العدد : ١٧٣١٣ - الأحد ١٧ أغسطس ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٣ صفر ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٣١٣ - الأحد ١٧ أغسطس ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٣ صفر ١٤٤٧هـ

وقت مستقطع

علي ميرزا

التلمذة المفقودة

في‭ ‬تاريخ‭ ‬العلوم‭ ‬والفكر‭ ‬والموهبة‭ ‬والإبداع‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬المجالات‭ ‬الحياتية،‭ ‬نجد‭ ‬أن‭ ‬القادة‭ ‬والعلماء‭ ‬والمفكرين‭ ‬يحرصون‭ ‬على‭ ‬تربية‭ ‬تلاميذ‭ ‬يسيرون‭ ‬على‭ ‬خطاهم،‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬لنقل‭ ‬المعرفة،‭ ‬بل‭ ‬لترسيخ‭ ‬منهج‭ ‬وفلسفة‭ ‬تستمر‭ ‬بعد‭ ‬رحيلهم،‭ ‬فمن‭ ‬المؤكد‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬أن‭ ‬ابن‭ ‬سينا‭ ‬كان‭ ‬تلميذا‭ ‬لعلماء‭ ‬سبقوه،‭ ‬وأرسطو‭ ‬تتلمذ‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬أفلاطون،‭ ‬وحتى‭ ‬في‭ ‬علم‭ ‬القيادة‭ ‬كان‭ ‬القادة‭ ‬يربون‭ ‬جيلا‭ ‬من‭ ‬المستشارين‭ ‬لقيادة‭ ‬الأمة‭ ‬بعدهم‭.‬

لكن‭ ‬عندما‭ ‬ننتقل‭ ‬إلى‭ ‬المشهد‭ ‬الرياضي،‭ ‬وخاصة‭ ‬في‭ ‬إدارات‭ ‬الأندية‭ ‬أو‭ ‬الأجهزة‭ ‬الفنية،‭ ‬نجد‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الفلسفة‭ ‬تكاد‭ ‬تكون‭ ‬غائبة،‭ ‬إذ‭ ‬إن‭ ‬المدرب‭ ‬يرحل،‭ ‬ومعه‭ ‬خبرته‭ ‬ورؤيته،‭ ‬والإداري‭ ‬يترك‭ ‬منصبه،‭ ‬فتبدأ‭ ‬الإدارة‭ ‬التالية‭ ‬من‭ ‬الصفر،‭ ‬وكأن‭ ‬النادي‭ ‬أو‭ ‬المنتخب‭ ‬لا‭ ‬يملك‭ ‬ذاكرة‭ ‬مؤسسية‭.‬

غياب‭ ‬فكرة‭ ‬‮«‬التلمذة‮»‬‭ ‬في‭ ‬الرياضة‭ ‬يعني‭ ‬أننا‭ ‬لا‭ ‬نصنع‭ ‬إرثا‭ ‬معرفيا،‭ ‬ولا‭ ‬قاعدة‭ ‬بشرية‭ ‬جاهزة‭ ‬لقيادة‭ ‬المستقبل،‭ ‬نحن‭ ‬نكرر‭ ‬الأخطاء‭ ‬بدل‭ ‬أن‭ ‬نتعلم‭ ‬منها،‭ ‬ونهدر‭ ‬سنوات‭ ‬من‭ ‬التراكم‭ ‬المعرفي‭ ‬الذي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يختصر‭ ‬المسافة‭ ‬نحو‭ ‬النجاح‭.‬

ما‭ ‬علينا‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬نتخيل‭ ‬لو‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬مدرب‭ ‬في‭ ‬ناد‭ ‬أو‭ ‬منتخب‭ ‬اعتمد‭ ‬على‭ ‬عدة‭ ‬مساعدين‭ ‬شباب‭ ‬يتعلمون‭ ‬منه‭ ‬أسلوب‭ ‬العمل،‭ ‬ويمنحهم‭ ‬فرصة‭ ‬المشاركة‭ ‬الفعلية‭ ‬في‭ ‬اتخاذ‭ ‬القرارات،‭ ‬أو‭ ‬لو‭ ‬أن‭ ‬الإداريين‭ ‬حرصوا‭ ‬على‭ ‬إدخال‭ ‬الشباب‭ ‬الطموح‭ ‬في‭ ‬دوائر‭ ‬صناعة‭ ‬القرار،‭ ‬مع‭ ‬إعطائهم‭ ‬المساحة‭ ‬للتجربة‭ ‬والخطأ‭ ‬تحت‭ ‬إشراف‭ ‬الخبراء،‭ ‬النتيجة‭ ‬ستكون‭ ‬منظومة‭ ‬رياضية‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬التجدد‭ ‬والاستمرار‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬انهيار‭ ‬مع‭ ‬كل‭ ‬تغيير‭ ‬إداري‭ ‬أو‭ ‬فني‭.‬

التلمذة‭ ‬ليست‭ ‬رفاهية،‭ ‬بل‭ ‬نهجا‭ ‬استثماريا‭ ‬استراتيجيا،‭ ‬الرياضة‭ ‬الحديثة‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬مدارس‭ ‬فكرية‭ ‬في‭ ‬الإدارة‭ ‬والتدريب،‭ ‬تماما‭ ‬كما‭ ‬نحتاج‭ ‬إليها‭ ‬في‭ ‬ميادين‭ ‬الإبداع‭ ‬العلمي‭ ‬والفكري،‭ ‬فصناعة‭ ‬بطل‭ ‬أو‭ ‬فريق‭ ‬منافس‭ ‬لا‭ ‬تعتمد‭ ‬فقط‭ ‬على‭ ‬اللاعبين،‭ ‬بل‭ ‬على‭ ‬من‭ ‬يقودهم،‭ ‬ومن‭ ‬سيقود‭ ‬من‭ ‬يقودهم‭.‬

إن‭ ‬لم‭ ‬نؤسس‭ ‬لفكرة‭ ‬التلمذة‭ ‬الرياضية‭ ‬اليوم‭ ‬فسنظل‭ ‬نعيد‭ ‬بناء‭ ‬البيت‭ ‬من‭ ‬أساسه‭ ‬كل‭ ‬مرة،‭ ‬بينما‭ ‬الذين‭ ‬يعتمدون‭ ‬على‭ ‬التلمذة‭ ‬كأسلوب‭ ‬استراتيجي‭ ‬يواصلون‭ ‬البناء‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬وصلوا‭.‬

إقرأ أيضا لـ"علي ميرزا"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا