أدب الأوبئة Epidemics Literature هو ذلك الأدب الذي موضوعه الأوبئة والجوائح الكبرى التي غيّرت وجه العالم كلّه في مساراتٍ فارقة، وهو أدبٌ أفرزته تلك الجوائح والأوبئة الكونيّة وتشكّل في محيطها الثقافيّ والإبداعيّ. ويمكننا وصف هذا الأدب بأنه أدب كونيّ؛ وسرديات الجماعات الإنسانيّة الكبرى ومتخيّلها الجمعيّ، وحتى الشخصيّ منه يندرج في إطار الجمعيّ بتمثيلاته الثقافيّة. إنَّ أدب الأوبئة تشكّل عبر قرون طويلة، وخلَّدته الذاكرة البشرية في بعض الأنواع الأدبيّة شعرًا، ونثرًا، وأساطير، وملاحم كونيّة، وكتب المحن، ونهايات العالم وآخر الزمان، ومدوَّنات تاريخيّة، ودفاتر يوميات، وروايات وأنواع لا حصر لها من الكتابات التي ربَّما تأبى التقييد في حدود الأجناس الأدبيّة المعروفة وتتمرّد عليها. وفي تصوري هو أدبٌ عابرٌ للقارات وعابرٌ للأجناس والعرقيات يتخطاها جميعها ليكون الجميع أنموذجًا واحدًا في ترقب الموت. هو أدب ينتج عنه أدب آخر هو أدب العزلة والتأمل في الذات البشرية، وهو أدبٌ له مداخل متعددة نستطيع أن نقول إنَّه أدب بينيٌ متعدد الاختصاصات ينفتح فيه الأدب على التاريخ والفلسفة والأنثروبولوجيا والفنون وغيرها. وهو أدب للأسف لا نجد له حتى الآن عالميًا تنظيراتٍ نقدية وفكرية فلسفيّة عميقة تفكّكه، ما السبب في ذلك هل لأنَّ ذاكرة الوباء والجائحة هي ذاكرة بشرية لحظية وما أن تتخطاها البشرية حتى تمحوها، وتصبح السرديات الجماعيّة الكونيّة المستبعدة أو الممحوة التي تمارس عليها آليات المحو والنسيان، وما أن تحدث جائحة كونية جديدة حتى تُستعاد تلك الذاكرة البعيدة القصية المهملة: إنَّ هذا يحتاج إلى مقاربات نفسية عميقة عن ذاكرة الألم الكونية الكبرى! (أدب الأوبئة) هو خطاب Discourse)) فيه تلك الرمزيات الكبرى العميقة: أدب الواقعيّ والمتخيّل، أدب انهيار الحدود، أدب السرديات التنبؤية. أدب الديستوبيا!
ورغم اشتغال الفلاسفة والنقاد في مرحلتي الحداثة وما بعدها بخطاب المرض وإشكالياته الكبرى الفلسفيّة والفكرية (من النقاد البنيويين سأذكر ميشيل فوكو واشتغاله على خطاب الجنون في العصر الكلاسيكيّ من منظور بنيويّ)، أقول رغم هذه الاشتغالات الفكرية والفلسفيّة إلا أننا للأسف لا نتوفّر على اشتغال فلسفيّ وفكريّ عميق لأدب الأوبئة والجوائح الكبرى لا تنظيرًا نقديًا ولا حتى فلسفيًا فكريًا، وحتّى الفيلسوف والمفكر الفرنسيّ بول ريكور في تنظيره للذاكرة البشرية في كتابه «الذاكرة، التاريخ، النسيان» لم يتعرض لذاكرة الأوبئة واكتفى فقط بذاكرة الألم المتولِّدة من الإساءة ثم آليات الغفران الصعب.
لقد قدَّم المؤرخ شلدون واتسSheldon Watts في كتابه الأوبئة والتاريخ... المرض والقوة والإمبرياليةEpidemics and History Disease) Power and Imperialism) مقاربة ثقافية على درجة بالغة من الأهمية عندما ربط بين الأوبئة والأمراض وتواريخ الإمبريالية في العالم. ورغم اندراج مقاربة شلدون واتس في علم تاريخ الأمراض والأوبئة إلا أنَّ هذه المقاربة بالذات سلَّطت الضوء على أمر في غاية الأهمية هو أنَّ مؤرخي الطب الحديث يرون أنَّ الطب نفسه كان وسيلة رئيسية لنقل الأفكار الإمبريالية وتطبيقاتها.
أستاذة السرديات والنقد الأدبيّ الحديث المشارك،
كلية الآداب، جامعة البحرين.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك