يعتمد نجاح الاستثمار العقاري على ركيزة أساسية تتمثل في ضمان تحصيل إيرادات الإيجارات والأقساط والمستحقات الشهرية العائدة من تملك وتأجير العقار.
وبنفس الوقت يعتبر أداء الحقوق أساس العدل والعدالة من خلال توفير ضمانات دفع الحقوق لأصحابها وعدم المساس بها بأي شكل من الاشكال. فمن المقومات التي تقوم عليها الإنسانية لدى كافة الشعوب والأمم، هو صون حقوق الناس واحترامها وعدم الاعتداء على أموال وحقوق الغير. وهذا ما يتطلب وضع أنظمة واضحة وعقوبات رادعة لمن تسول له نفسه بالتعدي أو التهرب أو الإهمال والتكاسل عن سداد حقوق أصحاب الحق من ملاك العقارات والمستثمرين وغيرهم من أصحاب الحق.
هذه المقدمة تقودنا إلى الحديث عن مؤشر مقلق في الفترة الأخيرة، حيث لاحظنا إفلاس أو طلب إعادة تنظيم العديد من الشركات العقارية والمستثمرين العقاريين والمطورين. وأصبحت شاشات جلسات المحاكم المدنية تبين أسماءهم للعلن بانعقاد جلساتهم.
هذا الوضع يعود لأسباب مختلفة، ولكن تصب في مجملها بعدم وجود السيولة النقدية الكافية. وعند التمحيص، نجد ان عاملا أساسيا يلعب في هذا الجانب وهو عدم مقدرتهم على تحصيل حقوقهم من الاستثمارات العقارية وإيرادات الإيجارات.
مع قليل من الفحص والتحليل، نجد، للأسف، أن قانون التنفيذ الجديد يتحمل جزءا كبيرا من المسؤولية. هذا القانون واللوائح المنظمة له، والتي تعتبر رحيمة جداً لم يخضع لفترة تجربة لكي يتم حصر ثغراته وتعديلها. وبنفس الوقت أزال هذا القانون عقوبات كانت تعتبر رادعة للمنفذ ضدهم بدعوة احترام حقوق الانسان. فمثلا أُلغي اجراء منعهم من السفر حتى سداد الدين، والغيت عقوبة الحبس التي كانت تمثل آلية مهمة تجبر المنفذ ضدهم على الالتزام بتسديد ما عليهم.
هذا الموضوع أثارته «أخبار الخليج» في تحقيق صحفي نشر يوم الأحد الماضي بعنوان (قانون التنفيذ الجديد.. نقلة نوعية ولكن). وفي التحقيق أكد المحامي فريد غازي أنه (بعد إلغاء عقوبتي الحبس ومنع السفر.. أنخفض الالتزام بدفع المستحقات إلى 25% فقط!).
وهذا بحد ذاته كفيل بأن يبين حجم المعضلة وعدم احترام الحقوق. فيما صرح المحامي الدكتور محمد الكوهجي أنه (رغم التطورات.. لا يزال تنفيذ الأحكام معضلة تواجه المتقاضين والمحامين). وبالتالي أصبحت حقوق أصحاب العقارات بل وحتى المحاميين والمنفذين الخاصين غير مضمونة بسبب عدم ضمان الدفع من المنفذ ضدهم لدواعي وصفت بانها الإنسانية، وهي، للأسف، باتت تستغل من البعض على حساب الحقوق المشروعة.
من التغييرات التي حدثت ان حسابات المنفذ ضدهم لا يتم احتجازها او السحب منها إذا كان الدخل لا يتجاوز 400 دينار. والمميزات التي قدمها قانون التنفيذ الجديد كانت برداً وسلاماً على المنفذ ضدهم. في حين تضمن قانون التنفيذ القديم مميزات مهمة منها إمكانية التقسيط، وكان الحبس او أمر القبض لا يخضع له الا من رفض التقسيط بعد عدم توضيح واخفاء مصادر دخله، فكان تنظيماً ممتازاً يضمن الحقوق الى حد ما.
بالمقابل، لفت نظري تصريح أحد المحامين بإلقاء المسؤولية على الدائن او المتعامل في البحث والتمحيص قبل التعاقد. وهذا في رأيي ليس حلا للمشكلة. فأصحاب العقارات ليس لديهم صلاحيات او يتحملون مسؤوليات العمل في التحري والبحث عن الوضع المالي للمستأجر والمشتري، وليس لديهم نظام إلكتروني يستطيعون من خلاله الولوج والبحث عن الوضع المالي للشركة، أو ان يحددوا ما إذا كان المستأجر من دون سوابق.
أمام ذلك، من الممكن وضع حلول وسطى ترضي جميع الأطراف المنفذ ضدهم والمنفذ لهم، وهي تراعي الجانب الإنساني وبنفس الوقت تمثل عامل ضغط يمنع استغلال الثغرات وعدم تسديد الحقوق. وهي آلية وقت الخدمات، المطبقة في بعض الدول الخليجية الشقيقة، وهي تثمل إجراء يترتب عليه امتناع جهة حكومية أو أكثر عن تقديم خدمة (أو أكثر) من خدماتها إلى شخص ذي صفة طبيعية أو اعتبارية (أفراد – أعمال). مثل عدم تقديم المساعدات والخدمات الاسكانية وغلاء المعيشة ومنع تجديد جواز السفر والبطاقة الذكية لعدم الانتفاع من الخدمات الحكومية سواء التعليمية أو الصحية أو الاجتماعية والسكانية والسفر والمالية والمساعدات.
وبالتالي تطبيق هذا النظام يجبر المنفذ ضده ليكون أكثر تعاونا في تطبيق الأحكام القضائية عبر التزامه في التقسيط لعدم حرمانه من السفر للاستمتاع والتهني بأموال المنفذ ضدهم من دون عقوبة تردعه على تهربه وإهماله. ونستذكر بهذا المقام مقولة (من أَمِن العقوبة أساء الأدب). وهي مقولة تنطبق فعلا عندما لا نفعّل روح القانون ونصوصه، عندما لا يكون التأديب رادعاً، مما يجعل المخالف يتصرف من دون محاسبة أو رقابة، بل ويتمادى، في حين انه عندما يتيح أن يخاف العقاب يحترم دفع حقوق أصحاب الحق والمنفذ لهم.
نأمل من المعنيين إعادة النظر في قانون التنفيذ الجديد عبر إدخال نظام (إيقاف الخدمات) الذي تم تجربته وأظهر نجاحه في كثير من الدول. كما نأمل إعادة عقوبة الحبس عند الضرورة لحمل المنفذ ضده على التنفيذ في المبالغ التي تتجاوز 10 آلاف دينار بحريني مثلا، فمثل هذه العقوبات ضرورية لتكون رادعاً يمنع التمادي في التهرب من دفع الحقوق لأصحاب العقارات والمنفذ لهم.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك