الرأي الثالث
محميد المحميد
malmahmeed7@gmail.com
الرئيس «ترامب».. والمثل الشعبي «وين أذنك يا حبشي؟»
للمثل الشعبي والخليجي الدارج: «وين أذنك يا حبشي؟» قصة، يجب أن تروى.. حيث يحكى أن رجلا سأل رجلا من الحبشة: أين أذنك؟ فقام الرجل الحبشي برفع يده اليمنى فوق رأسه ولمس بها أذنه اليسرى، وقال: هذه أذني.. وكان بإمكانه أن يلمس باليد اليمنى الأذن اليمنى بدلا من القفز فوق الرأس ولمس الأذن اليسرى.. وقد ذهب هذا المثل لوصف أي شخص يأتي بإجابة بعيدة وطويلة.. على الرغم من وضوح الطريق وسرعة الطريقة.
المثل ذاته ينطبق تماما اليوم على حديث الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب»، حينما دعا إلى تهجير الفلسطينيين إلى مصر والأردن، مؤكدا أن تلك الدعوة هي الحل للقضية الفلسطينية، وسوف تقبل بها مصر والأردن معا.. في حين أن حل القضية الفلسطينية يكمن في وقف الحرب والانتهاكات، وإقامة الدولة الفلسطينية وفق حل الدولتين.
موقف دول مجلس التعاون الخليجي من دعوة «ترامب» كان واضحا، وهو الموقف الثابت برفض تهجير الفلسطينيين، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.. وكذلك هي جامعة الدول العربية، التي أكدت أن السبيل الحقيقي والوحيد إلى تحقيق الاستقرار والسلام هو من خلال تسوية القضية الفلسطينية، وبأن تكون من خلال «تنفيذ حل الدولتين المتفق عليه دولياً وتجسيد الدولة الفلسطينية»، وأن الالتفاف على هذه المبادئ الثابتة والمحددات المستقرة، «لن يكون من شأنه سوى إطالة أمد الصراع، وجعل السلام أبعد منال».. وكذلك كان الموقف المصري والأردني، رسميا وشعبيا، حاسما وحازما، في رفض تلك الدعوة المريبة..!
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وكما وصفه الأستاذ «عبداللطيف المناوي» في مقاله بالأمس، أنه يتعامل مع السياسة الدولية، وتحديدا القضية الفلسطينية، وكأنها جزء من مسيرته في عالم المال والأعمال، حيث يسعى إلى تحقيق مكاسب سريعة عبر صفقات كبرى، متجاهلا التعقيدات التاريخية والسياسية والاجتماعية العميقة، التي تحكم توازنات القوى في المنطقة.
ذلك أن الفلسطينيين لا يبحثون عن لجوء إلى أرض جديدة، بل يطالبون بحقوقهم التاريخية في وطنهم، وإن محاولة فرض حل يقوم على تهجير السكان، بدلًا من معالجة جذور المشكلة المتمثلة في الاحتلال والحصار، لا تعني سوى تكريس الظلم، وخلق أزمة طويلة الأمد، لن تلبث أن تنفجر في وجه الجميع.
وما يعتبره ترامب «صفقة القرن»، يمكن أن يتحول إلى «خطأ القرن»، إذا استمر في التعامل مع قضايا المنطقة بسطحية وانحياز.. وأن التلاعب بالديموغرافيا، وفرض حلول قسرية.. لن يؤدى إلا إلى المزيد من الفوضى وعدم الاستقرار.. والأسوأ أن مثل هذه الحلول ستغذي التطرف، وتعزز الشعور بالإقصاء، مما يجعل المنطقة أكثر عرضة للاضطرابات والتصعيد.
ما يحتاج الرئيس ترامب والإدارة الأمريكية بشكل عام إلى فهمه، هو أن استقرار المنطقة لن يتحقق بفرض حلول قصيرة النظر.. بل عبر معالجة جذور المشكلة، والاعتراف بحقوق الفلسطينيين، ودعم حلول سياسية عادلة ومستدامة.. وإن مصر والأردن، برفضهما القاطع لمثل هذه الأفكار، لا يدافعان فقط عن أمنهما القومي، بل يوجهان رسالة واضحة بأن تجاهل حقائق الجغرافيا والتاريخ لا يمكن أن يؤدي إلا إلى نتائج كارثية أسرع مما يظن الجميع.
ولذلك نقول إن على مستشاري الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب».. أن يفسروا له مقاصد المثل الشعبي: «وين أذنك يا حبشي؟».
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك