الكواليس

وفاء جناحي
waffajanahi@gmail.com
أنا محتارة!
نظرتْ إليَّ بكلِّ جبروتٍ، ولكن بعيونٍ مليئةٍ بالدموع وأخذت تصرخُ كيف تجرؤين على محاسبتي أو حتى عتابي وأنت أكثرُ الناسِ معرفةً بظروفي؟
وقبل أن أتكلمَ أضافت: «ما تطلبونه مني صعبٌ جدا لأنني لا أستطيعُ أن أوفِّق بين الاهتمامِ ورعاية عيالي الثلاثة المصابين بمرض التوحد وأمي المصابة بالزهايمر!! فحالتُهم جميعا صعبةٌ والجميعُ يحتاجُ إلى من يتفرغُ لرعايتِه فلماذا تحاسبونني؟» وأخذت تبكي بحرقةٍ وجعلتني أتعاطفُ معها لثوانٍ بسيطة ولكنني ما لبثت أن تذكرت أن هذه الدموعَ تشبه دموعَ التماسيح لأن هذه المرأةَ هي فعلا (أم حنونةٌ جدا) تأبى أن تتركَ أولادها وبنتها المصابين جميعا بمرض التوحد لأي شخصٍ آخر يرعاهم وخصوصا أنهم أصبحوا في سن المراهقةِ والبلوغ لذلك هي مصرةٌ على أن توفِّرَ لهم كلَّ ما لديها من وقتٍ وطاقة وحنان دون العالم كله وقررت أن تنسى بل وتقاطع الجميعَ بلا استثناء حتى أمها و«أبوها» لذلك فهي تعدُّ (ابنةً عاقة) بكل معنى الكلمة لأنها تعرف أن أمها التي ضحت بحياتِها وسعادتها من أجلها وإخوانها وكانت لهم الأم والأبُ بعد طلاقها مريضةٌ بأبشع مرض (الزهايمر) وتحتاج إلى مساعدة الكل وأولهم أبنائها فلذات كبدها. إلا أنها بالرغم من أنها ابنتُها الوحيدة.. قاطعتها ولا تمر عليها أبدًا ولا تكلمها ولا حتى تسأل عن أحوالها.
يا إلهي، كيف يستطيع الإنسان أن يكون بهذه الدرجة من التناقض فهي في قمةِ الحنان مع أولادها وفي الوقت نفسه في قمةِ الجحود والعقوق مع والديها وإخوانها وأهلها؟
أتعاطفُ معها بل وأشفقُ عليها كثيرًا عندما أشاهدها مع أبنائها لأنني أعلمُ جيدًا كميةَ تعب الأهل والأم بالذات في وجود طفل واحد مصاب بمرض التوحد فكيف بأم بلاها ربُ العالمين بثلاثةِ أبناء مصابين بنفس المرض؟ بدرجات مختلفة ولكنهم جميعا غير طبيعيين وأعرف جيدا كم الألم والعطاء والمجهود المطلوب منها لرعاية أبنائها.
لا أتعاطف، فعقلي وقلبي لا يستطيعون أن يقتنعوا أن تلك الأم العظيمة نفسها تترك أمها دون أن تسأل عنها أو تراها ولو ربع ساعة في اليوم أو في الأسبوع حتى، وخصوصا أنا أرى تطورات وشراسة المرض وهو يفتك بالأم التي تحولت بسبب المرض اللعين من أجمل جميلات العائلة وأكثرهن قوة شخصية إلى إنسانة مهزوزة انطفأ كلُّ بريقها تحتاج إلى حنية الكل وكأنها طفلةٌ في السبعين فأصرخ وأقول يا لعقوق ابنتها الوحيدة...
أعترف أنني لأول مرة في حيرةٍ شديدة لذلك أنا أسألكم: هل تستحقُ هذه الأمُ العظيمة والابنةُ العاقة أيَّ نوعٍ من التعاطف أو الشفقة؟ هل تستحق أن تبكي وتحضرَ جنازةَ أمها؟ هل تستحق أيَّ نوعٍ من المحبة أو الاحترام؟!
إقرأ أيضا لـ"وفاء جناحي"
aak_news

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك