتبوأت الصدارة، والسعودية تصنع طموحاً بحجم قارة، وقطر تستثمر إرث كأس العالم، وعمان تسير على خطى الاستقرار، والكويت تنتظر لحظة الانفتاح.
أما البحرين، فهي في قلب هذا المشهد. قد لا تملك نفس الموارد أو الحجم، لكنها تستطيع أن تطرح نموذجاً مختلفاً يجمع بين المرونة والشفافية، ويجعلها الخيار الأمثل للمستثمرين الباحثين عن بيئة آمنة وذكية.
المستثمر الأجنبي الذي جلس صباحاً في مقهى المنامة ربما لم يجد إجابته بعد، لكنه بالتأكيد سيعود إذا رأى أن البحرين قادرة على تحويل طموحاتها إلى واقع ملموس. فالمستقبل في يد من يتحرك بسرعة، والسوق لا ينتظر المترددين.
تنشر الصفحة العقارية سلسلة من المقالات العقارية الأكاديمية المتعلقة بالشأن العقاري في البحرين والمنطقة، بقلم المهندس فادي الشيخ، المدير العام لشركة التسهيلات العقارية، الذي يمتلك خبرة تمتد لأكثر من 25 عامًا في أسواق عقارية خليجية وعالمية بارزة في مجال التطوير العقاري. وهو محكم عقاري معتمد بدول المنطقة وأحد صناع القرا في القطاع.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك