الكبد، الذي يُعرف غالبًا بأنه «العضو الصامت»، يؤدي أكثر من 500 وظيفة حيوية، من إزالة السموم إلى تنظيم عمليات التمثيل الغذائي. ومع ذلك، فإن أمراض الكبد مثل التليّف، وتشمع الكبد، وتراكم الدهون (الكبد الدهني) غالبًا ما تتطور بصمت، ولا تظهر أعراضها إلا في مراحلها المتقدمة. لذلك فإن التشخيص المبكر يعد أمرًا بالغ الأهمية، وهنا تأتي أهمية تقنيات التصوير الحديثة باستخدام الموجات فوق الصوتية. في المقال التالي تستعرض الدكتورة نوال الحمر استشاري الأشعة التشخيصية الباطنية بالمركز الطبي الجامعي مدينة الملك عبد الله، التطور في رعاية أمراض الكبد وأهمية التشخيص الدقيق حيث بدأت حديثها قائلة:
التصوير الإيلاستوجرافي (Elastography): نقلة نوعية في تقييم تليّف الكبد
في السابق، كان تشخيص تليّف الكبد يتطلب أخذ خزعة من الكبد، وهي عملية جراحية مصغّرة تحمل بعض المخاطر. اليوم، أصبح بالإمكان تقييم صلابة نسيج الكبد – وهي مؤشر مباشر على وجود تليّف – باستخدام تقنية الإيلاستوجرافي بالموجات فوق الصوتية.
تشبه هذه التقنية في مبدأها عملية «جسّ» صلابة الفاكهة؛ كلما زادت صلابة الكبد، زادت احتمالية وجود تليّف. من أهم أنواع هذه التقنية:
• الإيلاستوجرافي العابر (Transient Elastography): وتُعرف تجاريًا باسم «فايبروسكان».
• الإيلاستوجرافي بموجات القص (Shear Wave Elastography): وتتم كجزء من الفحص بالموجات فوق الصوتية التقليدية باستخدام برامج متقدمة، وتوفّر خرائط دقيقة لصلابة الكبد.
كلتا الطريقتين غير مؤلمة، ولا تتطلب أشعة، وتُجرى في بضع دقائق فقط.
معامل التوهين الموجي (UGAP): كشف مبكر للكبد الدهني
من التحديات الشائعة اليوم مرض الكبد الدهني غير الكحولي (NAFLD)، والذي أصبح من أبرز أسباب أمراض الكبد المزمنة عالميًا. وتقنية UGAP الحديثة تتيح قياس كمية الدهون في الكبد من خلال رصد مدى امتصاص الموجات الصوتية أثناء مرورها في النسيج الكبدي.
وتُعتبر هذه الطريقة مثالية لاكتشاف تشحّم الكبد في مراحله المبكرة، حتى قبل أن تظهر الأعراض أو أي تغيّرات في تحاليل الدم.
المؤشرات السريرية لاستخدام الإيلاستوجرافي بتقنية الموجات فوق الصوتية للكبد:
1. الكشف عن تليف الكبد وتحديد مرحلته في المرضى المصابين بأمراض الكبد المزمنة (مثل الكحولية، الكبد الدهني غير الكحولي NASH، التهاب الكبد الفيروسي، وغيرها).
2. تقييم اضطراب وظائف الكبد غير المفسر.
3. المتابعة الدورية للمرضى المشخّصين سابقاً بتليف الكبد وتقييم الاستجابة للعلاج.
4. تقييم المرضى المصابين بارتفاع ضغط الدم البابي غير المفسر.
المؤشرات السريرية لاستخدام معامل التوهين الموجه بالموجات فوق الصوتية (UGAP):
1. قياس درجة تشحم الكبد للمساعدة في تشخيص وإدارة الكبد الدهني غير الكحولي (NASH).
2. المتابعة الدورية لتشحم الكبد وتقييم الاستجابة للعلاج.
من هم الأشخاص المستهدفون بهذه الفحوصات؟
تتطور أمراض الكبد المزمنة بصمت، لذلك تُوصى الفئات التالية بإجراء تقييم الكبد باستخدام هذه التقنيات:
• مرضى السكري والسمنة ومتلازمة الأيض.
• المصابون بالتهاب الكبد الفيروسي المزمن B أو C.
• من يعانون من إدمان الكحول.
• من تظهر لديهم ارتفاعات مزمنة في وظائف الكبد (ALT/AST).
• من لديهم تاريخ عائلي لأمراض الكبد.
• الأشخاص الذين يتناولون أدوية قد تؤثر على الكبد (مثل الميثوتركسيت أو الأميودارون).
ويفضل أن يخضع الأشخاص المعرضون للخطر، خصوصًا من تجاوزوا سن الأربعين، لهذه الفحوصات كجزء من التقييم الدوري لصحة الكبد.
مستقبل تصوير الكبد بالموجات فوق الصوتية
نحن على أعتاب عصر جديد من التشخيص المبكر لأمراض الكبد.
وقد تشمل استخدامات الإيلاستوجرافي وUGAP مستقبلًا:
• الفحوصات الدورية كجزء من برامج الكشف المبكر
• متابعة استجابة المرضى للعلاج سواء بتغيير نمط الحياة أو الأدوية.
• تقييم مدى تطور المرض لدى مرضى زراعة الكبد.
• تعزيز حملات الصحة العامة للكشف المبكر وتقليل عبء المرض.
تُعد هذه التقنيات خيارًا مثاليًا من حيث الكلفة، ومتاحة على نطاق واسع، وآمنة للمرضى – خاصة في المناطق التي تفتقر لتقنيات التصوير المتقدمة أو الفحوصات الجراحية.
رغم تزايد انتشار أمراض الكبد المزمنة، فإن أدواتنا في الكشف المبكر أصبحت أكثر فاعلية. ويسعدنا أن نرى كيف أن الموجات فوق الصوتية – وهي تقنية مألوفة – تتحول إلى أداة متقدمة في تشخيص الكبد. باستخدام تقنيتي الإيلاستوجرافي ومعامل التوهين (UGAP)، نستطيع تشخيص المرض في مراحله المبكرة، ومتابعة تطوره، ووضع خطة علاجية فعالة.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك