العدد : ١٧٣١٨ - الجمعة ٢٢ أغسطس ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٨ صفر ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٣١٨ - الجمعة ٢٢ أغسطس ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٨ صفر ١٤٤٧هـ

وقت مستقطع

علي ميرزا

الرياضيون المنسيون

كثيرا‭ ‬ما‭ ‬نرى‭ ‬ونسمع‭ ‬عن‭ ‬أسماء‭ ‬لامعة‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬الألعاب‭ ‬الرياضية‭ ‬كانت‭ ‬يوما‭ ‬ما‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬لسان،‭ ‬تتصدر‭ ‬العناوين،‭ ‬وتملأ‭ ‬مدرجات‭ ‬الملاعب‭ ‬بالهتافات،‭ ‬وتدغدغ‭ ‬مشاعر‭ ‬الجماهير‭ ‬بأدائها‭ ‬وانتصاراتها‭ ‬وإنجازاتها،‭ ‬هؤلاء‭ ‬النجوم‭ ‬كانوا‭ ‬رمزا‭ ‬للفخر،‭ ‬لكن‭ ‬فجأة‭ ‬أو‭ ‬تدريجيا‭ ‬يتوارون‭ ‬عن‭ ‬المشهد‭ ‬الرياضي،‭ ‬وكأنهم‭ ‬لم‭ ‬يكونوا‭ ‬يوما‭ ‬فيه‭. ‬اختفاء‭ ‬كهذا‭ ‬لا‭ ‬يمحو‭ ‬فقط‭ ‬أسماءهم‭ ‬من‭ ‬صفحات‭ ‬الأخبار‭ ‬الرياضية،‭ ‬بل‭ ‬يترك‭ ‬فجوة‭ ‬في‭ ‬ذاكرة‭ ‬الرياضة‭ ‬نفسها‭.‬

وبطبيعة‭ ‬الحال،‭ ‬فإن‭ ‬هذه‭ ‬الظاهرة‭ ‬إن‭ ‬صحت‭ ‬التسمية،‭ ‬فغياب‭ ‬أصحابها‭ ‬ليس‭ ‬بالضرورة‭ ‬نتيجة‭ ‬سبب‭ ‬واحد،‭ ‬بل‭ ‬غالبا‭ ‬حصيلة‭ ‬مجموعة‭ ‬عوامل‭ ‬تتداخل‭ ‬وتؤثر‭ ‬في‭ ‬مسار‭ ‬اللاعب‭ ‬أو‭ ‬المدرب‭ ‬أو‭ ‬الإداري،‭ ‬ومن‭ ‬أبرزها‭: ‬الإصابات‭ ‬المزمنة،‭ ‬فإصابة‭ ‬واحدة‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬كافية‭ ‬لإنهاء‭ ‬مسيرة‭ ‬رياضية‭ ‬حافلة،‭ ‬وخصوصا‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬توقيت‭ ‬حرج،‭ ‬وهناك‭ ‬الظروف‭ ‬الشخصية‭ ‬سوى‭ ‬كانت‭ ‬مشكلات‭ ‬عائلية‭ ‬أو‭ ‬التزامات‭ ‬مهنية‭ ‬خارج‭ ‬الرياضة‭ ‬قد‭ ‬تدفع‭ ‬النجم‭ ‬للابتعاد،‭ ‬ومنها‭ ‬الخلافات‭ ‬الإدارية‭ ‬والفنية‭ ‬ممثلة‭ ‬في‭ ‬النزاعات‭ ‬مع‭ ‬إدارات‭ ‬الأندية‭ ‬أو‭ ‬الأجهزة‭ ‬الفنية‭ ‬قد‭ ‬تدفع‭ ‬اللاعب‭ ‬لقرار‭ ‬الاعتزال‭ ‬المبكر‭ ‬أو‭ ‬الهجرة‭ ‬إلى‭ ‬أدوار‭ ‬أقل‭ ‬ظهورا‭.‬

ومنها‭ ‬غياب‭ ‬برامج‭ ‬التأهيل‭ ‬بعد‭ ‬الاعتزال،‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الدول،‭ ‬لا‭ ‬توجد‭ ‬منظومات‭ ‬لاستثمار‭ ‬خبرات‭ ‬النجوم‭ ‬بعد‭ ‬نهاية‭ ‬مشوارهم‭ ‬كلاعبين،‭ ‬فيجدون‭ ‬أنفسهم‭ ‬بلا‭ ‬دور‭ ‬واضح‭ ‬ولا‭ ‬التفاتة‭.‬

والتغيرات‭ ‬في‭ ‬الأضواء‭ ‬الإعلامية،‭ ‬فالإعلام‭ ‬يلهث‭ ‬خلف‭ ‬الأحدث‭ ‬والأكثر‭ ‬إثارة،‭ ‬ومع‭ ‬ظهور‭ ‬جيل‭ ‬جديد‭ ‬من‭ ‬اللاعبين،‭ ‬يجد‭ ‬النجوم‭ ‬السابقون‭ ‬أنفسهم‭ ‬خارج‭ ‬دائرة‭ ‬الاهتمام‭ ‬والأضواء‭.‬

والنقطة‭ ‬الأهم‭ ‬هنا‭ ‬أن‭ ‬غياب‭ ‬هذه‭ ‬الأسماء‭ ‬لا‭ ‬يؤثر‭ ‬فقط‭ ‬على‭ ‬مشاعر‭ ‬الجماهير،‭ ‬بل‭ ‬يمتد‭ ‬أثره‭ ‬إلى‭ ‬فقدان‭ ‬الخبرة‭ ‬الميدانية،‭ ‬فالرياضة‭ ‬تخسر‭ ‬عقلية‭ ‬متمرسة‭ ‬كان‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تساهم‭ ‬في‭ ‬تطوير‭ ‬الأجيال‭ ‬الجديدة‭.‬

ويترتب‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬تراجع‭ ‬القدوة،‭ ‬على‭ ‬اعتبار‭ ‬أن‭ ‬غياب‭ ‬النجم‭ ‬عن‭ ‬الساحة‭ ‬يحرم‭ ‬المواهب‭ ‬الصاعدة‭ ‬من‭ ‬نموذج‭ ‬يحتذى‭ ‬به‭ ‬في‭ ‬الالتزام‭ ‬والطموح‭.‬

ولا‭ ‬بد‭ ‬أن‭ ‬نعرف‭ ‬أن‭ ‬الرياضة‭ ‬ليست‭ ‬مجرد‭ ‬منافسة،‭ ‬بل‭ ‬ذاكرة‭ ‬جمعية،‭ ‬وعندما‭ ‬تمحى‭ ‬أسماء‭ ‬روادها،‭ ‬تمحى‭ ‬معها‭ ‬أجزاء‭ ‬من‭ ‬تاريخها،‭ ‬وهنا‭ ‬يبدو‭ ‬السؤال‭: ‬وهل‭ ‬من‭ ‬حلول‭ ‬لإيقاف‭ ‬هذا‭ ‬النزيف؟

بطبيعة‭ ‬الحال‭ ‬هناك‭ ‬عديد‭ ‬من‭ ‬الحلول‭ ‬والمخارج‭ ‬لإعادة‭ ‬الاعتبار‭ ‬لمن‭ ‬أعطى‭ ‬وضحى‭ ‬وأنجز،‭ ‬منها‭: ‬إنشاء‭ ‬برامج‭ ‬انتقالية‭ ‬تؤهل‭ ‬الرياضيين‭ ‬لأدوار‭ ‬تدريبية‭ ‬أو‭ ‬إدارية‭ ‬بعد‭ ‬الاعتزال،‭ ‬وتعزيز‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬النجوم‭ ‬السابقين‭ ‬والأندية‭ ‬عبر‭ ‬مبادرات‭ ‬تكريم‭ ‬واستدعاء‭ ‬خبراتهم‭ ‬في‭ ‬الفئات‭ ‬العمرية،‭ ‬واستراتيجية‭ ‬إعلامية‭ ‬تواكب‭ ‬مسيرة‭ ‬النجم‭ ‬حتى‭ ‬بعد‭ ‬توقفه‭ ‬عن‭ ‬اللعب،‭ ‬لتحافظ‭ ‬على‭ ‬ارتباطه‭ ‬بالجماهير‭.‬

وأخيرا،‭ ‬فغياب‭ ‬النجوم‭ ‬عن‭ ‬المشهد‭ ‬الرياضي‭ ‬مسؤولية‭ ‬مشتركة‭ ‬بين‭ ‬الأندية‭ ‬والاتحادات‭ ‬ووسائل‭ ‬الإعلام،‭ ‬لأن‭ ‬الرياضة،‭ ‬في‭ ‬النهاية،‭ ‬ليست‭ ‬منحصرة‭ ‬في‭ ‬الفوز‭ ‬والخسارة،‭ ‬بل‭ ‬صناعة‭ ‬إرث‭ ‬يبقى‭ ‬ويلهم‭.‬

إقرأ أيضا لـ"علي ميرزا"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا