زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
للأميَّة أكثر من شكل
من الأشياء اللافتة للانتباه، أن الانسان العربي بصفة عامة لا يحسن التعبير عن نفسه في الأمور التي تتطلب الإلمام بما يسمى بالمعلومات العامة، وترتيب الأفكار واستخدام المفردات والمصطلحات الصحيحة، لا أعني التعبير باللغة الفصحى فحسب بل أيضا باللغة اليومية المحكية، وإذا تابعت استطلاعات «رأي الشارع» التي تجريها محطات التلفزة بين الحين والآخر، سترى كيف يتأتئ ويبرطم غالبية من يتم استنطاقهم.
في إحدى مقاطعات إنجلترا أفاد استطلاع للرأي شمل ألف طفل ما بين الثامنة والثانية عشرة، أن 6% منهم لا يعرفون أن المادة التي يصنع منها البيرغر (اللحم) مصدرها الحيوانات، وقال بعضهم إن الأبقار تبيض، وعندما كنت في نحو الخامسة والعشرين ذهبت إلى لندن للدراسة، وعشت أياما عديدة أعاني من الجوع لأنني كنت أتفادى تناول أي نوع من اللحوم خشية أن يكون مصدره الخنزير. خذ في الاعتبار أنني من «أكلة اللحوم» بحكم أنني إفريقي، (ولا داعي لسوء الظن المتوارث عن كون الأفارقة أكلة لحوم البشر، بل أعني أن اللحوم عنصر أساسي في المائدة الإفريقية كما هي على المائدة العربية). عشت على البيض والكورن فليكس نحو 3 أسابيع.. كانت تلك أول مرة أتعاطى فيها الكورن فليكس وبالتالي كان تعاطيه بالنسبة لي قفزة حضارية... ولكن زميلا لي «خبيثا» قال لي إن خنازير بريطانيا تبيض، فصدقت كلامه وقاطعت البيض خاصة وأن البيض في بريطانيا كان ضعف حجم البيض الذي كان متداولا في السوق السودانية، ومن ثم صار الكورن فليكس إفطاري وغدائي وعشائي. ثم فُرجت واكتشفت دجاج كنتاكي فكانت قصة حب من أول قضمة. ولاحقا وجدت الفول الجاف معروضا في محل لبيع علف الخيل واشتريت منه كميات تجارية واسترددت لياقتي البدنية وعافيتي، فالسوداني إذا لم يأكل الفول شهرا كاملا يصاب بالأرق والباسور والناسور والشلل الرعاش والتهاب المسالك البولية (لعل بعضكم يذكر ما كتبته هنا عن البروفسر السوداني الطبيب مصطفى عبد الله محمد صالح الذي اكتشف أن السودانيين والمصريين أقل أهل الأرض تعرضا للإصابة بالصرع لأنهم يدمنون الفول لأن في الفول مادة تمنع الإصابة بذلك المرض وغيره من أمراض الجهاز العصبي).
يعتقد جيل العواجيز أن جيل الشباب المعاصر جاهل وسطحي، لأن منهم من يحسب أن الخديوي إسماعيل هو شيخ الطريقة الإسماعيلية، وأن نلسون مانديلا مطرب أمريكي يدمن المخدرات، أو أن دار فور هو اسم قصر على نهر الفرات بناه أبو جعفر المنصور قبل الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 بعدة أشهر، واسمه الأصلي دار الفرات ولكن الأمريكان جعلوه دارفور جريا وراء عادتهم في العبث بالناس والأسماء والأرواح والأمكنة. نعم جيلنا كان يعرف نهرو وتيتو وأن بنغلاديش كانت حتى أوائل سبعينيات القرن الماضي تسمى باكستان الشرقية. سو وات؟ نصف أبناء وبنات جيلنا يصيحون: يا ولد/يا بنت.. تعالوا شوف موبايلي ليش يصيح.. يا حمودي شوف قناة إم بي سي وين راحت.. فطومة شوفي الكمبيوتر ليش ما يشتغل (الكهرباء غير موصلة يا بابا).. بعبارة أخرى مقاييس المعرفة تغيرت، والأمي في عالمنا المعاصر هو من لا يحسن التعامل مع التكنولوجيا، وفي جيل الشباب حتى «عبيط الحي» يعرف كيف يتعامل مع هواوي وغالاكسي والآيفون ومايكروسوفت وحبيب الكل غوغل. طبعا لا شك في أن الجيل «الجديد» يعاني من سوء التحصيل الأكاديمي ولا يجيد القراءة والكتابة كجيل الآباء والأمهات، ولكن جيل الكبار هو من وضع المناهج المدرسية السطحية الركيكة وتولى توصيلها وتدريسها و«توريثها»، وعلى سبيل المثال فإن جيل الكبار كان في مرحلة الشباب إذا أراد معلومة قام وقعد وفتح كذا كتاب ليعثر على المعلومة، في حين أن جيل الشباب المعاصر يحصل على أطنان من المعلومات خلال ثوان بعد التشاور مع المفكر غوغل والسيد ويكيبيديا، ولعل سهولة الحصول على المعلومات هو الذي جعل شباب اليوم عازفا عن القراءة.
إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"
aak_news

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك