زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
العب تكسب فتاة
تناولت الاثنين موضوع الخمر وأثرها على الفرد والمجتمع، وقلت إنها وعلى كافة المستويات أكثر خطرا من المخدرات، ولو من زاوية ان من يتعاطى المخدرات يعرض نفسه وحسب، للمخاطر في غالب الأحوال، بينما من هو تحت تأثير الخمر، خطر على نفسه وعلى الآخرين في غالب الأحوال، وأتناول اليوم واحدة من الآفات الاجتماعية المسكوت عنها إلى حد كبير، بمعنى أنه ليس هناك من يدق نواقيس الخطر منبها إلى مضارها، وأعني بذلك شُلل الميسر (في غياب أندية قمار مصرح بها) والتي توجد في كل المدن تقريبا، وتتألف عادة من «أصدقاء» أو أناس يعرفون بعضهم البعض جيدا ولا يسمحون لغريب بالانضمام اليهم، لأنهم يدركون ان ما يفعلونه أمر مستهجن اجتماعيا وقانونيا ودينيا. وما يحيرني هو: كيف يمكن ان تكون صديقي ثم تسلب مني على طاولة القمار راتبي بالكامل او ربما بيتي وسيارتي. وحتى لو لم تكن صديقا لمن تقامر معهم كيف ترضى لنفسك تجريدهم من مالهم وممتلكاتهم، وحتى لو كنت وثنيا او هندوسيا أو ساكسفونيا؟ كيف تقبل لنفسك إعاشة عائلتك من مال مسلوب من آخرين؟ شخصيا اعتقد أنه أهون على نفسي أن أتعرض للسرقة أو النشل من قبل لص محترف من وراء ظهري من أن يسلبني شخص أعرفه مالي، بضربة حظ، ولكن وبالمقابل فإنني لو كنت مقامرا لما كان من حقي أن أتضايق من أن صديقا جردني من مالي في مائدة قمار، لأنني شاركته المقامرة بهدف الاستيلاء على أمواله وأموال الآخرين.
وأعود بكم اليوم إلى حكاية كتبت عنها من قبل واستقيتها من تقرير لوكالة الصحافة الفرنسية عن الفتاة الباكستانية رشيدة بيغوم، التي طالب صديق والدها الراحل بـ«امتلاكها». وما حدث هو أن والد رشيدة خسر قبل وفاته كل ما معه من مال على مائدة القمار، بل وصار مدينا للمدعو لال حيدر بمبلغ يعادل 160 دولارا، فما كان منه كمقامر محترف و«صاحب كلمة» يحترم «شرف المهنة!!!»، إلا أن كتب مستندا يتنازل فيه لحيدر عن ابنته التي كانت قد أكملت عامها الأول وقتها. ومؤخرا طالب حيدر بالفتاة بموجب صك التنازل الذي وقع عليه والدها، الذي توفي منذ سنوات، غير مأسوف عليه. والدة رشيدة لم ترض لابنتها المهانة وقدمت لحيدر المال الذي عجز زوجها المتوفى عن سداده بالتمام والكمال، ولكن حيدر تمسك بشروط «البيع»، وطالب بحقه في اقتناء فتاة آخر موديل عمرها 17 سنة: لا البنت رشيدة بتاعتي وأنا غلطان اللي سمحت لها بالبقاء مع أمها نحو 16 سنة بدلا من أن أربيها على يدي ثم أتزوج بها متى ما شئت.
عادة أتفادى في مقالاتي تسبيب الغم والنكد للقراء، ولكنني ارتأيت التطرق إلى حكاية رشيدة للتدليل على وجهة نظري القائلة بأن مضار القمار أفدح من مضار المخدرات. ففي غالب الأحوال فإن مدمن المخدرات لا يؤذي، على نحو مباشر، إلا نفسه، في حين أن مدمن القمار قد يؤذي في ليلة واحدة سبع او تسع عائلات متوسط عدد أفراد كل منها خمسة. ومدمن المخدرات قد يتوب ويثوب الى رشده ويكف أذاه عن نفسه وعن أهله، ولكن حتى لو تاب مدمن القمار فإن الأذى الذي ألحقه بالآخرين على مر السنين، لا يزول وينتهي.
زاملت خلال عملي بالتدريس شخصاً عبقرياً كان قادراً على تدريس الفيزياء والجغرافيا واللغة الإنجليزية بكفاءة عالية، ولكنه كان مدمن قمار ولا يعطي زوجته وعياله أي نقود، والأدهى من ذلك أنه كان يقامر وهو تحت تأثير الخمر، وبعد وفاته وأثناء قيامنا بجمع ممتلكات العائلة في بيت كانت تستأجره، توطئة لترحيل العائلة الى مسكن آخر، وجدنا مبالغ طائلة محشوة بين الكتب وداخل أحذية قديمة وفي شقوق الجدران. كان الراحل قد خبأها وهو سكران ليقامر بها لاحقا، ونسي أمرها فيما يبدو، وبوفاته تحسنت أحوال عائلته المادية.. فتأمل.
إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"
aak_news

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك