زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
لماذا أرفض السياحة؟
ربما لا يذكر الناس «محاسني» بعد رحيلي من ظاهر الأرض إلى باطنها، وربما يفبركون لي محاسن «لا تخصني»، ومن ثم فلابد أن أتغنى بمحاسني بين الحين والحين، وأقول اليوم إن من بين خصالي الحميدة القليلة أنني لست «حشريا» ولا فضوليا. لا أحشر نفسي فيما لا يخصني، ولا أتصيد «أخبار» الناس لجعلها مادة للونسة والسوالف و«الحش/ النميمة». أتصيد أخبار من يهمني أمرهم، لأنني أفرح لفرحهم، وأسعى لمعاضدتهم إذا كانوا يمرون بظروف عصيبة. أثناء قيادة السيارة أرى أناسا يتجمهرون حول سيارة كانت طرفا في حادث مروري، فلا ألتفت ثانية لتقصي فداحة أو بساطة الحادث. ما لم أحس بأن هناك ما يمكن أن أقدمه لأطراف الحادث، كإبلاغ الشرطة بالأمر مثلا، بل أود لو انهال بحزام بنطلوني ضربا على الفضوليين المتجمعين حول السيارة والذين غالبا ما يتسببون في حادث أفدح، بإعاقة حركة المرور أو إعاقة عمليات نجدة وإسعاف المصابين (إذا كان هناك مصابون). ويتعجب معارفي كثيرا من ضعف حصيلتي الجغرافية المتعلقة بالأماكن في مدن معينة. يصف لي أحدهم المكان المقترح للقائنا: شفت مطعم نابليون في شارع حنطور بن صنقور؟ لا، لا شفت المطعم ولا شفت الشارع. معقول هناك من لا يعرف مطعم نابليون؟ نعم معقول.. أنا لا أعرف مطعم نابليون ولا أريد ان أعرفه.. طيب شفت العمارة اللي فيها الصالون الأصفر؟ وهل هناك صالون أصفر وآخر بمبي؟ بعبارة أخرى ليس عندي حتى مجرد حب الاستطلاع في ما يخص أشياء وأماكن لا أتعامل معها في سياق حياتي المهنية أو الاجتماعية. أقيم في مدينة الدوحة منذ عصر الغوص واللؤلؤ، وكثيرا ما أوقف فيها سيارة تاكسي وأطلب من سائقها أن «يمشي قدامي» الى المكان الفلاني، وأتبعه بسيارتي وبعد أن أصل إلى وجهتي أعطيه أجرة المشوار. طبعا كثيرا ما يتشكك سائقو التاكسي في قواي العقلية، ويرفضون أن يستأجر شخص ما لديه سيارة لا تعاني من عطل، سياراتهم من دون أن يركب فيها. وسمعت كثيرا كلاما من شاكلة: أنت نفرات ما في مك (مخ).. شنو هادا مسكرة (مسخرة) ولكنني أبدد شكوكهم بدفع أجرة المشوار مقدما، وذهبت إلى القاهرة نحو سبع مرات ولم أزر الأهرامات. لسبب بديهي وهو أنني رأيت الأهرامات مئات المرات على الشاشات، ورؤيتها بالعين المجردة لن تؤدي إلى خفض معدل الكولسترول في دمي أو منحي علاوة تشجيعية. ثم أن أهل مصر أحلى من الأهرامات وأولى بوقتي، ولهذا فإنني لا أعرف منين يودي على فين في القاهرة، ولا أتنقل فيها إلا بالتاكسي رغم علمي أن سائق التاكسي سيخرم جيبي ويخرب بيتي بالمطالبة بأجرة «خرافية».
كل هذه المقدمة تجيء عطفا على مقال كتبته قبل أشهر لتبرير قراري بعدم السفر الى أي جهة لـ«الفسحة»، فجاءتني رسائل من قراء بأنني «بخيل وجلدة وقيحة»، وأعتقد أن الحكاية فيها «إن» بمعنى أن تلك الرسائل كتبت بإيعاز من عيالي أو كتبوها هم من حسابات بريدية الكترونية فتحوها خصيصا للتشهير بي. وعذري في رفض السياحة الخارجية هو أن أجمل مكان في العالم في نظري هو بيتي. وأجمل النساء زوجتي وبنتاي وأخواتي وبنات إخوتي. وأفضل رفقة هم عيالي وأقاربي وأصدقائي حيث أقيم او في السودان، حيث أمضي أجمل إجازاتي (قبل أن يصبح السودان في خبر كان). وقد قبل عيالي على مضض – بمنطقي القائل ان الإجازة تعني الترويح عن النفس، والترويح يعني الراحة وليس الملطشة في المطارات والجلوس داخل الطائرات مثل الدجاج المجمد. وإذا أصبت بلوثة عقلية وسافرت بعائلتي إلى «الخارج» (وقد عاهدت نفسي على عدم قضاء إجازة في أي بلد عربي) سيكون ذلك فقط بغرض إقامة معسكر عائلي وليس بغرض السياحة. يعني نلتزم بحظر التجول ونقضي الوقت كله سويا تحت سقف واحد، ونطلع وننزل سويا على أضيق نطاق، لنعيد اكتشاف أنفسنا بين الحين والآخر.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك