العدد : ١٧١٣٦ - الجمعة ٢١ فبراير ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٢ شعبان ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧١٣٦ - الجمعة ٢١ فبراير ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٢ شعبان ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

للأميَّة أكثر من شكل

من‭ ‬الأشياء‭ ‬اللافتة‭ ‬للانتباه،‭ ‬أن‭ ‬الانسان‭ ‬العربي‭ ‬بصفة‭ ‬عامة‭ ‬لا‭ ‬يحسن‭ ‬التعبير‭ ‬عن‭ ‬نفسه‭ ‬في‭ ‬الأمور‭ ‬التي‭ ‬تتطلب‭ ‬الإلمام‭ ‬بما‭ ‬يسمى‭ ‬بالمعلومات‭ ‬العامة،‭ ‬وترتيب‭ ‬الأفكار‭ ‬واستخدام‭ ‬المفردات‭ ‬والمصطلحات‭ ‬الصحيحة،‭ ‬لا‭ ‬أعني‭ ‬التعبير‭ ‬باللغة‭ ‬الفصحى‭ ‬فحسب‭ ‬بل‭ ‬أيضا‭ ‬باللغة‭ ‬اليومية‭ ‬المحكية،‭ ‬وإذا‭ ‬تابعت‭ ‬استطلاعات‭ ‬‮«‬رأي‭ ‬الشارع‮»‬‭ ‬التي‭ ‬تجريها‭ ‬محطات‭ ‬التلفزة‭ ‬بين‭ ‬الحين‭ ‬والآخر،‭ ‬سترى‭ ‬كيف‭ ‬يتأتئ‭ ‬ويبرطم‭ ‬غالبية‭ ‬من‭ ‬يتم‭ ‬استنطاقهم‭.‬

في‭ ‬إحدى‭ ‬مقاطعات‭ ‬إنجلترا‭ ‬أفاد‭ ‬استطلاع‭ ‬للرأي‭ ‬شمل‭ ‬ألف‭ ‬طفل‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬الثامنة‭ ‬والثانية‭ ‬عشرة،‭ ‬أن‭ ‬6‭% ‬منهم‭ ‬لا‭ ‬يعرفون‭ ‬أن‭ ‬المادة‭ ‬التي‭ ‬يصنع‭ ‬منها‭ ‬البيرغر‭ (‬اللحم‭) ‬مصدرها‭ ‬الحيوانات،‭ ‬وقال‭ ‬بعضهم‭ ‬إن‭ ‬الأبقار‭ ‬تبيض،‭ ‬وعندما‭ ‬كنت‭ ‬في‭ ‬نحو‭ ‬الخامسة‭ ‬والعشرين‭ ‬ذهبت‭ ‬إلى‭ ‬لندن‭ ‬للدراسة،‭ ‬وعشت‭ ‬أياما‭ ‬عديدة‭ ‬أعاني‭ ‬من‭ ‬الجوع‭ ‬لأنني‭ ‬كنت‭ ‬أتفادى‭ ‬تناول‭ ‬أي‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬اللحوم‭ ‬خشية‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬مصدره‭ ‬الخنزير‭. ‬خذ‭ ‬في‭ ‬الاعتبار‭ ‬أنني‭ ‬من‭ ‬‮«‬أكلة‭ ‬اللحوم‮»‬‭ ‬بحكم‭ ‬أنني‭ ‬إفريقي،‭ (‬ولا‭ ‬داعي‭ ‬لسوء‭ ‬الظن‭ ‬المتوارث‭ ‬عن‭ ‬كون‭ ‬الأفارقة‭ ‬أكلة‭ ‬لحوم‭ ‬البشر،‭ ‬بل‭ ‬أعني‭ ‬أن‭ ‬اللحوم‭ ‬عنصر‭ ‬أساسي‭ ‬في‭ ‬المائدة‭ ‬الإفريقية‭ ‬كما‭ ‬هي‭ ‬على‭ ‬المائدة‭ ‬العربية‭). ‬عشت‭ ‬على‭ ‬البيض‭ ‬والكورن‭ ‬فليكس‭ ‬نحو‭ ‬3‭ ‬أسابيع‭.. ‬كانت‭ ‬تلك‭ ‬أول‭ ‬مرة‭ ‬أتعاطى‭ ‬فيها‭ ‬الكورن‭ ‬فليكس‭ ‬وبالتالي‭ ‬كان‭ ‬تعاطيه‭ ‬بالنسبة‭ ‬لي‭ ‬قفزة‭ ‬حضارية‭... ‬ولكن‭ ‬زميلا‭ ‬لي‭ ‬‮«‬خبيثا‮»‬‭ ‬قال‭ ‬لي‭ ‬إن‭ ‬خنازير‭ ‬بريطانيا‭ ‬تبيض،‭ ‬فصدقت‭ ‬كلامه‭ ‬وقاطعت‭ ‬البيض‭ ‬خاصة‭ ‬وأن‭ ‬البيض‭ ‬في‭ ‬بريطانيا‭ ‬كان‭ ‬ضعف‭ ‬حجم‭ ‬البيض‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬متداولا‭ ‬في‭ ‬السوق‭ ‬السودانية،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬صار‭ ‬الكورن‭ ‬فليكس‭ ‬إفطاري‭ ‬وغدائي‭ ‬وعشائي‭. ‬ثم‭ ‬فُرجت‭ ‬واكتشفت‭ ‬دجاج‭ ‬كنتاكي‭ ‬فكانت‭ ‬قصة‭ ‬حب‭ ‬من‭ ‬أول‭ ‬قضمة‭. ‬ولاحقا‭ ‬وجدت‭ ‬الفول‭ ‬الجاف‭ ‬معروضا‭ ‬في‭ ‬محل‭ ‬لبيع‭ ‬علف‭ ‬الخيل‭ ‬واشتريت‭ ‬منه‭ ‬كميات‭ ‬تجارية‭ ‬واسترددت‭ ‬لياقتي‭ ‬البدنية‭ ‬وعافيتي،‭ ‬فالسوداني‭ ‬إذا‭ ‬لم‭ ‬يأكل‭ ‬الفول‭ ‬شهرا‭ ‬كاملا‭ ‬يصاب‭ ‬بالأرق‭ ‬والباسور‭ ‬والناسور‭ ‬والشلل‭ ‬الرعاش‭ ‬والتهاب‭ ‬المسالك‭ ‬البولية‭ (‬لعل‭ ‬بعضكم‭ ‬يذكر‭ ‬ما‭ ‬كتبته‭ ‬هنا‭ ‬عن‭ ‬البروفسر‭ ‬السوداني‭ ‬الطبيب‭ ‬مصطفى‭ ‬عبد‭ ‬الله‭ ‬محمد‭ ‬صالح‭ ‬الذي‭ ‬اكتشف‭ ‬أن‭ ‬السودانيين‭ ‬والمصريين‭ ‬أقل‭ ‬أهل‭ ‬الأرض‭ ‬تعرضا‭ ‬للإصابة‭ ‬بالصرع‭ ‬لأنهم‭ ‬يدمنون‭ ‬الفول‭ ‬لأن‭ ‬في‭ ‬الفول‭ ‬مادة‭ ‬تمنع‭ ‬الإصابة‭ ‬بذلك‭ ‬المرض‭ ‬وغيره‭ ‬من‭ ‬أمراض‭ ‬الجهاز‭ ‬العصبي‭).‬

يعتقد‭ ‬جيل‭ ‬العواجيز‭ ‬أن‭ ‬جيل‭ ‬الشباب‭ ‬المعاصر‭ ‬جاهل‭ ‬وسطحي،‭ ‬لأن‭ ‬منهم‭ ‬من‭ ‬يحسب‭ ‬أن‭ ‬الخديوي‭ ‬إسماعيل‭ ‬هو‭ ‬شيخ‭ ‬الطريقة‭ ‬الإسماعيلية،‭ ‬وأن‭ ‬نلسون‭ ‬مانديلا‭ ‬مطرب‭ ‬أمريكي‭ ‬يدمن‭ ‬المخدرات،‭ ‬أو‭ ‬أن‭ ‬دار‭ ‬فور‭ ‬هو‭ ‬اسم‭ ‬قصر‭ ‬على‭ ‬نهر‭ ‬الفرات‭ ‬بناه‭ ‬أبو‭ ‬جعفر‭ ‬المنصور‭ ‬قبل‭ ‬الغزو‭ ‬الأمريكي‭ ‬للعراق‭ ‬عام‭ ‬2003‭ ‬بعدة‭ ‬أشهر،‭ ‬واسمه‭ ‬الأصلي‭ ‬دار‭ ‬الفرات‭ ‬ولكن‭ ‬الأمريكان‭ ‬جعلوه‭ ‬دارفور‭ ‬جريا‭ ‬وراء‭ ‬عادتهم‭ ‬في‭ ‬العبث‭ ‬بالناس‭ ‬والأسماء‭ ‬والأرواح‭ ‬والأمكنة‭. ‬نعم‭ ‬جيلنا‭ ‬كان‭ ‬يعرف‭ ‬نهرو‭ ‬وتيتو‭ ‬وأن‭ ‬بنغلاديش‭ ‬كانت‭ ‬حتى‭ ‬أوائل‭ ‬سبعينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬تسمى‭ ‬باكستان‭ ‬الشرقية‭. ‬سو‭ ‬وات؟‭ ‬نصف‭ ‬أبناء‭ ‬وبنات‭ ‬جيلنا‭ ‬يصيحون‭: ‬يا‭ ‬ولد‭/‬يا‭ ‬بنت‭.. ‬تعالوا‭ ‬شوف‭ ‬موبايلي‭ ‬ليش‭ ‬يصيح‭.. ‬يا‭ ‬حمودي‭ ‬شوف‭ ‬قناة‭ ‬إم‭ ‬بي‭ ‬سي‭ ‬وين‭ ‬راحت‭.. ‬فطومة‭ ‬شوفي‭ ‬الكمبيوتر‭ ‬ليش‭ ‬ما‭ ‬يشتغل‭ (‬الكهرباء‭ ‬غير‭ ‬موصلة‭ ‬يا‭ ‬بابا‭).. ‬بعبارة‭ ‬أخرى‭ ‬مقاييس‭ ‬المعرفة‭ ‬تغيرت،‭ ‬والأمي‭ ‬في‭ ‬عالمنا‭ ‬المعاصر‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬لا‭ ‬يحسن‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬التكنولوجيا،‭ ‬وفي‭ ‬جيل‭ ‬الشباب‭ ‬حتى‭ ‬‮«‬عبيط‭ ‬الحي‮»‬‭ ‬يعرف‭ ‬كيف‭ ‬يتعامل‭ ‬مع‭ ‬هواوي‭ ‬وغالاكسي‭ ‬والآيفون‭ ‬ومايكروسوفت‭ ‬وحبيب‭ ‬الكل‭ ‬غوغل‭. ‬طبعا‭ ‬لا‭ ‬شك‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬الجيل‭ ‬‮«‬الجديد‮»‬‭ ‬يعاني‭ ‬من‭ ‬سوء‭ ‬التحصيل‭ ‬الأكاديمي‭ ‬ولا‭ ‬يجيد‭ ‬القراءة‭ ‬والكتابة‭ ‬كجيل‭ ‬الآباء‭ ‬والأمهات،‭ ‬ولكن‭ ‬جيل‭ ‬الكبار‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬وضع‭ ‬المناهج‭ ‬المدرسية‭ ‬السطحية‭ ‬الركيكة‭ ‬وتولى‭ ‬توصيلها‭ ‬وتدريسها‭ ‬و«توريثها‮»‬،‭ ‬وعلى‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬فإن‭ ‬جيل‭ ‬الكبار‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬الشباب‭ ‬إذا‭ ‬أراد‭ ‬معلومة‭ ‬قام‭ ‬وقعد‭ ‬وفتح‭ ‬كذا‭ ‬كتاب‭ ‬ليعثر‭ ‬على‭ ‬المعلومة،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬أن‭ ‬جيل‭ ‬الشباب‭ ‬المعاصر‭ ‬يحصل‭ ‬على‭ ‬أطنان‭ ‬من‭ ‬المعلومات‭ ‬خلال‭ ‬ثوان‭ ‬بعد‭ ‬التشاور‭ ‬مع‭ ‬المفكر‭ ‬غوغل‭ ‬والسيد‭ ‬ويكيبيديا،‭ ‬ولعل‭ ‬سهولة‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬المعلومات‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬جعل‭ ‬شباب‭ ‬اليوم‭ ‬عازفا‭ ‬عن‭ ‬القراءة‭.‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا