يوميات سياسية

السيـــــــد زهـــــــره
الأهمية الاستراتيجية للحوار الإسلامي الإسلامي
يعتبر مؤتمر الحوار الإسلامي الاسلامي الذي تحتضنه البحرين بعد يومين تحت رعاية جلالة الملك وبحضور الأمام الأكبر شيخ الأزهر الشريف ومشاركة عشرات العلماء والمفكرين والباحثين من مختلف الدول الإسلامية، من أهم الأحداث التي يشهدها العالم الإسلامي على الإطلاق.
هذا المؤتمر له أهمية استراتيجية كبرى.
الكل منشغل اليوم بالأحداث والتطورات السياسية المباشرة الساخنة والمتلاحقة التي يشهدها الوطن العربي والعالم الاسلامي، وينسى قضايا أساسية هي في الحقيقة في القلب من هذه الأحداث والتطورات.
من أهم هذه القضايا على الإطلاق الخلافات والصراعات في العالم الإسلامي بين المذاهب والطوائف، وحول قضايا جوهرية كثيرة تتعلق بفهم الإسلام وطبيعة الخطاب الديني.
بداية ينبغي أن نسجل أمرين:
الأول: انه ما كان لهذا الحوار أن يجري على أرض البحرين لولا أن جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة صاحب فضل الريادة في تبني وطرح مبادرات التعايش والتسامح والحوار بشكل عام وفي العالم الإسلامي بشكل خاص.
مبادرات جلالة الملك معروفة في هذا المجال وتحظى بتقدير عالمي. وهذا الحوار يأتي في سياق هذه المبادرات الرائدة لجلالته وتجسد حرصه على لم الشمل في العالم الإسلامي.
والثاني: ان البحرين بتاريخها وحضارتها والقيم السائدة فيها وتجربتها التاريخية عموما تعتبر بالفعل أفضل منصة يمكن أن ينطلق منها مثل هذا الحوار ويمكن أن توفر له كل أسباب النجاح. البحرين التي تحتضن كل الديانات والطوائف وتكرس قيم التعايش والتسامح والتعددية مؤهلة بالفعل لأن تكون رائدة في إطلاق هذا الحوار الإسلامي الإسلامي.
الشيخ عبدالرحمن بن محمد بن راشد آل خليفة رئيس المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية رئيس اللجنة العليا للمؤتمر تحدث باستفاضة وبشكل تفصيلي في الحديث الصحفي الذي نشرناه بالأمس عن الأهمية البالغة للحوار، والتحديات التي تحتم تنظيم المؤتمر، والقضايا التي سيناقشها – والمأمول من ورائه من نتائج.
بالإضافة إلى ما ذكره، حين نقول إن هذا الحوار له أهمية استراتيجية فلا بد أن نلفت النظر إلى جوانب كبرى تعطيه مثل هذه الأهمية هي على النحو التالي:
أولا: اننا في الدول العربية والإسلامية نواجه مشكلة، بل بالأحرى أزمة حادة مزمنة تتعلق بالخلافات والصراعات المذهبية والطائفية وما يرتبط بها من أزمات اجتماعية وسياسية مستفحلة، وتتعلق بالتالي بطبيعة الخطاب الإسلامي السائد في دولنا وما يرتبط به من أفكار وممارسات.
ثانيا: هذه الأزمة المذهبية الطائفية بأبعادها المختلفة قادت عبر العقود الطويلة الماضية الى أزمات اجتماعية وسياسية ووطنية كبرى في دولنا ومجتمعاتنا، وعلى الصعيد الإسلامي العام.
على مستوى دولنا الإسلامية، شهدنا عبر العقود الماضية صعود أفكار ونزعات التطرف والعنف وارتبطت بها قيم الكراهية ورفض الآخر، وممارسات عنيفة تهدد الدولة والمجتمع.
وشهدنا في العديد من دولنا استفحال الطائفية والصراعات الطائفية التي هددت الأمن والاستقرار والنسيج الاجتماعي وشلت في كثير من الأحيان أي جهود للنهوض أو التنمية. ليس هذا فحسب، بل إن صراعات دموية تفجرت، ودماء كثيرة سالت في العديد من دولنا نتيجة تفاقم واستفحال الطائفية.
وعلى الصعيد الإسلامي العام، قاد هذا الوضع إلى صراعات بين دول إسلامية، وبالطبع يحول دون تحقيق التفاهم والتعاون المفترض بين دولنا الإسلامية وهو تفاهم وتعاون تحتمه التحديات الجسيمة التي نواجهها.
ثالثا: ان دولا وقوى أجنبية عديدة معروفة استغلت ومازالت تستغل الطائفية والمذهبية لاختراق دولنا، ولتمزيق نسيجها الاجتماعي، وللتحريض على الدولة واستهدافها، ولتنفيذ أجندات ومخططات لا تسعى فقط لتدمير دولنا بل تقسيمها إلى دويلات متناحرة.
رابعا: ان جيل الشباب بالذات في دولنا الإسلامية يعيش ممزقا بين هذه الخلافات المذهبية والطائفية، وبين الخطابات الدينية المختلفة والمتناقضة والمتضاربة حول فهم الإسلام وما يترتب على ذلك من ممارسات.
هذا الجيل هو الذي يتحمل مستقبل بناء دولنا الإسلامية ولا يمكن أن يفعل هذا مع سيادة الطائفية والتطرف، ومع غياب الحوار الجاد.
هذا الجيل يجب أن يفكر الكل في كيفية تربيته على قيم الحوار والتسامح وتقبل الآخر وقيم التفاهم والتعاون من أجل المصالح العليا لدولنا.
هذه بعض العوامل والجوانب التي تجعل للحوار الإسلامي الإسلامي أهمية استراتيجية كبرى، كما ذكرت.
قد يقول البعض إن مثل هذه المؤتمرات ليس لها جدوى كبيرة، فقد تعودنا على مؤتمرات كثيرة تنعقد ويصدر عنها بيان أو توصيات معينة ثم يتم نسيانها وكأن شيئا لم يحدث ومن دون أي أثر عملي.
لكن هذا ليس صحيحا بالنسبة إلى مؤتمر الحوار الإسلامي الإسلامي الذي تحتضنه البحرين لأسباب كثيرة.
في مقدمة هذه الأسباب أنه من الواضح من حديث رئيس المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية أن المنظمين للمؤتمر، أي الأزهر الشريف والمجلس الأعلى، ومجلس حكماء المسلمين، قد أعدوا جيدا للحوار من حيث الأهداف المرجوة منه، ومن حيث القضايا التي يناقشها والمشاركين فيه.
كما أن الحوار سيشارك فيه عدد كبير من العلماء ورجال الدين والمفكرين والباحثين يزيد على 400 مشارك يمثلون نحو 66 دولة إسلامية.
مجرد أن يلتقي هذا العدد من المعنيين بالحوار الإسلامي الإسلامي ويطرحوا رؤاهم وأفكارهم ويتبادلوا الرأي هو في حد ذاته إنجاز كبير.
والقضايا التي يناقشها الحوار قضايا جوهرية في مقدمتها، مفهوم الحوار ومنهجيته، ودور العلماء والمفكرين ومختلف الجهات المعنية، والمواطنية.. وهكذا.
ومن الملاحظ أنه تم تحديد أهداف للحوار واقعية متزنة من دون مبالغة في التوقعات أو النتائج.
مجرد أن يحدد المؤتمر قضايا الخلاف والاتفاق بين المذاهب والطوائف والخطاب الديني، ويسعى إلى تحقيق تفاهم بهذا الخصوص هو في حد ذاته إنجاز كبير.
ومجرد أن يسعى المؤتمر إلى إطلاق آلية دائمة للحوار وآلية للمتابعة بعد ذلك، هو في حد ذاته إنجاز كبير.
والأهم من كل هذا مجرد أن يكرس الحوار قناعة عامة بأهمية الحوار الإسلامي الإسلامي، وبأهمية الوصول إلى تفاهم وتجاوز الوضع المتأزم الحالي، وبضرورة العمل الدائم المستمر من أجل ذلك، هو في حد ذاته إنجاز كبير.
كما نرى، من جميع الأوجه، هذا حدث استراتيجي كبير بالنسبة إلى العالم الإسلامي كله.
الكل في البحرين يجب أن يكون فخورا باحتضان المملكة لهذا الحوار وبمتابعته بعد ذلك.
إقرأ أيضا لـ"السيـــــــد زهـــــــره"
aak_news

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك