العدد : ١٧١٣٦ - الجمعة ٢١ فبراير ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٢ شعبان ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧١٣٦ - الجمعة ٢١ فبراير ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٢ شعبان ١٤٤٦هـ

مقالات

النهضة العقارية
قانون التنفيذ.. معاناة التحصيل.. ووقف الخدمات

بقلم: جاسم محمد الموسوي الرئيس التنفيذي لمجموعة الفاتح

الأربعاء ١٩ فبراير ٢٠٢٥ - 02:00

يعتمد‭ ‬نجاح‭ ‬الاستثمار‭ ‬العقاري‭ ‬على‭ ‬ركيزة‭ ‬أساسية‭ ‬تتمثل‭ ‬في‭ ‬ضمان‭ ‬تحصيل‭ ‬إيرادات‭ ‬الإيجارات‭ ‬والأقساط‭ ‬والمستحقات‭ ‬الشهرية‭ ‬العائدة‭ ‬من‭ ‬تملك‭ ‬وتأجير‭ ‬العقار‭.‬

وبنفس‭ ‬الوقت‭ ‬يعتبر‭ ‬أداء‭ ‬الحقوق‭ ‬أساس‭ ‬العدل‭ ‬والعدالة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬توفير‭ ‬ضمانات‭ ‬دفع‭ ‬الحقوق‭ ‬لأصحابها‭ ‬وعدم‭ ‬المساس‭ ‬بها‭ ‬بأي‭ ‬شكل‭ ‬من‭ ‬الاشكال‭. ‬فمن‭ ‬المقومات‭ ‬التي‭ ‬تقوم‭ ‬عليها‭ ‬الإنسانية‭ ‬لدى‭ ‬كافة‭ ‬الشعوب‭ ‬والأمم،‭ ‬هو‭ ‬صون‭ ‬حقوق‭ ‬الناس‭ ‬واحترامها‭ ‬وعدم‭ ‬الاعتداء‭ ‬على‭ ‬أموال‭ ‬وحقوق‭ ‬الغير‭. ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يتطلب‭ ‬وضع‭ ‬أنظمة‭ ‬واضحة‭ ‬وعقوبات‭ ‬رادعة‭ ‬لمن‭ ‬تسول‭ ‬له‭ ‬نفسه‭ ‬بالتعدي‭ ‬أو‭ ‬التهرب‭ ‬أو‭ ‬الإهمال‭ ‬والتكاسل‭ ‬عن‭ ‬سداد‭ ‬حقوق‭ ‬أصحاب‭ ‬الحق‭ ‬من‭ ‬ملاك‭ ‬العقارات‭ ‬والمستثمرين‭ ‬وغيرهم‭ ‬من‭ ‬أصحاب‭ ‬الحق‭. ‬

هذه‭ ‬المقدمة‭ ‬تقودنا‭ ‬إلى‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬مؤشر‭ ‬مقلق‭ ‬في‭ ‬الفترة‭ ‬الأخيرة،‭ ‬حيث‭ ‬لاحظنا‭ ‬إفلاس‭ ‬أو‭ ‬طلب‭ ‬إعادة‭ ‬تنظيم‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الشركات‭ ‬العقارية‭ ‬والمستثمرين‭ ‬العقاريين‭ ‬والمطورين‭. ‬وأصبحت‭ ‬شاشات‭ ‬جلسات‭ ‬المحاكم‭ ‬المدنية‭ ‬تبين‭ ‬أسماءهم‭ ‬للعلن‭ ‬بانعقاد‭ ‬جلساتهم‭. ‬

هذا‭ ‬الوضع‭ ‬يعود‭ ‬لأسباب‭ ‬مختلفة،‭ ‬ولكن‭ ‬تصب‭ ‬في‭ ‬مجملها‭ ‬بعدم‭ ‬وجود‭ ‬السيولة‭ ‬النقدية‭ ‬الكافية‭. ‬وعند‭ ‬التمحيص،‭ ‬نجد‭ ‬ان‭ ‬عاملا‭ ‬أساسيا‭ ‬يلعب‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الجانب‭ ‬وهو‭ ‬عدم‭ ‬مقدرتهم‭ ‬على‭ ‬تحصيل‭ ‬حقوقهم‭ ‬من‭ ‬الاستثمارات‭ ‬العقارية‭ ‬وإيرادات‭ ‬الإيجارات‭.‬

مع‭ ‬قليل‭ ‬من‭ ‬الفحص‭ ‬والتحليل،‭ ‬نجد،‭ ‬للأسف،‭ ‬أن‭ ‬قانون‭ ‬التنفيذ‭ ‬الجديد‭ ‬يتحمل‭ ‬جزءا‭ ‬كبيرا‭ ‬من‭ ‬المسؤولية‭. ‬هذا‭ ‬القانون‭ ‬واللوائح‭ ‬المنظمة‭ ‬له،‭ ‬والتي‭ ‬تعتبر‭ ‬رحيمة‭ ‬جداً‭ ‬لم‭ ‬يخضع‭ ‬لفترة‭ ‬تجربة‭ ‬لكي‭ ‬يتم‭ ‬حصر‭ ‬ثغراته‭ ‬وتعديلها‭. ‬وبنفس‭ ‬الوقت‭ ‬أزال‭ ‬هذا‭ ‬القانون‭ ‬عقوبات‭ ‬كانت‭ ‬تعتبر‭ ‬رادعة‭ ‬للمنفذ‭ ‬ضدهم‭ ‬بدعوة‭ ‬احترام‭ ‬حقوق‭ ‬الانسان‭. ‬فمثلا‭ ‬أُلغي‭ ‬اجراء‭ ‬منعهم‭ ‬من‭ ‬السفر‭ ‬حتى‭ ‬سداد‭ ‬الدين،‭ ‬والغيت‭ ‬عقوبة‭ ‬الحبس‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تمثل‭ ‬آلية‭ ‬مهمة‭ ‬تجبر‭ ‬المنفذ‭ ‬ضدهم‭ ‬على‭ ‬الالتزام‭ ‬بتسديد‭ ‬ما‭ ‬عليهم‭.‬

هذا‭ ‬الموضوع‭ ‬أثارته‭ ‬‮«‬أخبار‭ ‬الخليج‮»‬‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬صحفي‭ ‬نشر‭ ‬يوم‭ ‬الأحد‭ ‬الماضي‭ ‬بعنوان‭ (‬قانون‭ ‬التنفيذ‭ ‬الجديد‭.. ‬نقلة‭ ‬نوعية‭ ‬ولكن‭). ‬وفي‭ ‬التحقيق‭ ‬أكد‭ ‬المحامي‭ ‬فريد‭ ‬غازي‭ ‬أنه‭ (‬بعد‭ ‬إلغاء‭ ‬عقوبتي‭ ‬الحبس‭ ‬ومنع‭ ‬السفر‭.. ‬أنخفض‭ ‬الالتزام‭ ‬بدفع‭ ‬المستحقات‭ ‬إلى‭ ‬25%‭ ‬فقط‭!).‬

وهذا‭ ‬بحد‭ ‬ذاته‭ ‬كفيل‭ ‬بأن‭ ‬يبين‭ ‬حجم‭ ‬المعضلة‭ ‬وعدم‭ ‬احترام‭ ‬الحقوق‭. ‬فيما‭ ‬صرح‭ ‬المحامي‭ ‬الدكتور‭ ‬محمد‭ ‬الكوهجي‭ ‬أنه‭ (‬رغم‭ ‬التطورات‭.. ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬تنفيذ‭ ‬الأحكام‭ ‬معضلة‭ ‬تواجه‭ ‬المتقاضين‭ ‬والمحامين‭). ‬وبالتالي‭ ‬أصبحت‭ ‬حقوق‭ ‬أصحاب‭ ‬العقارات‭ ‬بل‭ ‬وحتى‭ ‬المحاميين‭ ‬والمنفذين‭ ‬الخاصين‭ ‬غير‭ ‬مضمونة‭ ‬بسبب‭ ‬عدم‭ ‬ضمان‭ ‬الدفع‭ ‬من‭ ‬المنفذ‭ ‬ضدهم‭ ‬لدواعي‭ ‬وصفت‭ ‬بانها‭ ‬الإنسانية،‭ ‬وهي،‭ ‬للأسف،‭ ‬باتت‭ ‬تستغل‭ ‬من‭ ‬البعض‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬الحقوق‭ ‬المشروعة‭.‬

من‭ ‬التغييرات‭ ‬التي‭ ‬حدثت‭ ‬ان‭ ‬حسابات‭ ‬المنفذ‭ ‬ضدهم‭ ‬لا‭ ‬يتم‭ ‬احتجازها‭ ‬او‭ ‬السحب‭ ‬منها‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬الدخل‭ ‬لا‭ ‬يتجاوز‭ ‬400‭ ‬دينار‭. ‬والمميزات‭ ‬التي‭ ‬قدمها‭ ‬قانون‭ ‬التنفيذ‭ ‬الجديد‭ ‬كانت‭ ‬برداً‭ ‬وسلاماً‭ ‬على‭ ‬المنفذ‭ ‬ضدهم‭. ‬في‭ ‬حين‭ ‬تضمن‭ ‬قانون‭ ‬التنفيذ‭ ‬القديم‭ ‬مميزات‭ ‬مهمة‭ ‬منها‭ ‬إمكانية‭ ‬التقسيط،‭ ‬وكان‭ ‬الحبس‭ ‬او‭ ‬أمر‭ ‬القبض‭ ‬لا‭ ‬يخضع‭ ‬له‭ ‬الا‭ ‬من‭ ‬رفض‭ ‬التقسيط‭ ‬بعد‭ ‬عدم‭ ‬توضيح‭ ‬واخفاء‭ ‬مصادر‭ ‬دخله،‭ ‬فكان‭ ‬تنظيماً‭ ‬ممتازاً‭ ‬يضمن‭ ‬الحقوق‭ ‬الى‭ ‬حد‭ ‬ما‭. ‬

بالمقابل،‭ ‬لفت‭ ‬نظري‭ ‬تصريح‭ ‬أحد‭ ‬المحامين‭ ‬بإلقاء‭ ‬المسؤولية‭ ‬على‭ ‬الدائن‭ ‬او‭ ‬المتعامل‭ ‬في‭ ‬البحث‭ ‬والتمحيص‭ ‬قبل‭ ‬التعاقد‭. ‬وهذا‭ ‬في‭ ‬رأيي‭ ‬ليس‭ ‬حلا‭ ‬للمشكلة‭. ‬فأصحاب‭ ‬العقارات‭ ‬ليس‭ ‬لديهم‭ ‬صلاحيات‭ ‬او‭ ‬يتحملون‭ ‬مسؤوليات‭ ‬العمل‭ ‬في‭ ‬التحري‭ ‬والبحث‭ ‬عن‭ ‬الوضع‭ ‬المالي‭ ‬للمستأجر‭ ‬والمشتري،‭ ‬وليس‭ ‬لديهم‭ ‬نظام‭ ‬إلكتروني‭ ‬يستطيعون‭ ‬من‭ ‬خلاله‭ ‬الولوج‭ ‬والبحث‭ ‬عن‭ ‬الوضع‭ ‬المالي‭ ‬للشركة،‭ ‬أو‭ ‬ان‭ ‬يحددوا‭ ‬ما‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬المستأجر‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬سوابق‭. ‬

أمام‭ ‬ذلك،‭ ‬من‭ ‬الممكن‭ ‬وضع‭ ‬حلول‭ ‬وسطى‭ ‬ترضي‭ ‬جميع‭ ‬الأطراف‭ ‬المنفذ‭ ‬ضدهم‭ ‬والمنفذ‭ ‬لهم،‭ ‬وهي‭ ‬تراعي‭ ‬الجانب‭ ‬الإنساني‭ ‬وبنفس‭ ‬الوقت‭ ‬تمثل‭ ‬عامل‭ ‬ضغط‭ ‬يمنع‭ ‬استغلال‭ ‬الثغرات‭ ‬وعدم‭ ‬تسديد‭ ‬الحقوق‭. ‬وهي‭ ‬آلية‭ ‬وقت‭ ‬الخدمات،‭ ‬المطبقة‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬الخليجية‭ ‬الشقيقة،‭ ‬وهي‭ ‬تثمل‭ ‬إجراء‭ ‬يترتب‭ ‬عليه‭ ‬امتناع‭ ‬جهة‭ ‬حكومية‭ ‬أو‭ ‬أكثر‭ ‬عن‭ ‬تقديم‭ ‬خدمة‮ ‬‭(‬أو‭ ‬أكثر‭) ‬من‭ ‬خدماتها‭ ‬إلى‭ ‬شخص‭ ‬ذي‭ ‬صفة‭ ‬طبيعية‭ ‬أو‭ ‬اعتبارية‭ (‬أفراد‭ ‬‭ ‬أعمال‭). ‬مثل‭ ‬عدم‭ ‬تقديم‭ ‬المساعدات‭ ‬والخدمات‭ ‬الاسكانية‭ ‬وغلاء‭ ‬المعيشة‭ ‬ومنع‭ ‬تجديد‭ ‬جواز‭ ‬السفر‭ ‬والبطاقة‭ ‬الذكية‭ ‬لعدم‭ ‬الانتفاع‭ ‬من‭ ‬الخدمات‭ ‬الحكومية‭ ‬سواء‭ ‬التعليمية‭ ‬أو‭ ‬الصحية‭ ‬أو‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والسكانية‭ ‬والسفر‭ ‬والمالية‭ ‬والمساعدات‭. ‬

وبالتالي‭ ‬تطبيق‭ ‬هذا‭ ‬النظام‭ ‬يجبر‭ ‬المنفذ‭ ‬ضده‭ ‬ليكون‭ ‬أكثر‭ ‬تعاونا‭ ‬في‭ ‬تطبيق‭ ‬الأحكام‭ ‬القضائية‭ ‬عبر‭ ‬التزامه‭ ‬في‭ ‬التقسيط‭ ‬لعدم‭ ‬حرمانه‭ ‬من‭ ‬السفر‭ ‬للاستمتاع‭ ‬والتهني‭ ‬بأموال‭ ‬المنفذ‭ ‬ضدهم‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬عقوبة‭ ‬تردعه‭ ‬على‭ ‬تهربه‭ ‬وإهماله‭. ‬ونستذكر‭ ‬بهذا‭ ‬المقام‭ ‬مقولة‭ (‬من‭ ‬أَمِن‭ ‬العقوبة‭ ‬أساء‭ ‬الأدب‭). ‬وهي‭ ‬مقولة‭ ‬تنطبق‭ ‬فعلا‭ ‬عندما‭ ‬لا‭ ‬نفعّل‭ ‬روح‭ ‬القانون‭ ‬ونصوصه،‭ ‬عندما‭ ‬لا‭ ‬يكون‭ ‬التأديب‭ ‬رادعاً،‭ ‬مما‭ ‬يجعل‭ ‬المخالف‭ ‬يتصرف‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬محاسبة‭ ‬أو‭ ‬رقابة،‭ ‬بل‭ ‬ويتمادى،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬انه‭ ‬عندما‭ ‬يتيح‭ ‬أن‭ ‬يخاف‭ ‬العقاب‭ ‬يحترم‭ ‬دفع‭ ‬حقوق‭ ‬أصحاب‭ ‬الحق‭ ‬والمنفذ‭ ‬لهم‭. ‬

نأمل‭ ‬من‭ ‬المعنيين‭ ‬إعادة‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬قانون‭ ‬التنفيذ‭ ‬الجديد‭ ‬عبر‭ ‬إدخال‭ ‬نظام‭ (‬إيقاف‭ ‬الخدمات‭) ‬الذي‭ ‬تم‭ ‬تجربته‭ ‬وأظهر‭ ‬نجاحه‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الدول‭. ‬كما‭ ‬نأمل‭ ‬إعادة‭ ‬عقوبة‭ ‬الحبس‭ ‬عند‭ ‬الضرورة‭ ‬لحمل‭ ‬المنفذ‭ ‬ضده‭ ‬على‭ ‬التنفيذ‭ ‬في‭ ‬المبالغ‭ ‬التي‭ ‬تتجاوز‭ ‬10‭ ‬آلاف‭ ‬دينار‭ ‬بحريني‭ ‬مثلا،‭ ‬فمثل‭ ‬هذه‭ ‬العقوبات‭ ‬ضرورية‭ ‬لتكون‭ ‬رادعاً‭ ‬يمنع‭ ‬التمادي‭ ‬في‭ ‬التهرب‭ ‬من‭ ‬دفع‭ ‬الحقوق‭ ‬لأصحاب‭ ‬العقارات‭ ‬والمنفذ‭ ‬لهم‭. ‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا