العدد : ١٧١٣٥ - الخميس ٢٠ فبراير ٢٠٢٥ م، الموافق ٢١ شعبان ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧١٣٥ - الخميس ٢٠ فبراير ٢٠٢٥ م، الموافق ٢١ شعبان ١٤٤٦هـ

يوميات سياسية

السيـــــــد زهـــــــره

السلام لأوكرانيا وجحيم الإبادة لغزة

اثنان‭ ‬من‭ ‬كبار‭ ‬الكتاب‭ ‬والباحثين‭ ‬الأمريكيين‭ ‬كتبا‭ ‬تحليلا‭ ‬مطولا‭ ‬مهما‭ ‬قارنا‭ ‬فيه‭ ‬بين‭ ‬سياسة‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬ترامب‭ ‬تجاه‭ ‬أوكرانيا‭ ‬وسياسته‭ ‬ومواقفه‭ ‬من‭ ‬حرب‭ ‬إبادة‭ ‬غزة‭.‬

الباحثان‭ ‬هما‭ ‬ميديا‭ ‬بنجامين،‭ ‬ونيكولاس‭ ‬ديفيس،‭ ‬والاثنان‭ ‬مختصان‭ ‬في‭ ‬قضايا‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬وأصدر‭ ‬كل‭ ‬منهما‭ ‬كتبا‭ ‬عن‭ ‬قضايا‭ ‬المنطقة‭.‬

يقولان‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬التحليل‭ ‬إن‭ ‬حرب‭ ‬أوكرانيا‭ ‬وهي‭ ‬تقترب‭ ‬من‭ ‬الذكرى‭ ‬الثالثة‭ ‬لاندلاعها،‭ ‬تشهد‭ ‬تحولا‭ ‬جذريا‭ ‬من‭ ‬الممكن‭ ‬أن‭ ‬يقود‭ ‬إلى‭ ‬نهاية‭ ‬الحرب‭. ‬هذا‭ ‬التحول‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬نتيجة‭ ‬تطورات‭ ‬في‭ ‬ساحة‭ ‬المعارك،‭ ‬وإنما‭ ‬نتيجة‭ ‬التحول‭ ‬الجذري‭ ‬في‭ ‬موقف‭ ‬أمريكا‭ ‬من‭ ‬أكبر‭ ‬مصدر‭ ‬للأسلحة‭ ‬لأوكرانيا‭ ‬وممول‭ ‬للحرب‭ ‬إلى‭ ‬صانعة‭ ‬سلام‭.‬

يشيران‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬ترامب‭ ‬تعهد‭ ‬بإنهاء‭ ‬الحرب‭ ‬وبدأ‭ ‬ذلك‭ ‬بمكالمة‭ ‬مهمة‭ ‬مع‭ ‬الرئيس‭ ‬الروسي‭ ‬بوتين‭ ‬واتفقا‭ ‬على‭ ‬إطلاق‭ ‬عملية‭ ‬تفاوض‭ ‬فورا‭ ‬لإنهاء‭ ‬الحرب‭ ‬والتوصل‭ ‬إلى‭ ‬سلام‭.‬

ولتأكيد‭ ‬هذا‭ ‬التحول‭ ‬حرص‭ ‬وزير‭ ‬الدفاع‭ ‬الأمريكي‭ ‬الجديد‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يشرح‭ ‬بدوره‭ ‬في‭ ‬أوروبا‭ ‬بالتفصيل‭ ‬أبعاد‭ ‬تحول‭ ‬الموقف‭ ‬الأمريكي،‭ ‬حيث‭ ‬قال‭ ‬إن‭ ‬الحرب‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬أن‭ ‬تتوقف‭ ‬وأن‭ ‬ترامب‭ ‬عازم‭ ‬على‭ ‬دفع‭ ‬الروس‭ ‬والأوكرانيين‭ ‬إلى‭ ‬مائدة‭ ‬التفاوض،‭ ‬وأعرب‭ ‬عن‭ ‬التحفظ‭ ‬على‭ ‬انضمام‭ ‬أوكرانيا‭ ‬إلى‭ ‬الناتو،‭ ‬وأن‭ ‬على‭ ‬أوروبا‭ ‬وحدها‭ ‬أن‭ ‬تتحمل‭ ‬تزويد‭ ‬أوكرانيا‭ ‬بالأسلحة،‭ ‬وأن‭ ‬أمريكا‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬ترسل‭ ‬أي‭ ‬قوات‭.. ‬وهكذا‭. ‬

يقول‭ ‬الكاتبان‭ ‬إنه‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬يتلهف‭ ‬الكثيرون‭ ‬إلى‭ ‬إحلال‭ ‬السلام‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا‭ ‬ويصفقون‭ ‬لترامب‭ ‬لما‭ ‬يفعله‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الاتجاه،‭ ‬فإننا‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬نتوقف‭ ‬عند‭ ‬المفارقة‭ ‬الرهيبة‭ ‬بين‭ ‬موقف‭ ‬الرئيس‭ ‬الذي‭ ‬يرى‭ ‬أن‭ ‬القتل‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا‭ ‬غير‭ ‬مقبول‭ ‬ويجب‭ ‬أن‭ ‬يتوقف‭ ‬وبين‭ ‬موقفه‭ ‬بالتأييد‭ ‬المطلق‭ ‬لحرب‭ ‬الإبادة‭ ‬في‭ ‬فلسطين‭. ‬ويشيران‭ ‬هنا‭ ‬إلى‭ ‬الخطة‭ ‬التي‭ ‬أعلنها‭ ‬ترامب‭ ‬بالسيطرة‭ ‬الأمريكية‭ ‬على‭ ‬غزة‭ ‬وتهجير‭ ‬كل‭ ‬سكانها‭ ‬إلى‭ ‬الخارج‭.‬

يقول‭ ‬الكاتبان‭ ‬إن‭ ‬أغلبية‭ ‬الضحايا‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا‭ ‬هم‭ ‬من‭ ‬الجنود،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬أن‭ ‬الأغلبية‭ ‬الساحقة‭ ‬من‭ ‬الضحايا‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬هم‭ ‬من‭ ‬المدنيين‭ ‬وخصوصا‭ ‬من‭ ‬الأطفال‭. ‬ويعني‭ ‬هذا‭ ‬في‭ ‬رأيهم‭ ‬أن‭ ‬الحاجة‭ ‬إلى‭ ‬السلام‭ ‬في‭ ‬فلسطين‭ ‬هي‭ ‬أكثر‭ ‬إلحاحا‭ ‬منها‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا‭.‬

ويتساءل‭ ‬الكاتبان‭: ‬إنْ‭ ‬كان‭ ‬الأمر‭ ‬هكذا،‭ ‬فلماذا‭ ‬إذن‭ ‬يتعهد‭ ‬ترامب‭ ‬بوقف‭ ‬القتال‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا‭ ‬ويعمل‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬ذلك،‭ ‬ولا‭ ‬يفعل‭ ‬هذا‭ ‬في‭ ‬غزة؟‭!‬

للإجاب‭ ‬عن‭ ‬التساؤل‭ ‬يطرح‭ ‬الكاتبان‭ ‬سؤالين‭ ‬يمثلان‭ ‬مفاتيح‭ ‬الإجابة‭ ‬هما‭:‬

هل‭ ‬ترامب‭ ‬يفعل‭ ‬هذا‭ ‬لأنه‭ ‬مرتبط‭ ‬بإسرائيل‭ ‬أشد‭ ‬الارتباط‭ ‬إلى‭ ‬الدرجة‭ ‬التي‭ ‬يرفض‭ ‬فيها‭ ‬فعل‭ ‬أي‭ ‬شيء‭ ‬على‭ ‬الإطلاق‭ ‬لوضع‭ ‬حد‭ ‬للمذابح‭ ‬التي‭ ‬ترتكبها؟

أم‭ ‬هل‭ ‬يفعل‭ ‬ترامب‭ ‬هذا‭ ‬لأن‭ ‬الأوكرانيين‭ ‬والروس‭ ‬هم‭ ‬من‭ ‬البيض‭ ‬وأوربيون،‭ ‬والفلسطينيون‭ ‬ليسوا‭ ‬كذلك؟

التفسير‭ ‬الذي‭ ‬يقدمه‭ ‬الكاتبان‭ ‬لما‭ ‬يفعله‭ ‬ترامب‭ ‬صحيح‭.‬

بالطبع‭ ‬ترامب‭ ‬مرتبط‭ ‬أشد‭ ‬الارتباط‭ ‬بإسرائيل‭ ‬وملتزم‭ ‬بالدفاع‭ ‬عنها‭ ‬وتبني‭ ‬مواقفها‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬الأحوال‭. ‬ليس‭ ‬هذا‭ ‬موقف‭ ‬ترامب‭ ‬وحده،‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬استراتيجية‭ ‬أمريكية‭ ‬ثابتة،‭ ‬ولهذا‭ ‬يتبنى‭ ‬هذا‭ ‬الموقف‭ ‬كل‭ ‬رؤساء‭ ‬أمريكا‭ ‬سواء‭ ‬كانوا‭ ‬جمهوريين‭ ‬أو‭ ‬ديمقراطيين‭. ‬هم‭ ‬ملزمون‭ ‬بهذا‭ ‬مهما‭ ‬ارتكبت‭ ‬إسرائيل‭ ‬من‭ ‬مجازر‭ ‬وإبادة‭ ‬للفلسطينيين‭. ‬بايدن‭ ‬الديمقراطي‭ ‬فعل‭ ‬هذا،‭ ‬وترامب‭ ‬الجمهوري‭ ‬يفعل‭ ‬هذا‭.‬

وبالطبع،‭ ‬مواقف‭ ‬ترامب‭ ‬وما‭ ‬يفعله‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬أوكرانيا‭ ‬وفلسطين‭ ‬هو‭ ‬في‭ ‬جانب‭ ‬أساسي‭ ‬منه‭ ‬يعبر‭ ‬عن‭ ‬نظرة‭ ‬عنصرية‭ ‬للفلسطينيين‭ ‬والعرب‭. ‬هو‭ ‬ليس‭ ‬وحده‭ ‬في‭ ‬هذا،‭ ‬إنما‭ ‬كل‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬في‭ ‬الحقيقة‭ ‬لديها‭ ‬هذه‭ ‬النظرة‭ ‬العنصرية‭. ‬هم‭ ‬يعتبرون‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬يجوز‭ ‬للغربيين‭ ‬لا‭ ‬يجوز‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬العرب‭ ‬بشكل‭ ‬عام‭.‬

‭ ‬لكن‭ ‬هناك‭ ‬أسبابا‭ ‬أبعد‭ ‬وأعمق‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬في‭ ‬مقدمتها‭ ‬أن‭ ‬أمريكا‭ ‬والدول‭ ‬الأوروبية‭ ‬يعتبرون‭ ‬أن‭ ‬المشروع‭ ‬الصهيوني‭ ‬مشروعهم،‭ ‬وأن‭ ‬إسرائيل‭ ‬تحقق‭ ‬استراتيجيتهم‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬العربية‭.‬

لكل‭ ‬هذا،‭ ‬هذه‭ ‬المفارقة‭ ‬التي‭ ‬يتحدث‭ ‬عنها‭ ‬الكاتبان‭ ‬بين‭ ‬تعامل‭ ‬ترامب‭ ‬مع‭ ‬أوكرانيا‭ ‬ومع‭ ‬فلسطين‭ ‬هي‭ ‬في‭ ‬الحقيقة‭ ‬مفارقة‭ ‬طبيعية‭ ‬مفهومة‭.‬

الكاتبان‭ ‬ينهيان‭ ‬تحليلهما‭ ‬بالقول‭: ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬ترامب‭ ‬يستطيع‭ ‬رفض‭ ‬الحجج‭ ‬والمبررات‭ ‬السياسية‭ ‬التي‭ ‬أشعلت‭ ‬حرب‭ ‬أوكرانيا‭ ‬ثلاث‭ ‬سنوات‭ ‬ويستطيع‭ ‬بشكل‭ ‬منطقي‭ ‬ومبرر‭ ‬أن‭ ‬يعمل‭ ‬على‭ ‬إنهاء‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬وتحقيق‭ ‬السلام،‭ ‬فإنه‭ ‬بالتأكيد‭ ‬يستطيع‭ ‬أن‭ ‬يفعل‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭.‬

بالطبع‭ ‬هو‭ ‬يستطيع‭ ‬أن‭ ‬يفعل‭ ‬ذلك‭ ‬لكنه‭ ‬لا‭ ‬يريد‭.‬

إقرأ أيضا لـ"السيـــــــد زهـــــــره"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا