في تطور أمني وُصِف بأنه «زلزال في بنية النظام»، كشف مصدر في مكتب المرشد الإيراني الأعلى لـ«الجريدة»، أن أحد الأسباب الجوهرية التي دفعت المرشد علي خامنئي الى اتخاذ قرار بإجراء تغييرات جذرية في المجلس الأعلى للأمن القومي والأجهزة الأمنية، هو اكتشاف ارتباطات مباشرة بين رجال دين وشخصيات أصولية متطرفة وبين جهاز الاستخبارات الإسرائيلي (الموساد). وأوضح المصدر أن الأمن المضاد في الحرس الثوري ووزارة الأمن توصلا إلى خيوط تكشف تورط عدد من الأصوليين الذين كانوا يرفعون شعارات صارخة في دعم النظام ومعاداة إسرائيل والولايات المتحدة، ليتضح لاحقاً أنهم على صلة وثيقة بجهات إسرائيلية. ووفقاً للمصدر ذاته، فإن التحقيقات مع عدد من المعتقلين كشفت عن تسلسلات معقدة من العلاقات، قادت إلى اعتقال بعض الشخصيات المتورطة، بينما تمكن آخرون من الفرار إلى خارج إيران قبيل توقيفهم. وأشار إلى أن بين هؤلاء بعض أنصار سعيد جليلي المرشح الرئاسي السابق الذي نافس مسعود بزشكيان، إضافة إلى مؤيدين لحسين طائب الرئيس السابق لجهاز أمن الحرس الثوري، وعدد من مندوبي ولي الفقيه في المحافظات وأئمة جماعة معروفين، مضيفاً أن بعض هؤلاء المعتقلين اعترفوا بأنهم سرّبوا معلومات حساسة من دون علمهم بأنها ستصل إلى إسرائيل، مبررين أفعالهم بخيبة أملهم من نتائج الانتخابات أو من قرارات المرشد بإقصاء شخصيات بارزة كحسين طائب. وأكد أن المرشد، رغم ثقته الشخصية بنزاهة سعيد جليلي، فإنه من المرجح ألا يمنحه دوراً في المجلس الأعلى للأمن القومي الجديد، إلى حين انتهاء التحقيقات، علماً بأن جليلي وعلي أكبر أحمديان (الأمين العام الحالي للمجلس) هما الممثلان الحاليان للمرشد في المجلس.
وذكر أن بعض المتورطين اعترفوا بأنهم تعمدوا إقصاء شخصيات ناجحة من مناصبهم لمجرد عدم توافقهم مع التيار الأصولي المتشدد، كما قاموا بترشيح شخصيات غير كفؤة لمناصب عليا بناءً على توصيات من عناصر تبيّن لاحقاً أنهم عملاء لإسرائيل. وأوضح أنه من بين أخطر ما كشفه التحقيق، أن هؤلاء الأشخاص سربوا معلومات حصلوا عليها من الأمريكيين والإسرائيليين حول شخصيات سياسية وإدارية، استخدمها نواب أصوليون لإقصاء شخصيات كعلي لاريجاني ومحمد جواد ظريف، عبر تسريب معلومات شخصية مثل حصول أبناء ظريف على الجنسية الأمريكية أو ابنة لاريجاني على الجنسية الكندية. وأشار إلى أنه لم يعرف حتى الآن كيف وصلت هذه المعلومات الخاصة إلى مجلس صيانة الدستور، الذي استند إليها في استبعاد لاريجاني من الانتخابات، كما قدم إمام جمعة طهران كاظم صديقي استقالته بعد اعتقال عدد من المقربين منه ضمن الموقوفين. وبين أن التحقيقات كشفت عن تسريب معلومات نووية وعسكرية بالغة الحساسية، تضمنت أرقام هواتف وعناوين وأماكن اللقاءات المعتادة لقادة سياسيين وعسكريين، تم تسليمها لجهات تبين لاحقاً أنها تابعة لإسرائيل.
وأضاف أن بعض الشخصيات المتورطة استخدمت وسائل غير تقليدية للتجسس، إذ قدموا هدايا كالساعات والأقلام وهواتف نقالة وأجهزة إلكترونية وطبية تحتوي على أجهزة تجسس مزروعة بداخلها، تم توزيعها على قادة عسكريين وسياسيين بهدف «كسب ودهم»، موضحاً أنه كان من أبرز هذه الوسائل أجهزة تجسس متناهية الصغر وُضعت داخل حبوب فيتامينات، وابتلعها بعض القادة من دون علمهم، لتبقى في أجسادهم وتعمل كجهاز تتبع طويل الأمد. وقال إنه تبيّن أن العميد حاجي زادة، القائد السابق لسلاح الجو في الحرس الثوري، تلقى إحدى هذه الزجاجات من أحد المقربين إليه، واحتوت على حبة ملغومة كانت لا تزال في جسده لحظة اغتياله، مضيفاً أن التحقيقات كشفت أن بعض قادة الحرس والسياسيين الذين اغتيلوا خلال حرب الـ12 يوماً، كانوا قد تناولوا هذه الفيتامينات، في حين نجا مَن لم يتناولها. وأفاد بأن أحد مرافقي الرئيس بزشكيان، الذي كان حاضراً في اجتماع لـ«الأعلى للأمن القومي»، قد ابتلع بدوره إحدى هذه الحبوب، ما مكّن إسرائيل من رصد مكان الاجتماع واستهدافه لاحقاً، لافتاً إلى أنه بعد اعتقاله، تبيّن أن الجهاز لا يزال مزروعاً في جسده. ورغم نفي أكثر من 95 في المائة من المعتقلين معرفتهم بحقيقة ما كانوا يفعلونه، فإنهم أقرّوا بأنهم كانوا يتبعون أفراداً ضمن التيار الأصولي المتشدد، معتقدين أن ما يقومون به يخدم الثورة والنظام. وأكد المصدر أن التحقيقات مستمرة لمعرفة ما إذا كانت إسرائيل قد استخدمت هذه الأساليب المتقدمة في اختراق جبهة المقاومة في سورية ولبنان، مشيراً إلى أن المسألة تتعلق باختراق تكنولوجي متطور أكثر من كونه اختراقاً بشرياً تقليدياً.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك