صرحت الدكتورة جهاد حماد استشاري الأنف والأذن والحنجرة وجراحة أورام الرأس والعنق بمستشفى رويال البحرين بأن الشخير ليس حالة نادرة، بل هو أمر شائع لدرجة أن الكثيرين يتعايشون معه ويعتبرونه طبيعي ويعتبره آخرون مضحكا.
وأوضحت الدكتورة جهاد أن الشخير هو صوت ناتج عن اهتزاز الأنسجة الرخوة في الحلق أثناء النوم، مبينة أنه يعد من الظواهر الشائعة، حيث يعاني منه ما يقارب 40% من الرجال و25% من النساء في مرحلة ما من حياتهم.
وأضافت، رغم أن الشخير قد يبدو في ظاهره أمرًا بسيطًا، إلا أنه قد يُسبب إزعاجًا حقيقيًا لمن يشاركون المريض غرفة النوم، سواء كانوا شركاء حياة، أو أصدقاء في السفر أو زملاء في العمل، مشيرة إلى أن كثيرا من الأزواج يشتكون من توتر في العلاقة الزوجية بسبب الشخير الليلي، وقد يضطر بعضهم إلى النوم في غرف منفصلة بحثًا عن الراحة.
وأشارت الدكتورة جهاد إلى أن في بعض الحالات قد يكون الشخير عابرًا. لكن عندما يتكرر بشكل مزمن، ويصاحبه توقف التنفس أثناء النوم، هنا ننتقل من مرحلة الإزعاج إلى مرحلة الخطر. مبينه ان هذا ما يُعرف بانقطاع النفس الانسدادي النومي وهو اضطراب خطير يؤثر على جودة النوم، والصحة العامة، والعلاقات الشخصية أيضًا.
وشددت على نقطة هامة أن ليس كل من يشخر يعاني من انقطاع النفس النومي، فهناك فرق كبير بين الشخير العادي والشخير الناتج عن انقطاع النفس الانسداد النومي، بينما الشخير العادي لا يحدث توقف في التنفس أثناء النوم، وغالبًا لا يؤثر على جودة النوم أو النشاط خلال النهار، ولا يرتبط عادة بمشكلات صحية خطيرة.
وأما في حالة انقطاع النفس الانسدادي النومي فالوضع مختلف تماما، حيث يتوقف التنفس بشكل متكرر خلال الليل لثوانٍ قد تطول، مما يؤدي إلى تقطع النوم والشعور بالإرهاق في الصباح. وقد يعاني الشخص من نعاس مفرط خلال النهار، ضعف في التركيز، صداع صباحي، وتغيرات مزاجية، قد تؤثر على علاقتهم الاجتماعية والمهنية.
وقد يظن البعض أن تأثير انقطاع النفس الانسدادي النومي يقتصر على الشعور بالتعب والنعاس، لكنه في الحقيقة اضطراب صامت، يُضعف الجسم تدريجيًا ويؤثر على أعضائه الحيوية من دون أن يلحظ المصاب ذلك مباشرة.
فعلى المدى الطويل، يؤدي هذا الاضطراب إلى ارتفاع ضغط الدم واضطرابات في نبض القلب نتيجة الانخفاض المتكرر في نسبة الأوكسجين أثناء النوم، مما يشكل عبئًا كبيرًا على القلب. وقد يصل الأمر إلى تضخم عضلة القلب وزيادة خطر الإصابة بالجلطات والسكتات الدماغية. إضافة إلى ذلك، فإن تقطع النوم المزمن يؤثر على التوازن الهرموني في الجسم، مما يرفع من احتمال الإصابة بالسكري من النوع الثاني. كما يضعف التركيز والذاكرة، ويؤثر سلبًا على المزاج، فيصبح المريض أكثر عرضة للانفعال، الاكتئاب، أو الانسحاب الاجتماعي.
ولأن الشخص لا يحصل على نوم عميق ومريح، يعاني خلال النهار من نعاس مفرط قد يعرضه لحوادث خطيرة أثناء القيادة أو العمل. وتشير دراسات عدة إلى أن السائقين المصابين بانقطاع النفس النومي غير المعالج، معرضون للحوادث أكثر بأربع مرات من غيرهم.
كل هذه المضاعفات تبدأ من اضطراب يبدو بسيطًا… لكنه يخفي خلفه سلسلة من التبعات الصحية التي قد تكون مهددة للحياة إذا لم تُشخّص وتُعالج في الوقت المناسب.
الخطوة الأولى في التعامل مع الشخير وانقطاع النفس النومي هي عدم تجاهله. فالكثير من المرضى يعيشون سنوات من دون إدراك أن ما يعانونه ليلًا وهو اضطراب قابل للتشخيص والعلاج. إذا كنت تشخر بشكل مزمن، أو لاحظت على نفسك أو أشار اليك من يشاركك الغرفة بأنك تتوقف عن التنفس أثناء النوم، أو إذا كنت تشعر بنعاس شديد في النهار رغم النوم ساعات كافية، فعليك بمراجعة طبيب مختص في اضطرابات النوم أو الأنف والأذن والحنجرة.
ويعتمد التشخيص بشكل رئيسي على دراسة النوم وهو فحص يتم خلاله مراقبة التنفس، معدل الأوكسجين، نبض القلب، وحركة الجسم أثناء النوم. يجرى هذا الفحص إما في مركز طبي متخصص وإما في بعض الحالات باستخدام أجهزة محمولة في المنزل.
وبالنسبة إلى العلاج قالت الدكتورة جهاد، يختلف بحسب شدة الحالة، فالحالات الخفيفة قد تستجيب لتغييرات في نمط الحياة، مثل فقدان الوزن، تجنب النوم على الظهر، الامتناع عن التدخين والكحول، وتنظيم ساعات النوم. وأما الحالات المتوسطة إلى الشديدة فيستخدم جهاز ضغط الهواء الإيجابي المستمر (CPAP) وهو جهاز يضخ الهواء بلطف عبر قناع يرتدى أثناء النوم، ليحافظ على مجرى الهواء مفتوحا ويمنع الانسداد.
وفي بعض الحالات الخاصة، قد يُقترح التدخل الجراحي لعلاج انسدادات تشريحية في الأنف أو الحلق، وخصوصًا إذا كانت سببًا مباشرًا في الانقطاع المتكرر للنفس. الأهم أن العلاج لا يقتصر على تحسين النوم فقط، بل ينعكس إيجابيًا على صحة القلب، المزاج، النشاط، والعلاقات الاجتماعية.
الشخير ليس دائمًا أمرًا بسيطًا أو مضحكًا، بل قد يكون نداءً من الجسد يشير إلى مشكلة تستحق الانتباه. تجاهله قد يُكلّفنا صحتنا، وعلاقاتنا، وحتى سلامتنا أثناء القيادة والعمل. الكثير من الناس يعانون في صمت، إما لأنهم لا يدركون ما يحدث لهم، وإما لأن المجتمع لا يعطي لهذه الحالة الاهتمام الكافي. ومن هنا، تأتي أهمية التوعية بأن يعرف كل شخص أن التعب المزمن، أو الشخير المتكرر، أو النعاس النهاري، ليسوا بالضرورة نتيجة للإجهاد فقط.. بل قد يكونون معرضين لاضطراب يمكن تشخيصه وعلاجه. واختتمت قائلة «دعونا نكسر هذا الصمت. لنتحدث، لنسأل، ولنشجّع من نحب على الفحص إذا لاحظنا شيئًا غير طبيعي. فالنوم ليس رفاهية، بل ركيزة من ركائز الصحة».
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك