العدد : ١٧١٠٢ - السبت ١٨ يناير ٢٠٢٥ م، الموافق ١٨ رجب ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧١٠٢ - السبت ١٨ يناير ٢٠٢٥ م، الموافق ١٨ رجب ١٤٤٦هـ

الثقافي

سرديات: الأمراض والجوائح الكونية! 1-2

{ بقلم : د. ضياء عبدالله الكعبيّ

السبت ١٨ يناير ٢٠٢٥ - 02:00

أدب‭ ‬الأوبئة‭   ‬Epidemics‭ ‬Literature‭ ‬هو‭ ‬ذلك‭ ‬الأدب‭ ‬الذي‭ ‬موضوعه‭ ‬الأوبئة‭ ‬والجوائح‭ ‬الكبرى‭ ‬التي‭ ‬غيّرت‭ ‬وجه‭ ‬العالم‭ ‬كلّه‭ ‬في‭ ‬مساراتٍ‭ ‬فارقة،‭ ‬وهو‭ ‬أدبٌ‭ ‬أفرزته‭ ‬تلك‭ ‬الجوائح‭ ‬والأوبئة‭ ‬الكونيّة‭ ‬وتشكّل‭ ‬في‭ ‬محيطها‭ ‬الثقافيّ‭ ‬والإبداعيّ‭. ‬ويمكننا‭ ‬وصف‭ ‬هذا‭ ‬الأدب‭ ‬بأنه‭ ‬أدب‭ ‬كونيّ؛‭ ‬وسرديات‭ ‬الجماعات‭ ‬الإنسانيّة‭ ‬الكبرى‭ ‬ومتخيّلها‭ ‬الجمعيّ،‭ ‬وحتى‭ ‬الشخصيّ‭ ‬منه‭ ‬يندرج‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬الجمعيّ‭ ‬بتمثيلاته‭ ‬الثقافيّة‭. ‬إنَّ‭ ‬أدب‭ ‬الأوبئة‭ ‬تشكّل‭ ‬عبر‭ ‬قرون‭ ‬طويلة،‭ ‬وخلَّدته‭ ‬الذاكرة‭ ‬البشرية‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الأنواع‭ ‬الأدبيّة‭ ‬شعرًا،‭ ‬ونثرًا،‭ ‬وأساطير،‭ ‬وملاحم‭ ‬كونيّة،‭ ‬وكتب‭ ‬المحن،‭ ‬ونهايات‭ ‬العالم‭ ‬وآخر‭ ‬الزمان،‭ ‬ومدوَّنات‭ ‬تاريخيّة،‭ ‬ودفاتر‭ ‬يوميات،‭ ‬وروايات‭ ‬وأنواع‭ ‬لا‭ ‬حصر‭ ‬لها‭ ‬من‭ ‬الكتابات‭ ‬التي‭ ‬ربَّما‭ ‬تأبى‭ ‬التقييد‭ ‬في‭ ‬حدود‭ ‬الأجناس‭ ‬الأدبيّة‭ ‬المعروفة‭ ‬وتتمرّد‭ ‬عليها‭. ‬وفي‭ ‬تصوري‭ ‬هو‭ ‬أدبٌ‭ ‬عابرٌ‭ ‬للقارات‭ ‬وعابرٌ‭ ‬للأجناس‭ ‬والعرقيات‭ ‬يتخطاها‭ ‬جميعها‭ ‬ليكون‭ ‬الجميع‭ ‬أنموذجًا‭ ‬واحدًا‭ ‬في‭ ‬ترقب‭ ‬الموت‭. ‬هو‭ ‬أدب‭ ‬ينتج‭ ‬عنه‭ ‬أدب‭ ‬آخر‭ ‬هو‭ ‬أدب‭ ‬العزلة‭ ‬والتأمل‭ ‬في‭ ‬الذات‭ ‬البشرية،‭ ‬وهو‭ ‬أدبٌ‭ ‬له‭ ‬مداخل‭ ‬متعددة‭ ‬نستطيع‭ ‬أن‭ ‬نقول‭ ‬إنَّه‭ ‬أدب‭ ‬بينيٌ‭ ‬متعدد‭ ‬الاختصاصات‭ ‬ينفتح‭ ‬فيه‭ ‬الأدب‭ ‬على‭ ‬التاريخ‭ ‬والفلسفة‭ ‬والأنثروبولوجيا‭ ‬والفنون‭ ‬وغيرها‭. ‬وهو‭ ‬أدب‭ ‬للأسف‭ ‬لا‭ ‬نجد‭ ‬له‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬عالميًا‭ ‬تنظيراتٍ‭ ‬نقدية‭ ‬وفكرية‭ ‬فلسفيّة‭ ‬عميقة‭ ‬تفكّكه،‭ ‬ما‭ ‬السبب‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬هل‭ ‬لأنَّ‭ ‬ذاكرة‭ ‬الوباء‭ ‬والجائحة‭ ‬هي‭ ‬ذاكرة‭ ‬بشرية‭ ‬لحظية‭ ‬وما‭ ‬أن‭ ‬تتخطاها‭ ‬البشرية‭ ‬حتى‭ ‬تمحوها،‭ ‬وتصبح‭ ‬السرديات‭ ‬الجماعيّة‭ ‬الكونيّة‭ ‬المستبعدة‭ ‬أو‭ ‬الممحوة‭ ‬التي‭ ‬تمارس‭ ‬عليها‭ ‬آليات‭ ‬المحو‭ ‬والنسيان،‭ ‬وما‭ ‬أن‭ ‬تحدث‭ ‬جائحة‭ ‬كونية‭ ‬جديدة‭ ‬حتى‭ ‬تُستعاد‭ ‬تلك‭ ‬الذاكرة‭ ‬البعيدة‭ ‬القصية‭ ‬المهملة‭: ‬إنَّ‭ ‬هذا‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬مقاربات‭ ‬نفسية‭ ‬عميقة‭ ‬عن‭ ‬ذاكرة‭ ‬الألم‭ ‬الكونية‭ ‬الكبرى‭!  (‬أدب‭ ‬الأوبئة‭) ‬هو‭ ‬خطاب‭ ‬Discourse‭)) ‬فيه‭ ‬تلك‭ ‬الرمزيات‭ ‬الكبرى‭ ‬العميقة‭: ‬أدب‭ ‬الواقعيّ‭ ‬والمتخيّل،‭ ‬أدب‭ ‬انهيار‭ ‬الحدود،‭ ‬أدب‭ ‬السرديات‭ ‬التنبؤية‭. ‬أدب‭ ‬الديستوبيا‭!‬

‭ ‬ورغم‭ ‬اشتغال‭ ‬الفلاسفة‭ ‬والنقاد‭ ‬في‭  ‬مرحلتي‭ ‬الحداثة‭ ‬وما‭ ‬بعدها‭ ‬بخطاب‭ ‬المرض‭ ‬وإشكالياته‭ ‬الكبرى‭ ‬الفلسفيّة‭ ‬والفكرية‭  (‬من‭ ‬النقاد‭ ‬البنيويين‭ ‬سأذكر‭ ‬ميشيل‭ ‬فوكو‭ ‬واشتغاله‭ ‬على‭ ‬خطاب‭ ‬الجنون‭ ‬في‭ ‬العصر‭ ‬الكلاسيكيّ‭ ‬من‭ ‬منظور‭ ‬بنيويّ‭)‬،‭ ‬أقول‭ ‬رغم‭ ‬هذه‭ ‬الاشتغالات‭ ‬الفكرية‭ ‬والفلسفيّة‭ ‬إلا‭  ‬أننا‭ ‬للأسف‭ ‬لا‭ ‬نتوفّر‭ ‬على‭ ‬اشتغال‭ ‬فلسفيّ‭ ‬وفكريّ‭ ‬عميق‭ ‬لأدب‭ ‬الأوبئة‭ ‬والجوائح‭ ‬الكبرى‭ ‬لا‭ ‬تنظيرًا‭ ‬نقديًا‭ ‬ولا‭ ‬حتى‭ ‬فلسفيًا‭ ‬فكريًا،‭ ‬وحتّى‭ ‬الفيلسوف‭ ‬والمفكر‭ ‬الفرنسيّ‭ ‬بول‭ ‬ريكور‭ ‬في‭ ‬تنظيره‭ ‬للذاكرة‭ ‬البشرية‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬‮«‬الذاكرة،‭ ‬التاريخ،‭ ‬النسيان‮»‬‭ ‬لم‭ ‬يتعرض‭ ‬لذاكرة‭ ‬الأوبئة‭ ‬واكتفى‭ ‬فقط‭ ‬بذاكرة‭ ‬الألم‭ ‬المتولِّدة‭ ‬من‭ ‬الإساءة‭ ‬ثم‭ ‬آليات‭ ‬الغفران‭ ‬الصعب‭. ‬

‭ ‬لقد‭ ‬قدَّم‭ ‬المؤرخ‭ ‬شلدون‭ ‬واتسSheldon‭ ‬Watts‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬الأوبئة‭ ‬والتاريخ‭... ‬المرض‭ ‬والقوة‭ ‬والإمبرياليةEpidemics‭ ‬and‭ ‬History‭ ‬Disease‭) ‬Power‭ ‬and‭ ‬Imperialism‭) ‬مقاربة‭ ‬ثقافية‭ ‬على‭ ‬درجة‭ ‬بالغة‭ ‬من‭ ‬الأهمية‭ ‬عندما‭ ‬ربط‭ ‬بين‭ ‬الأوبئة‭ ‬والأمراض‭ ‬وتواريخ‭ ‬الإمبريالية‭ ‬في‭ ‬العالم‭. ‬ورغم‭ ‬اندراج‭ ‬مقاربة‭ ‬شلدون‭ ‬واتس‭ ‬في‭ ‬علم‭ ‬تاريخ‭ ‬الأمراض‭ ‬والأوبئة‭ ‬إلا‭ ‬أنَّ‭ ‬هذه‭ ‬المقاربة‭ ‬بالذات‭ ‬سلَّطت‭ ‬الضوء‭ ‬على‭ ‬أمر‭ ‬في‭ ‬غاية‭ ‬الأهمية‭ ‬هو‭ ‬أنَّ‭ ‬مؤرخي‭ ‬الطب‭ ‬الحديث‭ ‬يرون‭ ‬أنَّ‭ ‬الطب‭ ‬نفسه‭ ‬كان‭ ‬وسيلة‭ ‬رئيسية‭ ‬لنقل‭ ‬الأفكار‭ ‬الإمبريالية‭ ‬وتطبيقاتها‭. ‬

 

أستاذة‭ ‬السرديات‭ ‬والنقد‭ ‬الأدبيّ‭ ‬الحديث‭ ‬المشارك،

كلية‭ ‬الآداب،‭ ‬جامعة‭ ‬البحرين‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا