العدد : ١٧٢٥٦ - السبت ٢١ يونيو ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٥ ذو الحجة ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٢٥٦ - السبت ٢١ يونيو ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٥ ذو الحجة ١٤٤٦هـ

الكواليس

وفاء جناحي

waffajanahi@gmail.com

فخورة أنا بالعجوز المتصابية

العجوز‭ ‬المتصابية،‭ ‬ضحكت‭ ‬بصوت‭ ‬عالٍ‭ ‬وقالت‭: ‬نعم‭ ‬سمعتهم‭ ‬بأذني‭ ‬وهم‭ ‬يقولون‭ ‬عني‭ ‬إنني‭ ‬أصبحت‭ ‬عجوزا‭ ‬متصابية،‭ ‬فتحت‭ (‬بققت‭) ‬عيني‭ ‬وقبل‭ ‬أن‭ ‬اتكلم‭ ‬قالت‭: ‬لماذا‭ ‬الاستغراب؟‭ ‬هل‭ ‬لأنني‭ ‬اضحك‭ ‬وأنا‭ ‬أردد‭ ‬الوصف‭ ‬البشع‭ ‬الذي‭ ‬اسمعه‭ ‬من‭ ‬المحطين‭ ‬بي؟‭ ‬أم‭ ‬أنك‭ ‬خائفة‭ ‬أن‭ ‬أنهار‭ ‬وأبكي‭ ‬بعد‭ ‬هذا‭ ‬الضحك؟‭ ‬

قلت‭ ‬لها‭: ‬لا‭ ‬أعرف‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬اسمعك‭ ‬أولا‭ ‬ثم‭ ‬أقرر‭.‬

قالت‭: ‬أنا‭ ‬أصبحت‭ ‬امرأة‭ ‬قوية‭ ‬ومستقلة‭ ‬تحب‭ ‬الحياة‭ ‬وترغب‭ ‬أن‭ ‬تسعد‭ ‬نفسها‭ ‬وبيتها‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬ان‭ ‬تؤذي‭ ‬أحدا‭ ‬وخصوصا‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬كنت‭ ‬في‭ ‬قمة‭ ‬اليأس‭ ‬والحزن‭ ‬ما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬أكون‭ ‬على‭ ‬مشارف‭ ‬الموت‭ ‬فعلمت‭ ‬وتأكدت‭ ‬أن‭ ‬الحزن‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬الموت‭ ‬لا‭ ‬محالة‭ ‬وأن‭ ‬السعادة‭ ‬تؤدي‭ ‬إلى‭ ‬التمتع‭ ‬بنعم‭ ‬الحياة‭.‬

وأضافت‭: ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬رحل‭ ‬زوجي‭ ‬الحبيب‭ ‬الغالي‭ ‬وسندى‭ ‬وقوتي‭ ‬شعرت‭ ‬بأن‭ ‬ظهري‭ ‬انكسر‭ ‬وأنني‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬وجود‭ ‬أولادي‭ (‬الله‭ ‬يحفظهم‭) ‬إلا‭ ‬أنني‭ ‬وحيدة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬العالم،‭ ‬فتملك‭ ‬الحزن‭ ‬من‭ ‬قلبي‭ ‬وأصبحت‭ ‬أبكي‭ ‬ليل‭ ‬نهار‭ ‬حتى‭ ‬كدت‭ ‬أن‭ ‬أصاب‭ ‬بالعمى‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أصيبت‭ ‬عيناي‭ ‬من‭ ‬شدة‭ ‬الجفاف،‭ ‬وفقدت‭ ‬كل‭ ‬طاقتي‭ ‬وحبي‭ ‬لأي‭ ‬شيء‭ ‬أو‭ ‬شخص‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬وأصبحت‭ ‬في‭ ‬قمة‭ ‬اليأس‭ ‬من‭ ‬الحياة‭ ‬حتى‭ ‬زادت‭ ‬أمراض‭ ‬جسدي‭ ‬وشعرت‭ ‬وتكونت‭ ‬بعض‭ ‬الأورام‭ ‬فيه‭ ‬وكنت‭ ‬على‭ ‬حافة‭ ‬الموت،‭ ‬ولكن‭ ‬الحمد‭ ‬لله‭ ‬بفضل‭ ‬إيماني‭ ‬بالله‭ ‬ووقوف‭ ‬المقربين‭ ‬جدا‭ ‬بجانبي‭ ‬قررت‭ ‬أن‭ ‬أعيش‭ ‬واستطعت‭ ‬أن‭ ‬أخرج‭ ‬من‭ ‬قمة‭ ‬اليأس‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تأكدت‭ ‬أن‭ ‬حبيب‭ ‬العمر‭ ‬والسند‭ ‬أمّن‭ ‬لي‭ ‬مستقبلي‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يرحل،‭ ‬حيث‭ ‬إنه‭ ‬أصر‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يكتب‭ ‬البيت‭ ‬باسمي‭ ‬وينشئ‭ ‬لي‭ ‬مشروعا‭ ‬صغيرا‭ ‬اعتاش‭ ‬منه‭ ‬تحسبا‭ ‬لأية‭ ‬ظروف،‭ ‬كما‭ ‬أنه‭ ‬وفر‭ ‬لي‭ ‬حسابا‭ ‬بنكيا‭ ‬استقل‭ ‬به‭ ‬لكي‭ ‬لا‭ ‬يتحكم‭ ‬بي‭ ‬أحد‭ ‬وأكون‭ ‬سيدة‭ ‬القصر‭ ‬وسيدة‭ ‬نفسي‭ ‬دائما‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬وجوده‭ ‬أو‭ ‬غيابه‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬أعطاني‭ ‬القوة‭ ‬أكثر‭ ‬بأن‭ ‬أحب‭ ‬الحياة‭.‬

عندما‭ ‬كنت‭ ‬مريضة‭ ‬ويائسة‭ ‬لم‭ ‬يلتفت‭ ‬لي‭ ‬أحد‭ ‬إلا‭ ‬بمكالمة‭ ‬تليفون‭ ‬كل‭ ‬حين‭ ‬وحين‭ ‬بعد‭ ‬ان‭ ‬انشغلوا‭ ‬جميعا‭ ‬بحياتهم‭ ‬ومسؤولياتهم‭ ‬ولم‭ ‬يعلم‭ ‬بآلامي‭ ‬وامراضي‭ ‬ومعاناتي‭ ‬احد‭ ‬منهم‭ ‬ولكن‭ ‬عندما‭ ‬تشافيت‭ ‬ووقفت‭ ‬على‭ ‬رجلي‭ ‬ورجعت‭ ‬الى‭ ‬حياتي‭ ‬واصبحت‭ ‬اصور‭ ‬واستمتع‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬جميل‭ ‬واسافر‭ ‬مع‭ ‬صديقاتي‭ ‬ممن‭ ‬هم‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬ظروفي‭ ‬وسني‭ ‬أصبحوا‭ ‬يقولون‭ ‬عني‭ ‬إنني‭ ‬العجوز‭ ‬المتصابية‭!! ‬هل‭ ‬ذنبي‭ ‬بأنني‭ ‬ارملة‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬الستين‭ ‬ومازلت‭ ‬جميلة‭ ‬وانيقة؟‭ ‬هل‭ ‬العشاء‭ ‬في‭ ‬مطعم‭ ‬والفطور‭ ‬في‭ ‬كوفي‭ ‬شوب‭ ‬مع‭ ‬صديقاتي‭ ‬وحبي‭ ‬لتوثيق‭ ‬أوقاتي‭ ‬الجميلة‭ ‬بالسناب‭ ‬شات‭ ‬يعتبر‭ ‬جريمة‭ ‬ويسمونه‭ ‬الغيورات‭(‬تصابي‭)‬؟‭ ‬هل‭ ‬يجب‭ ‬ان‭ ‬اموت‭ ‬واتوشح‭ ‬بالسواد‭ ‬طول‭ ‬عمري‭ ‬لكي‭ ‬ابعد‭ ‬عن‭ ‬نفسي‭ ‬كلام‭ ‬الناس‭ ‬ونمنمة‭ ‬الحسودات؟‭ ‬لماذا‭ ‬يكره‭ ‬الناس‭ ‬الخير‭ ‬لغيرهم؟‭ ‬لماذا‭ ‬يحاولون‭ ‬تدمير‭ ‬حياتي‭ ‬الباقية‭ ‬؟‭ ‬لقد‭ ‬اصبح‭ ‬البعض‭ ‬منهم‭ ‬يتصل‭ ‬بأولادي‭ ‬ويحاولون‭ ‬ان‭ ‬يحرضوهم‭ ‬ضدي‭ ‬ويقولون‭ ‬ان‭ ‬ما‭ ‬أفعله‭ (‬عيب‭)! ‬ما‭ ‬هو‭ ‬العيب؟‭ ‬ان‭ ‬اكون‭ ‬سعيدة؟‭ ‬انا‭ ‬امرأة‭ ‬أولادها‭ ‬متزوجون‭ ‬ولدي‭ ‬احفاد‭ ‬أحبهم‭ ‬محافظة‭ ‬على‭ ‬عائلتي‭ ‬الجميلة،‭ ‬أوفر‭ ‬لهم‭ ‬الحنان‭ ‬والحب‭ ‬والرعاية‭ ‬اللازمة‭ ‬وفي‭ ‬نفس‭ ‬الوقت‭ ‬احافظ‭ ‬على‭ ‬جمالي‭ ‬ولياقتي‭ ‬وصحتي‭ ‬وجمالي‭ ‬أين‭ ‬العيب‭ ‬او‭ ‬الحرام‭ ‬في‭ ‬ذلك؟‭ ‬

أما‭ ‬سبب‭ ‬ضحكتي‭ ‬العالية‭ ‬وفرحتي‭ ‬الشديدة‭ ‬هو‭ ‬أنني‭ ‬سمعت‭ ‬عمة‭ ‬أولادي‭ ‬تقول‭ ‬لابني‭ ‬بالحرف‭ ‬الواحد‭: ‬متى‭ ‬تصبح‭ ‬رجلا‭ ‬وتوقف‭ ‬أمك‭ ‬العجوز‭ ‬المتصابية‭ ‬عند‭ ‬حدها‭ ‬وتمنعها‭ ‬من‭ ‬مقابلة‭ ‬صديقاتها‭ ‬المتصابيات‭ ‬مثلها؟‭ ‬فرد‭ ‬عليها‭ ‬ابني‭ ‬بكل‭ ‬ثقة‭ ‬الزمي‭ ‬حدك‭ ‬وابتعدي‭ ‬عن‭ ‬امي،‭ ‬ودعيها‭ ‬تسعد‭ ‬كما‭ ‬تريد،‭ ‬أنا‭ ‬فخور‭ ‬بها‭ ‬كما‭ ‬هي‭.‬

والآن‭ ‬جاء‭ ‬دوري‭ ‬أن‭ ‬أقول‭ ‬لها‭: ‬وأنا‭ ‬أيضا‭ ‬فخورة‭ ‬بك‭ ‬وارفع‭ ‬لك‭ ‬القبعة‭ ‬لجمالك‭ ‬وحسن‭ ‬تربيتك،‭ ‬عيشي‭ ‬حياتك‭ ‬بالطول‭ ‬وبالعرض‭ ‬وبالطريقة‭ ‬التي‭ ‬تحلو‭ ‬لك‭ ‬ولا‭ ‬تهتمي‭ ‬بأحد‭ ‬ما‭ ‬دمت‭ ‬لا‭ ‬تغضبين‭ ‬الله‭ ‬ولا‭ ‬تأذين‭ ‬أحدا،‭ ‬فبارك‭ ‬الله‭ ‬فيك‭.‬

إقرأ أيضا لـ"وفاء جناحي"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا