وقت مستقطع

علي ميرزا
التلمذة المفقودة
في تاريخ العلوم والفكر والموهبة والإبداع وغيرها من المجالات الحياتية، نجد أن القادة والعلماء والمفكرين يحرصون على تربية تلاميذ يسيرون على خطاهم، ليس فقط لنقل المعرفة، بل لترسيخ منهج وفلسفة تستمر بعد رحيلهم، فمن المؤكد على سبيل المثال أن ابن سينا كان تلميذا لعلماء سبقوه، وأرسطو تتلمذ على يد أفلاطون، وحتى في علم القيادة كان القادة يربون جيلا من المستشارين لقيادة الأمة بعدهم.
لكن عندما ننتقل إلى المشهد الرياضي، وخاصة في إدارات الأندية أو الأجهزة الفنية، نجد أن هذه الفلسفة تكاد تكون غائبة، إذ إن المدرب يرحل، ومعه خبرته ورؤيته، والإداري يترك منصبه، فتبدأ الإدارة التالية من الصفر، وكأن النادي أو المنتخب لا يملك ذاكرة مؤسسية.
غياب فكرة «التلمذة» في الرياضة يعني أننا لا نصنع إرثا معرفيا، ولا قاعدة بشرية جاهزة لقيادة المستقبل، نحن نكرر الأخطاء بدل أن نتعلم منها، ونهدر سنوات من التراكم المعرفي الذي يمكن أن يختصر المسافة نحو النجاح.
ما علينا إلا أن نتخيل لو أن كل مدرب في ناد أو منتخب اعتمد على عدة مساعدين شباب يتعلمون منه أسلوب العمل، ويمنحهم فرصة المشاركة الفعلية في اتخاذ القرارات، أو لو أن الإداريين حرصوا على إدخال الشباب الطموح في دوائر صناعة القرار، مع إعطائهم المساحة للتجربة والخطأ تحت إشراف الخبراء، النتيجة ستكون منظومة رياضية قادرة على التجدد والاستمرار من دون انهيار مع كل تغيير إداري أو فني.
التلمذة ليست رفاهية، بل نهجا استثماريا استراتيجيا، الرياضة الحديثة تحتاج إلى مدارس فكرية في الإدارة والتدريب، تماما كما نحتاج إليها في ميادين الإبداع العلمي والفكري، فصناعة بطل أو فريق منافس لا تعتمد فقط على اللاعبين، بل على من يقودهم، ومن سيقود من يقودهم.
إن لم نؤسس لفكرة التلمذة الرياضية اليوم فسنظل نعيد بناء البيت من أساسه كل مرة، بينما الذين يعتمدون على التلمذة كأسلوب استراتيجي يواصلون البناء من حيث وصلوا.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك