العدد : ١٧١٢٦ - الثلاثاء ١١ فبراير ٢٠٢٥ م، الموافق ١٢ شعبان ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧١٢٦ - الثلاثاء ١١ فبراير ٢٠٢٥ م، الموافق ١٢ شعبان ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

لماذا أرفض السياحة؟

ربما‭ ‬لا‭ ‬يذكر‭ ‬الناس‭ ‬‮«‬محاسني‮»‬‭ ‬بعد‭ ‬رحيلي‭ ‬من‭ ‬ظاهر‭ ‬الأرض‭ ‬إلى‭ ‬باطنها،‭ ‬وربما‭ ‬يفبركون‭ ‬لي‭ ‬محاسن‭ ‬‮«‬لا‭ ‬تخصني‮»‬،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬فلابد‭ ‬أن‭ ‬أتغنى‭ ‬بمحاسني‭ ‬بين‭ ‬الحين‭ ‬والحين،‭ ‬وأقول‭ ‬اليوم‭ ‬إن‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬خصالي‭ ‬الحميدة‭ ‬القليلة‭ ‬أنني‭ ‬لست‭ ‬‮«‬حشريا‮»‬‭ ‬ولا‭ ‬فضوليا‭. ‬لا‭ ‬أحشر‭ ‬نفسي‭ ‬فيما‭ ‬لا‭ ‬يخصني،‭ ‬ولا‭ ‬أتصيد‭ ‬‮«‬أخبار‮»‬‭ ‬الناس‭ ‬لجعلها‭ ‬مادة‭ ‬للونسة‭ ‬والسوالف‭ ‬و‮«‬الحش‭/ ‬النميمة‮»‬‭. ‬أتصيد‭ ‬أخبار‭ ‬من‭ ‬يهمني‭ ‬أمرهم،‭ ‬لأنني‭ ‬أفرح‭ ‬لفرحهم،‭ ‬وأسعى‭ ‬لمعاضدتهم‭ ‬إذا‭ ‬كانوا‭ ‬يمرون‭ ‬بظروف‭ ‬عصيبة‭. ‬أثناء‭ ‬قيادة‭ ‬السيارة‭ ‬أرى‭ ‬أناسا‭ ‬يتجمهرون‭ ‬حول‭ ‬سيارة‭ ‬كانت‭ ‬طرفا‭ ‬في‭ ‬حادث‭ ‬مروري،‭ ‬فلا‭ ‬ألتفت‭ ‬ثانية‭ ‬لتقصي‭ ‬فداحة‭ ‬أو‭ ‬بساطة‭ ‬الحادث‭. ‬ما‭ ‬لم‭ ‬أحس‭ ‬بأن‭ ‬هناك‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬أقدمه‭ ‬لأطراف‭ ‬الحادث،‭ ‬كإبلاغ‭ ‬الشرطة‭ ‬بالأمر‭ ‬مثلا،‭ ‬بل‭ ‬أود‭ ‬لو‭ ‬انهال‭ ‬بحزام‭ ‬بنطلوني‭ ‬ضربا‭ ‬على‭ ‬الفضوليين‭ ‬المتجمعين‭ ‬حول‭ ‬السيارة‭ ‬والذين‭ ‬غالبا‭ ‬ما‭ ‬يتسببون‭ ‬في‭ ‬حادث‭ ‬أفدح،‭ ‬بإعاقة‭ ‬حركة‭ ‬المرور‭ ‬أو‭ ‬إعاقة‭ ‬عمليات‭ ‬نجدة‭ ‬وإسعاف‭ ‬المصابين‭ (‬إذا‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬مصابون‭). ‬ويتعجب‭ ‬معارفي‭ ‬كثيرا‭ ‬من‭ ‬ضعف‭ ‬حصيلتي‭ ‬الجغرافية‭ ‬المتعلقة‭ ‬بالأماكن‭ ‬في‭ ‬مدن‭ ‬معينة‭. ‬يصف‭ ‬لي‭ ‬أحدهم‭ ‬المكان‭ ‬المقترح‭ ‬للقائنا‭: ‬شفت‭ ‬مطعم‭ ‬نابليون‭ ‬في‭ ‬شارع‭ ‬حنطور‭ ‬بن‭ ‬صنقور؟‭ ‬لا،‭ ‬لا‭ ‬شفت‭ ‬المطعم‭ ‬ولا‭ ‬شفت‭ ‬الشارع‭. ‬معقول‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬لا‭ ‬يعرف‭ ‬مطعم‭ ‬نابليون؟‭ ‬نعم‭ ‬معقول‭.. ‬أنا‭ ‬لا‭ ‬أعرف‭ ‬مطعم‭ ‬نابليون‭ ‬ولا‭ ‬أريد‭ ‬ان‭ ‬أعرفه‭.. ‬طيب‭ ‬شفت‭ ‬العمارة‭ ‬اللي‭ ‬فيها‭ ‬الصالون‭ ‬الأصفر؟‭ ‬وهل‭ ‬هناك‭ ‬صالون‭ ‬أصفر‭ ‬وآخر‭ ‬بمبي؟‭ ‬بعبارة‭ ‬أخرى‭ ‬ليس‭ ‬عندي‭ ‬حتى‭ ‬مجرد‭ ‬حب‭ ‬الاستطلاع‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬يخص‭ ‬أشياء‭ ‬وأماكن‭ ‬لا‭ ‬أتعامل‭ ‬معها‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬حياتي‭ ‬المهنية‭ ‬أو‭ ‬الاجتماعية‭. ‬أقيم‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬الدوحة‭ ‬منذ‭ ‬عصر‭ ‬الغوص‭ ‬واللؤلؤ،‭ ‬وكثيرا‭ ‬ما‭ ‬أوقف‭ ‬فيها‭ ‬سيارة‭ ‬تاكسي‭ ‬وأطلب‭ ‬من‭ ‬سائقها‭ ‬أن‭ ‬‮«‬يمشي‭ ‬قدامي‮»‬‭ ‬الى‭ ‬المكان‭ ‬الفلاني،‭ ‬وأتبعه‭ ‬بسيارتي‭ ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬أصل‭ ‬إلى‭ ‬وجهتي‭ ‬أعطيه‭ ‬أجرة‭ ‬المشوار‭. ‬طبعا‭ ‬كثيرا‭ ‬ما‭ ‬يتشكك‭ ‬سائقو‭ ‬التاكسي‭ ‬في‭ ‬قواي‭ ‬العقلية،‭ ‬ويرفضون‭ ‬أن‭ ‬يستأجر‭ ‬شخص‭ ‬ما‭ ‬لديه‭ ‬سيارة‭ ‬لا‭ ‬تعاني‭ ‬من‭ ‬عطل،‭ ‬سياراتهم‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يركب‭ ‬فيها‭. ‬وسمعت‭ ‬كثيرا‭ ‬كلاما‭ ‬من‭ ‬شاكلة‭: ‬أنت‭ ‬نفرات‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬مك‭ (‬مخ‭).. ‬شنو‭ ‬هادا‭ ‬مسكرة‭ (‬مسخرة‭) ‬ولكنني‭ ‬أبدد‭ ‬شكوكهم‭ ‬بدفع‭ ‬أجرة‭ ‬المشوار‭ ‬مقدما،‭ ‬وذهبت‭ ‬إلى‭ ‬القاهرة‭ ‬نحو‭ ‬سبع‭ ‬مرات‭ ‬ولم‭ ‬أزر‭ ‬الأهرامات‭. ‬لسبب‭ ‬بديهي‭ ‬وهو‭ ‬أنني‭ ‬رأيت‭ ‬الأهرامات‭ ‬مئات‭ ‬المرات‭ ‬على‭ ‬الشاشات،‭ ‬ورؤيتها‭ ‬بالعين‭ ‬المجردة‭ ‬لن‭ ‬تؤدي‭ ‬إلى‭ ‬خفض‭ ‬معدل‭ ‬الكولسترول‭ ‬في‭ ‬دمي‭ ‬أو‭ ‬منحي‭ ‬علاوة‭ ‬تشجيعية‭. ‬ثم‭ ‬أن‭ ‬أهل‭ ‬مصر‭ ‬أحلى‭ ‬من‭ ‬الأهرامات‭ ‬وأولى‭ ‬بوقتي،‭ ‬ولهذا‭ ‬فإنني‭ ‬لا‭ ‬أعرف‭ ‬منين‭ ‬يودي‭ ‬على‭ ‬فين‭ ‬في‭ ‬القاهرة،‭ ‬ولا‭ ‬أتنقل‭ ‬فيها‭ ‬إلا‭ ‬بالتاكسي‭ ‬رغم‭ ‬علمي‭ ‬أن‭ ‬سائق‭ ‬التاكسي‭ ‬سيخرم‭ ‬جيبي‭ ‬ويخرب‭ ‬بيتي‭ ‬بالمطالبة‭ ‬بأجرة‭ ‬‮«‬خرافية‮»‬‭.‬

كل‭ ‬هذه‭ ‬المقدمة‭ ‬تجيء‭ ‬عطفا‭ ‬على‭ ‬مقال‭ ‬كتبته‭ ‬قبل‭ ‬أشهر‭ ‬لتبرير‭ ‬قراري‭ ‬بعدم‭ ‬السفر‭ ‬الى‭ ‬أي‭ ‬جهة‭ ‬لـ‮«‬الفسحة‮»‬،‭ ‬فجاءتني‭ ‬رسائل‭ ‬من‭ ‬قراء‭ ‬بأنني‭ ‬‮«‬بخيل‭ ‬وجلدة‭ ‬وقيحة‮»‬،‭ ‬وأعتقد‭ ‬أن‭ ‬الحكاية‭ ‬فيها‭ ‬‮«‬إن‮»‬‭ ‬بمعنى‭ ‬أن‭ ‬تلك‭ ‬الرسائل‭ ‬كتبت‭ ‬بإيعاز‭ ‬من‭ ‬عيالي‭ ‬أو‭ ‬كتبوها‭ ‬هم‭ ‬من‭ ‬حسابات‭ ‬بريدية‭ ‬الكترونية‭ ‬فتحوها‭ ‬خصيصا‭ ‬للتشهير‭ ‬بي‭. ‬وعذري‭ ‬في‭ ‬رفض‭ ‬السياحة‭ ‬الخارجية‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬أجمل‭ ‬مكان‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬في‭ ‬نظري‭ ‬هو‭ ‬بيتي‭. ‬وأجمل‭ ‬النساء‭ ‬زوجتي‭ ‬وبنتاي‭ ‬وأخواتي‭ ‬وبنات‭ ‬إخوتي‭. ‬وأفضل‭ ‬رفقة‭ ‬هم‭ ‬عيالي‭ ‬وأقاربي‭ ‬وأصدقائي‭ ‬حيث‭ ‬أقيم‭ ‬او‭ ‬في‭ ‬السودان،‭ ‬حيث‭ ‬أمضي‭ ‬أجمل‭ ‬إجازاتي‭ (‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يصبح‭ ‬السودان‭ ‬في‭ ‬خبر‭ ‬كان‭). ‬وقد‭ ‬قبل‭ ‬عيالي‭ ‬على‭ ‬مضض‭ ‬‭ ‬بمنطقي‭ ‬القائل‭ ‬ان‭ ‬الإجازة‭ ‬تعني‭ ‬الترويح‭ ‬عن‭ ‬النفس،‭ ‬والترويح‭ ‬يعني‭ ‬الراحة‭ ‬وليس‭ ‬الملطشة‭ ‬في‭ ‬المطارات‭ ‬والجلوس‭ ‬داخل‭ ‬الطائرات‭ ‬مثل‭ ‬الدجاج‭ ‬المجمد‭. ‬وإذا‭ ‬أصبت‭ ‬بلوثة‭ ‬عقلية‭ ‬وسافرت‭ ‬بعائلتي‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬الخارج‮»‬‭ (‬وقد‭ ‬عاهدت‭ ‬نفسي‭ ‬على‭ ‬عدم‭ ‬قضاء‭ ‬إجازة‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬بلد‭ ‬عربي‭) ‬سيكون‭ ‬ذلك‭ ‬فقط‭ ‬بغرض‭ ‬إقامة‭ ‬معسكر‭ ‬عائلي‭ ‬وليس‭ ‬بغرض‭ ‬السياحة‭. ‬يعني‭ ‬نلتزم‭ ‬بحظر‭ ‬التجول‭ ‬ونقضي‭ ‬الوقت‭ ‬كله‭ ‬سويا‭ ‬تحت‭ ‬سقف‭ ‬واحد،‭ ‬ونطلع‭ ‬وننزل‭ ‬سويا‭ ‬على‭ ‬أضيق‭ ‬نطاق،‭ ‬لنعيد‭ ‬اكتشاف‭ ‬أنفسنا‭ ‬بين‭ ‬الحين‭ ‬والآخر‭.‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا