في ظل تطور المشهد الاقتصادي العالمي، أصبحت التصنيفات الدولية أداة حيوية تعكس متانة السياسات الاقتصادية لكل دولة وتُترجم إلى ثقة المستثمرين، واستقطاب رؤوس الأموال، وتوسيع قاعدة التمويل. وبالنسبة إلى مملكة البحرين، فإن الوقت ملائم لتبني حزمة إصلاحات استراتيجية تعزز من موقعها التنافسي وترتقي بتصنيفها الاقتصادي والائتماني إلى مستويات أكثر قوة واستدامة.
الانطلاقة تبدأ من إعادة هيكلة شاملة لمؤسسات الدولة، بما في ذلك الوزارات والبنوك العامة، لضمان الانسجام بين الأهداف الوطنية والممارسات الإدارية اليومية. رفع الكفاءة التشغيلية، تقليل التداخل الوظيفي، وتعزيز مبدأ المساءلة المؤسسية سيسهم في توجيه الموارد نحو الأولويات الفعلية ويزيد من فعالية تنفيذ السياسات المالية.
من جهة أخرى، فإن تنويع مصادر الدخل الوطني لا يزال يشكل حجر الزاوية في تحصين التصنيف الاقتصادي. وذلك لا يقتصر فقط على التوسع في القطاعات غير النفطية، بل يشمل أيضًا تصميم نماذج تمويل مبتكرة تسمح للمواطنين بالمشاركة في المشاريع التنموية من خلال أدوات مثل سندات الاستثمار الوطنية التي تُصدر تحت إشراف مصرف البحرين المركزي، ما يدعم السيولة المحلية ويعزز الاستقرار المالي.
ويُعد تعزيز الرقابة المؤسسية محورًا مهمًا في تحسين أداء الاقتصاد. فدور مصرف البحرين المركزي يمكن توسيعه ليشمل رقابة أكثر شمولًا على السلوك البنكي، مع تحديث بعض البنود الرقابية بما يتناسب مع معايير بازل الدولية وتعزيز الشفافية. في المقابل، تحتاج غرفة الصناعة والتجارة إلى تفعيل آليات صارمة لمراقبة السجلات التجارية وضبط الأسعار، بما يسهم في السيطرة على التضخم ومنع الممارسات العشوائية التي تضر بجودة بيئة الأعمال.
وفي إطار تقوية الدورة الاقتصادية الداخلية، يمكن دراسة فرض رسوم ذكية على تحويلات الأموال للخارج ضمن حدود مدروسة، لتحفيز الاستثمار المحلي دون التأثير في الانفتاح المالي للمملكة. إلى جانب ذلك، فإن تنشيط السياحة الداخلية والترويج للبحرين خارجيًا كوجهة سياحية متفردة، سيعزز من إيرادات القطاعات الخدمية ويُضيف إلى الناتج المحلي بطرق غير تقليدية.
ولضمان تكامل كل هذه الجهود، من الضروري إنشاء إدارة وطنية مستقلة لمتابعة أداء الوزارات والمؤسسات، تقدم تقارير شهرية مباشرة إلى مجلس الوزراء، بما يعزز مبدأ الشفافية ويضمن تنفيذ المشاريع والخطط ضمن أطر زمنية محددة.
كما يُعد توطين الوظائف بخطة زمنية مدروسة خطوة أساسية في تقليص البطالة ورفع الكفاءة المحلية، بشرط أن يكون التوطين قائمًا على التأهيل الفعلي والتدريب الجاد. وهنا يأتي دور المشاريع التنموية المرتبطة بتدريب الكفاءات البحرينية ودمجها في قطاعات متقدمة.
ولا يمكن تجاهل أهمية وضع الرجل المناسب في المكان المناسب، كقاعدة مركزية لأي نجاح حكومي أو مؤسسي. فالكفاءات هي من تصنع الفارق، وهي التي تنقل الرؤية من الورق إلى الواقع.
وفي قلب كل ذلك، يبرز دور ديوان الرقابة المالية والإدارية، الذي يمكنه أن يقود تطوير تشريعات تواكب متطلبات التصنيف العالمي للاقتصاد، من خلال تقييم السياسات المالية، ورفع كفاءتها، وضمان انضباطها على المدى المتوسط والبعيد.
وفي النهاية، تبقى القيادة الحكيمة لجلالة الملك المعظم، ورؤية سمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، هي الركيزة الثابتة لهذا الطموح الوطني. فبفضل هذه القيادة، أثبتت البحرين أنها قادرة ليس فقط على التكيّف مع التحديات، بل على تحويلها إلى فرص تحقق الاستقرار، وترتقي بالتصنيف العالمي للاقتصاد إلى المكانة التي تستحقها المملكة.
ماجستير تنفيذي بالإدارة من المملكة المتحدة (EMBA)
عضو بمعهد المهندسين والتكنولوجيا البريطانية العالمية (MIET)
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك