العدد : ١٧٢٤٨ - الجمعة ١٣ يونيو ٢٠٢٥ م، الموافق ١٧ ذو الحجة ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٢٤٨ - الجمعة ١٣ يونيو ٢٠٢٥ م، الموافق ١٧ ذو الحجة ١٤٤٦هـ

الكواليس

وفاء جناحي

waffajanahi@gmail.com

أنا محتارة!

نظرتْ‭ ‬إليَّ‭ ‬بكلِّ‭ ‬جبروتٍ،‭ ‬ولكن‭ ‬بعيونٍ‭ ‬مليئةٍ‭ ‬بالدموع‭ ‬وأخذت‭ ‬تصرخُ‭ ‬كيف‭ ‬تجرؤين‭ ‬على‭ ‬محاسبتي‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬عتابي‭ ‬وأنت‭ ‬أكثرُ‭ ‬الناسِ‭ ‬معرفةً‭ ‬بظروفي؟‭ ‬

وقبل‭ ‬أن‭ ‬أتكلمَ‭ ‬أضافت‭: ‬‮«‬ما‭ ‬تطلبونه‭ ‬مني‭ ‬صعبٌ‭ ‬جدا‭ ‬لأنني‭ ‬لا‭ ‬أستطيعُ‭ ‬أن‭ ‬أوفِّق‭ ‬بين‭ ‬الاهتمامِ‭ ‬ورعاية‭ ‬عيالي‭ ‬الثلاثة‭ ‬المصابين‭ ‬بمرض‭ ‬التوحد‭ ‬وأمي‭ ‬المصابة‭ ‬بالزهايمر‭!! ‬فحالتُهم‭ ‬جميعا‭ ‬صعبةٌ‭ ‬والجميعُ‭ ‬يحتاجُ‭ ‬إلى‭ ‬من‭ ‬يتفرغُ‭ ‬لرعايتِه‭ ‬فلماذا‭ ‬تحاسبونني؟‮»‬‭ ‬وأخذت‭ ‬تبكي‭ ‬بحرقةٍ‭ ‬وجعلتني‭ ‬أتعاطفُ‭ ‬معها‭ ‬لثوانٍ‭ ‬بسيطة‭ ‬ولكنني‭ ‬ما‭ ‬لبثت‭ ‬أن‭ ‬تذكرت‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الدموعَ‭ ‬تشبه‭ ‬دموعَ‭ ‬التماسيح‭ ‬لأن‭ ‬هذه‭ ‬المرأةَ‭ ‬هي‭ ‬فعلا‭ (‬أم‭ ‬حنونةٌ‭ ‬جدا‭) ‬تأبى‭ ‬أن‭ ‬تتركَ‭ ‬أولادها‭ ‬وبنتها‭ ‬المصابين‭ ‬جميعا‭ ‬بمرض‭ ‬التوحد‭ ‬لأي‭ ‬شخصٍ‭ ‬آخر‭ ‬يرعاهم‭ ‬وخصوصا‭ ‬أنهم‭ ‬أصبحوا‭ ‬في‭ ‬سن‭ ‬المراهقةِ‭ ‬والبلوغ‭ ‬لذلك‭ ‬هي‭ ‬مصرةٌ‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬توفِّرَ‭ ‬لهم‭ ‬كلَّ‭ ‬ما‭ ‬لديها‭ ‬من‭ ‬وقتٍ‭ ‬وطاقة‭ ‬وحنان‭ ‬دون‭ ‬العالم‭ ‬كله‭ ‬وقررت‭ ‬أن‭ ‬تنسى‭ ‬بل‭ ‬وتقاطع‭ ‬الجميعَ‭ ‬بلا‭ ‬استثناء‭ ‬حتى‭ ‬أمها‭ ‬و‮«‬أبوها‮»‬‭ ‬لذلك‭ ‬فهي‭ ‬تعدُّ‭ (‬ابنةً‭ ‬عاقة‭) ‬بكل‭ ‬معنى‭ ‬الكلمة‭ ‬لأنها‭ ‬تعرف‭ ‬أن‭ ‬أمها‭ ‬التي‭ ‬ضحت‭ ‬بحياتِها‭ ‬وسعادتها‭ ‬من‭ ‬أجلها‭ ‬وإخوانها‭ ‬وكانت‭ ‬لهم‭ ‬الأم‭ ‬والأبُ‭ ‬بعد‭ ‬طلاقها‭ ‬مريضةٌ‭ ‬بأبشع‭ ‬مرض‭ (‬الزهايمر‭) ‬وتحتاج‭ ‬إلى‭ ‬مساعدة‭ ‬الكل‭ ‬وأولهم‭ ‬أبنائها‭ ‬فلذات‭ ‬كبدها‭. ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬أنها‭ ‬ابنتُها‭ ‬الوحيدة‭.. ‬قاطعتها‭ ‬ولا‭ ‬تمر‭ ‬عليها‭ ‬أبدًا‭ ‬ولا‭ ‬تكلمها‭ ‬ولا‭ ‬حتى‭ ‬تسأل‭ ‬عن‭ ‬أحوالها‭.‬

يا‭ ‬إلهي،‭ ‬كيف‭ ‬يستطيع‭ ‬الإنسان‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬بهذه‭ ‬الدرجة‭ ‬من‭ ‬التناقض‭ ‬فهي‭ ‬في‭ ‬قمةِ‭ ‬الحنان‭ ‬مع‭ ‬أولادها‭ ‬وفي‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬في‭ ‬قمةِ‭ ‬الجحود‭ ‬والعقوق‭ ‬مع‭ ‬والديها‭ ‬وإخوانها‭ ‬وأهلها؟‭ ‬

أتعاطفُ‭ ‬معها‭ ‬بل‭ ‬وأشفقُ‭ ‬عليها‭ ‬كثيرًا‭ ‬عندما‭ ‬أشاهدها‭ ‬مع‭ ‬أبنائها‭ ‬لأنني‭ ‬أعلمُ‭ ‬جيدًا‭ ‬كميةَ‭ ‬تعب‭ ‬الأهل‭ ‬والأم‭ ‬بالذات‭ ‬في‭ ‬وجود‭ ‬طفل‭ ‬واحد‭ ‬مصاب‭ ‬بمرض‭ ‬التوحد‭ ‬فكيف‭ ‬بأم‭ ‬بلاها‭ ‬ربُ‭ ‬العالمين‭ ‬بثلاثةِ‭ ‬أبناء‭ ‬مصابين‭ ‬بنفس‭ ‬المرض؟‭ ‬بدرجات‭ ‬مختلفة‭ ‬ولكنهم‭ ‬جميعا‭ ‬غير‭ ‬طبيعيين‭ ‬وأعرف‭ ‬جيدا‭ ‬كم‭ ‬الألم‭ ‬والعطاء‭ ‬والمجهود‭ ‬المطلوب‭ ‬منها‭ ‬لرعاية‭ ‬أبنائها‭.‬

لا‭ ‬أتعاطف،‭ ‬فعقلي‭ ‬وقلبي‭ ‬لا‭ ‬يستطيعون‭ ‬أن‭ ‬يقتنعوا‭ ‬أن‭ ‬تلك‭ ‬الأم‭ ‬العظيمة‭ ‬نفسها‭ ‬تترك‭ ‬أمها‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تسأل‭ ‬عنها‭ ‬أو‭ ‬تراها‭ ‬ولو‭ ‬ربع‭ ‬ساعة‭ ‬في‭ ‬اليوم‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬الأسبوع‭ ‬حتى،‭ ‬وخصوصا‭ ‬أنا‭ ‬أرى‭ ‬تطورات‭ ‬وشراسة‭ ‬المرض‭ ‬وهو‭ ‬يفتك‭ ‬بالأم‭ ‬التي‭ ‬تحولت‭ ‬بسبب‭ ‬المرض‭ ‬اللعين‭ ‬من‭ ‬أجمل‭ ‬جميلات‭ ‬العائلة‭ ‬وأكثرهن‭ ‬قوة‭ ‬شخصية‭ ‬إلى‭ ‬إنسانة‭ ‬مهزوزة‭ ‬انطفأ‭ ‬كلُّ‭ ‬بريقها‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬حنية‭ ‬الكل‭ ‬وكأنها‭ ‬طفلةٌ‭ ‬في‭ ‬السبعين‭ ‬فأصرخ‭ ‬وأقول‭ ‬يا‭ ‬لعقوق‭ ‬ابنتها‭ ‬الوحيدة‭...‬

أعترف‭ ‬أنني‭ ‬لأول‭ ‬مرة‭ ‬في‭ ‬حيرةٍ‭ ‬شديدة‭ ‬لذلك‭ ‬أنا‭ ‬أسألكم‭: ‬هل‭ ‬تستحقُ‭ ‬هذه‭ ‬الأمُ‭ ‬العظيمة‭ ‬والابنةُ‭ ‬العاقة‭ ‬أيَّ‭ ‬نوعٍ‭ ‬من‭ ‬التعاطف‭ ‬أو‭ ‬الشفقة؟‭ ‬هل‭ ‬تستحق‭ ‬أن‭ ‬تبكي‭ ‬وتحضرَ‭ ‬جنازةَ‭ ‬أمها؟‭ ‬هل‭ ‬تستحق‭ ‬أيَّ‭ ‬نوعٍ‭ ‬من‭ ‬المحبة‭ ‬أو‭ ‬الاحترام؟‭!‬

إقرأ أيضا لـ"وفاء جناحي"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا