العدد : ١٧١٦٣ - الخميس ٢٠ مارس ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٠ رمضان ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧١٦٣ - الخميس ٢٠ مارس ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٠ رمضان ١٤٤٦هـ

يوميات سياسية

السيـــــــد زهـــــــره

انظروا.. من يتحدث عن الحرية؟!

من‭ ‬أغرب‭ ‬المواقف‭ ‬التي‭ ‬أعلنتها‭ ‬إدارة‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬ترامب‭ ‬في‭ ‬الفترة‭ ‬الماضية،‭ ‬الحملة‭ ‬التي‭ ‬شنتها‭ ‬على‭ ‬الدول‭ ‬الأوروبية‭ ‬واتهامها‭ ‬بتراجع‭ ‬حريات‭ ‬التعبير‭ ‬فيها‭.‬

ترامب‭ ‬قال‭ ‬إن‭ ‬‮«‬حرية‭ ‬التعبير‭ ‬مهددة‭ ‬في‭ ‬أوروبا‮»‬‭. ‬

نائب‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬جي‭ ‬دي‭ ‬فانس‭ ‬في‭ ‬الكلمة‭ ‬التي‭ ‬ألقاها‭ ‬في‭ ‬افتتاح‭ ‬مؤتمر‭ ‬ميونيخ‭ ‬للأمن،‭ ‬وجه‭ ‬انتقادات‭ ‬عنيفة‭ ‬للدول‭ ‬الأوروبية‭ ‬بحجة‭ ‬‮«‬تراجع‭ ‬حريات‭ ‬التعبير‭ ‬فيها‮»‬‭. ‬بل‭ ‬إنه‭ ‬اعتبر‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬التهديد‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬تهديد‭ ‬دول‭ ‬مثل‭ ‬روسيا‭ ‬أو‭ ‬الصين‭ ‬وقال‭: ‬‮«‬التهديد‭ ‬الذي‭ ‬يقلقني‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬شيء‭ ‬آخر‭ ‬فيما‭ ‬يتصل‭ ‬بأوروبا‭ ‬ليس‭ ‬روسيا،‭ ‬ولا‭ ‬الصين،‭ ‬ولا‭ ‬أي‭ ‬طرف‭ ‬خارجي‭ ‬آخر،‭ ‬ما‭ ‬يقلقني‭ ‬هو‭ ‬التهديد‭ ‬من‭ ‬الداخل‭. ‬تراجع‭ ‬أوروبا‭ ‬عن‭ ‬بعض‭ ‬قيمها‭ ‬الأساسية‭.. ‬أخشى‭ ‬أن‭ ‬حرية‭ ‬التعبير‭ ‬في‭ ‬بريطانيا‭ ‬وفي‭ ‬مختلف‭ ‬أنحاء‭ ‬أوروبا‭ ‬تتراجع‮»‬‭. ‬وصوّر‭ ‬أمريكا‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬تحمل‭ ‬اليوم‭ ‬لواء‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬حرية‭ ‬التعبير‭.‬

الدول‭ ‬الأوروبية‭ ‬ردت‭ ‬بغضب‭ ‬على‭ ‬اتهام‭ ‬إدارة‭ ‬ترامب‭ ‬لها‭ ‬بتراجع‭ ‬حرية‭ ‬التعبير،‭ ‬وعمدة‭ ‬لندن‭ ‬مثلا‭ ‬قال‭ ‬إن‭ ‬ترامب‭ ‬حين‭ ‬يزور‭ ‬بريطانيا‭ ‬سيجد‭ ‬في‭ ‬انتظاره‭ ‬مظاهرات‭ ‬احتجاج‭ ‬حاشدة‭ ‬تأكيدا‭ ‬لممارسة‭ ‬حرية‭ ‬التعبير‭ ‬المتاحة‭ ‬في‭ ‬البلاد‭.‬

الغريب‭ ‬في‭ ‬حملة‭ ‬ترامب‭ ‬ليس‭ ‬أن‭ ‬حريات‭ ‬التعبير‭ ‬في‭ ‬أوروبا‭ ‬على‭ ‬أحسن‭ ‬ما‭ ‬يكون،‭ ‬فهي‭ ‬ليست‭ ‬كذلك‭ ‬أبدا‭. ‬الغريب‭ ‬هو‭ ‬أنه‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬يوجه‭ ‬فيه‭ ‬ترامب‭ ‬وأركان‭ ‬إدارته‭ ‬هذه‭ ‬الاتهام‭ ‬إلى‭ ‬أوروبا‭ ‬يتجاهلون‭ ‬حقيقة‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الإدارة‭ ‬هي‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬ينتهك‭ ‬حريات‭ ‬التعبير‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬المجالات‭.‬

المرء‭ ‬حين‭ ‬يتأمل‭ ‬هذه‭ ‬الحملة‭ ‬الأمريكية‭ ‬على‭ ‬أوروبا‭ ‬ومزاعم‭ ‬الحرص‭ ‬على‭ ‬حريات‭ ‬التعبير‭ ‬لا‭ ‬يملك‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬يتساءل‭: ‬انظروا‭.. ‬من‭ ‬يتحدث‭ ‬عن‭ ‬الحرية؟‭.‬

إدارة‭ ‬ترامب‭ ‬هي‭ ‬أكبر‭ ‬إدارة‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬أمريكا‭ ‬تنتهك‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬حريات‭ ‬التعبير،‭ ‬بل‭ ‬كل‭ ‬الحريات‭ ‬المدنية‭ ‬والقيم‭ ‬الإنسانية‭ ‬بشكل‭ ‬عام،‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬داخل‭ ‬أمريكا‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالقضايا‭ ‬المحلية،‭ ‬أو‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالخارج‭ ‬والتعامل‭ ‬مع‭ ‬الدول‭ ‬والشعوب‭.‬

ترامب‭ ‬يقدم‭ ‬نفسه‭ ‬للأمريكيين‭ ‬والعالم،‭ ‬وعن‭ ‬عمد‭ ‬تام،‭ ‬ليس‭ ‬كزعيم‭ ‬ديمقراطي‭ ‬يحترم‭ ‬حريات‭ ‬الرأي‭ ‬والتعبير‭ ‬والحقوق‭ ‬الإنسانية،‭ ‬وإنما‭ ‬كزعيم‭ ‬فردي‭ ‬مستبد‭ ‬يعطي‭ ‬لنفسه‭ ‬الحق‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬يفعل‭ ‬أي‭ ‬شيء‭ ‬يريد‭ ‬بغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬أي‭ ‬قيم‭ ‬ديمقراطية‭ ‬أو‭ ‬احترام‭ ‬لأي‭ ‬رأي‭ ‬آخر‭.‬

في‭ ‬داخل‭ ‬أمريكا،‭ ‬يتم‭ ‬تدمير‭ ‬عدد‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬المؤسسات‭ ‬الأمريكية‭ ‬واتخاذ‭ ‬إجراءات‭ ‬في‭ ‬منتهى‭ ‬القسوة‭ ‬تهدد‭ ‬حياة‭ ‬ومعيشة‭ ‬ملايين‭ ‬الأمريكيين‭. ‬تفعل‭ ‬إدارة‭ ‬ترامب‭ ‬هذا‭ ‬بأوامر‭ ‬فردية‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬الاستماع‭ ‬إلى‭ ‬أي‭ ‬رأي‭ ‬آخر،‭ ‬وحتى‭ ‬رأي‭ ‬الكونجرس‭ ‬نفسه‭.‬

أما‭ ‬في‭ ‬الخارج‭ ‬فحدث‭ ‬ولا‭ ‬حرج‭. ‬ترامب‭ ‬لا‭ ‬يقيم‭ ‬أي‭ ‬وزن‭ ‬ولا‭ ‬اعتبار‭ ‬لأي‭ ‬قيم‭ ‬أو‭ ‬مبادئ‭ ‬أو‭ ‬حريات‭ ‬لدول‭ ‬وشعوب‭ ‬بأسرها‭. ‬يهدد‭ ‬بضم‭ ‬دول‭ ‬ومناطق‭ ‬مستقلة‭ ‬ذات‭ ‬سيادة‭ ‬بالقوة،‭ ‬ويريد‭ ‬تهجير‭ ‬كل‭ ‬سكان‭ ‬غزة‭ ‬وقيام‭ ‬أمريكا‭ ‬باحتلالها،‭ ‬كأنهم‭ ‬ليسوا‭ ‬شعبا‭ ‬يعيش‭ ‬في‭ ‬أرضه‭ ‬ووطنه‭ ‬وله‭ ‬حقوق‭ ‬يكفلها‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭ ‬والمواثيق‭ ‬الدولية‭.. ‬وهكذا‭. ‬وحين‭ ‬سئل‭ ‬عن‭ ‬السلطة‭ ‬التي‭ ‬تتيح‭ ‬له‭ ‬أو‭ ‬تعطيه‭ ‬الحق‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬يعلن‭ ‬هذا،‭ ‬أجاب‭ ‬بمنتهى‭ ‬الاستخفاف‭ ‬والاستفزاز‭ ‬‮«‬إنها‭ ‬السلطة‭ ‬الأمريكية‮»‬‭.‬

إذا‭ ‬أردنا‭ ‬أن‭ ‬نتحدث‭ ‬عن‭ ‬تنكيل‭ ‬إدارة‭ ‬ترامب‭ ‬بالحريات،‭ ‬الحديث‭ ‬سيطول‭ ‬جدا‭. ‬لكن‭ ‬نريد‭ ‬أن‭ ‬نتوقف‭ ‬بشيء‭ ‬من‭ ‬التفصيل‭ ‬عند‭ ‬قضية‭ ‬واحدة‭ ‬يمثل‭ ‬موقف‭ ‬ترامب‭ ‬وإدارته‭ ‬منها‭ ‬ذروة‭ ‬الانتهاك‭ ‬لحريات‭ ‬التعبير‭ ‬والتنكيل‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬أمريكا‭. ‬نعني‭ ‬قضية‭ ‬الموقف‭ ‬من‭ ‬الجامعات‭ ‬الأمريكية‭ ‬التي‭ ‬شهدت‭ ‬أو‭ ‬تشهد‭ ‬احتجاجات‭ ‬تندد‭ ‬بحرب‭ ‬الإبادة‭ ‬والمجازر‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬أو‭ ‬تظهر‭ ‬أي‭ ‬تعاطف‭ ‬مع‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬في‭ ‬محنتهم‭.‬

هذا‭ ‬حديث‭ ‬آخر‭ ‬بإذن‭ ‬الله‭.‬

إقرأ أيضا لـ"السيـــــــد زهـــــــره"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا